سلّط تقرير حديث الضوء على تأثير زيادة مبيعات السيارات الكهربائية في الطلب على النفط النرويجي، في ظل التوجه العالمي لإزالة الكربون.
وأشار التقرير -الذي حصلت منصة الطاقة المتخصصة على نسخة منه- إلى عدم انهيار الطلب على النفط النرويجي رغم الارتفاع المستمر لمبيعات السيارات الكهربائية منذ عام 2010.
وبدلًا من ذلك، ظل الطلب على النفط عند المستوى نفسه الذي كان عليه في أوائل عام 2010.
ورجّح التقرير أن يظل الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط الخام، مكونًا مهمًا في قاعدة الطاقة العالمية لبعض الوقت، مع توقعات بأن يرتفع الطلب على النفط في ثلاثينيات القرن الحالي.
وتتوافق نتائج التقرير مع ما أكّده مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، في حلقة سابقة من “أنسيّات الطاقة” حول عدم انخفاض الطلب على النفط النرويجي مثلما هو متوقع.
النفط النرويجي ومبيعات السيارات الكهربائية
تُعَد السيارات الكهربائية بدائل أنظف لمركبات محركات الاحتراق الداخلي، التي تستعمل البنزين أو الديزل أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى؛ إذ إنها لا تنتج انبعاثات مباشرة في أثناء القيادة.
وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الصادر مؤخرًا عن السيارات الكهربائية، أن يصل الطلب على النفط لوسائل النقل البري إلى ذروته في عام 2025 تقريبًا، ويُمكن أن يحل محل 12 مليون برميل يوميًا من الطلب على النفط بحلول عام 2035 (يقدر الطلب على النفط بنحو 103 ملايين برميل هذا العام).
ومع ذلك، توقّعت وكالة الطاقة الدولية في الأصل أن يصل الطلب على البنزين إلى ذروته خلال عام 2019، قبل جائحة فيروس كورونا، ثم نُقلت الذروة المتوقعة في الطلب على البنزين إلى عام 2024.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، شكّلت السيارات الكهربائية حصة قياسية بلغت 92.1% من السيارات الجديدة المبيعة في النرويج.
وفي الربع الأول من عام 2024، بلغت هذه الحصة 90.2%، إذ شكّلت السيارات الهجينة (التي تجمع الهجينة بين البطارية ومحرك الاحتراق الداخلي) نسبة 6.6%، ومركبات الديزل 2.2%، وسيارات البنزين 0.9%.
وأشار التقرير -الصادر عن بنك الاستثمار السويسري “يو بي إس” (UBS)- إلى أنه على الرغم من أن 9 من كل 10 سيارات مبيعة تُعد كهربائية؛ فإن الطلب على النفط النرويجي ليس أقل مما كان عليه في عام 2010.
صحيح أن الطلب على النفط النرويجي لم يتمكّن قط من العودة إلى الذروة البالغة 250 ألف برميل يوميًا التي بلغها في عام 2018، ولكن من الصعب تحديد ما إذا كان هذا مدفوعًا بطرح السيارات الكهربائية أو بإجراءات عمل مختلفة (مثل العمل من المنزل).
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ظلّ الطلب على النفط النرويجي مستقرًا نسبيًا فوق مستوى 200 ألف برميل يوميًا.
أسباب عدم تأثر الطلب على النفط النرويجي
أرجع تقرير بنك الاستثمار السويسري “يو بي إس” التأثير الضئيل لمبيعات السيارات الكهربائية في الطلب على النفط النرويجي إلى سببين رئيسين.
السبب الأول هو أن الأمر يستغرق بعض الوقت حتى تترجم حصة السيارات الخالية من الانبعاثات المبيعة إلى مكسب ملموس في حصة مخزون المركبات، أي السيارات المسجلة على الطريق.
والسبب الآخر هو أنه كان هناك نمو سريع في الطلب على المنتجات النفطية غير المرتبطة بالنقل.
ورأى التقرير أنه جرى التقليل من شأن أول هذه الأسباب، وهو بطء دوران أسطول السيارات، أي عملية استبدال السيارات الحالية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في مبيعات السيارات عديمة الانبعاثات، خلال السنوات القليلة الماضية؛ فإن السيارات الكهربائية شكّلت 21% فقط من إجمالي أسطول السيارات في نهاية عام 2023، في حين شكّلت سيارات البنزين نحو 23% وسيارات الديزل نحو 33%.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبح حجم “الكعكة” أكبر، مع ارتفاع عدد السيارات المتداولة بشكل ملحوظ منذ عام 2010؛ إذ ارتفع إجمالي عدد السيارات الخاصة المسجّلة من 2.3 مليونًا في عام 2010 إلى أكثر من 3.2 مليونًا بحلول نهاية عام 2023.
وانخفض عدد سيارات البنزين المسجّلة إلى النصف، من 1.55 مليونًا في عام 2010 إلى 0.76 مليونًا في عام 2023، ولكن مع عدم تغيير الحصة تقريبًا، ارتفع عدد سيارات الديزل المسجّلة بنسبة 32% من 0.80 مليونًا إلى 1.07 مليونًا خلال المدّة نفسها.
وارتفع عدد السيارات عديمة الانبعاثات من ألفيّ سيارة في عام 2010 إلى 0.69 مليون وحدة بحلول نهاية عام 2023.
والاحتمال الآخر هو أن السيارات الكهربائية تُستَعمل لمسافات قصيرة، لكن النرويجيين ما زالوا يعتمدون على الوقود الأحفوري لتغطية مسافات أطول.
وتشير البيانات الصادرة عن هيئة الإحصاء النرويجية (SSB) إلى أنه بالنسبة للمسافات الأطول، غالبًا ما تُستَعمل السيارات الهجينة التي تعتمد إما على الديزل وإما على البنزين، تليها السيارات الكهربائية.
ومن ثم انخفض الطلب على البنزين بنحو 49% منذ بداية عام 2010، في حين ارتفع الطلب على الديزل بنحو 8% خلال المدّة نفسها.
بينما أن أرقام المركبات المذكورة أعلاه مخصصة للسيارات فقط؛ فإن الطلب على الديزل يشمل أيضًا الشاحنات والحافلات والشاحنات الصغيرة والجرارات.
توقعات نمو الطلب على النفط
أوضح التقرير -الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله- أن مثال النرويج يُظهر أن ارتفاع مبيعات السيارات الخالية من الانبعاثات لا يُترجم إلى انخفاض فوري في الطلب على النفط.
وكتب محلل السلع في بنك “يو بي إس” -الذي شارك في إعداد التقرير- جيوفاني ستانوفو: “بطبيعة الحال، نلاحظ أيضًا أن الطلب على النفط لا يعتمد فقط على السيارات؛ إذ تشير تقديراتنا إلى أن سيارات الركاب تمثل نحو ربع إجمالي الطلب على النفط على الصعيد العالمي”.
ومن غير الواضح أيضًا ما إذا كان بإمكان الدول الأخرى تطبيق الإعانات الضخمة نفسها التي شوهدت في النرويج لتعزيز مشتريات السيارات الكهربائية.
وأضاف جيوفاني: “نكرر وجهة نظرنا بأن الطلب العالمي على النفط لم يبلغ ذروته بعد.. وما زلنا نعتقد أنه سيزداد خلال السنوات المقبلة، ثم سيستقر ويبدأ في الانخفاض التدريجي في مرحلة ما خلال العقد المقبل.. ومن المرجّح أن يكون معظم النمو في البلدان النامية”.
وتوقّع التقرير أن يتباطأ نمو الطلب السنوي على النفط، خلال السنوات المقبلة؛ وقد بلغ متوسط معدل النمو نحو 1.2 مليون برميل يوميًا خلال العقدين الماضيين؛ ويُمكن لتقنيات احتجاز الكربون أن تغير المشهد بالنسبة للوقود الأحفوري، وتدفع تلك الجداول الزمنية إلى أبعد من ذلك.
كما قال جيوفاني: “من وجهة نظرنا؛ فإن الاتجاه نحو زيادة كفاءة استهلاك الوقود والعدد المتزايد من السيارات الكهربائية سيسهم في الوصول إلى ذروة متوقعة في الطلب على البنزين والديزل، على الأرجح خلال وقت ما من هذا العقد”.
وشدد على أنه من المرجّح أن يأتي المحرك الرئيس لنمو الطلب على النفط خلال السنوات القليلة المقبلة من قطاعات أخرى غير النقل.
مبالغات في النرويج
يؤكد هذا التقرير ما ذهب إليه مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، الذي قال إن انخفاض الطلب على النفط النرويجي كان أقل بكثير من المتوقّع في ظل وجود السيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أن الحديث عن ارتفاع المبيعات بنسبة 90% يشهد مبالغات كبيرة.
وأوضح الحجي، خلال حلقة من برنامج “أنسيّات الطاقة” على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، تحت عنوان “المستقبل المظلم.. السيارات الكهربائية والنفط”، أن هناك حاجة إلى 700 مليون سيارة على الأقل للتأثير في الطلب على النفط، “والحديث هنا عن السيارات ذات العجلات الـ4، وليس الدراجات النارية أو ثلاثية العجلات”.
وتابع: “بخصوص الدراسة المتعلقة بالنرويج، نجد ما يلي؛ أن عدد السيارات الكهربائية يجب أن يخفض الطلب على النفط بحدود 15 ألف برميل يوميًا، ولكن الانخفاض الفعلي كان بحدود 8 آلاف برميل يوميًا فقط، أي هناك 7 آلاف برميل يوميًا فرقًا”.
الأمر الآخر، أن مواطني النرويج اشتروا السيارات الكهربائية بسبب الإعانات الضخمة التي تقدمها الدولة إلى المشترين؛ إذ إن أغلب الإعانات كانت في صورة إعفاء ضريبي؛ لأن الضرائب كانت ضخمة جدًا على السيارات، وخاصةً السيارات الفارهة.
ومن ثم، فإن أغلب العائلات اشترت السيارات الكهربائية بوصفها سيارات إضافية، ولم تحل لدى هذه العائلات محل سيارات البنزين، التي يستعملونها في الرحلات الطويلة، وفق ما أكده الحجي.
وأوضح الدكتور أنس الحجي أنه تبيّن زيادة الطلب على النفط منذ عام 2016 حتى الآن، بسبب تآكل إطارات السيارات الكهربائية، وتغييرها الزائد، بنحو 60 مليون برميل تقريبًا.
كما يزيد الطلب على النفط بسبب تآكل الطرق والأسفلت الذي تسير عليه السيارات الكهربائية بسبب وزنها، لذلك تكون هناك حاجة إلى تبديله وتطويره.
وبسبب ثقلها، تخفف الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية من وزنها، وهو ما يأتي من جسم السيارة؛ وبدلًا من استعمال معادن “فولاذ أو حديد”، اتجهت الشركات إلى أنواع متقدمة جدًا من البلاستيك، وهي كلها مصنوعة من البتروكيماويات.
المصدر : https://attaqa.net/2024/04/26/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%ac%d9%8a-%d8%a8%d8%b7%d9%81%d8%b1%d8%a9/