مقدمة:
تمثل الفترة من 1990 إلى 2025 مرحلة حاسمة في تاريخ السنغال، حيث بدأت بتحول ديمقراطي تمثل في إقرار دستور جديد عام 1991 انتقلت به الحياة السياسية من نظام التعددية الحزبية الشكلية او غير التنافسية إلى تعددية حزبية حقيقية، مما فتح الباب أمام مشاركة أوسع في الحياة السياسية وعززت مؤسساتها الديمقراطية، وواجهت في الوقت نفسه تحديات اقتصادية واجتماعية عالمية متعددة. وقد شهدت البلاد منذ ذلك الحين سلسلة من الانتخابات التنافسية، رغم ما واجهته من انتقادات تتعلق بنزاهتها أحيانًا. كما برزت شخصيات سياسية مؤثرة، مثل الرئيس عبد الله واد، الذي مثل أول تغيير سلمي للسلطة في عام 2000.ومع دخول الألفية الجديدة، واجهت السنغال تحديات جديدة، بما في ذلك قضايا الفساد والبطالة وعدم المساواة الاجتماعية، والتي أثرت على استقرارها السياسي. ومع ذلك، استمرت البلاد في تعزيز مسيرتها الديمقراطية، حيث شهدت انتخابات عام 2012 انتقالًا سلميًا آخر للسلطة مع انتخاب ماكي سال، الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في عام 2019. ومن خلال السطور القادمة سيعمل الباحث على تحليل التطورات السياسية التي شهدتها السنغال خلال هذه الفترة، مع التركيز على العوامل الداخلية والخارجية التي أثرت في مسارها الديمقراطي.
- الوضع السياسي
واجهت السنغال خلال الفترة من 2020م الى 2023م العديد من التحديات السياسية المتمثلة بداية في عدم التوافق الفكري السياسي بين الشعب والرئيس ماكي سال كنتيجة للتعديلات الدستورية 2012م والتي كانت في الفترة الاولى للرئيس السنغالي ماكي سال ونصت على انه لا يحق للرئيس ان يتولى اكثر من ولايتين وهو ما رفضه الرئيس في عام 2021م واعلن رغبته في الترشح لولاية ثالثه معتبرا ان هذه المادة لا تنطبق عليه باعتبار ان ولايته الاولى كانت قبل التعديلات الدستورية وهو ما نتج عنه ردة فعل عنيفة في الشارع السنغالي بشكل عام وحزب المعارضة بشكل خاص وخصوصا حزب باستيف وعلى الرغم من عمل السلطة السياسية في ذلك الوقت متمثلة في الرئيس ماكي سال على ابعاد منافسيه في الانتخابات مثل القبض على عثمان سونكو زعيم حزب باستيف ورفض ترشح كريم واد ابن الرئيس السابق عبد الله واد نتيجة حمله للجنسية الفرنسية ولم تكن تلك السياسات التقشفية التي اتبعها الرئيس السنغالي الجديد بالسياسات الجديدة بل كانت مجرد تكرار لنفس الاليات التي استخدمها رؤساء السنغال السابقين مثل اعتقال الرئيس السابق عبده ضيوف رئيس السنغال من 1980م حتى 2000م ل(عبد الله واد) ابرز منافسيه والذي تولى البلاد فيما بعد خلال الفترة من 2000م الى 2012م ولكن على الرغم من النزعة التسلطية الكبيرة التي اتبعها الرئيس السنغالي ساك الا انه لم يدم طويلا امام الإرادة الشعبية التي نتج عنها اقرار الانتخابات الرئاسية والتي تم القيام بها في شكل ديمقراطي تميز خلاله بالاستقرار والشفافية الفريدة في النظام السنغالي السياسي الذي انتقل بشكل سلمي للرئيس باسيريو دو ماي فاي كتعبير عن نتائج الانتخابات. ومع وصول الرئيس باسيريو دو ماي فاي للحكم ظهرت مشكله اخرى وهي التعايش مع حكومة متناقضة اتسمت الأغلبية فيها بالموالاة للنظام السابق مما أصبح عائق كبير امام الرئيس في تنفيذ برنامجه ووعوده الانتخابية لذلك لم يكن هناك حل او خيار سوى حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. وبصفه عامه يمكن القول ان الشارع السنغالي استطاع اجتياز ازمه كبيره عرفت مسبقا بتشتت العرض السياسي وتشتت الافكار وهو ما نلاحظه في الانتخابات الرئاسية الاخيرة والتي تقدم لها حوالي 17 مرشحا وفاز بها المرشح دو ماي فاي بنسبة 54% وجاء بعده في الاصوات الوزير السابق احمد باه بنسبة 34% مما يعني ان كلا المرشحين حصل على 88% مما يعني عدم تشتت الشارع السنغالي بعدد المرشحين. اما الانتخابات التشريعية الأخيرة فقد انتجت كتلتين برلمانيتين فقط هما (تحالف حزب الباستيف) و(تحالف الرئيس ماكي سال) على الرغم من ان عدد التشكيلات الحزبية التي تقدمت للعملية الانتخابية وصل الى حوالي 41 تنظيما حزبيا.
- الاحزاب في السنغال
على الرغم من علمانية النظام السياسي في السنغال حيث يعتمد على الديمقراطية وحرية التعبير كركائز اساسيه في الحياه الحزبية بالإضافة الى احتواء السنغال في الوقت الحالي على حوالي 300 حزب سياسي يتنافسون للوصول للسلطة ابرزهم ( حزب التحالف من اجل الجمهورية ، الحزب الديمقراطي السنغالي، الحزب الاشتراكي، حزب ريومي ، حزب الباستيف ) مما يعتبر ذلك مؤشر كبير على التنمية السياسية والديمقراطية باعتبار الاحزاب من مؤشرات التنمية السياسية الا ان الوضع لم يكن على تلك الوتيرة مسبقا حيث مع استقلال السنغال عن فرنسا في الرابع من ابريل 1960م واجهة الحياه السياسية السنغالية هيمنه من قبل حزب واحد هو الاتحاد التقدمي السنغالي الذي سمي فيما بعد عام 1976م بالحزب الاشتراكي والذي هيمن على السلطة طوال الفترة( من 1960م حتى 2000م) م والذي قاده الشاعر والمفكر السياسي الرئيس السابق ليوبولد سيدار حتى تنحى عنه في 1981 وورثه رئيس الوزراء السابق عبده ضيوف وعلى الرغم من زيادة المؤسسات الديمقراطية واقرار التعددية الحزبية بدءاً من عام 1970 الا ان الاحزاب الناشئة لم يكن لها دور تنافسي حقيقي وهو ما يتضح في هيمنه رئيس حزب الاشتراكي عبده ضيوف على انتخابات الرئاسة اعوام 1983، 1988، 1993، قبل ان يهزم في انتخابات 2000م امام طيار فكري ديمقراطي ذو نزعة ليبرالية وهو الحزب الديمقراطي بزعامة عبد الله واد وبذلك اعتبر ذلك اول تداول سلمي للسلطة في السنغال وعلى الرغم من عدم تمكن التيارات الحزبية من الوصول للحكم خلال عقدي الثمانينيات والتسعينات من القرن العشرين الا انها استطاعت الحصول على عدة مكاسب ابرزها تكوين جهاز مستقل للإشراف على الانتخابات ثم تحقيق التعددية الشاملة التي مهدت الطريق لظهور مئات الاحزاب السياسية في البلاد.
نظام الحكم في السنغال والعلاقة بين السلطات
تعتبر السنغال جمهوريه علمانية ديمقراطية يقوم النظام السياسي فيها على ركائز النظام الرئاسي وذلك منذ استقلالها عن فرنسا في 1960م، حيث يحق لاي مواطن سنغالي تعدى ال 35 عاماً ويحمل الجنسية السنغالية فقط ويتمتع بكامل حقوقه السياسية والمدنية ان يترشح لرئاسة الدولة بفترة حكم لا تتعدى ال 5 سنوات لكل دورة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وفيما يلي إحصائية توضح بعض مقاييس العملية الانتخابية خلال فترات انتخابية مختلفة:
8/2000 | 2/2007 | 2/2012 | 2/2019 | 3/2024 | |
عدد الأصوات | 1.696 مليون | 3.472 مليون | 2.735 مليون | 4.426 مليون | 4.519 مليون |
أصوات صحيحة | 1.672 مليون | 3.424 مليون | 2.706 مليون | 4.383 مليون | 4.485 مليون |
أصوات غير صحيحة | 24 ألف | 47 ألف | 28 ألف | – | – |
الناخبون المسجلون | 2.725 مليون | 4.917 مليون | 5.302 مليون | 6.683 مليون | 7.371 مليون |
نسبة المشاركة | 76.2% | 71% | 52% | 66% | 61% |
نسبة المعارضة | 31.01% | 14.90% | 26.58% | 20.51% | 35.79% |
الجدول من إعداد الباحث وفقاً لإحصائيات International Foundation for Electoral Systems
وتتوزع الاختصاصات بالدولة على ثلاث سلطات هي التنفيذية والتشريعية والقضائية ويتضح ذلك كما يلي:
السلطة التنفيذية: يتم توليها من قبل رئيس الجمهورية الذي يعتبر المحرك الاول للبلاد والمحور الاساسي لجميع مؤسسات الدولة وتتركز أبرز مهامه في رسم الخطة السياسية للبلاد واقرار القوانين الصادرة من البرلمان واقتراح قوانين على البرلمان واقالة رئيس الوزراء والموافقة على تعيين آخر دون حرية الاختيار وله حق حل البرلمان.
السلطة التشريعية: تتكون من الجمعية الوطنية التي تتكون من 156 مقعد لتمثيل البرلمان ويتمثل دورها الاساسي في النظر في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتفق عليها والمقترحة بالإضافة لفحص القوانين المقدمة من طرف السلطة التنفيذية كما لها حق اعتماد ميزانية الدولة.
السلطة القضائية: تتمثل السلطة القضائية في المجلس الدستوري والمحكمة العليا وتتسم بالاستقلالية عن باقي السلطتين التنفيذية والتشريعية وتختص بالنظر في النزاعات التي قد تحدث بين الافراد والمؤسسات او بين المؤسسات نفسها او الافراد أنفسهم.
- تمكين المرأة.
تلعب المرأة دور كبير في الدولة باعتبارها النصف الاخر للمجتمع. وفي السنغال حصلت المرأة على حق التصويت في عام 1945، وذلك بموجب مرسوم صادر عن الجمعية التأسيسية الفرنسية. وقد جاء هذا المرسوم نتيجة لنضال طويل للحركة النسوية السنغالية، التي كانت تطالب بالمساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية. وقد شاركت المرأة السنغالية لأول مرة في الانتخابات المحلية التي أجريت في عام 1946، ثم في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 1951. ومنذ ذلك الحين، لعبت المرأة السنغالية دورًا متزايدًا في الحياة السياسية للبلاد. وفي عام 1963، تم انتخاب أول امرأة سنغالية في الجمعية الوطنية، وهي كارولين ديوب. وفي عام 2001، تم تعيين أول امرأة سنغالية في منصب رئيس الوزراء، وهي مامي ماديور بوي. وتشغل المرأة السنغالية اليوم العديد من المناصب السياسية والقيادية في الحكومة والمجتمع المدني، حيث نلاحظ ان السنغال تعتبر الثالثة في افريقيا من حيث تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة 43.3% بعد رواندا وجنوب افريقيا، كما انها وصلت الى العديد من المناصب السيادية حيث تتمثل النساء في 14 منصب كسفيرة كما ان منصب وزيرة الخارجية الحالي تستحوذ عليه امرأة وهي السيدة (ياسين فال).
- معوقات التنمية السياسية
بصفة عامة وفي ضوء التغيرات السياسية التي شهدتها السنغال في الآونة الاخيرة تتبلور عدة مسائل تعتبر عراقيل امام التوجه نحو التنمية السياسية في النظام السنغالي أهمها:
- مشكلة الخبرة
فعند الرجوع للهيكل السياسي الجديد في السنغال نلاحظ ان اعمار معظم الكوادر السياسية لا تعد مؤشر ايجاب لعنصر الخبر وفقا للمؤشرات المبدئية حيث يتمثل معظمهم في الاربعينات والخمسينات ومثال على ذلك الرئيس السنغالي باسيرو دوماي فاي صاحب ال 44 عام إضافة انه لم تكن له تجربة سياسية كافية لتأهيله لمنصب قيادي كرئيس للدولة، وايضا رئيس الحكومة عثمان سونكو صاحب ال 50 عام.
- انهيار النخب السياسية التاريخية
حيث مع سيطرة حزب باستيف على معظم مقاعد البرلمان في انتخابات 2024م حيث حصل على 130 مقعد ادى ذلك الى تقلص نفوز الاحزاب التاريخية كالحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي وحزب رومي فبعض هذه الاحزاب حصل على مقاعد قليله مثل تحالف ماكس الذي حصل على 16 مقعد والبعض الاخر لم يحظ باي شيء مثل الحزب الديمقراطي.
- الوضع الاقتصادي
تعتبر السنغال من بين الدول التي حققت نموا اقتصاديا ملحوظا في السنوات الأخيرة حيث تسعى جاهده لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع اقتصادها وقد تبنت السنغال العديد من الاستراتيجيات والبرامج لتحقيق اهدافها التنموية حيث ركزت السنغال خلال الفترة الأخيرة على ما يعرف بخطة التنشئة وهي خطه وطنيه طموحه تهدف الى تحويل السنغال الى اقتصاد ناشئ بحلول عام 2035م وخلال تلك الخطة تعتزم الدولة انفاق حوالي 12.8 تريليون فرانك سنغالي على مشروعات التنمية خلال السنوات الخمسة المقبلة من اجل العمل على دعم وتشجيع الاستثمارات الخاصة في مجالات متعددة ابرزها القطاعات الاستخراجية والتنقيب ومشاريع تمهيد البنيه التحتية كما تهدف الخطة لزيادة الاستثمارات الموجهة الي التعليم والبنية التحتية بمتوسط 14.7% سنويا بين عامي 2025م الى 2029م كما تركز الخطة من جهة اخرى على تقليص نسبة الدين من الناتج المحلي الاجمالي الى 61% بحلول عام 2029م بعدما وصلت مسبقا في عهد الرئيس ماكي سال الى حوالي 76% ويمكن ملاحظه بعض المؤشرات الإيجابية لتلك الخطة من خلال الجدول التالي:
نمو الناتج المحلي | التضخم | عجز الميزانية | عجز الحساب الجاري | معدل الفقر | معدل البطالة | القروض المتعثرة | |
2020م | 3.8% | %9.7 | %6.5 | %20 | %38 | %24.1 | %19.5 |
2024م | %4.3 | %5.9 | %4.9 | %15.2 | %32.9 | %19.5 | %9.9 |
المصدر: من اعداد الباحث وفقاً لإحصائيات البنك الدولي ومنظمة الفاو.
القطاع الزراعي.
يعتبر القطاع الزراعي في السنغال احد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني ونلاحظ ذلك من خلال استحواذه على 17% من قيمه الناتج المحلي الاجمالي كما يعتمد عليها السكان كعنصر اساسي للدخل والمعيشة حيث يلجؤون اما الى الزراعة او الى التجارة الزراعية في المنتجات التي تشتهر بها السنغال مثل السكر والارز والذرة والمانجو وهو ما ادى الى وصول نسبة العاملين في الزراعة الى 69% من اجمالي عدد السكان مع الإشارة الى ان النساء تشكل حوالي 70% تقريبا من اجمالي القوى العاملة في الزراعة مما ينعكس بالسلب بشكل كبير على دعم وتمكين المرآة في باقي المجالات ولكن نجد ان الحكومة السنغالية عملت في الفترة الأخيرة على تجاوز تلك الازمه في الحياه السياسية من خلال وضعها قانون المناصفة وهو الذي يفرض على الاحزاب السياسية ترشيح عدد متساوي من الرجال والنساء في الانتخابات.
القطاع الصناعي.
يعتبر القطاع الصناعي في السنغال من المكونات الأساسية للاقتصاد الوطني حيث يستحوذ على 24.5 من الناتج المحلي الإجمالي الا انه يعاني بشكل كبير من انخفاض نسبه العمالة التي لا تشكل سوى 20.4% تقريبا من اجمالي القوى العاملة في السنغال كما تستحوذ الصناعات الكيميائية على النصيب الاكبر من العمالة السنغالية حيث يتركز فيها حوالي 4.9% من اجمالي العمالة وفي ظل سعي الحكومة السنغالية لتعزيز المجال الصناعي فقد اثمرت الجهود عن زيادة مساهمة القطاعات الاستخراجية بما في ذلك المناجم والمحروقات في الناتج المحلي الاجمالي من 3.39% خلال 2020 الى 4.98% خلال 2023.
- القطاع التجاري.
تمتلك السنغال ميناء داكار احد اشهر الموانئ الرئيسية في غرب افريقيا والذي يلعب دور كبير في انتعاش التجارة الخارجية والتي شكلت حوالي 80% من الناتج المحلي الاجمالي في 2022 وترتكز التجارة الخارجية للسنغال على عدة صادرات رئيسيه هي البترول بنسبة 17.8% والذهب 16.3% والفسفور ومشتقاته بنسبة 13.2% واتخذت السنغال من بعض الدول كوجهات رئيسيه للتصدير عام 2022م ابرزها مالي والتي استحوذت بنسبة 19.9% من قيمه التجارة الخارجية السنغالية تليها الهند بنسبة 15.2% ثم سويسرا بنسبة 11.6% في حين ركزت الحكومة السنغالية في وارداتها على الصين بنسبه 15% والاتحاد الاوروبي بنسبه 21.4% وعلى صعيد التجارة الداخلية فتعتبر محدودة بشكل كبير حيث تتركز في تجاره المواد الغذائية والزراعية وبعض المنتجات الاستهلاكية وفي نفس الوقت تواجه العديد من العقبات ابرزها ضعف البنية التحتية وضعف التمويل الحكومي وتقلبات اسعار السلع.
- الوضع الاجتماعي.
تتميز السنغال بتنوعها الثقافي والعرقي حيث يعتبر مجتمع ذو تركيبه معقده تتداخل فيه العوامل التاريخية والثقافية لتشكل واقعا اجتماعيا فريدا. وعلى الرغم من الاستقرار النسبي بالسنغال إلا انها تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كبيره مثل الفقر الذي على الرغم من حدوث تحسن به من 67% عام 1991 الى 32% وفقا لإحصائيات 2023م ومعدل الأميه الذي وصل الى 40% عام 2023 بعدما كانت النسبة 65% عام 1991م الا ان ذلك ما زال مشكلة وعائق يساهم في انتشار الاحباط والسخط بين السكان مما أدى وسيؤدي لاضطرابات تنتهي بالدعوة للتفكيك والانفصال وذلك ليس بالبعيد في دولة غير قائمة على التجانس بل تضم اعراق متعددة مثل الولوف بنسبة 39% والبولر بنسبة 22.5%واليسرير بنسبة 16% والماندينكا بنسبة 4,9٪ والجولا بنسبة 4,2٪ والسونينكي بنسبة 2,4 وبقية اوروبيين ومهاجرين. بالإضافة لتعدد اللغات بها لتشمل لغات مثل الولوف، البولر ، جولا وآخرى الى جانب اللغة الفرنسية الرسمية للبلاد.
الجانب التعليمي.
ومن الجانب التعليمي تعاني السنغال بشكل كبير من ارتفاع نسبة الأميه حيث وصلت الى 40% تستحوذ فيها النساء على النصيب الاكبر بنسبة 62% من اجمالي النسبة وفقا لإحصائيات البنك الدولي لعام 2023م مما ينعكس بالسلب على كفاءة المرآة سواء في العمل بشكل عام او المشاركة السياسية بشكل خاص. وبالتالي فلذلك تأثير سلبي كبير على المجتمع نظراً لما تمثله المرآة من عنصر اساسي ومحوري للعملية التنموية داخل الأسرة بالإضافة لزيادة نسبة النساء عن الرجال في السنغال حيث تمثل النسبة 50.8% للنساء مقابل 49.2% للرجال.
الجانب الصحي.
شهد القطاع الصحي تحسناً ملحوظا في بعض الجوانب، ولكن لا يزال يواجه عدة تحديات في جوانب أخرى. حيث شهد في الآونة الأخيرة زيادة متوسط العمر المتوقع للفرد الى 67 عاما في عام 2023م بعدما كان 56 عاما في عام 1990م الى جانب تحسين الوصول لخدمات المياه والصرف الصحي وذلك وفقا لنتائج مشروع الألفية التي اتبعته السنغال خلال الفترة من 2010م الى 2015م من اجل تعزيز واصلاح إمدادات المياه في المناطق الحضارية ودعم المناطق الريفية وهو ما نتج عنه:
1/ توفير مصادر مياه صحية ل 206 ألف شخص في المناطق الحضارية.
2/ توفير مصادر مياه صحية ل 172 ألف شخص في المناطق الريفية.
3/ انشاء 140 جمعيه لمستخدمي المياه لتشغيل شبكات المياه الريفية.
تحديات القطاع الصحي.
1/ محدودية الوصول للموارد باعتبار ان النسبة الاكبر من السكان في السنغال تعيش في المناطق الريفية
2/ قلة الاستثمار في الصحة حيث لا يزيد معدل الاستثمار فيها من الناتج المحلي الاجمالي عن4.35%.
3/ قلة الكوادر الطبية، حيث بلغ عدد العاملين بالقطاع الصحي 44 الفاً منهم 30 ألف بالمنشآت الخاصة.
نتائج الدراسة:
استطاعت السنغال تحقيق نهضة سياسية وتوجه كبير نحو الديمقراطية خلال الفترة (1990-2024) سواء من خلال وضع دستور شامل يراعي جميع الاختلافات العرقية في 1991 او ترسيخ نظام التعددية الحزبية التنافسية او الاهتمام بدور المرأة في الحياة النيابية حتى أصبحت السنغال في المركز الثالث افريقياً من حيث مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
كما شهدت الأوضاع الاقتصادية ايضاً تحسناً ملحوظا خلال هذه الفترة، حيث بدأت السنغالة تتوجه بشكل كبير نحو الشراكات الدولية في المشاريع الاستثمارية التنموية لتطوير البنية التحتية، كما زاد ايضاً التوجه نحو مشاريع التنمية المستدامة وهو ما يتضح في خطة التنشئة التي تسير عليها السنغال في ضوء رؤية 2030م.
وبالنسبة لاهتمام الحكومة بالجوانب الاجتماعية فقد انعكس ذلك علي زيادة بعض المؤشرات الإيجابية مثل ارتفاع متوسط عمر الفرد المقدر من 57 عام في بداية الفترة عام 1990 الى 67 عام في نهاية الفترة عام 2024، ومن ناحية أخرى انخفضت بعض المؤشرات السلبية مثل الفقر من 67% في بداية الفترة الى 32% في نهاية الفترة وايضاً انخفاض معدل الامية من 65% عام 1990 الى 40% خلال 2024.
التوصيات:
توصيات سياسية:
- العمل على تعزيز الحوار الوطني الشامل من خلال إجراء حوار وطني مفتوح يجمع كافة الأطياف السياسية والمجتمعية لمناقشة القضايا الخلافية، والتوصل إلى توافقات وطنية حول القضايا الرئيسية.
- تعزيز استقلالية القضاء ونزاهته، وتوفير الموارد اللازمة له للقيام بمهامه دون أي تدخلات خارجية.
توصيات اقتصادية:
- التركيز على الصناعات الاستخراجية والتحويلية بدلاً من الاعتماد على الزراعة، كما يجب تشجيع الاستثمار في قطاعات كتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعات التحويلية، والخدمات المالية.
- تعزيز التجارة الإقليمية والاستفادة من اتفاقيات التجارة الإقليمية في ظل المزايا التي تحصل عليها الدولة من المنظمات الدولية.
توصيات اجتماعية:
- زيادة الاستثمار في التعليم وتخصيص ميزانية أكبر لقطاع التعليم، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة بالإضافة الى توفير الموارد التعليمية اللازمة لتطوير المناهج لتلبية احتياجات سوق العمل.
- تعزيز دور المرأة من خلال توفير فرص متساوية للمرأة في الحصول على التعليم والتدريب والوظائف بالإضافة الى زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وزيادة مقاعدها في البرلمان لأعلى من 46 مقعد التي تحصل عليها وتشجيعها على الترشح للانتخابات والمشاركة في صنع القرار.
ختامًا.
يتضح من خلال هذا التحليل أن السنغال تقف اليوم على مفترق طريق حاسم، حيث تواجه تحديات جمة تتطلب حلولًا مبتكرة وشاملة. فعلى الصعيد السياسي، يظل الحفاظ على الاستقرار الديمقراطي وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد من الأولويات القصوى، مع ضرورة تعزيز الحوار الوطني الشامل ومكافحة الفساد بشتى أشكاله. أما اقتصاديًا، فإن تحقيق النمو المستدام والشامل يقتضي تنويع مصادر الدخل، وتحسين مناخ الاستثمار، ودعم القطاعات الواعدة مثل الصناعات التحويلية، مع زيادة الاهتمام بتنمية المناطق الريفية. وعلى المستوى الاجتماعي، لا بد من مواصلة الجهود الرامية إلى تحسين جودة الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة، ومكافحة الفقر والبطالة، وتمكين الشباب والمرأة، وتعزيز التماسك الاجتماعي والتسامح الديني. واخيراُ يبقى الأمل معقودًا على قدرة السنغال على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية بنجاح، والمضي قدمًا نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وترسيخ مكانتها كنموذج للديمقراطية والاستقرار في المنطقة.