مايكل نايتس
بينما يقوم المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران بشن ضربات بعيدة المدى تقربهم من الوصول إلى إسرائيل وربما مناطق مختلفة من مصر والأردن، من الضروري أن تبدأ الولايات المتحدة في النظر إليهم على أنهم يشكلون تحد يتجاوز الحرب الأهلية في اليمن.
في 25 آذار/مارس، شنت ميليشيا الحوثيين اليمنية هجوماً على السعودية بثماني عشرة طائرة مسيرة وثمانية صواريخ باليستية، من بين أسلحة أخرى، فضربت أهدافاً للطاقة تقع على مسافات بعيدة وصلت إلى المنطقة الشرقية الغنية بالنفط (حوالي 900 ميل من نقاط الإطلاق) وساحل البحر الأحمر (ما يصل إلى 650 ميلاً). وحيث أصبحت الهجمات المماثلة حدثاً أسبوعياً، يدل ذلك على وجود قطاع متطوّر لتجميع الصواريخ/الطائرات بدون طيار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن وينذر بزيادات أخرى في مدى الصواريخ بما يتيح للمتمردين المدعومين من إيران الوصول إلى أهداف جديدة إذا أرادوا ذلك – ربما في إسرائيل نظراً لعدائهم المعروف تجاه هذه البلاد، أو حتى في مصر والأردن، كجزء من جهود أكبر لإرساء وجود لهم في البحر الأحمر (على سبيل المثال، إعاقة الشحن الدولي، واستهداف البنية التحتية لقناة السويس). ووفقاً لذلك، سيحتاج الدبلوماسيون والمخططون العسكريون الأمريكيون إلى التعامل مع هذا التهديد المركب في حساباتهم المستقبلية فيما يتخطى الحرب الحالية في اليمن.
تطوّر الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يملكها الحوثيون
بعد مرور ست سنوات على الصراع الحالي، أصبح مستوى تطوّر الطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف قصيرة المدى التابعة للحوثيين موثقاً بشكل جيد في العديد من التقارير الصادرة عن فريق خبراء الأمم المتحدة، والحكومة الأمريكية، ومراكز الاستشارات الفنية المتخصصة، ومصادر أخرى. وتطوّرت المجموعة الكاملة من المنظومات الضاربة الطويلة والقصيرة المدى التابعة للحوثيين على ثلاث مراحل، وهي:
المنظومات الأولية: جاء إمداد الحوثيين المبكر بالصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي المحوّلة من مصدرين: الأول هو التحالف الذي تم تشكيله مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والثاني هو المستودعات العسكرية التي تمت مداهمتها أو الاستيلاء عليها. وفي عام 2015، شنت السعودية حملة جوية على مخازن الأسلحة المعروفة وقضت على بعض الصواريخ بعيدة المدى من ترسانة الحوثيين، واستخُدم ما تبقى من هذه الترسانة الأولية بحلول عام 2017، بمساعدة استشارات ثانوية من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. وتم إطلاق ما لا يقل عن ستة صواريخ “أو تي آر-21 توشكا” و18 صاروخاً مدفعياً من طراز “فروغ-7” (أطلق عليها الحوثيون إسم “زلزال”) على أهداف قريبة المدى في اليمن ومنطقتي جازان ونجران الحدوديتين في السعودية، بينما تم استهداف المملكة بأربعة صواريخ صامدة من فترة ما قبل الحرب من طراز “آر-17 سكود- بي” أو “هواسونغ-6” (“سكود سي” الكورية الشمالية) والتي تصل نطاقاتها مسافة 500 ميل. وكانت أهم الصواريخ بعيدة المدى التي اعتمد عليها الحوثيون في هذه الفترة هي “قاهر -1″، وهو صاروخ أرض-جو يمني محوّل من طراز “أس-75/أس آي-2” وقادر على ضرب أهداف أرضية على بعد حوالي 190 ميلاً، وإن كان ذلك بحمولة صغيرة وبدقة ضعيفة للغاية.
تطوير منظومات جديدة: كان تحويل صاروخ “قاهر -1” الدلالة القوية الأولى على دور إيران الإرشادي في توجيه القوات الصاروخية للحوثيين، مما يعكس أعمال طهران نفسها لتحويل صواريخ “أس-75/أس آي-2” السوفياتية إلى صواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز “تندر -69”. وبين العامين 2017 و2018، لعب المستشارون من «الحرس الثوري الإسلامي» دوراً أساسياً في تطوير العديد من المنصات الجديدة المتقدمة بما يتجاوز قدرات الفنيين اليمنيين:
• طائرة “قاصف 2 كي”، وهي نسخة مطابقة عن الطائرة التفجيرية الإيرانية بدون طيار “أبابيل تي” (أو الذخيرة المتسكعة)، المعدة للاستخدام ضد أهداف داخل اليمن وعلى مسافة تصل إلى 120 ميلاً قبالة ساحل البحر الأحمر.
• صاروخ هجومي دقيق هو نسخة عن الصاروخ المدفعي “بدر” الذي يعمل بالوقود الصلب، ويمكن تجميعه بالكامل تقريباً داخل اليمن وإطلاقه على المحافظات الحدودية السعودية على مسافات تصل إلى حوالي 100 ميل.
• سلسلة الذخائر المتسكعة “صماد” التي ظهرت في عام 2018 وتستطيع شن ضربات رمزية على أهداف سعودية بعيدة مثل الشيبة (750 ميلاً) ورأس تنورة (900 ميلاً)، وكذلك مطار أبو ظبي الدولي في الإمارات العربية المتحدة (850 ميلاً).
• الصاروخ الباليستي متوسط المدى “بركان 2 إتش” الذي يعمل بالوقود السائل والمكوّن من أجزاء من صاروخ “سكود” وأجزاء من صاروخ “قيام” الإيراني بهدف صريح هو الوصول إلى الرياض وينبع (650 ميلاً). في شباط/فبراير 2021، ضربت نسخة طويلة المدى (“بركان 3” أو “ذو الفقار”) رأس تنورة على مسافة 900 ميل.
نضوج القدرات وزيادة الضربات: بالنظر إلى عدد الهجمات التي شُنّت في السنوات الأخيرة باستخدام جميع هذه المنظومات، من الواضح أن إيران والحوثيين طوّروا صناعة عسكرية صغيرة بل فعالة في صنعاء وصعدة. ووفقاً لما وثّقه فريق خبراء الأمم المتحدة، يدمج هذا القطاع المواد المستوردة من إيران (على سبيل المثال، محركات الطائرات بدون طيار وأنظمة التوجيه ومكونات الوقود السائل/الصلب) مع المواد العسكرية المتوفرة محلياً والمواد الصناعية المستوردة (مثل الألياف الزجاجية). ومن خلال هذه الأساليب، يمكن للحوثيين تحمّل حملة مطوّلة من هجمات القذائف والطائرات بدون طيار والصواريخ. ووفقاً لإحصاء الهجمات المعلنة لـ “معهد واشنطن”، يتسارع معدل عمليات الإطلاق بشكل كبير – ففي شهر آذار/مارس وحده، تم إطلاق 70 أنظمة أسلحة رئيسية على السعودية (24 “صماد -3″، 25 “قاصف -2 كي”، 17 من نوع “بدر”، 3 “بركان -3″، وصاروخ كروز واحد من طراز “القدس-2”)، مقارنة بـ 25 أنظمة في شباط/فبراير و 3 في كانون الثاني/يناير.
المراحل التالية في العمليات الهجومية للحوثيين
في 12 آذار/مارس أو قبله بقليل، استعرض الحوثيون عدداً من المنظومات والمتغيرات الجديدة في معرض للأسلحة في صنعاء. وتشير هذه المكاشفات وغيرها إلى أن الخطوات التالية فيما يتعلق بقدرات الضرب الحوثية ستشمل على الأرجح ما يلي:
• تعزيز دقة الصواريخ المدفعية: تطورت الصواريخ المدفعية للحوثيين من طراز “بدر -1” (غير موجه)، إلى “بدر -1 ب” و”بدر- ف” (موجهان بخطأ دائري مزعوم يحتمل أن يكون 3 أمتار)، ومنها إلى نسخ جديدة تسمى “سعير” و”قاصم” و”نكال” (ادعى الحوثيون باستخدام “سعير” في الضربات في 25 آذار/مارس). وإذا تمكنت أحدث الأنظمة من الجمع بين الدقة والمدى الموسع قليلاً، فقد تؤدي إلى تعطيل القاعدة الجوية السعودية في خميس مشيط، وهي العمود الفقري للدفاع عن مأرب.
• استخدام الطائرات القتالية بدون طيار من طراز “صماد -4”: باستطاعة النسخة المعروضة في المعرض من الطائرة بدون طيار المسقطة للقنابل من طراز “صماد” السماح للحوثيين باستخدام طائرة مسيرة واحدة لشن هجمات متكررة ضد مجموعة واسعة من الأهداف في البحر الأحمر، بما فيها السفن وأنظمة الدفاع الجوي.
• استخدام طائرات مسيرة هجومية من طراز “دلتا وينغ” وصواريخ جوالة من طراز “قدس-2”: استُعرض في معرض آذار/مارس أيضاً نوعٌ من الذخائر المتسكعة يحمل الاسم الحوثي “وعيد”، وكانت قد استخدمتها إيران لضرب خطوط الأنابيب السعودية ومنشأة بقيق النفطية في أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2019 على التوالي. وتم شن تلك الهجمات من العراق على مدى يصل إلى 600 ميل؛ إن تواجد سلاح بهذه القوة في أيدي الحوثيين من شأنه أن يحسن قدراتهم الهجومية ضد أهداف ساحلية على البحر الأحمر وربما مناطق في الرياض. كما تم تسليط الضوء على الصاروخ الجوال “قدس -2″، وهو الاسم الحوثي للصاروخ الإيراني “يا علي” الذي يبلغ مداه 430 ميلاً، ومن المرجح أن يظهر في اليمن بأعداد أكبر قريباً، مما يهدد بصورة أكثر أهداف على البحر الأحمر.
• التطوير المحتمل لـ “بركان 4”: ازداد المدى الصاروخي من “بركان – 2 إتش” (650 ميلاً) إلى “بركان -3” (900 ميلاً) بنسبة مقلقة بلغت 38 في المائة. ولا تبعد مدينة إيلات الواقعة عند الطرف الجنوبي من إسرائيل أكثر من 1100 ميلاً عن بعض منصات الإطلاق التابعة للحوثيين، بينما تقع بقية الأراضي الإسرائيلية (إلى جانب مناطق مختلفة من مصر والأردن) على بُعد 1250 ميلاً. بعبارة أخرى، مع زيادة إضافية في مدى الصواريخ الحوثية بنسبة 20٪ فقط، ستكون هذه الصواريخ (أو طائرات صماد بدون طيار) قادرة على ضرب إسرائيل – وهو ما قد يفسر سبب إعادة الانتشار لبعض الدفاعات الصاروخية في تلك البلاد لمواجهة اليمن.
التداعيات السياسية فيما يتخطى حرب اليمن
إذا اجتاح الحوثيون مأرب، مركز الطاقة في اليمن، فسوف ينتصرون فعلياً في الحرب التي بدأوها عام 2014 عندما اجتاحوا صنعاء. وحتى بدون مأرب، يسيطر الحوثيون حالياً على العاصمة، وميناءين رئيسيين على البحر الأحمر، وعلى معظم السكان، الذين يمكنهم استخدامهم كوقود للمدافع في ساحة المعركة ودروع بشرية بعيداً عنها. وبالتالي، فإن النصر أو التعادل من شأنه أن يسمح للحوثيين بالاستقرار في البحر الأحمر وكأنهم نسخة جنوبية جديدة عن «حزب الله» – مما يعكس مكانة «حزب الله» اللبناني على البحر الأبيض المتوسط – بامتلاكهم ترسانة متزايدة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار قادرة على تهديد قناة السويس ومضيق باب المندب ودول الخليج ودول البحر الأحمر وربما حتى إسرائيل. ولمواجهة هذا التهديد خلال الفترة المتبقية من الحرب وما بعدها، يجب على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوات التالية:
• منع المزيد من التوسع الحوثي: إن سيطرة الحوثيين على مأرب لا تخدم المصالح الأمريكية، لأنهم قد يستخدمونها منصةً لإطلاق المزيد من حملات التوسع جنوباً وشرقاً. لذا يجب على واشنطن الاستفادة من مجموعة كاملة من الأدوات لتفادي هذه الحصيلة، على غرار: إدراج مختلف قادة «أنصار الله» (الاسم الرسمي لحركة الحوثيين) على القائمة المنصوص عليها في الأمر التنفيذي رقم 13611، وهي الصلاحية المستخدمة لحجب ممتلكات الأفراد الذين يهددون “السلام، أو الأمن، أو الاستقرار في اليمن”؛ وإضعاف القادة الحوثيين عبر الكشف عن المعلومات الاستخبارية المتعلقة بفسادهم أو بعلاقاتهم مع إيران؛ واستعراض القوة الأمريكية بصورة غير قاتلة دعماً لجهود الدفاع عن مأرب، مثل [تنظيم] عمليات بث المعلومات وإعادة إمداد المدافعين عن طريق الإنزال الجوي.
• تضييق الخناق على القوات الضاربة الحوثية: يجب على الولايات المتحدة وشركائها تكثيف جهودهم للكشف عن تفاصيل شبكات شراء الصواريخ والطائرات بدون طيار والتصدي لها بواسطة العمليات الحركية والسيبرانية والمالية وعمليات مكافحة التهريب. وفي هذا الإطار، يُعتبر جنوب شرق اليمن وسلطنة عُمان الموقعان الرئيسيان للاستيراد، ولذا يجب أن يخضعا لأكبر قدر من التدقيق. وبشكل منفصل، يجب أن يكون أي اتفاق سلام دولي وأي تخفيف للعقوبات مشروطاً بقيام الحوثيين بإخراج الفنيين الإيرانيين من مناطقهم في اليمن وعودتهم إلى الامتثال لنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ – مما يعني التخلي عن جميع صواريخهم.
• إنشاء شبكات مشتركة للإنذار المبكر في البحر الأحمر: نظراً للتهديد المتنامي الذي يمثله “«حزب الله» الجنوبي” الناشئ على كل من السعودية ومصر وإسرائيل والأردن، يجب على واشنطن أن تعقد بشكل سري اجتماعاً مغلقاً لهذا الرباعي الأمني للبحر الأحمر وأن تضع خططاً متوسطة المدى للتعاون الدفاعي المواجه للجنوب.
• التفكير فيما لا يمكن تصوّره: على الرغم من أن الحرب لدحر الانقلاب الحوثي أصبحت بمثابة نقطة لجذب الانتقادات السياسية في الولايات المتحدة، يجب على واشنطن إجراء مراجعة محايدة لسياستها تجاه الحوثيين، وتقييم نواياهم المستقبلية ليس تجاه العناصر الأمريكيين والمنشآت الأمريكية في المنطقة فحسب، بل أيضاً تجاه إسرائيل والشحن الدولي والسعودية وإيران و«حزب الله». وإذا خلصت مثل هذه المراجعة إلى أن الحوثيين سيكونون على الأرجح خصماً للولايات المتحدة في المستقبل بغض النظر عن كيفية انتهاء الصراع في اليمن، فيجب على المسؤولين البدء بالتفكير في استراتيجية احتواء الآن وليس لاحقاً. وبالنظر إلى تعاظم ترسانة الحوثيين البعيدة المدى والتزامهم بشعارهم الرسمي “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، يبدو مثل هذا التخطيط للطوارئ حكيماً بالفعل.
مايكل نايتس هو “زميل برنشتاين” في معهد واشنطن، وقد زار اليمن ودول التحالف الخليجية عدة مرات لمراقبة العمليات العسكرية خلال الحرب. هنري ميهم هو مساعد أبحاث في المعهد وقد وفر تحليلات البيانات لهذا المرصد السياسي.