- بالرغم من إعلان المفوضية الأوروبية عن فرض رسوم جديدة على واردات السيارات الكهربائية الصينية، إلا أن المفوضية أبقت الباب مفتوحاً للتفاوض مع الصين حتى نوفمبر المقبل، لتجنب المزيد من التصعيد أو الدخول في حرب تجارية مع الصين.
- يهدف القرار الأوروبي إلى تقليص تنافسية السيارات الكهربائية في السوق الأوروبي، كما يهدف إلى دفع الشركات الصينية إلى توسيع قاعدتها التصنيعية على الأراضي الأوروبية.
- بالرغم من أن الصين ردّت على القرار الأوروبي بإطلاق تحقيقات مكافحة إغراق ضد بعض الواردات الأوروبية، فإنها ليست حريصة على تصعيد نزاعها التجاري مع أوروبا، لرغبتها في عدم خسارة أوروبا في ضوء تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وبخاصة في حال انتخاب ترامب.
- يُتوقع أن تنجح المفاوضات بين بيجين وبروكسل في الاتفاق على تثبيت الرسوم الجمركية أو خفضها مقابل تقليص الصين صادراتها من السيارات الكهربائية، والسماح بزيادة الواردات الأوروبية، وتوطين صناعة السيارات الكهربائية الصينية في أوروبا.
أبلغت المفوضيةُ الأوروبية الصينَ، في يونيو 2024، نيّتَها فرض رسوم جمركية مؤقتة على صادرات السيارات الكهربائية المصنَّعة في الصين. ودخلت الرسوم حيز التنفيذ في الرابع من يوليو الماضي، على أن يتم تأكيدها في نوفمبر المقبل. وهددت بيجين بالرد على هذه الرسوم عبر إطلاق تحقيقات في واردات أوروبية.
تحلل هذه الورقة الرسوم الأوروبية والغرض منها، ونظرة الصين لها، والتوقعات المستقبلية لهذا النزاع التجاري.
رسوم متوازنة
تهدف رسوم مكافحة الإغراق الجديدة، التي أعلنتها المفوضية الأوروبية بعد التحقيق الذي استمر تسعة أشهر -بحسب السلطات الأوروبية- إلى مواجهة الدعم الحكومي الصيني لصناعة السيارات، والذي سمح بطرح تلك السيارات في السوق الأوروبي بأسعار أقل من منافسيها. ويختلف مستوى الرسوم الجمركية المفروضة، إضافة إلى الرسوم القديمة والبالغة 10% بالفعل، بحسب العلامة التجارية كما هو موضح في الشكل 1. ولا تقتصر الرسوم على المصنّعين الصينيين فقط، بل تشمل أيضاً الشركات الغربية المصدِّرة إلى الاتحاد الأوروبي من الصين، مثل تسلا Tesla، وبي أم دبليو BMW، وفولكس فاغن VW، ورينو Renault. وطُبقت الرسوم بشكل رسمي في 4 يوليو الماضي، وإذا ما حظيت بدعم من أغلبية أعضاء الاتحاد فستتحول إلى رسوم مستمرة ولمدة خمسة أعوام، ابتداءً من 4 نوفمبر المقبل.
الشكل 1: الرسوم الأوروبية المفروضة على شركات تصنيع السيارات الكهربائية في الصين
وجاء فرض الرسوم الأوروبية عقب رفع الولايات المتحدة رسوماً مشابهة على السيارات الكهربائية الصينية في مايو الماضي من 25% إلى 100%. لكن الفرق يكمن في رمزية الرسوم الأمريكية، نظراً لقلة عدد السيارات الكهربائية المصنّعة في الصين في السوق الأمريكي. وعلى عكس السوق الأمريكي، فإن حصة السيارات الكهربائية المصنعة في الصين من السوق الأوروبي تحقق قفزات كبيرة، فقد ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من السيارات الكهربائية بنسبة 90% في عام 2023، وجاءت 54% من هذه الواردات من الصين. وتحتل الشركات الغربية في الصين الصدارة في الصادرات إلى أوروبا (انظر الشكل 2). وقد ارتفعت الواردات من الصين من 1.6 مليار دولار في عام 2020 إلى 11.5 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يمثل 37% من إجمالي واردات السيارات الكهربائية إلى الاتحاد.وزادت حصة الصين السوقية الإجمالية في قطاع السيارات الكهربائية الأوروبي بالكامل إلى 7.5% في عام 2023، مرتفعةً من 1% فقط في عام 2019.
الشكل 2: حصص الشركات المصنعة في الصين من السوق الأوروبي
(عدد الوحدات المباعة، حصة السوق بنسبة مئوية)
لكن خطوة الاتحاد الأوروبي مثيرة للجدل وللانقسامات الداخلية لعدة أسباب، أهمها: أولاً، التحقيق هو مبادرة ذاتية من المفوضية الأوروبية، وغير ناتج عن شكاوى من مُنتجي السيارات المحليين، وهي خطوة نادرة وتحمل شبهة سياسية وراء هذا التحقيق. ثانياً، استناد التحقيق إلى عوامل تهديدية مستقبلية (قد تحدث أو قد لا تحدث)، وليس ضرراً آنياً وحقيقياً قائماً. ثالثاً، الانقسامات الداخلية المسيطرة على الاتحاد، فعلى سبيل المثال يعارض المصنعون الألمان هذا التحقيق بينما يدعمه المصنعون في فرنسا، ويرجع ذلك إلى اعتماد صناعة السيارات الألمانية بشكل كبير على السوق الصيني، ومن ثم يزداد القلق في ألمانيا من الإجراءات الإنتقامية المحتملة من جانب الصين.
رؤية الصين إلى التحقيق الأوروبي
منذ الربع الأول من العام الجاري، أطلقت الصين تحقيقات مكافحة إغراق ضد واردات الصين من لحوم الخنزير والمشروبات الكحولية الأوروبية، في حين أشارت تقارير إلى أن منتجات الألبان وسلعاً أخرى قد تشملها تحقيقات كذلك.
ومن المهم هنا تحليل محددات السياسات/النظرة الصينية وفقاً لمتغيرات الحصص السوقية، والتقدير الصيني لقرارات المفوضية، ورؤية بيجين لتأثير النزاع التجاري مع الاتحاد الأوروبي على علاقاتها التجارية مع العالم.
شكّلت الحصص السوقية الصينية في أوروبا محوراً مركزياً في السياسات الصينية على مدار أعوام. ففي 2023 ارتفعت صادرات الصين من السيارات الكهربائية بنسبة 70% لتصل إلى 34.1 مليار دولار. ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر وجهة لصادرات السيارات الكهربائية الصينية، حيث يمثل ما يقرب من 40% منها، إلى جانب 15% أخرى تذهب إلى دول أوروبية أخرى غير أعضاء في الاتحاد (مثل بريطانيا وألبانيا وغيرهما) كما يوضح الشكل 3. وعلى سبيل المثال، قالت شركة “بي واي دي” BYD، أكبر الشركات الصينية، إنها تهدف إلى الاستحواذ على حصة 5% من مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا بحلول عام 2026، وأن تكون من بين أكبر خمس شركات سيارات في أوروبا على المدى المتوسط، في ظل توقع البدء بالعمل بمصنعها الجديد في المجر في عام 2026. وأعلنت شركة “شيري” Chery أنها ستوظف مصنعها الجديد في مدينة برشلونة الإسبانية لإنتاج 150 ألف سيارة بحلول عام 2029.
الشكل 3: صادرات السيارات الكهربائية الصينية بحسب المنطقة
ملاحظة: رابطة الدول المستقلة (CIS) تشمل روسيا وأرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان. أما دول آسيا-الباسيفيك من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD Asia-Pacific) فهي أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا.
تشكل صناعة السيارات الأوروبية 7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، و8.5% من العمالة في قطاع التصنيع.
ويُعيدنا ذلك إلى مقاومة الشركات الألمانية، بشكل خاص نتيجة الاعتماد الكبير على السوق الصيني. ففي عام 2021، باعت الشركات الألمانية حوالي 4.3 مليون سيارة في الصين، وهو ما يعادل نحو سيارة واحدة من كل خمس سيارات جديدة تباع هناك. ومنح ذلك الشركات الألمانية حصةً سوقية تبلغ 17% من جميع السيارات المباعة في الصين، مقارنةً بنحو 3% للعلامات التجارية الصينية في ألمانيا. وبلغت حصة السيارات الكهربائية الألمانية في السوق الصيني 7% في عام 2023. وعلى سبيل المثال، تبيع شركات فولكس فاجن ومرسيدس بنز وبي أم دبليو ما بين 33% إلى 40% من سياراتها في الصين.
لكن الحصص السوقية لا تكشف العلاقة بشكل كامل مقارنة بالشراكات العميقة والمتنامية بين الجانبين منذ عام 2005، ففي هذا العام استحوذت شركة من نانجينغ الصينية على شركة “أم جي” MG البريطانية من شركة “فينيكس موتورز” المالكة. وفي عام 2010، اشترى مؤسس شركة “جيلي” Gely، لي شوفو شركة فولفو من شركة فورد الأمريكية مقابل 1.8 مليار دولار، بينما استحوذ في 2018 على حصة تقدر بحوالي 9.6% في شركة مرسيدس بنزفي صفقة بلغت قيمتها 9 مليارات دولار. وفي 2021، كُشف عن أن “شركة بيجين لصناعة السيارات” اشترت حصة في مرسيدس بنز تبلغ قرابة 10%؛ أي أن شركات السيارات الصينية تمكنت تدريجياً من بناء شبكة مصالح معقدة ومنظمة، وخلق اعتماد متبادل مع قاعدة تصنيع السيارات الأوروبية طوال عقدين كاملين. وانعكس ذلك على الموقف الألماني من المحادثات حول الرسوم بشكل أظهر معارضة برلين لها.
ومن المهم أيضاً تحليل الإشارات الأوروبية المستترة من وراء قرار فرض الرسوم من وجهة نظر بيجين. ويمكن تفصيل ذلك كالآتي:
- يشير حساب الرسوم الجمركية بدقة تصل إلى مستوى 0.1% (بدلاً من تقريب التعريفات الجمركية إلى أرقام صحيحة، حسبها الاتحاد الأوروبي إلى خانة عشرية واحدة)، إلى نهج متعمد ودقيق يهدف إلى تقديم التعريفات الجمركية باعتبارها قراراً فنياً قائماً على البيانات، وليست نتيجة اعتبارات سياسية، ورغبة الاتحاد الأوروبي في امتثال هذه التعريفات لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتجنب أي اتهامات بممارسات تجارية غير عادلة أو تحيز سياسي.
- انخفاض مستوى الرسوم الجمركية بما يكفي لتمكين الشركات الصينية من الاستمرار في التصدير إلى السوق الأوروبية، لكنها، في الوقت نفسه، مرتفعة إلى مستوى يخلق حوافز أكبر لتشجيع هذه الشركات على توسيع قاعدة إنتاجها الصناعي في أوروبا (سبقت الإشارة إلى حالتي “بي واي دي” و”شيري”).
- فرض النسبة الأقل من الرسوم على شركة “بي واي دي” يكشف عن نية الاتحاد توظيف حجم الشركة الضخم لتشجيع التنافسية الداخلية، أي أن السلطات الأوروبية ترى في هذه التطروات ميزة قد تستخدمها للضغط على الشركات الأوروبية للتأقلم بسرعة مع معطيات السوق الجديدة.
- إبقاء المفوضية الباب مفتوحاً للتفاوض مع الصين فيما بعد 4 يوليو وامتداداً إلى 4 نوفمبر، لتجنب المزيد من التصعيد أو الدخول في حرب تجارية.
وإلى جانب الحصص السوقية وتقديرات الصين للقرارات الأوروبية، من المفيد فهم رؤية الصين للنزاع من مفهوم عالمي. فبالنسبة لبيجين، تمثل هذه المواجهة جبهةً أخرى من جبهات المواجهة التجارية والصناعية الأوسع مع الدول الغربية ودول أخرى، حول صادرات الطاقة النظيفة الصينية، والهدف الرئيس لبيجين هو محاولة عرقلة توجه الاتحاد الأوروبي وهذه الدول الأخرى نحو تبني السياسات التجارية الحمائية الأمريكية المتصاعدة.
وأحد أهم خصائص التفكير الصيني ستظهر في طريقة الرد على، أو التعامل مع، النزاع التجاري مع الاتحاد الأوروبي في سبيل تحقيق هدف فصل أوروبا، ثاني أكبر شريك تجاري للصين، عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتجارة مع الصين، أي أن بيجين ترى في هيكلة حلّ نزاعها التجاري مع أوروبا نموذجاً يمكن تطبيقه لاحقاً على مستوى المواجهات التجارية التي تتوقع أن تحدث مع دول أخرى في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد المحددات الرئيسة التي ستشكل طبيعة الرد الصيني هو تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي يجب ألا يتحول إلى قضية خاسرة بالنسبة لبيجين كما هو الحال مع واشنطن. وقد أظهرت القرارات الأوروبية رغبة بروكسل في تبني مقاربة أكثر اعتدالاً كثيراً مقارنة بالولايات المتحدة.
التوقعات المستقبلية
إلى الآن، أثبت التعاطي الصيني مع القرار الأوروبي رغبة بيجين في إظهار قدرتها على الرد (عبر الإعلان عن تحقيقات بخصوص منتجات لحوم الخنزير الإسبانية والمشروبات الكحولية الفرنسية والمنتجات الزراعية وتكنولوجيا الطيران والسيارات ذات المحركات الكبيرة)، دون استفزاز الاتحاد لتبني إجراءات تصعيدية إضافية. وترتبط هذه المقاربة بالانقسام الأوروبي حول القرار. وعلى سبيل المثال، بينما تدعم فرنسا وإسبانيا قرار فرض الرسوم الجمركية الجديدة، فإن ألمانيا والسويد والمجر تعارضه. ويُرجح خبراء استهداف الصين لمنتجات أوروبية وفقاً لمقاييس محددة، أهمها أن تحظى هذه المنتجات بأهمية على قائمة صادرات الاتحاد، لكن ألا تكون مهمة بشكل كبير يُجبر بروكسل على تبني إجراءات انتقامية؛ وألا ينبغي أن يؤثر استهداف هذه المنتجات في مصالح بيجين الأساسية؛ وألا تكون هذه المنتجات لدولة نافذة في الاتحاد الأوروبي ولها ثقل في قرارات المفوضية؛ وأن ترتبط أيضاً بمصالح جماعة ضغط أساسية لها نفوذ على صانع القرار في هذه الدولة. ويكمن هدف بيجين الأساسي من هذه الاستراتيجية في محاولة تعميق الانقسامات الأوروبية، وعرقلة قدرة الاتحاد على بناء توافق داخلي حول التحول نحو الحمائية تجاه الصين. وإذا لم تنجح هذه الاستراتيجية، قد تصعّد الصين باستهداف منتجات أكثر أهمية وذات قاعدة دعم أوسع داخل الاتحاد، كمنتجات الطائرات من إيرباص وبعض السيارات، إلى جانب المعادن النادرة الأساسية في تصنيع بطاريات الليثيوم (انظر الشكل 4).
الشكل 4: رسم بياني يوضح أن 90% من واردات الاتحاد الأوروبي من بطاريات الليثيوم-أيون مصدرها الصين
لكن الصين لا ترغب في أن تصل المواجهة إلى هذا الحد، بالتزامن مع غلق الولايات المتحدة أسواقها في وجه السيارات الكهربائية الصينية، وزيادة دول أخرى، على رأسها البرازيل وتركيا، الرسوم الجمركية عليها. وبدلاً من التصعيد، قد يتجه الجانبان إلى تبني صيغة توافقية في صورة نجاح المفاوضات في التوصل إلى اتفاق حول تثبيت الاتحاد الرسوم الجمركية أو خفضها مقابل تقليص الصين صادراتها من السيارات الكهربائية والسماح بزيادة الواردات الأوروبية لخلق توازن تجاري أكبر، وأن تسمح بروكسل بدروها للشركات الصينية بزيادة قاعدتها الصناعية على الأراضي الأوروبية على حساب الاعتماد الزائد على الصادرات، أي أن جهود الاتحاد تبدو مُنصبة على دفع الشركات الصينية الكبيرة باتجاه توطين صناعة السيارات الكهربائية في أوروبا. والمحفز الأساسي للأوروبيين هو انخفاض مستوى التوقعات حول تمكّن أوروبا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج السيارات الكهربائية أو البطاريات أو المعادن النادرة المستخدمة في تصنيعها، أو بناء سلسلة توريد مهيمنة في المجالات الثلاثة في أي وقت قريب.
ومع ذلك، لا يُتوقع إحجام الشركات الصينية عن الاستمرار في محاولات زيادة حصصها من الواردات في السوق الأوروبي، للأسباب التالية:
أولاً تراجع النمو في الطلب على السيارات الكهربائية في الصين ومن ثَم تراجع هامش ربح شركات السيارات الكهربائية، إلى جانب احتدام التنافس على الحصص السوقية في الداخل، وعلى سبيل المثال تراجعت هوامش الربح من 8.7% في عام 2015 إلى 4.3% في عام 2023.
ثانياً، زيادة القدرة الإنتاجية مدفوعةً بالدعم الحكومي ومستويات الأرباح المرتفعة من التصدير. ويظهر ذلك في خطط شركة “بي واي دي” لرفع قدرتها الإنتاجية في الصين من 2.9 مليون سيارة في نهاية عام 2023 إلى 6.5 مليون سيارة بحلول 2026. ونتيجة تراجع الطلب المحلي، ستحتاج الشركة إلى الاستمرار في زيادة صادراتها إلى أوروبا خصوصاً.
ثالثاً، اعتماد خطط توسع في الصادرات إلى أوروبا على المستويين الحكومي والتجاري. فقد أصدرت بلدية مدينة شنجن الصينية، في نوفمبر 2023، خطةً من 24 بنداً تستهدف زيادة صادرات السيارات الكهربائية من نحو 75 ألف سيارة في عام 2023 إلى 400 ألف سيارة في عام 2024، وإلى 600 ألف سيارة في عام 2025. وبالمثل، بعد تحقيق هدفها بالاستحواذ على حصة 5% من إجمالي السوق الأوروبي في عام 2026، تسعى شركة “بي واي دي” لزيادة هذه الحصة إلى 10% بحلول 2030، أو ما يعادل 920 ألف سيارة.
رابعاً، استثناء السيارات الكهربائية الهجينة (القابلة للشحن) من تحقيق الاتحاد الأوروبي، ويتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة شركات السيارات الصينية من شحنات السيارات الكهربائية الهجينة إلى أوروبا بالتوازي مع السيارات الكهربائية. وبدأت بعض مؤشرات ذلك في الظهور بالفعل، مع زيادة حصة السيارات الكهربائية الهجينة في السوق الأوروبي في يونيو الماضي من 24.4% إلى 29.5% على أساس سنوي.
خامساً، توقع زيادة مستوى المركزية في صنع القرار والتدخل/الدعم الحكومي مع احتدام تنافس القوى العظمى. ويُرجح أن تستمر الحلقة المفرغة المتمثلة في شعور الصين بالتهديد؛ فمزيد من المركزية في صنع القرار الاقتصادي يقود إلى مزيد من دعم شركات “القوى الإنتاجية الجديدة” كالسيارات الكهربائية، ليقود من ثَم إلى مزيد الإجراءات الحمائية الغربية وسياسات احتواء صعود الصين.
سيؤدي ما سبق إلى زيادة التنافسية بشكل كبير في السوق الأوروبي، مع تحول الشركات الصينية إلى منتجين أوروبيين عبر التوطين في السوق الأوروبي. وستتيح هذه التعريفات الجمركية المزيد من الوقت للمصنّعين الأوروبيين للاستثمار أكثر في التطوير وهيكلة سلاسل التوريد كي يصبحوا قادرين على المنافسة. لكنْ قد يكون للرسوم تأثير سلبي على تحول الطاقة في أوروبا على المديين القريب والمتوسط، إذ يُرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية، الناجم عن فرض الرسوم رسمياً، إلى تباطؤ الطلب عليها في ظل التراجع الذي يشهده السوق بالفعل حتى قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ. ففي يونيو الماضي، شكلت السيارات الكهربائية 14.4% من سوق السيارات الأوروبي، بانخفاض عن 15.1% في الفترة نفسها من العام السابق. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري انخفضت هذه الحصة إلى 12% مقارنة بـ 14.5% في الفترة نفسها من عام 2023. وسيخلق هذا المسار المزيد من التحديات أمام الوصول إلى هدف الاتحاد الأوروبي (الصعب أصلاً) بالتخلص من السيارات العاملة بالوقود تماماً بحلول عام 2035.
الاستنتاجات
من أجل فهم حقيقة النزاع التجاري الحالي، يمكن النظر إلى قرار الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية باعتباره لكمةً سريعة وأخيرة يوجهها ملاكم مُنهك في أثناء سقوطه الأخير. هذه الإجراءات لن تغير المسار الصعودي لصادرات منتجات الطاقة الجديدة الصينية، ولن تردع بيجين على المدى الطويل. ومن ثم، يبدو مسار التوطين، الذي يبدو هدفاً لصنّاع القرار الأوروبيين، لامفر منه إذا أراد الطرفان الوصول إلى صيغة “ربح-ربح”. لكن تحقق هذا المسار سيتوقف، بشكل جزئي، على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أخذاً في الاعتبار نزعة ترامب الحمائية ومقاربته العنيفة تجاه الممارسات التجارية الأوروبية التي -مثل نظرته للصين- يَعتبرها غير عادلة. ومن ثم ستكون المحددات الأساسية لاستيعاب المشهد التجاري الأوروبي-الصيني الآخذ في التشكل (المتمثلة في الأهداف الاستراتيجية الأوروبية، ورد فعل الصين، وموقف واشنطن المستقبلي) هي العوامل التي يجب ترقبها خلال الأشهر المقبلة.
المصدر : https://www.epc.ae/ar/details/featured/hal-tuadiy-alrusum-al-uwrubiyat-aljadidat-ealaa-sadirat-alsayaarat-alkahrabayiyat-alsiyniat-iilaa-harb-tijariat-bayn-altarafayni-