نحو نمو أكثر استدامة لدول مجلس التعاون الخليجي

كَنزي سيرِج

 

تأثرت دول مجلس التعاون الخليجي، تمامًا كما هو الحال في اقتصادات العالم، بأزمة فيروس كورونا وتداعياته الصحية والاقتصادية. ولكن أثرت الجائحة على هذه الاقتصادات بشكل خاص بسبب الخسائر الضخمة التي تكبدها قطاع النفط واعتمادية هذه الدول على هذا القطاع. وفي محاولة للحد من حساسية اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للتقلبات في قطاع النفط، فإنها تسعى لتنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على هذا القطاع ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي.

أولًا: نظرة عامة على الوضع الاقتصادي

وفقًا لتقرير بعنوان “آخر المستجدات الاقتصادية لمنطقة مجلس التعاون الخليجي – اغتنام الفرصة لتحقيق تعافٍ مستدامٍ” المقدم من البنك الدولي في ديسمبر 2021، يقارن الشكل رقم 1 معدلات نمو منطقة مجلس التعاون الخليجي بمناطق واقتصادات محددة عالميًا.

شكل 1: معدلات النمو للفترة من 2019 إلى 2021

المصدر: البنك الدولي، ديسمبر 2021.

بناءً على الشكل رقم 1، كانت دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر الاقتصادات تأثرًا بالجائحة في عام 2020، حيث انكمش اقتصادها بنسبة 4.9% في 2020 من نمو بنسبة 1.1% في 2019، وهي نفس نسبة الانكماش التي تكبدتها دول مجموعة السبع. في حين كانت دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثرًا بالجائحة، حيث انكمش اقتصادها بنسبة 5.9% في عام 2020، بينما كانت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأقل تأثرًا حيث انكمش اقتصادها بنسبة 2.1%.

وقدر البنك الدولي معدل النمو لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة بنحو 2.6% في 2021. ومن ناحية، فإن هذا النمو يأتي بشكل كبير بسبب تحسن وضع قطاع النفط، أو القطاعات الهيدروكربونية وغير الهيدروكربونية. ومن ناحية أخرى، فإن هذه النسبة تعد منخفضة مقارنة بمناطق أخرى عالميًا، وهو ما يُعد بسبب تخفيضات الإنتاج النفطي التي فرضتها منظمة الأوبك ومنتجو النفط خارجها. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يبلغ معدل النمو للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية 6.4% وهي أعلى نسبة متوقعة بين المناطق. وتليها نسبة النمو المتوقعة لدول مجموعة السبع البالغة 5.3% ومنطقة اليورو البالغة 5.1%.

شكل 2: التغير في إنتاج النفط بين الربع الثالث من عام 2020 و2021 (بالألف برميل يوميًا)

المصدر: البنك الدولي، ديسمبر 2021.

وبناء على الشكل رقم 2، فإن إنتاج النفط ارتفع بين الربع الثالث من عام 2020 وعام 2021 في دول مجلس التعاون الخليجي. وحققت السعودية أكبر ارتفاع في الإنتاج، حيث ارتفع إنتاجها من 8.763 آلاف برميل يوميًا في الربع الثالث من 2020 إلى 9.544 آلاف برميل يوميًا في الربع الثالث من 2021.

شكل 3: الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي (% من الناتج المحلي الإجمالي)

المصدر: البنك الدولي، ديسمبر 2021.

وبخصوص الحساب الجاري (وهو سجل للمعاملات الدولية مع بقية العالم ويتم حسابه عن طريق جمع صافي الصادرات/ الواردات مع صافي الدخل وصافي التحويلات الجارية) لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد انخفضت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 تأثرًا بالجائحة ليصل إلى 0.9% من 6.5% في 2019 وقبل وجود وانتشار فيروس كورونا. ويشير هذا الانخفاض الضخم إلى الصدمة التي تعرضت لها دول مجلس التعاون الخليجي. في حين أن من المتوقع تعافي الحساب الجاري في عام 2021 لتصل نسبة الحساب الجاري من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6%. كما تشير تنبؤات البنك الدولي إلى تسجيل فائض الحساب الجاري 6.4% في عام 2022 و5.6% في عام 2023.

شكل 4: المالية العامة (% من الناتج المحلي الإجمالي)

المصدر: البنك الدولي، ديسمبر 2021.

أما بالنسبة إلى المالية العامة لدول منطقة مجلس التعاون الخليجي (ويتم تعريف الرصيد المالي على أنه الفرق بين الإيرادات الحكومية العامة والنفقات، وهو ما يوضح حجم الإنفاق الحكومي في سنة معينة الذي يتم تمويله من الإيرادات المحصلة) فقد ارتفع العجز إلى 11.4% نسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 من 3.4% في عام 2019. الأمر الذي يشير إلى الانخفاض الضخم في الإيرادات الحكومية لدول مجلس التعاون الخليجي، في حين ارتفع الإنفاق الحكومي للدول في محاولة منها لبقاء عجلة الإنتاج دائرة والحد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.

وتُشير التوقعات إلى تحسن جذري في عام 2021، حيث من المتوقع انخفاض العجز إلى 4.9% نسبة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تشير التنبؤات إلى انخفاضه بشكل أكبر ليصل إلى 1.9% في 2022 وإلى 1.1% في 2023.

ثانيًا: نمو اقتصاد أكثر تنوعًا 

ألقت الجائحة الضوء على اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على القطاع النفطي وحساسية اقتصادها له. وبشكل عام، على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى لتقليل اعتماديتها على القطاع النفطي، إلا أن الجهود المبذولة تبقى أقل من المطلوبة.

شكل 5: الناتج المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني (2000 – 2019)

المصدر: البنك الدولي، ديسمبر 2021.

وبناء على الشكل رقم 5، فإن نسبة الناتج المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني في الفترة بين عام 2000 و2019 ارتفعت في دول مثل السعودية (من 40% في 2000 إلى 69% في 2019)، وقطر (43% في 2000 إلى 64% في 2019)، وعمان (من 33% في 2000 إلى 66% في 2019)، والبحرين (من 44% في 2000 إلى 86% في 2019). بينما انخفضت نسبة الناتج المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني في دول مثل الإمارات (من 69% في 2000 إلى 66% في 2019)، والكويت (من 50% في 2000 إلى 46% في 2019)، الأمر الذي يشير إلى ضرورة تبني هذه الدول سياسات تحفيزية للقطاع الخاص.

ثالثًا: التوقعات الاقتصادية

توقع البنك الدولي في البداية مع تراجع أعداد الإصابات بفيروس كورونا وزيادة عدد الأفراد الحاصلين على التطعيم ضد فيروس كورونا ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل (2022) وتعافي المنطقة في الأمد المتوسط. وجاءت هذه التوقعات مدعومة بالتوقعات الإيجابية للقطاع النفطي، حيث من المفترض انقضاء تخفيضات الإنتاج النفطي التي فرضها منتجو النفط وارتفاع أسعار النفط. ومع تحسن وضع سوق النفط، فمن المتوقع تحسن ثقة المستثمرين، وبالتالي زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية. كما أن من المتوقع تحسن وضع الميزان التجاري للدول وميزان المدفوعات وتخفيف الضغوط على المالية العامة مع تحسن وضع القطاع النفطي. كذلك يؤثر سوق النفط بشكل أساسي في الطلب على العمالة وخصوصًا العمالة الخارجية، وبالتالي فمن المتوقع زيادة الطلب على العمالة العام المقبل وارتفاع الإنتاج. ولكن الزيادة في أعداد الإصابات الحالية بفيروس كورونا قد تزيد من مخاطر تباطؤ التعافي العالمي، وبالتالي تباطؤ تعافي القطاع النفطي. ولكن المؤكد أن الارتفاع في أسعار الطاقة الحالي سيساهم في تحسن وضع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18341/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M