هجوم الحديدة… تعديل على “عقيدة الأخطبوط” الإسرائيلية

كان من المفترض أن يكون الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في اليمن في أعقاب غارة “الحوثيين” بطائرة مسيرة استهدفت تل أبيب بمثابة “رسالة” إلى إيران، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أن “النيران المشتعلة حاليا في الحديدة يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط”. والرد الإسرائيلي هو تعديل على “عقيدة الأخطبوط” الإسرائيلية الخاصة بإيران ووكلائها.

قُدّمت “عقيدة الأخطبوط” لأول مرة من قبل عضو مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي الوزير نفتالي بينيت في عام 2018 عندما ألقى خطابا قال فيه إن على إسرائيل أن تنظر إلى إيران على أنها “رأس أخطبوط” وأن وكلاءها– ذكر في ذلك الوقت “حزب الله” و “حماس” والميليشيات في سوريا– مثل أذرع الأخطبوط. وأوضح أن إسرائيل كانت تركز جهودها على محاربة الأذرع، معتبرا هذا الأمر غير كاف.

وبعد وقت قصير من الهجوم “الحوثي” بطائرة مسيرة على تل أبيب، استشهد رئيس الأركان العامة الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، بمبدأ بينيت بقوله: “إن إيران تقف وراء كل ما يحدث. هذه الطائرة المسيرة إيرانية، أليس كذلك؟… والأموال التي تستخدم في تمويل حفر الأنفاق هنا تأتي من إيران… في النهاية، إنها أخطبوط له أذرع كثيرة”. ومع ذلك، لم يدعُ هاليفي إلى ضرب رأس الأخطبوط، بل ركز على التميز والفعالية في مكافحة الأذرع المختلفة للأخطبوط.

 

 أ ف ب أ ف ب

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت يصل لحضور الاجتماع الأول لحكومته في القدس يوم 3 يوليو 2022 

هذا التوجه يأتي على الرغم من استحضار بينيت لــ”عقيدة الأخطبوط” في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، عندما قال: “لقد قاتلنا دائما أذرع الأخطبوط، لكننا نادرا ما ضربنا رأسه الإيراني. يجب أن يتغير هذا الآن”.

وأكد رد إسرائيل المحدود والمدروس على الهجوم الصاروخي الإيراني في أبريل/نيسان افتقار الحكومة الإسرائيلية للرغبة في تطبيق “عقيدة الأخطبوط” الخاصة ببينيت. ورأت إيران في هذا الرد فرصة للتصعيد ضد إسرائيل عبر وكلائها، مدركة أن الانتقام الإسرائيلي سيكلف وكلاءها ثمنا باهظا، بينما تظل طهران بعيدة عن الأذى المباشر.

 

أكد رد إسرائيل المحدود والمدروس على الهجوم الصاروخي الإيراني في أبريل/نيسان افتقار الحكومة الإسرائيلية للرغبة في تطبيق “عقيدة الأخطبوط” الخاصة ببينيت

 

 

احتوى خطاب نفتالي بينيت في عام 2018، الذي قدم فيه “مبدأ الأخطبوط” على عنصر مهم آخر حول كيفية محاربة إسرائيل لإيران في حرب متعددة الجبهات. وصف بينيت إيران بالمرسل، و”فيلق القدس” (في “الحرس الثوري” الإيراني) بالموزع، ووكلاءها مثل “حزب الله” بحامل الرسائل، والدول التي يعمل فيها الوكلاء بالمضيف. وأكد أن إسرائيل لم تعد مضطرة للتمييز بين حامل الرسالة والمضيف، مما يبرر مهاجمة إسرائيل لأهداف أوسع في الدول المضيفة.

ويأتي الانتقام الإسرائيلي من خلال ضرب ميناء الحديدة ضمن هذا الإطار. وبعد الغارة، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إيران تستخدم الميناء لتزويد “الحوثيين” بالأسلحة. هذا التصريح يعيد إلى الأذهان ما قاله سفير إسرائيل داني دانون أمام مجلس الأمن الدولي في عام 2019، حيث كشف أن المخابرات الإسرائيلية بيّنت استخدام “فيلق القدس” لميناء بيروت لشحن مكونات مزدوجة الاستخدام إلى “حزب الله” لتعزيز قدراته الصاروخية.

إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين سياقي لبنان واليمن، سمحت لإسرائيل بالتباهي بضرب ميناء الحديدة بينما امتنعت عن القيام بذلك بعد ردودها على هجمات “حزب الله” المستمرة على إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. فعلى الرغم من تحسين قدراتهم، فإن الترسانة العسكرية للحوثيين لا تقترب بأي حال من الأحوال من “حزب الله” الذي يعتبر أقوى ميليشيا مسلحة في المنطقة. هذا يجعل “الحوثيين” طرفا أضعف وأقل قدرة على إلحاق الضرر بإسرائيل. إضافة إلى أن اليمن أبعد جغرافيا عن إسرائيل بينما لبنان هو الجار المجاور لإسرائيل، ولذلك، فإن أي تصعيد على الجبهة اللبنانية قد يكبد إسرائيل أثمانا باهظة، ولهذا السبب تتجنب إسرائيل إلى الآن، إشعال حرب شاملة مع “حزب الله”.

 

هناك اختلافات كبيرة بين سياقي لبنان واليمن، سمحت لإسرائيل بالتباهي بضرب ميناء الحديدة بينما امتنعت عن مثل ذلك بعد ردودها على هجمات “حزب الله” المستمرة على إسرائيل منذ 7 أكتوبر

 

 

وكانت الطائرة “الحوثية” المسيرة التي استهدفت تل أبيب بمثابة رسالة من إيران إلى إسرائيل، تظهر فيها قدراتها العسكرية بعيدة المدى. وفي المقابل، فإن الهجوم الإسرائيلي على الحديدة كان رسالة إلى إيران وضعت فيها إسرائيل “الحوثيين” كوكيل لـ”حزب الله”. كما يُظهر سيناريو الحديدة أن “عقيدة الأخطبوط” لم تُبعث من جديد، بل جرى تعديلها لتناسب السياق الحالي.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321441/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M