- جويل رايبورن
- عُلا الرفاعي
- و سام داغر
“في 17 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جويل رايبورن، عُلا الرفاعي وسام داغر. ورايبورن هو نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المشرق والمبعوث الخاص لسوريا. وقد خاطب المنتدى بإيجاز عند البدء بتنفيد “«قانون قيصر»” لحماية المدنيين في سوريا”. والرفاعي هي زميلة في “برنامج غيدولد للسياسة العربية” في معهد واشنطن ولاجئة سياسية سابقة من سوريا. وداغر هو زميل غير مقيم في “معهد الشرق الأوسط” ومؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد: كيف دمّرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
جويل رايبورن
في 17 حزيران/يونيو، أعلنت الولايات المتحدة فرض 39 عقوبة متعلقة بسوريا، معظمها بموجب “قانون قيصر”. ويحمل هذا القانون اسم مصوّر سوري تجرّأ على نشر آلاف الصور الفوتوغرافية التي وثّقت أعمال التعذيب في سجون بشار الأسد، الأمر الذي منح الحكومة الأمريكية أداةً قوية لتعزيز المساءلة عن مثل هذه الجرائم. ويمثل تمرير “قانون قيصر” وتنفيذه التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة بشأن سياسة مشتركة لتحميل النظام المسؤولية وحل النزاع السوري بطريقة سلمية.
ومن المهم التركيز على المبررات المنطقية الكامنة وراء هذا التشريع. وكما يظهر تقريران أخيران للأمم المتحدة، فإن مسؤولية نظام الأسد عن جرائم الحرب هي مسألة إجماع دولي، وليس مجرد رأي أمريكي. ففي 6 نيسان/أبريل، كشف “مجلس التحقيق التابع للأمم المتحدة” أدلة تشير إلى أن النظام وحلفائه شنوا هجمات مدمّرة على المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدنية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، ألقت “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ” مؤخراً المسؤولية على نظام الأسد عن استخدام غاز السارين والكلورين في ثلاث هجمات منفصلة عام 2017. وهذه ليست سوى إثنين من أمثلة عديدة من الحرب الوحشية التي شنها النظام ضد الشعب السوري بمساعدة من روسيا وإيران، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 500 ألف مدني بريء.
وستكون العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر” إلزاميةً ضد الأهداف التي تسهّل على النظام إنتاج النفط أو الاستحواذ على سلع وخدمات وتكنولوجيات مرتبطة بالملاحة الجوية لأغراض عسكرية. وهذه هي العقوبات السورية الأولى التي تستطيع الولايات المتحدة فرضها على مستوى القطاعات. فعادة ما تتطلب العقوبات عقبات استدلالية كبيرة من حيث إثبات الأدلة، ولكن “قانون قيصر” يخفض سقف هذه المتطلبات. على سبيل المثال، لا تحتاج السلطات إلى أدلة على أن الشركة التي تدخل إلى منطقة دمشق لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار تستفيد مباشرةً من نظام الأسد، بل يكفي أن تستثمر في قطاع معين. كما يستهدف القانون أي جهات يتم القبض عليها متلبّسة بدعم المرتزقة، وكذلك الجهات الفاعلة الأجنبية التي تديم الصراع نيابة عن النظام وحلفائه. وبالمثل، يستهدف القانون الأشخاص المتورطين في الانتفاع من الحرب، بمن فيهم الجهات التي تقدم للنظام خدمات مهمة في مجال الإعمار أو الهندسة.
وعلى المدى البعيد، يهدف “قانون قيصر” إلى حرمان النظام من أي منافع اقتصادية أو مالية قد يحققها من انتصار عسكري نهائي في سوريا. ويتمثل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في تعزيز المساءلة وحرمان النظام من الوصول إلى النظام المالي الدولي إلى أن يصبح بالإمكان التوصل إلى حل سياسي للصراع. وتندرج العقوبات في إطار هذا الهدف، ويُقصد منها المساعدة في ضمان قيام أطراف النزاع بحله بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي هو خارطة الطريق المقبولة دولياً للتسوية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فقبل أن يتم السماح للحكومة السورية الحالية أو المستقبلية بالانضمام إلى المجتمع الدولي والمشاركة في الاقتصاد العالمي، يجب عليها القيام بما يلي: محاسبة الجناة على جرائم الحرب؛ الكف عن رعاية الإرهاب؛ تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية للاجئين؛ تفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية بشكل قابل للتحقق وبصورة دائمة؛ قطع علاقاتها مع القوات العسكرية الإيرانية والجماعات المدعومة من إيران؛ والتخلي عن عدائها لدول الجوار في المنطقة.
وجادل البعض في أن “قانون قيصر” قد يعرقل المساعدات الإنسانية للشعب السوري، إلا أن العقوبات الأمريكية ليست مسؤولة عن ظروف الحرب والصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها السكان حالياً – بل أن نظام الأسد هو المسؤول عن ذلك. وقد صُمّمت العقوبات الجديدة لردع النظام عن مواصلة حربه على الشعب وتحميله مسؤولية أفعاله. وكما هو الحال مع جميع العقوبات الأخرى المتعلقة بسوريا، يتمتع “قانون قيصر” بإعفاءات واسعة النطاق للتجارة والأنشطة الإنسانية المشروعة. وحتى الآن، لم تشهد الولايات المتحدة أي نشاط مشروع تم منعه من قبل برنامج العقوبات السورية.
ويشكل الإعلان عن عقوبات “قانون قيصر” الخطوة الأولى لما ستفعله الحكومة الأمريكية على هذه الجبهة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وفي الواقع، يجري الإعداد [حالياً] لمجموعات إضافية من العقوبات على سوريا. وهذا الصيف، سوف تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً سياسية واقتصادية غير مسبوقة على نظام الأسد من أجل عودته إلى العملية السياسية، بهدف تحقيق حل سياسي عادل ومنصف للصراع.
عُلا الرفاعي
شهد المجتمع الدولي مؤخراً حرباً كلامية مثيرة بين بشار الأسد وابن عمته الغني رامي مخلوف، الذي يُعتبر أثرى رجل أعمال في سوريا. وقد تبدو هذه الحرب بمثابة شرخٍ كبير داخل النظام، لكن ديناميكيات الخلافات العائلية القائمة منذ مدة طويلة تبيّن العكس – على سبيل المثال، يكفي أن نتذكّر كيف تمكّن النظام من تخطي ازمات داخلية أكثر خطورة التي حرّضت حافظ الأسد ضد شقيقه رفعت، وألّبت بشار ضد صهره آصف شوكت. وفي الخلاف الأخير، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن مخلوف هو جزء من دائرة النظام، وليس رجل أعمال مستقل. وقد لعب دوراً هائلاً في تمويل حملة الأسد عام 2011 وإبقاء النظام واقفاً على قدميه خلال الحرب على حد سواء.
ويقيناً، كشف الانتشار الحالي للسلطة في دمشق عن نقاط ضعف النظام. ومن غير المرجح الآن أن يتمكّن الأسد من توطيد سلطته بسرعة بسبب الانهيار المالي للبلاد، وظروف المعيشة المتدهورة للسكان، واستمرار الانتفاضات الشعبية. ومع ذلك، لا يزال الأسد يحصل على تأييد مجموعة متشددة من المناصرين الذين يستفيدون من وجوده. وبناءً على ذلك، فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو قيام حرب عصابات بين العصابات المدعومة من قوى الأمن وفروعها السياسية في مجلس الشعب السوري. وقد تندلع المظاهرات المناهضة للأسد عبر محافظات الجنوب (على سبيل المثال، محافظة السويداء) وداخل المجتمعات الصغيرة في وسط سوريا والمناطق الساحلية والجبال. ومع ذلك، من غير المرجح حدوث انتفاضة عامة في الوقت الحالي مثل تلك التي اندلعت عام 2011 بسبب الانقسامات العميقة في البلاد.
ومن جانبهما، قد تجد إيران وروسيا نفسيهما منخرطتَين بشكل أكبر في التوسط في الخلافات الداخلية لمنع الانهيار في سوريا. وقد يزداد الأسد حزماً إذا ما تلقّى دعماً دولياً أكبر، مما يشجعه على المطالبة بدعمٍ أكبر من الشعب السوري. غير أن موسكو وطهران قد تملّان من صفقته الخاسرة إذا استمر في إثبات عدم قدرته على قبول سيناريوهات مربحة للطرفين.
وفيما يتعلق بـ “قانون قيصر”، فلن يكون الشعب السوري راضياً عنه لأنه لا يدعو النظام إلى التنحي عن السلطة. وبشكل عام، لا يزال الناس يريدون رحيل نظام الأسد – وهو مطلب يُعبّر عنه حالياً المواطنون في جنوب البلاد، وفي محافظة إدلب، ومناطق أخرى. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من إعفاءات المساعدات الإنسانية، إلّا أن العقوبات الجديدة ستؤثر في الغالب على المواطن السوري العادي. وسيتم نقل الأعباء إلى المواطنين على نطاق أوسع لأن هذه هي الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد في ظل حكم الأسد.
سام داغر
يعاني الاقتصاد السوري من مأزق كبير. فليس هناك استثمار لإعادة الإعمار، ولا تستطيع الدول الراعية للنظام – أمثال إيران – المساعدة، في حين أن لبنان – الذي كان بمثابة صمام الضغط الاقتصادي للنظام والسوريين العاديين – يواجه أزمته الخاصة. ونظراً إلى الخيارات المحدودة للأسد، فقد قرّر شنّ حملة ابتزاز كبيرة ضد مخلوف ورفاقه الآخرين للمساعدة في دعم خزائن نظامه. وبينما أذعن معظم هؤلاء المقربين، قرر مخلوف المقاومة، ونشر مقاطع فيديو على “فيسبوك” أخرجت الخلافات، التي عادة ما تكون شخصية، إلى العلن. فرد الأسد بتجميد أصول عائلته.
وعلى المدى القصير والمتوسط، فإن هذه المواجهة قد تساعد الأسد على استرضاء قاعدة مناصريه والجهات الخارجية الراعية له على حد سواء، مما يتسنّى له الادعاء بأنه يقمع الفساد. وتأتي هذه الخطوة أيضاً في الوقت المناسب قبل انتخابات 2021، والتي من المرجح أن تكون مجرد خدعة كالانتخابات السابقة في عام 2014. وإذا ضاعفت شخصيات المعارضة السورية ضغطها على الأسد، فقد يحاول استرضائها عبر ضمّ بعضها إلى هذه الحكومة.
وفي الوقت نفسه، قد يتسبب الخلاف الحالي بمشكلة للنظام إذا قرر مخلوف التصدي له وعدم الوقوف على الهامش. على سبيل المثال، يمكنه حشد العلويين من عشيرته والعائلات الحليفة له إلى جانبه، أو اللجوء إلى “الحزب السوري القومي الاجتماعي” الذي يملك جناحه المسلّح الخاص ومنخرط في خصومةً طويلة الأمد مع “حزب البعث” التابع للأسد.
وفي مطلق الأحوال، أصبح الأسد اليوم أضعف من أي وقت آخر منذ توليه السلطة. وإذا كان يبدو ظاهرياً بأنه المنتصر في الحرب، إلا أن الحقيقة هي أن الدعم الروسي والإيراني هو الذي جعله قادراً على الحفاظ على السلطة. وفي اللحظة التي تسحب فيها موسكو وطهران هذا الدعم، سيكون الأسد في خطر كبير. وحتى في ذروة الحرب، كان في وضع أفضل مما هو عليه اليوم، فقد كانت الأموال تأتيه من طهران، وكانت موسكو تمدّه بالقروض، وقد تعاون نظامه مع برنامج إنساني للأمم المتحدة بمليارات الدولارات من أجل مكافأة أنصاره، الذين استفادوا أيضاً من أعمال النهب الضخمة. واليوم يريد هؤلاء المناصرون أنفسهم رؤية ثمار النصر، لكن الوضع الاقتصادي ذهب من سيء إلى أسوأ، لا سيما مع تفاقم مشاكل لبنان.
ومع ذلك، أمام النظام عدد قليل من الخيارات للتغلب على الأزمة الراهنة. فمن جهة، يمكنه تصعيد الحملة العسكرية في إدلب. ومن جهة أخرى، يمكنه تجربة خيار تصالحي لكسب الوقت، آملاً أن ينقضي عهد إدارة ترامب – على سبيل المثال، إجراء مفاوضات مؤقتة من خلال عملية الأمم المتحدة. وفي المقابل، وبناءً على عمق تأثير العقوبات الناجمة عن “قانون قيصر”، قد يحاول الأسد وشركاؤه في موسكو وطهران أيضاً التضافر ومواجهة التهديد الوجودي معاً. وثمة احتمال حتى في أن يلجأ النظام إلى الصين، على الرغم من أن بكين ليست متشوقة للانخراط في سوريا.
رابط المصدر: