علي نجات
تُعد قضية «فك العاني»، أي: تحرير الأسرى أولوية تنظيم داعش الإرهابي، إذ لا يخلو خطاب من خطابات قياداته من الإشارة إلى محورية تلك القضية. إذ استمر التنظيم في التعويل على إستراتيجية «هدم الأسوار» منذ أبي مصعب الزرقاوي الذي أسَّس جماعة «التوحيـد والجهاد» التي كانت النواة الأولى لتأسيس تنظيم داعش، إلى أبي الحسن القريشي القائد الحالي لتنظيم داعش الإرهابي.
وقد بدأ التنظيم في تطبيق تلك الإستراتيجية في عام 2004 مع قيام أبي أنس الشامي بمحاولة استهداف سجن أبو غريب في العراق، غير أنَّها أتت ثمارها في عام 2013 مع نجاحه في اقتحام عدد من السجون العراقية وإطلاق سراح نحو (600) داعشي ممَّن انتقلوا إلى سوريا وعزَّزوا من نشاط التنظيم على الساحتين العراقية والسورية.
ومع تصاعد الضغط العسكري علی تنظيم داعش، وفقدانه معاقله الرئيسة، فضلاً عن القبض على عدد كبير من عناصره في سوريا والعراق، تصاعد الخطاب الداعشي المحفز على تحرير الأسرى، وبرز ذلك في خطاب أبي بكر البغدادي في أيلول/سبتمبر 2019، والذي جاء تحت عنوان «وقل اعملوا»، إذ طالب أنصاره بالهجوم على السجون لإطلاق سراح أتباعه، وإنقاذ مقاتليه وعائلاتهم المحتجزين، متوعداً بـ»الثأر» لهم. كما دعا إلى استهداف رجال الأمن والمحققين والقضاة في السجون التي يقبع بها عناصر التنظيم.
ومع تغيير القيادة المركزية للتنظيم بعد مقتل البغدادي، وتعيين أبي إبراهيم القريشي، استمر التنظيم في تأكيد محورية تلك القضية بالنسبة له، إذ أكَّد المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو حمزة القريشي في كل خطاباته ضرورة تحرير أسرى التنظيم. فقد طالب القريشي في خطابه الثاني الذي جاء تحت عنوان «دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها» في كانون الثاني/يناير 2020، العناصر الداعشية القابعة في السجون بالثبات، كما دعا أنصاره لتحريرهم. كما أكَّد أيضاً في خطابه الثالث الذي جاء تحت عنوان «وسيعلم الكفار لمن عُقبى الدار» في أيار/مايو 2020، على أنَّ التنظيم يبذل أقصى الجهود للإفراج عن معتقليه في كل مكان. وفي خطابه الرابع والأخير الذي جاء تحت عنوان «فاقصص القصص لعلهم يتفكرون» في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، دعا عناصره إلى تحرير أسرى التنظيم بالقوة عن طريق اقتحام السجون المحتجزين فيها.
وتقوم إستراتيجية «هدم الأسوار» على عدِّ هدف «فك العاني، أي: إطلاق سراح المعتقلين، من أبرز الأهداف التي يسعى إليها تنظيم داعش. فقد أكَّدت افتتاحية العدد 246 من صحيفة «النبأ» التي تصدر عن ديوان الإعلام المركزي في داعش أنَّ قيادة التنظيم ما زالت تضع قضية الأسرى على رأس قائمة أولوياتها، وأنَّ ولاة الأمر ما زالوا يوصون إخوانهم بتقديم هذه القضية على ما عداها. وشدَّدت على أنَّ «الواجب الأخص على جنود الدولة الإسلامية أن يجعلوا هذا الأمر همهم الدائم الذي لا يغفلون عنه».
كما شدَّد قادة داعش بعد مقتل أبي إبراهيم القريشي على إستراتيجية هدم الأسوار. فقد حرَّض تنظيم داعش في عهد أبي الحسن القريشي القائد الحالي للتنظيم على مهاجمة السجون في السعودية، وجاء في افتتاحية مطوَّلة نشرها التنظيم في جريدته الرسمية «النبأ» في بدایة شهر تموز/يوليو 2022، أنَّ «على المسلمين في بلاد الحرمين أن يدركوا أنَّ إخوانهم في سجون آل سلول يسنتصرونهم ليفكوا قيدهم، ويحرروهم من عذابات الأسر».
وعموماً، اشتدت تحركات تنظيم داعش الإرهابي لإطلاق سراح المعتقلين في السنوات الثلاث الماضية. فمع فشل بعض هذه العمليات والخطط، إلا أنَّ بعضها، کالهجوم على سجن ننغرهار في أفغانستان (آب/أغسطس 2020)، وسجن كانجباي في الكونغو الديمقراطية (تشرين الأول/أكتوبر 2020) وسجن الصناعة بمحافظة الحسكة السورية (كانون الثاني/يناير 2022)، وسجن كوجي في العاصمة النيجيرية أبوجا (تموز/يوليو 2022)، كان ناجحاً وأدَّى إلى هروب بعض المعتقلين.
تسلِّط هذه الورقة التحليلية الضوءَ على أهمية إستراتيجية هدم الأسوار في إعادة بناء دولة الخلافة، وهو ما فرض ثلاثة أسئلة أساسية تسعى إلى الإجابة عليها: أولاً: ما أسباب تركيز القيادة المركزية لتنظيم داعش على إستراتيجية هدم الأسوار؟ وثانياً: هل مقاتلو داعش قادرون على تنفيذ عمليات ناجحة في المستقبل؟ وثالثاً: ما أثر نجاح العمليات وإطلاق سراح الأسرى على مستقبل تنظيم داعش؟
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: