سعى الحوثيون من خلال مهاجمة الإمارات إلى تحذيرها للابتعاد عن معركة السيطرة على المحافظات الغنية بالطاقة في اليمن، حيث ثارت ثائرة الحركة المتحالفة مع إيران جراء خسائر تكبدتها لصالح قوات تدعمها الدولة الخليجية، حليفة الولايات المتحدة القوية.
ولن تتراجع الإمارات على الأرجح. بل إن محللين إقليميين قالوا إن من العواقب المحتملة لضربة يوم الاثنين الدامية هي تدقيق دولي أشد على روابط إيران بالحوثيين وغيرهم من القوات شبه العسكرية التي تتنافس مع دول الخليج العربية على النفوذ في أنحاء الشرق الأوسط.
وهاجمت جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران دولة الإمارات العربية المتحدة فيما قالت إنها عملية شملت استخدام صواريخ وطائرات مسيرة يوم الاثنين، مما أدى إلى انفجار ثلاث شاحنات لنقل الوقود وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص واندلاع حريق قرب مطار أبوظبي عاصمة الإمارات، مركز التجارة والسياحة في المنطقة.
أظهرت الضربة التي لم يسبق لها مثيل على أبوظبي قدرة الحوثيين على استهداف خصم خارجي ثان من مدى بعيد دون أن تردعهم تهديدات بالرد خرجت عقب هجمات مماثلة شنوها على السعودية.
وأثار الحوثيون احتمال شن هجمات أكثر من هذا القبيل.
وقال المتحدث باسم الحوثيين وكبير مفاوضي الحركة محمد عبد السلام على تويتر يوم الاثنين “دويلة صغيرة في المنطقة تستميت في خدمة أمريكا وإسرائيل، كانت قد زعمت أنها نأت بنفسها عن اليمن لكنها انكشفت في الآونة الأخيرة خلاف ما زعمت، وعلى إثر ذلك فهي بين أن تسارع لكف يدها عن العبث في اليمن أو جاءها بقوة الله ما يقطع يدها ويد غيرها”.
وتقول مصادر إقليمية إنه في حين أن الهجوم لا يشكل تهديدا محددا للأولوية الدبلوماسية الأولى للمنطقة، وهي جهود إحياء اتفاق 2015 النووي مع إيران، فقد عمق شكوك دول الخليج العربية تجاه استعداد طهران لنزع فتيل التوتر الإقليمي.
وأصدرت إيران بيانا صيغ بعناية. فقد قالت وزارة خارجيتها يوم الثلاثاء في معرض تعليقها على “أحدث التطورات المتعلقة باليمن” إن الهجمات العسكرية ليست حلا للأزمة في المنطقة.
وقال مسؤول إيراني كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته “الهجمات لن تؤثر على المحادثات النووية في فيينا. هاتان قضيتان منفصلتان… ما حدث أمس كان نتيجة للأزمة الدائرة في اليمن”.
وقال محللون ومصدر خليجي إن الهجوم، الذي قال الحوثيون إنه شمل صواريخ وطائرات مسيرة، ربما يعزز حجة السعوديين والإماراتيين بأن النهج الأمريكي تجاه اليمن لم يتمخض سوى عن تقوية شوكة الحوثيين. وتضع واشنطن حقوق الإنسان موضع الأولوية، ولديها تحفظات بشأن عدد قتلى الضربات الجوية السعودية.
صراع بالوكالة
كتب نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على تويتر يوم الثلاثاء “الحوثيون ليسوا مهتمين بالسلام ويظلون رهينة داعمهم الإقليمي الذي يتعامل مع أمن منطقتنا على أنه مجرد ورقة تفاوض” في إشارة إلى إيران.
ويقول الحوثيون، الذين يمثلون السلطات الفعلية في شمال اليمن بعد طرد الحكومة من العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014، إنهم يقاتلون عدوانا خارجيا يشنه تحالف تقوده السعودية ويضم الإمارات.
وقال المحللون والمصدر الخليجي إن هجوم الاثنين ربما يُعقّد المحادثات الدورية بين السعودية وإيران حول إنهاء حرب اليمن، وقد يؤثر على التواصل الإماراتي مع طهران.
واختارت الإمارات التهدئة مع طهران بعد هجوم في 2019 على معقل الطاقة في المملكة العربية السعودية والذي لم يلق ردا عسكريا تقليديا من الحليفة واشنطن.
وتركز المحادثات المباشرة بين السعودية وإيران، التي بدأت العام الماضي، في الغالب على حرب اليمن التي يُنظر إليها إلى حد بعيد على أنها صراع بالوكالة بين القوتين، السنية والشيعية.
وجعلت إدارة بايدن إنهاء الحرب في اليمن من أولويات سياستها الخارجية. وفي العام الماضي، أوقفت دعم العمليات الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية، وضغطت دون جدوى على الرياض لرفع الحصار عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون للتوصل إلى هدنة، كما ألغت تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية.
غير أن القتال تصاعد مع تحرك التحالف لإلغاء مكاسب الحوثيين في منطقة مأرب المنتجة للطاقة، ودخول قوات يمنية مدعومة من الإمارات إلى المعارك هذا الشهر.
وقال جاك إيه. كنيدي رئيس قسم مخاطر دول الشرق الأوسط لدى آي.إتش.إس ماركت “هجمات الحوثيين التي تستهدف الإمارات والسعودية ستستمر على الأرجح خلال عام 2022 إذ أن من المرجح أن يزداد القتال حدة… في مأرب باليمن”. وأضاف أن من المتوقع أن تعزز أبوظبي انخراطها في أعقاب هجوم الاثنين.
وقالت الإمارات يوم الاثنين إنها تحتفظ بحق الرد على هجوم الحوثيين، ودعت الثلاثاء إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي للتنديد بالحادث.
وقال المصدر الخليجي إن العواقب الفورية ستستهدف الحوثيين في اليمن، بينما تجمع الإمارات أدلة بشأن أماكن تصنيع الطائرات المسيرة وإطلاقها.
وشددت دول الخليج العربية على ضرورة التصدي لقضية صواريخ إيران وسلوكها بالمنطقة جنبا إلى جنب مع البرنامج النووي.
وقال عبد العزيز صقر من مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض “ستواصل السعودية والإمارات المحادثات مع إيران، لكن هذا يبعث برسالة سلبية أخرى بأنه لا يمكن الوثوق بنوايا الإيرانيين” مضيفا أنه لا يمكن “بأي حال” أن يفعل الحوثيون هذا دون معرفة الإيرانيين.
وقال مسؤول أمني إيراني لرويترز إن الحوثيين “لا يحتاجون إلى موافقة أو مساعدة إيران أو أي دولة أخرى”.
وتنفي طهران اتهامات لها بتقديم دعم مالي وعسكري للحوثيين.
وقال محللون مصرفيون في المنطقة إن وقوع مزيد من الهجمات على الإمارات، المركز التجاري والسياحي بالمنطقة، قد يؤثر على قطاعات مثل السياحة، وهي محرك رئيسي للاقتصاد.
وقال حسنين مالك مدير استراتيجية الأسهم لدى تيليمر “تُذكر الهجمات بمخاطر الصراعات التي اعتاد عليها المستثمرون في المنطقة الأوسع، لكن لم تكن مرتبطة بشكل وثيق بالإمارات العربية المتحدة”.
مستوى جديد
ويرفع الهجوم على الإمارات، الحرب بين الجماعة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية إلى مستوى جديد، وربما يعرقل جهود احتواء التوتر في المنطقة، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن وطهران على إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات “ندين استهداف ميليشيا الحوثي الإرهابية لمناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية اليوم… هذا الاستهداف الآثم لن يمر دون عقاب”.
وأضافت “دولة الإمارات تحتفظ بحقها في الرد على تلك الهجمات الإرهابية وهذا التصعيد الإجرامي”.
وتُسلح الإمارات، العضو في التحالف، وتُدرب قوات يمنية محلية انضمت في الآونة الأخيرة إلى القتال ضد الحوثيين في مناطق شبوة ومأرب المنتجة للطاقة في اليمن.
وقال توربيورن سولتفيد كبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة فيريسك مابلكروفت لمعلومات المخاطر “مع نفاد الوقت أمام المفاوضين (النوويين)، يتزايد خطر تدهور المناخ الأمني في المنطقة”.
وقالت وكالة أنباء الإمارات (وام) إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ندد بالهجوم في اتصال هاتفي مع نظيره الإماراتي. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن واشنطن ستعمل على محاسبة الحوثيين.
كان الحوثيون قد شنوا مرارا هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة على السعودية لكنهم لم يعلنوا مسؤوليتهم سوى عن عدد قليل من هذه الهجمات على الإمارات، التي نفت وقوع معظمها.
وقال يحيى سريع المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي إنها أطلقت خمسة صواريخ باليستية “وعددا كبيرا” من الطائرات المسيرة “استهدفت من خلالها مطاري دبي وأبوظبي ومصفاة النفط في المصفح وعددا من المواقع والمنشآت الإماراتية الهامة والحساسة”.
وقالت شرطة أبوظبي إن ثلاثة أشخاص قُتلوا وأُصيب ستة آخرون بجروح عندما انفجرت ثلاث شاحنات لنقل الوقود في منطقة مصفح الصناعية. وذكرت وسائل إعلام رسمية أن القتلى هنديان وباكستاني.
وذكرت شرطة أبوظبي في بيان نقلته (وام) “تشير التحقيقات الأولية إلى رصد أجسام طائرة صغيرة يحتمل أن تكون لطائرات بدون طيار ’درون’ وقعتا في المنطقتين قد تكونان تسببتا في الانفجار والحريق”.
وتابع “باشرت السلطات المختصة تحقيقا موسعا حول سبب الحريق والظروف المحيطة به، كما لا توجد أضرار تذكر نتجت عن الحادثين”.
وقالت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في وقت لاحق إنه “في حوالي الساعة العاشرة من صباح اليوم، اندلع حريق في محطة تحميل المنتجات المكررة في منطقة مصفح بأبوظبي”. وأغلقت الشرطة الطريق المؤدي إلى المنطقة، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لم تتأكد صحته لعمود كثيف من الدخان يتصاعد مما يبدو إنها منطقة مصفح.
وأكدت أدنوك في بيان “أنها تعمل مع السلطات المختصة لمتابعة التحقيقات لمعرفة وتحديد أسباب الحادث”.
وأضافت “أدنوك تعرب عن أسفها لوفاة ثلاثة من العاملين جراء الحادث وإصابة ستة آخرين بإصابات طفيفة إلى متوسطة تلقوا العلاج اللازم”.
وقالت الشركة إنها فعلت الخطط الضرورية لاستمرارية الأعمال لضمان توفير إمدادات موثوقة من المنتجات لعملائها في الإمارات وحول العالم.
وقال متحدث باسم شركة الاتحاد للطيران إن عددا صغيرا من الرحلات الجوية تعطل لفترة وجيزة في مطار أبوظبي بسبب إجراءات احترازية، لكن سرعان ما استؤنفت العمليات الطبيعية.
وقال شهود من رويترز إن التحالف الذي تقوده السعودية شن ضربات جوية على العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في أعقاب الضربة على الإمارات، وبعد أن اعترض التحالف ثماني طائرات مسيرة أُطلقت باتجاه السعودية يوم الاثنين.
وأصابت إحدى الضربات الجوية منزل مسؤول عسكري سابق وقتلته هو وابنه البالغ من العمر 25 عاما، بحسب ما ذكره مصدر طبي واثنان من الجيران لرويترز.
وقال متحدث باسم أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إنه ندد بالهجوم الذي وقع يوم الاثنين ودعا “جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع أي تصعيد في ظل التوتر المتزايد في المنطقة”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن الهجوم يهدد استقرار المنطقة.
ولم يصدر تعليق حتى الآن من مسؤولين إيرانيين، لكن وكالة أنباء تسنيم الإيرانية ذكرت أن هذا الهجوم “عملية مهمة”.
وتحركت الرياض وأبوظبي للحوار مباشرة مع إيران في الأشهر الماضية لتجنب أي صراع أوسع قد يضر بالطموحات الاقتصادية في المنطقة. ويرى كثيرون أن حرب اليمن حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
وقال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن من المحتمل أن تفسد ضربة الحوثيين الحوار الإماراتي والخليجي الأوسع مع إيران.
وأضاف أن الإمارات لن تأخذ هذا الأمر باستخفاف، مشيرا إلى أن الوقت لا يزال مبكرا لتقييم رد أبوظبي.
تزامن الهجوم مع زيارة يقوم بها رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن. وقال مسؤول بقصر الرئاسة الكوري إنه تم إلغاء قمة كان من المقرر أن تنعقد بين مون وولي عهد أبوظبي.
ماهي الأسباب لماذا الآن؟
يقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، لموقع “الحرة” إن الإمارات التي بدا أنها خرجت من الحرب في اليمن، عادت مؤخرا لتلعب دورا رئيسا على جبهات شبوة والبيضاء ومأرب من خلال القوات المدعومة منها.
ويعتقد الرنتاوي أن الحوثيين قرروا بهجوم الاثنين بعث رسالة للإماراتيين مفادها أن هذه العودة يمكنها إنهاء اتفاق ضمني بين الطرفين نص على “(أنتم خرجتم ونحن لن نستهدفكم) أما الآن فالرسالة الحوثية تبدلت لـ(أنتم عدتم وبالتالي سقطت الخطوط الحمراء التي جرى الالتزام بها طوال سنوات)”.
في المقابل، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد، خلفان الكعبي، لموقع “الحرة”، إن الحوثيين يريدون تحقيق مكسب لكن هجوم الاثنين لم يكن ذا تأثير يذكر؛ “فلم يتعطل الإنتاج النفطي حتى”.
غير أن أسعار النفط ارتفعت، الثلاثاء، إلى أعلى مستوياتها في أكثر من سبع سنوات بفعل مخاوف من تعطل محتمل للإمدادات بعد الهجوم.
وكان الحوثيون قد شنوا مرارا هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة على السعودية لكنهم لم يعلنوا مسؤوليتهم سوى عن عدد قليل من هذه الهجمات على الإمارات التي نفت وقوع معظمها.
يقول الرنتاوي: “كان مفاجئا أن الحوثي الذي استهدف السعودية بعشرات ومئات الضربات الجوية والصاروخية، لم يضرب أبدا في الإمارات وكان ذلك أمرا لافتا للانتباه”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي، عبد الرحمن الملحم، لموقع “الحرة”، إن الضربات تتحول الآن من السعودية للإمارات انتقاما من مساندة أبوظبي البرية والجوية للتحالف العسكري، الذي تقوده الرياض، في اليمن.
وتثير ضربة الاثنين سؤالا بشأن اختيار الحوثي إبعاد صواريخه ومسيراته عن الأجواء الإماراتية قديما ليقوم بها الآن، غير أن الرنتاوي يقول إن ما جرى في شبوة ويجري في مأرب يفسر ذلك.
وأضاف “مأرب هي المفتاح لفهم الجولات التصعيدية الأخيرة”.
ومنذ أيام انضمت قوات يمنية، تدعمها الإمارات، إلى قوات التحالف التي تقاتل الحوثيين حول مدينة مأرب في وسط اليمن، في محاولة جديدة للسيطرة على المنطقة المنتجة للطاقة.
وتُسلح وتُدرب الإمارات قوات يمنية محلية انضمت في الآونة الأخيرة إلى القتال ضد الحوثيين في مناطق شبوة ومأرب المنتجة للطاقة في اليمن.
وكانت وول ستريت جورنال نقلت عن مقاتل من ألوية العمالقة قوله إن قادة إماراتيين نقلوا عشرات المقاتلين من الساحل الغربي، الذي ظل هادئا نسبيا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، إلى شبوة حيث اشتبكوا مع الحوثيين.
ويصف الرنتاوي (قوات طارق صالح، النخبة الشبوانية، ألوية العمالقة، المجلس الانتقالي) بـ”الطليعة المقاتلة ورأس الحربة في الهجوم المضاد الذي شُن على الحوثيين مؤخرا، وألحق بهم خسائر فادحة، وجردهم من بعض المكتسبات الاستراتيجية”.
وأضاف “عادت الإمارات للمشاركة بكثافة في الضربات الجوية الأخيرة في اليمن؛ كانت موجة غير مسبوقة في حرب السنوات السبعة، بمعدل يزيد عن خمسين غارة جوية يوميا، وأحيانا كان يصل إلى تسعين. هذا رقم قياسي لم يسجل من قبل”.
وتابع “الغارات السعودية والإماراتية هذه المرة كانت دقيقة، ومبنية على بنك أهداف وإحداثيات ربما كان للأميركيين دورا مهما في تزويد حلفائهم بها”.
وتعد السيطرة على شبوة أمرا مهما من الناحية الاستراتيجية. فمن خلال الاستيلاء على المحافظة، قطعت قوات ألوية العمالقة خطوط الإمداد عن الحوثيين الذين يحاولون بدورهم اقتناص مدينة مأرب الغنية بالنفط شرق صنعاء.
ويأتي انتشار الألوية في شبوة بعد تغيير المحافظ المؤيد للحكومة قبل أسبوعين، وهو عضو في حزب الإصلاح الإسلامي، “وتعيين محافظ محسوب على الجنوبيين والجهات المدعومة من الإمارات”، حسبما يقول الرنتاوي.
وتؤمن السيطرة على شبوة الوصول إلى خليج عدن ومنشأة الغاز الطبيعي السائل في بلحاف، حيث لا تزال تتمركز فرقة صغيرة من الجنود الإماراتيين.
وتحدث مسؤول أميركي لصحيفة وول ستريت جورنال عن زيادة التنسيق بين الإمارات والسعودية مؤخرا، قائلا إن الإماراتيين يقدمون المزيد من القوة كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية.
ويرى الرنتاوي أن قدرة الإمارات على تحمل مثل هذه الضربات أقل بكثير من قدرة السعودية، موضحا “توجد حالة هشاشة أمنية نابعة من حجم الاستثمارات في الإمارات، وأهمية المرافق الإماراتية”.
ومضى يقول: “لدى الإمارات ما تخسره في هذا التصعيد، على عكس العمق الاستراتيجي السعودي الذي يمكنها من تحمل هذه الضربات” أما الحوثي في شمال اليمن، فليس لديه ما يخسره، على حد قوله.
الملاذ الآمن
تقول مديرة “منتدى الخليج الدولي” للأبحاث دانية ظافر “يبدو أن الحوثيين يعرفون أن سمعة الإمارات في صميم أهدافها الاستراتيجية” موضحة أن المتمردين “يأملون في تحقيق ضربة موجعة مع تكلفة متدنية لهم”.
ويبلغ عدد سكان الإمارات عشرة ملايين، تسعون في المئة منهم من الأجانب من مئتي جنسية مختلفة. وفرضت الإمارات نفسها مركزا ماليا وللأعمال، بفنادقها الفخمة وأبنيتها الحديثة وأبحاثها في مجال التكنولوجيا وسعيها الى اقتصاد يقوم على تنويع مصادر الطاقة، وطموحاتها الفضائية.
وفي شرق أوسط تعصف به النزاعات والفقر، تقدم الإمارات نفسها، كواحة “أمن وأمان” للأعمال والترفيه وجسر الى العالم. كما تسعى الى تقوية نفوذها الدبلوماسي في المنطقة.
وتعد الدولة الخليجية وجهة مفضّلة لكثيرين وخصوصا الشباب العرب الباحثين عن فرص عمل.
وقد استثمرت بشكل كبير في النهوض وتطوير اقتصادها. ومن أكبر نجاحاتها إمارة دبي التي أصبحت محطة استقطاب مالية وسياحية وإعلامية مهمة في غضون عقود قليلة، ومركزا لمقرات شركات كبرى يزورها ملايين الأشخاص سنويا.
لكن الإمارات تشارك في الوقت نفسه في تحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن منذ العام 2015 دعما للحكومة اليمنية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من غيران والذين بدأوا هجوما واسعا للسيطرة على اليمن منذ 2014.
وأعلنت الإمارات في 2019 أنها ستخفض قواتها في مناطق عدة في اليمن ضمن خطة “إعادة انتشار” لأسباب “استراتيجية وتكتيكية”.
ويرى كبير المحللين اليمنيين في شركة الأبحاث “نافانتي غروب” الأميركية محمّد الباشا أنه “على الرغم من أن أبو ظبي قامت بسحب معداتها العسكرية من اليمن، إلا أن أنصار الله (الحوثيين) يربطون العمليات العسكرية لألوية العمالقة في شبوة (..) بالإمارات التي لعبت دورا رئيسيا في تشكيل وتدريب وتسليح هذه القوات”.
واحة الأمن
بعد تبنيهم الهجوم في أبو ظبي، دعا المتمردون اليمنيون الشركات والمدنيين إلى “الابتعاد عن المنشآت الحيوية” في الإمارات.
وترى ظافر أنه في حال تكررت هذه الهجمات، فإن “سمعة واحة الأمن في الشرق الأوسط” يمكن أن “تتضرر”.
لكن الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج إيمان الحسين تستبعد أن تؤثر هذه الهجمات “بشكل كبير على سمعة الإمارات”، وتقول لفرانس برس إن الدولة الخليجية “بنت علامة قوية وصورة بإمكانها تحمّل الهجمات الأخيرة”.
وتعهدت الإمارات بالرد على الاعتداء. وقصف التحالف العسكري الذي تشارك به الإمارات صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بعنف كرد على الهجوم.
في الوقت نفسه، دعت الإمارات الى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن من أجل إدانة “الهجمات الإرهابية”.
وتقول الباحثة في جامعة أوكسفورد إليزابيث كندال إن الهجوم يشكل “تصعيدا كبيرا”، لكن الإمارات “استثمرت بكثافة في اليمن خصوصا في البنى التحتية السياسية والعسكرية في الجنوب”، وبالتالي “يستبعد أن تنحرف عن سياستها الطويلة المدى، على سبيل المثال عبر زيادة وجود قواتها في اليمن مرة أخرى على أساس الاستفزاز”.