لم يتوانَ تنظيم داعش عن السيطرة على جزء جديد في أفريقيا ألا وهو منطقة الصومال، لما تتميز به من التحكم في واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم، بالإضافة إلى كون المنطقة حلقة وصل ما بين قارتي آسيا وأفريقيا. وبالرغم من تصنيف الولايات المتحدة شبكة مهربي الأسلحة التابعة لتنظيم داعش في الصومال وشركائهم والشركات التابعة لتسهيل نقل الأسلحة بوصفها جماعة إرهابية؛ إلا أن هذا التنظيم ما زال يمتد ويتوسع. تعمل شبكة داعش في الصومال بشكل أساسي بين اليمن والصومال ولها علاقات مع مجموعات إرهابية أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة شباب المجاهدين. ويشارك العديد من الأفراد المعنيين أيضًا في أنشطة غير قانونية أخرى، بما في ذلك القرصنة والجرائم البيئية، مما يدل على اندماجهم مع الشبكات غير المشروعة العاملة في المنطقة.
نشأة داعش الصومال
الدولة الإسلامية في الصومال أو أبناء الخليفة هي جماعة تابعة لتنظيم داعش، وتعمل بشكل أساسي في المناطق الجبلية في بونتلاند، على الرغم من أنها أعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات إرهابية في جميع أنحاء الصومال. بدأت الجماعة بانشقاق عبد القادر مؤمن عام 2014 عن حركة الشباب. في نفس التوقيت دعا تنظيم داعش حملة الشباب بالانضمام إليهم، وهو ما “رفض بغضب” من قبل القيادة المركزية لحركة الشباب. لكن مؤمن وجد أيديولوجية داعش جذابة ورأى في هذا التنظيم الجهادي الجديد وسيلة لتحدي قيادة الشباب. ولذلك، لم تتسامح حركة الشباب الصومالية مع هذا الانشقاق، حيث أصدرت بيانات تدين المعارضين، وأمرت جهاز الأمن الداخلي التابع لها باعتقال أو قتل العناصر الموالية لداعش مثل فصيل حسين عبدي جدي في جوبا الوسطى.
ومع ذلك، فإن مؤمن، الذي كان غير راضٍ منذ فترة طويلة عن وضعه، تعهد بالولاية لأبي بكر البغدادي في أكتوبر 2015. تسبب هذا في انقسام عنيف داخل حركة الشباب في بونتلاند، حيث انضم 20 فقط من 300 مقاتل محلي إلى مؤمن. وتمكن داعش الصومال من السيطرة على منطقة صغيرة قليلة السكان في المناطق النائية الجبلية في شمال الصومال، على الرغم من عدم الاعتراف بها كولاية رسمية من قبل القيادة المركزية لـتظيم الدولة حتى ديسمبر 2017. منذ ذلك الحين أطلق عليها الإعلام الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية ولاية الصومال. في السنوات الأخيرة، ورد أن تنظيم داعش وسع أنشطته إلى عدة دول أفريقية، بما في ذلك موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك، فإن تنظيم داعش الصومال هي مجموعة صغيرة نسبيًا في الصومال، ويسيطر على العديد من المناطق الجنوبية.
خطورة داعش الصومال
صنفت وزارة الخارجية تنظيم داعش في الصومال تنظيمًا إرهابيًا في 27 فبراير 2018 بينما سبقها تصنيف عبد القادر مؤمن زعيم داعش في الصومال في 11 أغسطس 2016، كإرهابيين عالميين مُصنفين بشكل خاص وفقًا للأمر التنفيذي 13224. تنظيم داعش في الصومال الذي يواصل شن هجمات إرهابية ضد المدنيين، يحصل على الكثير من تمويله من خلال ابتزاز المجتمعات المحلية للتمويل والتجنيد. وتقوم الجماعة بمعاقبة وترهيب واغتيال رجال الأعمال والمدنيين الصوماليين الذين لا يدعمونها ماليًا ولا يوفرون الإمدادات.
فعلى سبيل المثال، قامت بهجوم بالقنابل اليدوية على شركة تجارية وقتل موظفين في شركة اتصالات رفضت في البداية الدفع. ويتمركز الفصيل بشكل كبير في جبال جوليس وباري ومنطقة جبال جلجلة في شمال الصومال. من المعروف أنه يدير معسكر تدريب واحد على الأقل في تلك المنطقة. سميت المنشأة على اسم بشير أبو نعمان، أحد قادة الشباب الذين انشقوا وانضموا إلى تنظيم داعش لكن قتلتهم قوة الأمن الداخلي التابعة لحركة الشباب.
نفذت مجموعة مؤمن عدة عمليات في بوساسو، عاصمة منطقة باري الصومالية. وتشمل الهجمات أول تفجير انتحاري أعلن عنه في مايو 2017 وهجوم على فندق. في أواخر 2016، واستيلاء قوات مؤمن على ميناء قندالا وعلى المدينة لمدة شهرين قبل أن تطردها قوات الأمن في بونتلاند والميليشيات العشائرية أخيرًا من المدينة. وتوجد خلايا أصغر موالية لتنظيم داعش في وسط وجنوب الصومال. على سبيل المثال، أعلنوا مسؤوليتهم عن شن هجمات في مقديشو وأفجوي. كما أنها تقوم بنقل الأسلحة ما بين اليمن وشرق وسط أفريقيا؛ بالإضافة إلى دعوتها لاستهداف شخصيات عامة غربية؛ لذلك كان القبض عليها أو قتلها “أولوية قصوى”.
من هنا، بناء على أوامر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، شن الجيش الأمريكي ضربة دقيقة على مجمع كهوف جبلي في شمال الصومال. أسفرت العملية عن مقتل ناشط رئيسي في تنظيم داعش بلال السوداني و10 من عناصر التنظيم. وفقًا لمسؤول رفيع في الإدارة، استعدت الولايات المتحدة لاحتمال القبض على السوداني، لكن الرد العدائي من قبل قوات داعش أدى إلى مقتله في 25 يناير 2023.
مثّل السوداني أهمية خاصة؛ كونه قدم التمويل لدعم القدرات العملياتية لعناصر داعش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك فرعها الأساسي في أفغانستان. لذا أشرف على العملية القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) لدعم الجيش الوطني الصومالي. في الأسبوع الماضي، تم تنفيذ ما لا يقل عن ثلاث غارات جوية، جميعها في مناطق نائية حيث كانت القوات الصومالية تنفذ عملياتها. وقالت أفريكوم إنها تقدم التدريب والإرشاد والتجهيز للقوات الصومالية لهزيمة حركة الشباب.
هل تتصاعد هجمات داعش في الصومال؟
قبل الانضمام إلى داعش، يُزعم أن السوداني قام بعمل عملياتي، وساعد في تدريب المقاتلين. ومع ذلك، فقد انفصل عن الجماعة الشباب وانضم لداعش الصومال في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ وهو ما يفسر قيام تنظيم داعش في الصومال وهو أحد الفروع الأصغر للتنظيم؛ بالإعلان عن شن 32 هجومًا في عام 2022 وحده معظمها في العاصمة مقديشو. وفي الأسبوع الماضي فقط، نشر تنظيم داعش مقطعًا دعائيًا نادرًا من فرعه في الصومال، أظهر لقطات قتالية للاشتباكات مع القوات الصومالية في منطقة جبلية في منطقة باري الشمالية الشرقية.
وصرح مسؤول أمريكي، بأن السوداني متهم بلعب “دور مالي بمهارات متخصصة جعلته هدفًا مهمًا لخطة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب”حيث قام بنقل الأموال إلى أفغانستان عبر اليمن، من خلال تحويلها عبر خلية في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية بأسماء بعض أفراد قبيلة علي صليبان التي ينتمي إليها أغلب قادة تنظيم الدولة ولاية الصومال”. بل أن السوداني بنشاطه المالي أحد أهم أسباب إحياء ميليشيات تحالف القوى الديمقراطية في الكونغو؛ من هنا أصبح السوداني “شخصية مهمة في محاولة فصيل تنظيم داعش لبناء شبكة عابرة للحدود تمتد عبر وسط إفريقيا وشرق إفريقيا والآن لها روابط وصولًا إلى موزمبيق”. ويقال إن عملية استهداف السوداني استغرقت شهورًا للتخطيط لها. وقد رحب الصومال بمقتل السوداني وقال المستشار الأمني للحكومة الصومالية حسين شيخ علي “إنه أمر إيجابي ومرحب للغاية” وأن “الرسالة هي أن قادة كل الجماعات الإرهابية في الصومال ليسوا بأمان”.
مستقبل المنطقة
في ظل الإعلان عام 2020 عن وجود النفط من قبل شركة المسح الزلزالي النرويجية TG؛ وأن الحوض الصومالي ككل من المحتمل أن يحتوي احتياطيات بحرية تبلغ حوالي 30 مليار برميل نفط، مع احتياطيات إضافية على الشاطئ. تشمل التقييمات عمومًا أرض الصومال القريبة من بونتلاند مقر قوات تنظيم داعش الصومال. مما يمنح المنطقة المرتبة 18 أو 19 أكبر احتياطي على مستوى العالم؛ هذه الثروة ستكون في مرمى نيران القوات المتطرفة التابعة لداعش الصومال.
هذه المخاوف ربما كات الحافز الذي سرع من عملية بلال السوداني، فقد عملت القوات الحكومية سابقا بمساعدة القوات الأمريكية في منطقة بونتلاند الصومالية بالسيطرة على مدينة قندلة، المدينة الوحيدة في البلاد التي كان يسيطر عليها مقاتلون متحالفون مع تنظيم داعش. حيث شن هجوم بري وبحري في نفس الوقت، هذا بالتعاون مع ميليشيات عشائرية وشرطة وجنود حكوميين محليين. وتم محاصرة قندلة عام 2017؛ بعد رحلة برية استغرقت 11 يومًا على أرض وعرة وطرق ضيقة؛ بينما قامت القوات التي وصلت عن طريق البحر بالاستيلاء على مصنع الأسماك القديم والمقر التاريخي لمفوض المنطقة الذي بناه المستعمرون الإيطاليون، لكن الميليشات الداعشية تمكنت من العودة مرة أخرى.
فوجود الاستثمارات النفطية في منطقة تتنازعها القوات المتطرفة ولا تستطيع القوات الحكومية السيطرة عليها؛ سيعرض الإقليم كله للخطر، حيث ستتكرر أزمة دلتا النيجر التي عانت لمدة أكثر من عقدين من الزمن من نفس المشكلة. ففي ظل وجود النفط وانتشار السلاح وخلو المنطقة من القوة الحكومية وغياب القانون ونفاذه؛ سيشجع الجميع على حمل السلاح، والسطو على مخازن النفط والدخول في سوق النفط السوداء “النفط المسروق”، الأمر الذي سيوفر عوائد مالية كبيرة لتلك الميليشيات.
أيضًا قد تطالب أرض الصومال بالانفصال في محاولة للاستئثار بالعوائد النفطية؛ وللهروب من جحيم التطرف الداعشي. مما سيترتب عليه صراع وحرب أهلية ما بين القوات الحكومية الصومالية وقوات أرض الصومال. الأمر الذي سيصب في مصلحة قوات تنظيم داعش الصومال، بسبب تشتت الجهود الحكومية وانشغالها بالحرب ضد الانفصاليين. وبالتالي فمستقبل المنطقة يرتكز على حافة الهاوية ما لم يتم القضاء على ميليشيات الدولة الاسلامية أولًا.
.
رابط المصدر: