جاسم محمد
طالما كان خط الأنابيب “خط نورد ستريم 2” البالغ طوله 1200 كيلومتر من روسيا إلى ألمانيا، قضية ساخنة من الناحية السياسية، خاصة مع تضرر أوروبا من ارتفاع أسعارالطاقة. واجه مشروع الطاقة الأكثر إثارة للجدل في أوروبا، والذي تقوده شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم GAZP.MM، مقاومة من الولايات المتحدة وأوكرانيا، تحديداً، وأطراف أخرى، ودفع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بسبب قفزة في الطلب العالمي مع تعافي الاقتصاد من كوفيد-19، بعض المسؤولين الحكوميين والصناعة إلى المطالبة بمزيد من الإمدادات الروسية.
خط نورد ستريم 2
هو خط أنابيب الغاز الذي يربط روسيا مباشرة بألمانيا، تم الانتهاء من بناء الخط خلال هذا العام 2021، لكن انتهاء أعمال البناء لا يعني نهاية الخلافات السياسية حول مشروع البنية التحتية هذا. بدا الأمر كما لو أن الولايات المتحدة وروسيا ستتصادمان بشأن سوق الغاز الألماني، تاركين ألمانيا عالقة بين المطرقة والسندان، لكن البيان الأمريكي الألماني المشترك في يوليو 2021 أثبت أنّ واشنطن وبرلين يمكنهما تسوية خلافاتهما، لم يكن الحل الوسط حول نورد ستريم 2 غاية في حد ذاته، بل وسيلة لإعادة ضبط العلاقة الثنائية مع الأولويات الفعلية، فضلاً عن محاولة لتجنب المزيد من التصعيد.
ما هي المشكلة؟
يتوجب على وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية -التي تنظم قطاعات الكهرباء والغاز والاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد والسكك الحديدية في ألمانيا، تقديم توصية حتى شهر يناير 2022 بشأن ما إذا كانت ستصدق على خط الأنابيب الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، بينما تم استيفاء المتطلبات الفنية، فإن النقطة الشائكة هي ما إذا كانت غازبروم ستمتثل لقواعد التفكيك الأوروبية التي تتطلب من مالكي خطوط الأنابيب أن يكونوا مختلفين عن موردي الغاز المتدفق فيها لضمان المنافسة العادلة.
لقد أظهرت آنالينا بربوك، زعيمة حزب الخضر الألماني والمرشحة لمنصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة، شجاعة بالتحذير من أي ابتزاز روسي محتمل مستقبلاً في مجال الطاقة. اتفاقية الائتلاف الألمانية لا تتضمن أي إشارات صريحة إلى نورد ستريم 2. ومع ذلك، فإنها تنص بشكل لا لبس فيه على أن قانون الطاقة الأوروبي ينطبق على مشاريع الطاقة في ألمانيا.
خلافات واشنطن وبرلين حول نورد ستريم 2
استطاعت واشنطن وبرلين حل خلافاتهما بشأن خط أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق في الوقت الحالي، بينما ترسل واشنطن إشارة واضحة بأن العلاقات البنّاءة مع برلين مهمة، فإنّ الحكومة الألمانية مدعوة الآن إلى تنفيذ مجموعة متنوعة من الإجراءات. ومع ذلك، ما يزال المشروع قضية سياسية. وأبدت كييف ووارسو بالفعل معارضتهما. إن الصفقة الكبرى التي لم يتم الاتفاق عليها بشكل ثنائي فحسب، بل تشمل أيضاً أوكرانيا وتلتزم روسيا، لم تتحقق بعد. سياسياً، توصلت إدارة بايدن والحكومة الألمانية إلى اتفاق مشترك وسيمكن من استكمال خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 المثير للجدل.
واجه مشروع نورد ستريم 2 معارضة شديدة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، التي تقول إنها ستجعل أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. لكن حكومات أوروبية أخرى تقول إن الربط أمر حيوي لتأمين إمدادات الطاقة، مع ارتفاع أسعار الغاز في الأسابيع الأخيرة، والتهديد بانقطاع التيار الكهربائي الذي يلوح في الأفق هذا الشتاء.
وفي ذات السياق، قال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيكي، في أعقاب ذلك، إن “على الحكومة الجديدة في برلين تغيير موقفها تجاه خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 والقيام بكل ما هو ممكن لمنع روسيا من استخدامه كسلاح ضد جيرانها، لقد أصبح نورد ستريم 2 أداة لابتزاز أوكرانيا ومولدوفا”.
مشروع الكونسورتيوم ـ خلف نورد ستريم 2
علقت هيئة تنظيم الطاقة في ألمانيا عملية الموافقة على خط أنابيب رئيس جديد يجلب الغاز الروسي إلى أوروبا، مما ألقى بحاجز جديد أمام المشروع المثير للجدل ودفع أسعار الغاز الإقليمية للارتفاع. قالت هيئة الرقابة، يوم 16 نوفمبر 2021، إنها أوقفت مؤقتاً عملية التصديق لأن الكونسورتيوم الذي يتخذ من سويسرا مقرّاً له خلف نورد ستريم 2، وقالت: “أحتاج أولاً إلى تشكيل شركة فرعية ألمانية بموجب القانون الألماني لتأمين رخصة تشغيل”.
وفي أعقاب ذلك، قال المحلل تريفور سيكورسكي في إنرجي أسبكتس: “هذا يؤخر الجداول الزمنية المتوقعة إلى حد ما”، مضيفاً أنه من غير الواضح كم من الوقت ستستغرق عملية إنشاء شركة جديدة وإعادة التقديم للحصول على الشهادة. وأضاف أن التدفقات الأولى عبر خط الأنابيب تبدو غير مرجحة للغاية في النصف الأول من عام 2022. وفقاً لدراسة بعنوان “ألمانيا تضع الفرامل على نورد ستريم 2 في ضربة جديدة لخط أنابيب الغاز” نشرها موقع EuroActive الصادر باللغة الإنكليزية، في 22 نوفمبر 2021.
بعد سنوات من الخسارة، تعمل شركة غازبروم الروسية على تحسين إيراداتها واستكشاف مكانتها في السوق. هنا حيث تلعب الجغرافيا الاقتصادية، لاستعراض القوة بين الولايات المتحدة وروسيا، أي أن الكرملين سيكون على استعداد لإظهار أنه لا يمكن تحقيق أمن الطاقة الأوروبي إلا من خلال شراكة وثيقة مع روسيا، مقابل ملفات حقوق الإنسان ضد موسكو.
إن تنفيذ مشروع نورد ستريم 2 يعني اتخاذ روسيا مقعد القيادة من جديد في أوروبا أمام الولايات المتحدة. وممكن اعتبار إعلان غازبروم، أنها ستنقل 5.6 مليار متر مكعب من الغاز عبر نورد ستريم 2 هذا العام، 2020، هو من ناحية “إعلان ساحة المعركة” رداً على لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، من خلال استخدام روسيا الطاقة كسلاح جيوسياسي.
.
رابط المصدر: