هل تؤجل إسرائيل ضرب المواقع النووية الإيرانية إلى حين عودة “ترامب”؟

يبدو أن بنك الأهداف الإسرائيلية المُراد مهاجمتها داخل إيران لم يتحدد بعد بشكل كامل حتى الآن، حيث تختلف الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الديمقراطي، جو بايدن، مع توجهات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، بشأن المواقع –أو القطاعات تحديدًا– التي تريد تل أبيب ضربها في إيران، وربما هو ما أجّل الضربة حتى الآن، ومنح طهران في الوقت نفسه فرصة للتحضّر للهجوم.

فقد كانت التقديرات تشير إلى أن “نتنياهو” سوف يستغل يوم 7 أكتوبر 2024 –الذكرى الأولى لاندلاع عملية “طوفان الأقصى”– ويهاجم المواقع النووية في إيران، إلا أن صناع القرار الاستراتيجيين في واشنطن حالوا دون ذلك. فقد خالفت الإدارة الأمريكية –ولا تزال- طموحات “نتنياهو” بتوجيه هجمات قاصمة للبرنامج النووي الإيراني، في ردها المحتمل على الضربات الإيرانية لإسرائيل يوم الأول من أكتوبر الجاري، ودعوا إسرائيل لتوجيه “رد مناسب” على إيران مقارنة بالهجمات الإيرانية الأخيرة المُشار إليها.

يخشى الأمريكيون من أن تؤدي مهاجمة المواقع النووية الإيرانية إلى اندلاع حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط تهدد المصالح الاقتصادية العالمية، خاصة وأن إيران لديها الكثير من الأوراق وأدوات التهديد لم تفعّلها حتى الآن، مثل إغلاق مضيق هرمز بالقوة والدخول في حرب صواريخ حقيقية ضد إسرائيل قد لا تستطيع الأخيرة تحملها بشكل كامل؛ نظرًا لافتقارها إلى عنصر العمق الاستراتيجي، ما سيضع الطرفين أمام حرب وجود، وبالتالي حتمية الانخراط الأمريكي في مثل هذه المواجهة، وهو السيناريو الذي لا تريده الولايات المتحدة.

ولا تفضل الولايات المتحدة في الوقت نفسه مهاجمة تل أبيب لآبار ومنشآت النفط الإيرانية؛ خشية تأثير ذلك على الاقتصاد الغربي؛ من حيث الاحتمالات المتوقعة لزيادة الأسعار عالميًا، إلى جانب آثار ذلك البيئية. هذا إلى جانب ما يبدو منطقيًا بالتالي من رفض أمريكي لاستهداف رؤوس الحكومة الإيرانية الكبار في الوقت الراهن.

وخلاف ذلك، لا تمانع الولايات المتحدة إقدام إسرائيل على مهاجمة مواقع التصنيع الصاروخية ومراكز المسيرات والقواعد العسكرية الإيرانية؛ وهي ملفات حاولت إدارة بايدن –حتى قبل توليه الرئاسة خلال الحملات الانتخابية في 2020– معالجتها إلا أنها لم تصل إلى النتيجة التي كانت تريدها. فقد دعا “بايدن” كثيرًا إلى وضع الملف الصاروخي وملف المسيرات الإيرانيين على طاولة المفاوضات النووية في فيينا والتي لم تُستكمل منذ سبتمبر 2022.

عسكريًا، تحتاج إسرائيل إلى الدعم الأمريكي الواضح والكبير من أجل “الإجهاز على” أو “تدمير” البرنامج النووي الإيراني. إن إسرائيل تستطيع وحدها إلحاق أضرار كبيرة بالمواقع النووية الإيرانية، إلا أنها لن تستطيع وحدها القضاء عليه، وهو هدف بنيامين نتنياهو.

فقد أقدم الإيرانيون خلال السنوات الماضية على عمل كل ما يلزم لحماية مواقعهم النووية المحصنة تحت الأرض، ونشرها بطول البلاد وعرضها، ما يجعل تل أبيب في حاجة إلى حليف عسكري أقوى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن لقدراتها العسكرية المتفوقة أن تجعل من مسألة القضاء على البرنامج النووي لطهران خيارًا ممكنًا لإسرائيل وليس فقط تأجيل حصول طهران على القنبلة النووية لسنوات قادمة، وهي النتيجة التي ستقودها الضربات الإسرائيلية بمفردها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن لدى الولايات المتحدة القدرات العسكرية التي تستطيع الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية القابعة تحت الأرض بعشرات الأمتار، كالقنابل فائقة الوزن الخارقة للتحصينات التي يصل وزنها إلى 30 ألف رطل (أكثر من 60 طنًا) مثل قنبلة “جي بي يو 57 إيه بي”.

فعلى الرغم من امتلاك الجيش الإسرائيلي بالفعل لبعض أنواع تلك القنابل الخارقة للتحصينات، مثل “GBU- 31″، إلا أنها غير كافية للوصول للمواقع النووية الإيرانية الأكثر أهمية من حيث التخصيب وهما “نطنز”، الواقعة في محافظة أصفهان وسط إيران، و”فوردو”، المستقرة في مركز إحدى جبال محافظة قم التي تبعد عن إسرائيل أكثر من 1400 كيلومتر،  فضلًا عن أن نطنز نفسها تقع على عمق كبير للغاية تحت الأرض.

إن مختلف أسلحة الجيش الإسرائيلي تُعد غير قادرة على تدمير منشأتي “نطنز” و”فورود” من الناحية العسكرية، وتقع الأسلحة القادرة على ذلك وعلى حمل هذه النوعية من الأسلحة في أيدي الجيش الأمريكي والحلفاء. وعليه، فإن تل أبيب قد تستمع للنصائح الأمريكية في الوقت الراهن بعدم مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، والاكتفاء بتوجيه ضربة كبرى لمواقع تصنيع الصواريخ والمسيرات الإيرانية، أو للبنى التحتية العسكرية الإيرانية.

بل إن إسرائيل قد تضرب أكثر من هدف واحد في إيران من حيث استهداف مقرات الصواريخ والمسيرات ومواقع النفط؛ لتتسبب بذلك في خسائر كبرى للنظام الإيراني، إلا أنها في الوقت نفسه قد لا تهاجم المنشآت النووية الإيرانية طالما بقيت إدارة ديمقراطية في الحكم بواشنطن. ويقودنا ذلك إلى الإشارة إلى محاولة إيران تقديم دعم للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الحالية على النقيض من المرشح الجمهوري الأخر دونالد ترامب.

على النقيض من الرئيس الحالي جو بايدن، يؤيد المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب قصف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، بل إنه حثّ الإسرائيليين صراحة وعلنًا على مهاجمة المواقع النووية الإيرانية في حديث له في فعالية انتخابية بولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة أوائل شهر أكتوبر الجاري. وقال “ترامب”، حين عُرض عليه سؤال في هذا الخصوص كان قد عُرض على “بايدن”، “لقد طرحوا عليه هذا السؤال، وكان ينبغي أن تكون الإجابة: أضربوا النووي أولًا واهتموا بالباقي لاحقًا”، حسب قوله.

وفي ظل ارتفاع احتمالات عودة ترامب للبيت الأبيض في يناير 2025، ومع الأخذ في الحسبان توجهه وموقفه الحازم تجاه البرنامج النووي الإيراني بل والصاروخي أيضًا، فإن إسرائيل، مع معارضة إدارة بايدن الحالية التي ستنتهي في يناير المقبل، قد تؤجل “ضرب” المنشآت النووية الإيرانية لحين تولي “ترامب” رئاسة الولايات المتحدة، ولن يكون ذلك خيارًا أمام إسرائيل، بل إجبار تفرضه القدرات العسكرية وربما السياسية أيضًا.

وبعد كسر إسرائيل قواعد الاشتباك مع إيران في مطلع أبريل 2024، حيث هاجمت القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وردت عليها إيران بهجمات في الشهر نفسه تلت هجمات إسرائيلية مماثلة في أبريل أيضًا وتكرر هذا الأمر لاحقًا أيضًا بشقه الأول، فإن مسألة مهاجمة إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية ستبقى خيارًا متاحًا أمام الإسرائيليين، خاصة وأن الصراع الاستراتيجي بين الطرفين قد تطور على النحو الذي يضع هذه العملية كأمر محتمل أمام حلفاء إسرائيل، كما أن تل أبيب قد تُبقي حالة الصراع مع إيران وحلفائها على حالها الراهن حتى قدوم الإدارة المحتملة لترامب، وهو توقع مرجح في ظل عملياتها في لبنان ضد جماعة “حزب الله”.

وبناء على ذلك، يظل من غير المتوقع أن تتنازل إسرائيل عن هدفها في إلحاق ضرر واسع بالبرنامج النووي الإيراني، وعلى الرغم من اعتبار الوقت الراهن فرصة كبرى للقيام بذلك، يُرجح ألا تُقدم على هذا الأمر في ظل الصعوبات العسكرية والسياسية التي تواجهها. وعليه، فإنها قد تهاجم مواقع حساسة للغاية في إيران، وقد تؤجل مسألة ضرب المنشآت النووية الإيرانية لحين تبيان نتيجة السباق نحو البيت الأبيض واحتمالية نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب. ولعل العمليات العسكرية الواسعة التي تنفذها إسرائيل ضد التنظيمات الموالية لإيران قد توضح أن تل أبيب اتخذت قرارًا استراتيجيًا بمواجهة شاملة لإيران ووكلائها، وإن كان ذلك سيستغرق طويلًا، ما يمنح إسرائيل بالتالي فرصة انتظار تولي “ترامب” المحتملة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M