- كريسبين سميث
- حمدي مالك
- مايكل نايتس
غالباً ما تقوم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق باستهداف وقتل الصحفيين والمتظاهرين، وأصبحت السجون “السرية” التي تديرها هذه الجماعات مصدر قلق للنشطاء وجماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وتكره هذه الجماعات أن يُنظر إليها من قبل السكان – الذين يهتمون بشدة بسيادة القانون – كونها تقوم بأعمال إجرامية، لذلك حوّلت هذه الجماعات القطاع القانوني في العراق إلى ساحة معركة.
ليس من المستغرب أن ترتكب الميليشيات العراقية المدعومة من إيران التي تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية” مخالفات قانونية. فالجماعات التابعة لها غالباً ما تقوم باستهداف وقتل الصحفيين والمتظاهرين، وأصبحت السجون “السرية” التي تديرها الميليشيات مصدر قلق للنشطاء وجماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. كما انخرطت الميليشيات في حملة تم فيها استخدام قذائف وصواريخ استمرت لسنوات واستهدفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة العاملة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية، مما أسفر عن مقتل وإصابة جنود من قوات التحالف ومدنيين محليين. وفي الآونة الأخيرة، لجأت العناصر التابعة للمقاومة إلى قصف شاحنات مدنية يقودها مدنيون عراقيون، لكن يُزعم أنها تحمل الإمدادات والعتاد إلى قواعد التحالف. ولا يقتصر الأمر على العنف فحسب، بل تجني الميليشيات أيضاً دخلاً من مجموعة من المصادر والأنشطة التجارية غير المشروعة، بينما تسمح سيطرتها المتزايدة على عناصر في الحكومة والمؤسسات العراقية باستغلال عائدات نقاط التفتيش ومراقبة الحدود ومشاريع الابتزاز. باختصار، لا تحترم ميليشيات “المقاومة” كثيراً القانون المحلي العراقي، أو الأنظمة التي تحكم القوات المسلحة العراقية وموظفي الحكومة، أو أي قانون دولي.
وهذا الإجرام يجعل هوس الميليشيات [بتطبيق] القانون مفاجئاً إلى حدّ كبير. ومع ذلك، تُخصص الميليشيات المدعومة من إيران – والعديد منها من المنظمات التي صنفتها الولايات المتحدة كإرهابية – الكثير من الوقت والجهود لنشر اهتمامها بالقانون ودورها كمدافعة عنه. يجب على صناع السياسة، الذين يسعون إلى حلول طويلة الأمد للمشاكل التي تطرحها “المقاومة”، فهم شبه الالتزام بالقانون موضع البحث من أجل وضع حدّ لأنشطة هذه الميليشيات ودعم محاولات الحكومة العراقية للوفاء بالتزاماتها الدولية لمنع الانتهاكات من قبل الجهات الفاعلة المرتبطة بالدولة.
لماذا يُعتبر القانون مهماً للمقاوَمة
يشكّل القانون والمسائل القانونية نقاط حوار متكررة للميليشيات العراقية وقادتها وقنواتها الدعائية. وتشمل المواضيع التي غالباً ما تجري مناقشتها مفاهيم مرتبطة بقانون النزاع المسلح – لا سيما فيما يتعلق بشرعية استهداف القوات الأمريكية – والمكانة القانونية للميليشيات نفسها باعتبارها فرعاً رسمياً للقوات المسلحة العراقية من خلال «قوات الحشد الشعبي»، وهي منظمة مظلة للميليشيات العراقية التي تنتمي إليها “المقاومة”. وهناك ثلاثة أسباب تبرر اهتمام الميليشيات الكبير بالقانون.
- الحرب القانونية. تنجذب قنوات الميليشيات إلى إمكانيات استخدام المؤسسات القانونية المحلية والدولية لقمع وتشويه سمعة خصومها الأقوى منها عسكرياً. فالحرب القانونية (“استراتيجية استخدام – أو إساءة استخدام – القانون كبديل للوسائل العسكرية التقليدية لتحقيق هدف حربي”) في الشرق الأوسط ليست جديدة، غير أن استخدامها لدعم العمليات الناشطة في العراق هو ظاهرة متنامية. ويعتقد بعض المعلقين المرتبطين بالميليشيات أيضاً أن الولايات المتحدة تسعى إلى شن حرب قانونية ضد “المقاومة”.
- السيطرة على الدولة. يتمثل الهدف النهائي للميليشيات في السيطرة على الدولة العراقية من خلال مجموعة من المكاسب الانتخابية وإقامة حوكمة ظل للسيطرة على السكان والموارد العراقية. ويعكس ذلك جهود «حزب الله» في لبنان. ولكن لتحقيق هذا الهدف، تحتاج الميليشيات إلى الشرعية والدعم الشعبيين – ويبدو أن استطلاعات الرأي القليلة المتاحة تشير إلى أن الدعم محدود. وتوفر كثرة المراجع حول الالتزام بالقانون قيمة دعائية، على الرغم من الانفصال عن الواقع.
- النظرة إلى الذات. تَعتبر “المقاومة” نفسها على أنها مدافعة عن السيادة العراقية من جهة، ومطبقة للنسخة الإيرانية من “ولاية الفقيه” من جهة أخرى. ويمكن القول إن الدور المركزي الذي لعبته الميليشيات على أرض المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» عامل أساسي لتحديد نظرة “المقاومة” الحديثة لذاتها. وكل ذلك يعني أن الميليشيات سترغب على الأرجح في أن يُنظر إليها كمدافعة عن القانون العراقي أو مُصلحة له وليس كمنتهكة ومدمرة له، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة المتكررة.
وتمتد شرعية “المقاومة” إلى ما يتخطى مجرد مواضيع للنقاش، بل أصبحت جزءاً أساسياً من استراتيجية الجماعات لتحقيق أهدافها. ويجري تنظيم مؤتمرات قانونية في العراق للتوعية بشأن مواقف “المقاومة” القانونية وفكرها. وهي اليوم تهدد معارضيها باستمرار بمقاضاتهم قانونياً. وتشكل الحجج القانونية جزءاً متزايداً من عمليات المعلومات والدعاية الخاصة بالميليشيات.
المؤتمرات القانونية للميليشيات
يركز العدد المتزايد من المؤتمرات القانونية التي تنظمها الميليشيات والفروع التابعة لها عموماً على القضايا المتعلقة بمقاومة الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده. وتتعلق الموضوعات الشائعة بعدم شرعية الضربة الجوية الأمريكية في كانون الثاني/يناير 2020 التي أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وزعيم الميليشيات العراقية أبو مهدي المهندس. وفي كانون الثاني/يناير 2021، وكجزء من إحياء الذكرى السنوية لذلك الهجوم، استضاف «الحشد الشعبي» عدداً من الندوات القانونية تحت عناوين مثل “انتهاك سيادة العراق” و “اغتيال القادة“، حضرها أساتذة عراقيون في القانون الدولي، وأشرف عليها الطاقم القانوني للميليشيات.
كما تَعْقِد جماعات ميليشياوية اجتماعات منتظمة على منصات التواصل الاجتماعي مثل “تلغرام” تشبه شيئاً ما بين المؤتمر عبر الهاتف والبث الصوتي (“البودكاست”) ، حيث يناقش عدد قليل من المتحدثين البارزين القضايا والاستراتيجيات القانونية، والحرب القانونية، وحركات الشباب، وتقنيات “الحرب الناعمة”، بينما باستطاعة أولئك الذين تم الاتصال بهم التدخل والمشاركة. وتنطوي مثل هذه المؤتمرات والنقاشات على اعتراف متزايد بأهمية القانون والحرب القانونية في تحقيق أهداف الميليشيات. كما تكشف عن حركة مهتمة كثيراً بسلطة القانون العراقي وقيمته الدعائية، والقانون الديني، والقانون الدولي.
في آذار/مارس، أعلنت قناة “صابرين نيوز” الدعائية التابعة للمقاومة عن تشكيل «فريق مُجالد القانوني». وجاء في الإعلان “من منطلق إيماننا ورهاننا على شجاعة وأمانة القضاء العراقي، سيطلق فريق “صابرين نيوز”، بالاشتراك مع مجموعة من المحامين العراقيين المتطوعين، «فريق مُجالد القانوني» “لمقاضاة الجهات الاعلامية والسياسية التي اتهمت «الحشد الشعبي» المقدس وفصائل “المقاومة” [بمجزرة البو دور في محافظة صلاح الدين والتي … ]”. وفي حين أن تشكيل فريق معيّن يشكّل تطور جديد، إلّا أن التهديدات بالتقاضي أصبحت حيلة معيارية. وتمتد هذه التهديدات في بعض الأحيان إلى دعاوى تشهير حقيقية يتم رفعها في المحاكم العراقية.
الحرب القانونية وتفسيرات “المقاومة” لقانون الصراع المسلح
عندما يتعلق الأمر بالقوات الأمريكية في العراق، تستخدم “المقاومة” القانون لتشويه سمعة المهمة الأمريكية بنظر الجماهير العراقية والدولية، بينما تصوّر نفسها على أنها قائمة وفقاً للقانون (بتحريفها أي حقائق تثبت خلاف ذلك).
- قانون الاحتلال. تدّعي “المقاومة” أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هو احتلال. وبصورة موسّعة، تجادل الميليشيات أنه بإمكان استهداف الولايات المتحدة بموجب القانون العراقي والدولي. على سبيل المثال، غالباً ما يلقي قيس الخزعلي (زعيم ميليشيا بارز، صُنَّف على لائحة الإرهاب من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بتهمة “التورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”) خطابات يذكر فيها أن “جميع الشرائع السماوية وقوانين الأمم المتحدة تجيز لأي شعب من الشعوب إذا تعرض لاحتلال أن يحمل السلاح ويقاوم المحتل”. وتمزج مثل هذه التصريحات بين عناصر من قانون النزاعات المسلحة، مثل انتفاضة جماهيرية، وبين مفاهيم النضال من أجل تقرير المصير وقانون الحرب. ولتعزيز موقفها، غالباً ما تستشهد الميليشيات العراقية بعملية التصويت في “مجلس النواب” العراقي في 5 كانون الثاني/يناير 2020، حين أيّد النواب الشيعة طرد القوات الأمريكية من البلاد (على الرغم من أن الميليشيات اعترضت حتى قبل ذلك التصويت على الوجود الأمريكي في العراق). ولم يكن التصويت ملزماً، نظراً لعدم وجود عدد كافٍ من أعضاء “مجلس النواب”؛ وتواصل [القوات] الأمريكية و [قوات] التحالف العمل على الأراضي العراقية بناءً على دعوة من الحكومة العراقية. ومع ذلك، يبدو أن الاعتقاد بأن التحالف الأمريكي هو “احتلال” يخلق تبريراً شبه رسمي لقانون الحرب في أعين الميليشيات لاستهداف القوات الأمريكية. وتعرّف “المادة 42” من “لائحة لاهاي” لعام 1907 الاحتلال على النحو التالي: “تُعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها”. إن الولايات المتحدة ليست جيشاً معادياً (كونها ضيفاً للسلطة السيادية في العراق)، ولا تمارس أي سلطة على الأراضي العراقية؛ لكن هذه الحقائق لا تمنع “المقاومة” من استخدام القانون الدولي الإنساني لتبرير الهجمات. وبالنسبة للميليشيات – إذا تم أخذ بياناتها في ظاهرها – فإن الولايات المتحدة هي قوة أجنبية معادية تحتل العراق في انتهاك للسيادة العراقية. وإذا كان هذا صحيحاً، فقد يعزز اعتقاد الميليشيات بأن لديها الحق في استهداف الولايات المتحدة بموجب نظرية الدفاع عن النفس (رداً على استخدام الولايات المتحدة المزعوم للقوة ضد وحدة أراضي العراق). ولكن لتجنب الشك، فإن الولايات المتحدة ليست قوة احتلال في العراق في الوقت الحالي.
- مبدأ التمييز والسفارة الأمريكية. إن نقطة الخلاف الرئيسية في صفوف “المقاومة” هي ما إذا كان بالإمكان استهداف السفارة الأمريكية في بغداد قانونياً أم لا. وقد زعمت بعض الميليشيات – وخاصة «كتائب حزب الله» – علناً أنها لا ترى أنه بإمكانها استهداف السفارة كهدف غير عسكري. ولكن جماعات أخرى لها رأي مختلف: فبعض الجماعات، بما فيها «عصائب أهل الحق» ووكلائها، تشير إلى الموقع بـ “قاعدة التوحيد الثالثة”، وذكرت أن السفارة هي قاعدة عسكرية، تؤدي مهمة عسكرية، وبالتالي يمكن مهاجمتها. وقد استهدفت الميليشيات السفارة الأمريكية في مناسبات مختلفة خلال العام الماضي، على الرغم من أن جماعات “واجهة” تعمل كوكيلة للميليشيات الرئيسية (أو في الواقع مجرد جبهات ظاهرية وفرعية) تبنت هذه الهجمات أو لم تتبنَاها. وبغض النظر عن مرتكب الجريمة الحقيقي، فإن كل هجوم أطلق موجة من الانتقادات من «كتائب حزب الله»، أعقبتها انتقادات مضادة من الميليشيات الأخرى. إن أسلوب إعادة تحديد الأهداف التي يمكن القول إنها مدنية تحت أسماء عسكرية يتم النظر إليه أيضاً في تعامل الميليشيات مع الهجمات على مطار بغداد، والذي يشار إليه عادةً باسم “قاعدة فكتوري”. وسقطت صواريخ استهدفت المطار على مباني ومحطات مدنية. وتوحي الرغبة الواضحة في تعريف الأهداف ذات المهام المدنية كأهداف عسكرية بإدراك مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية الذي ينص عليه قانون النزاع المسلح على النحو المنصوص عليه في “المادتين 48 و52 (2)” من “الملحق (البروتوكول) الإضافي الأول” لـ “اتفاقيات جنيف” (التي وقّع عليها العراق) وينعكس في القانون الدولي العرفي. وربما تأخذ الميليشيات في الحسبان أم لا اللغة القانونية الدقيقة للمعاهدات، لكنها تعلم على الأرجح أن انتهاك هذا المبدأ الأساسي علناً قد يفقدها الدعم الشعبي.
- عدم تحمل مسؤولية الإصابات في صفوف المدنيين. تحرص الميليشيات على تسليط الضوء على إخفاقات الولايات المتحدة في ممارسة مبدأ التمييز في استهدافها العسكري، مشيرةً إلى حالات سقوط ضحايا وإصابات في صفوف المدنيين نتيجة عملياتها العسكرية. لكن خلال العام الماضي، كانت غالبية هذه الإصابات ناجمة في الواقع عن صواريخ الميليشيات وعبواتها الناسفة. ففي تموز/يوليو، سقط صاروخ على منزل في بغداد، مما أدى إلى إصابة طفل. ثم في 28 أيلول/سبتمبر، أدى صاروخ استهدف القوات الأمريكية في مطار بغداد إلى مقتل سيدتين وخمسة أطفال في منزل مجاور. وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، قتل طفل وأصيب خمسة مدنيين بصواريخ استهدفت السفارة الأمريكية. وأثناء هجوم الميليشيات على القاعدة الأمريكية في أربيل في شباط/ فبراير، أخطأت جميع الصواريخ الـ 14 أهدافها بدرجة كبيرة، باستثناء صاروخين، وسقطت على مناطق مدنية في المدينة وقتلت مدنياً واحداً. وفي كل حالة – وغيرها – سارعت القنوات الدعائية إلى نسب الإصابات إلى الإجراءات الدفاعية الأمريكية على غرار الأنظمة المضادة للصواريخ والمدفعية والهاون. وفي الوقت الذي تتفاخر فيه الميليشيات وشبكاتها الدعائية عموماً بالهجمات الصاروخية، إلّا أن أي جهة لا تتبنى أحياناً العدد الكبير من هذه الهجمات التي تتسبب بوقوع إصابات مدنية أو يتم إنكارها باعتبار أنها “نُسبت إليها بشكل مضلل”. وعند أخذها مجتمعة، فإن ذلك يكشف عن وجود توتر معقد في استراتيجية الميليشيات: فمن ناحية، تشعر بالحاجة إلى مواصلة الضغط على الولايات المتحدة، إلّا أنها تخشى في الوقت نفسه رد الفعل الشعبي العنيف الذي ينتج عن قتل المدنيين.
وهذه فقط بعض الأمثلة التي تكشف فيها أقوال “المقاومة” وأفعالها عن علاقة معقّدة مع القانون. فمن جهة، تسعى الميليشيات إلى استخدام القانون الدولي (والمحلي) كأداة لتمكين الهجمات وتبريرها وكسلاح لتشويه سمعة القوات الأمريكية وتقييدها. لكن المجتمع العراقي المنسجم مع القانون وسعي “المقاومة” للحصول على المصداقية الشعبية يخلقان توتراً مثيراً للاهتمام. وفي حين أن الميليشيات ليست مقيدة بالكامل بقانون النزاعات المسلحة، إلّا أنها ليست حرة تماماً في التصرف أيضاً. فوقوع الكثير من الانتهاكات أو سقوط عدد كبير جداً من الضحايا المدنيين يخاطران بفقدان المزيد من الدعم (أو على الأقل التسامح)، مما يقلل من فرصة تحقيق الهدف طويل الأجل المتمثل في الاستيلاء على الدولة.
قانون «الحشد الشعبي» ومكانة “المقاومة” في المجتمع العراقي
قبل سنوات قليلة، كانت الميليشيات مثل «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق» غير قانونية بموجب “المادة 9 (1) (ب)” من الدستور العراقي. إلّا أن ذلك تغير منذ ما يقرب من خمس سنوات، عندما تم دمج العديد من الميليشيات الشيعية في العراق – بما فيها “المقاومة” المدعومة من إيران – بشكل قانوني في قوات الأمن العراقية من خلال “قانون «قوات الحشد الشعبي» رقم 40 لعام 2016”. و«قوات الحشد الشعبي» هي منظمة جامعة للعديد من الميليشيات، وجميعها تابعة اسمياً لسلسلة القيادة الحكومية العراقية. وتمنح العضوية شرعية قانونية وسياسية لميليشيات “المقاومة”، وقد ساعدت هذه الشرعية الميليشيات على اكتساب نفوذ سياسي واجتماعي أكبر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة. وللميليشيات أعضاء في “مجلس النواب”، حيث خاضت انتخابات عام 2018 بنجاح كبير، بينما يشغل قادة الميليشيات والمنتسبون إليها مناصب عليا في الوزارات. وحاول رؤساء الوزراء المتعاقبون وضع «قوات الحشد الشعبي» تحت سلسلة القيادة. لكن حتى تاريخ كتابة هذا البحث، ما زالت الميليشيات قوية كما كانت في أي وقت مضى.
وتفتخر الميليشيات المدعومة من إيران بشكل خاص بمكانتها القانونية الرسمية، وتحرص للغاية على الحفاظ على الوضع القانوني لـ «قوات الحشد الشعبي». وفي الوقت الحاضر، يبدو أن “المقاومة” تعتبر نفسها عنصراً قانونياً في الدولة العراقية من الناحيتين “الهجومية” و”الدفاعية”.
- استخدام الدولة العراقية كدرع دفاعي. تدرك “المقاومة” أن مكانتها كعنصر في الدولة العراقية تُعقِّد الجهود لمواجهتها. فمن خلال الادعاء بأن الهجمات على ميليشياتها هي هجمات على الدولة العراقية، تسعى “المقاومة” إلى تقييد الولايات المتحدة مع بناء تعاطف شعبي. على سبيل المثال، في أعقاب الضربات الأمريكية، سلطت تصريحات “المقاومة” وحملاتها الدعائية الضوء على دور الميليشيات المستهدفة ضمن جهاز الأمن العراقي (ويجدر بالذكر أن إيران فعلت الشيء نفسه، ففي رسالتها مؤخراً إلى “مجلس الأمن الدولي” أشارت إلى الضربة الأمريكية “ضد القوات العراقية”). وفي أعقاب الضربة الجوية الأمريكية على مواقع «كتائب حزب الله» في سوريا في 25 شباط/فبراير (والتي جاءت رداً على هجوم الميليشيات على أربيل في 15 شباط/فبراير)، اعتادت القنوات الدعائية لـ “المقاومة” الإشارة إلى القتلى والجرحى بأنهم ينتمون إلى “اللواء 46” في «قوات الحشد الشعبي». وصحيح أن عناصر «كتائب حزب الله» تنفذ عمليات ضمن “الألوية 45 و 46 و 47” من «قوات الحشد الشعبي»، إلا أن الحكومة العراقية لم تأمر «قوات الحشد الشعبي» بالعمل خارج الحدود في سوريا أو تُصرّح لها بالقيام بذلك. بدورها، نشرت «هيئة الحشد الشعبي»، التي هي الهيئة الحاكمة لـ «قوات الحشد الشعبي»، بياناً أدانت فيه الولايات المتحدة بعبارات قانونية جاء فيه: “قبل أيام تعرضت قواتنا لاعتداء آثم من قبل القوات الأمريكية أسفر عن استشهاد أحد مقاتلينا… نعلن رسمياً أن قواتنا كانت ضمن خط الدفاع العراقي، و[نؤكد] أن هذا الاعتداء يُنبّئ بتطورات مستقبلية خطيرة يجب منع حدوثها. على السلطات المختصة وأولئك المعنيين القيام بواجبهم تجاه أبناء «الحشد الشعبي» الذين قدموا التضحيات ويواصلون تقديمها من أجل أمن العراق”. (وتتعارض مزاعم «هيئة الحشد الشعبي» بأن القوات التي استهدفتها الولايات المتحدة كانت “ضمن خط الدفاع العراقي” مع خطاب أرسلته سوريا إلى “مجلس الأمن الدولي” تدين فيه الضربة الأمريكية لوقوعها داخل سوريا). يذكر أن “المقاومة” المدعومة من إيران تهيمن على «قوات الحشد الشعبي» وتخضع لسيطرة أبو فدك، نائب رئيس هيئة أركان «قوات الحشد الشعبي» ومسؤول الاستخبارات السابق في «كتائب حزب الله». وتُستخدم خطابات مماثلة (مدعومة من تهديدات وأعمال عنف فعلية) كلّما حاولت الحكومة العراقية إصلاح «قوات الحشد الشعبي» أو اعتقال أفراد من ميليشيات فردية. لذا، ففي حين أن موقف “المقاومة” بأن وحداتها هي عناصر تابعة للدولة يوفر حرية التصرف والحماية للميليشيات، إلّا أنه يقيّد في الوقت نفسه ويحد من خصوم هذه الجماعات.
- الوضع القانوني لـ “المقاومة” كأداة للسيطرة على الدولة. على غرار «حزب الله» اللبناني، يتمثل الهدف النهائي العملي لـ “المقاومة” العراقية في السيطرة على الدولة العراقية. وتسعى مختلف الجماعات والفروع التابعة لها إلى تحقيق ذلك بعدة طرق: بعضها يسعى إلى تحقيق مكاسب انتخابية (في انتهاك للحظر الدستوري العراقي على ترشح أفراد القوات المسلحة لمناصب منتخبة). وبعضها الآخر توغل إلى داخل الدوائر والوكالات الحكومية (حيث تمكنت «كتائب حزب الله»، على سبيل المثال، من السيطرة على هيئة الطيران المدني في العراق وعلى مناولة الأمتعة في مطار بغداد). وفي المقابل، أنشأت جماعات أخرى حركات شبابية وشرطة آداب شبه عسكرية تستهدف الشركات والأشخاص الذين تعتبرهم مسيئين. وبالتالي، فإن الحفاظ على الدور القانوني والسياسي المتنامي لـ «قوات الحشد الشعبي» هو جزء أساسي من عمل “المقاومة“. وفي حين لا تحظى الميليشيات الفردية بشعبية (حتى أن احتجاجات الشباب الشيعي كانت موجهة ضد الميليشيات)، إلا أن «قوات الحشد الشعبي» الأوسع نطاقاً تحظى باحترام للدور الذي لعبه مقاتلوها في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». فالشرعية والمكانة اللتان منحهما القانون لـ «قوات الحشد الشعبي» في عام 2016 ساهمتا في نزع صفة الجماعات الإجرامية المنظمة عن الميليشيات وسمحت لها بالإدّعاء بأنها جزء محترم من الدولة.
وليس من المفاجئ أن تحارب الميليشيات بضراوة للحفاظ على المكانة المنصوص عليها في قانون عام 2016. فالقادة يخشون محاولات المسؤولين الحكوميين – ولا سيما رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي – الرامية إما إلى حل «قوات الحشد الشعبي» أو على الأقل إصلاحها من أجل ضمان سيطرة سلسلة القيادة الرسمية على وحداتها الفرعية. (وبالفعل، إن الحكومة العراقية مُلزمة في الواقع بالقيام بذلك بموجب قانون مسؤولية الدولة). وتهدد الميليشيات باستعمال العنف ضد رجال السياسة الذين يحاولون إصلاح «قوات الحشد الشعبي». وقوبلت محاولات سلطات إنفاذ القانون لاعتقال عناصر الميليشيات المرتبطين بالهجمات الصاروخية أو الهجمات على المتظاهرين، باستعراض للقوة وشن حملات ضغط كبيرة كان هدفها إرغام الحكومة على إطلاق سراح المشتبه بهم، أو تسليمهم إلى “عهدة” «قوات الحشد الشعبي». وتضمن هذه الجهود لمنع الإصلاح التنظيمي أو المساءلة الفردية، بقاء القوانين والمحاكم والمؤسسات العراقية غير قادرة على السيطرة على الميليشيات.
الأهمية لصناع السياسة: مساءلة الميليشيات
على صناع السياسة فهم المواقف والتفسيرات القانونية لـ “المقاومة”. فبالنسبة للميليشيات، تُعتبر بيئة القانون والمعلومات ساحات معارك يجب السيطرة عليها، في إطار مهمتها لطرد المحتلين المتصورين وسط إحكامها القبضة على المؤسسات العراقية وإقامة نظام تهيمن عليه إيران. ولا يمكن للقادة العراقيين وشركائهم الدوليين السماح للميليشيات باحتلال المجال القانوني من دون مقاومة.
- كشف خداع الميليشيات. تدّعي الميليشيات أنها تعمل في إطار القانون العراقي والدولي، وفي الدفاع عن السيادة العراقية. لكن هذا الادعاء غير صحيح وفقاً لأغلب المقاييس. يجب الطعن على نحو منتظم وعلني في السرديات القانونية لـ “المقاومة”. كما يجب تصنيف منتهكي الحقوق الفظيعة ومعاقبتهم من قبل الحكومات الشريكة بموجب تشريعات مثل “قانون ماغنتسكي العالمي” التي سنته الولايات المتحدة و”لوائح عقوبات حقوق الإنسان العالمية” في المملكة المتحدة. وحيثما أمكن، يمكن رفع دعاوى قانونية في المحاكم العراقية ضد قادة الميليشيات. ومن شأن هذه الإجراءات على أقل تقدير أن تجعل من الصعب على الميليشيات تقديم نفسها بشكل خاطئ على أنها قائمة بموجب القانون، وربما تقلل من فرص نجاحها الانتخابي في المستقبل.
- إسناد مسؤولية الهجمات والانتهاكات [إلى الميليشيات] علناً. الميليشيات تكره الأدلة. فهي على يقين بأن تحميلها مسؤولية أفعالها علناً يضر بأهدافها. وهذا هو سبب قيام عناصرها بقتل الصحفيين والباحثين الذين يفضحون انتهاكاتهم، ويعملون بشكل متزايد على إخفاء الهجمات على التحالف خلف وكلاء ومجموعات “الواجهة”. على الحكومة العراقية وشركائها على السواء تمويل الصحافة الاستقصائية التي تركز على انتهاكات حقوق الإنسان والقانون. وإذ يقر صناع السياسة بأن العمل الصحفي الذي يغطي أخبار “المقاومة” محفوف بالمخاطر، فقد ينظرون في توفير تدريب للصحفيين المعرضين للمخاطر حول كيفية التصرف في بيئات عدائية.
- فرض (وإنفاذ) العقوبات ضد منتهكي حرية التعبير. على العراق إصدار قوانين لحماية الصحفيين وفرض عقوبات على منتهكي الحق في حرية التعبير. يجب تكريس تمويل دولي ودعم استقصائي لمساعدة السلطات على تعقب المخالفين.
- إنفاذ القوانين العسكرية العراقية. توفر القوانين العراقية بالفعل إطار عمل لمحاسبة الميليشيات. وعلى وجه الخصوص، لا يمكن السماح للميليشيات بالتمتع بالحماية التي توفرها قوات الأمن العراقية، دون الخضوع أيضاً للقوانين الملزمة لتلك التنظيمات. ويوفر “قانون العقوبات العسكرية” لعام 2007“ لائحة شاملة بالجرائم والعقوبات التي تسري على منتسبي القوات المسلحة العراقية المستمرين بالخدمة. وتنص “المادة 28 (1)” على معاقبة أولئك الذين يسعون إلى سلخ جزء من العراق عن إدارة الحكومة أو لوضع العراق أو جزء منه تحت سيطرة حكومة أجنبية. وتعاقب “المادة 29 (8)” من يفشل في أداء واجباته، أو يتصرف بدون سلطة، أو يتصرف لعرقلة الحكومة – وهي التصنيفات التي يمكن أن تنطبق على قتل أو نية قتل فرد من الجيش، أو عسكري متحالف، أو مدني. وتنص “المادة 5” على أن “الجرائم المرتكبة ضد القوات التابعة لجيش دولة حليفة أثناء قيام هذه القوات بعمليات عسكرية مشتركة تُعتبر جريمة ضد القوات العراقية عندما يكون هذا البلد قد أبرم اتفاقية متبادلة مع جمهورية العراق”. وفي حالة انتهاك القانون، يجب على كل من الحكومة العراقية والدول الشريكة، الإعلان على الأقل، عن عدم شرعية الخطوة المتخذة ويجب، من الناحية المثالية، العمل على محاسبة الجناة.
- الاعتقال – والإدانة. بذل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جهوداً لاعتقال مرتكبي الهجمات، لكن في كثير من الأحيان تم الإفراج عن المشتبه بهم بعد أن ضغطت الميليشيات على السلطات. وغالباً ما لا تتسع سلسلة إسناد المسؤولية لتشمل كبار القادة والشخصيات السياسية. وإذا لم تكن هناك مساءلة عن الهجمات فمن غير المرجح أن تتوقف.
- تعزيز النظام القضائي العراقي. طالما لا يحظى النظام القضائي العراقي بالحماية والتمويل بصورة كاملة، سيكون من الصعب محاسبة الميليشيات المارقة (التي غالباً ما تعمل بشكل مشابه لمؤسسات الجريمة المنظمة). ويمكن استقاء عِبَر النجاحات والإخفاقات والمزايا والمساوئ من تجارب الولايات المتحدة في إدانة الجماعات الإجرامية المنظمة، أو من تجارب المملكة المتحدة في إدانة الإرهابيين في أيرلندا الشمالية أثناء الاضطرابات. على الدول الشريكة مساعدة جهات إنفاذ القانون وأفراد النظام القضائي في العراق على تطوير أنظمة مماثلة – مخصصة للسياق العراقي.
إن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران لا تلتزم بالقانون. ومع ذلك، تبغض “المقاومة” بأن يتم وصفها علناً بأنها تنتهك القانون. فهي تعلم بأن العراقيين يهتمون بسيادة القانون، وقد تبنّوا القانون كساحة معركة. ولكن من أجل احترام سيادة القانون وصونها في العراق على المدى الطويل، يجب منع الميليشيات فعلياً من القدرة على العمل دون مساءلة.
كريسبين سميث، باحث يركز على الأمن العراقي وقانون قضايا النزاع المسلح، وهو ضابط في الخدمة في “الاحتياط بالجيش البريطاني”. وأي آراء يتم التعبير عنها هي له وحده. حمدي مالك زميل مشارك في معهد واشنطن ومتخصص في الميليشيات الشيعية. مايكل نايتس هو “زميل برنشتاين” في المعهد. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع “جَسْتْ سكيوريتي” (Just Security).