طارق فهمي
مع تواصل اللقاءات الدورية بين قادة رؤساء مصر والعراق والأردن والتي كان آخرها في 25 أغسطس (آب) الجاري أثير سؤال هل نحن أمام اتحاد عربي جديد، أم مجرد عقد لقاءات دورية في توقيتات محددة بهدف نقل رسائل سياسية إلى أطراف عربية أو أقليمية، أو كرد فعل على أحداث تجري في الإقليم، لها انعكاسات مباشرة على ما يجري في الدول العربية ودول معيّنة.
ملاحظات جوهرية
جاء اللقاء الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، وهو الثالث، على التوالي إذ عقد لقاءان من قبل في توقيت مهم للغاية، في ظل تحولات حقيقية تجري في العالم العربي بالإعلان الإماراتي عن قرب توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل ودول عربية أخرى عن رغبتها في حذو الموقف الإماراتي، المعنى أن هناك تغييرات هيكلية ستجرى في بنية النظام الإقليمي العربي، التي يجب التعامل معها بمسؤولية من قبل بعض الدول في الإقليم بصرف النظر عن الفكرة المطروحة والتي جاءت في سياق ما سبق وطرحه مصطفى الكاظمي وأطلق عليه تحالف الشام الجديد.
الملحوظة الأخرى هي عدم انعقاد القمة العربية في موعدها في الجزائر على الرغم من محاولات الأمين العام أحمد أبو الغيط ذلك، واصطدمت مواقف بعض الدول العربية ليعلن الرئيس الجزائري تأجيل القمة بحجة أزمة كورونا بالإساس إلى شهر يونيو (حزيران) الماضي، ثم إلى أجل غير مسمى، وللمرة الأولى في تاريخ مؤسسة الجامعة العربية لا تعقد قمة، وهو مؤشر حقيقي إلى أن دولاً عربية لم تعد ترى فيها وفي مؤسساتها ضرورة حقيقية للاستمرار.
من اللافت أن البيان الختامي للقاء الثلاثي تضمّن تأكيداً حقيقياً على وحدة العمل العربي المشترك، وعقد سكرتارية دائمة بالتناوب، ما يعني أن هناك مخططاً سيتم العمل فيه لاحقاً، وتحويل اللقاءات إلى عمل دائم مرشح لدخول أطراف عربية أخرى، أي لن يكون مغلقاً، ويمكن أن ينضم لبنان أو سوريا، وأيضاً الجزائر وليبيا في وقت لاحق ما سيطرح سؤالاً حول علاقة هذا التجمع أو الاتحاد بالجامعة العربية، وفي الذاكرة القريبة مجلس الوحدة العربية، والذي كان يضم هذه الدول إضافة إلى اليمن مقابل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، وهي مؤسسات لها ارتباطات مباشرة بالنظام الإقليمي العربي، عملت إلى جواره ولم تخصم من المؤسسة الرئيسة للنظام.
إذن، ليس التجمع الثلاثي موجهاً إلى أحد ولكن وبنظرة على التطورات العربية نلاحظ ما يلي:
أولاً: إنه يأتي في ظل انكفاء الجامعة العربية على خياراتها الضيقة بعد فشل عقد القمة مؤخراً، وقد يحمل في مقابل ذلك بريق أمل في إحياء هذا النظام العربي في مواجهة المخاوف من القفز على المعطيات الحالية، وإقامة نظام شرق أوسطي وسوق عربية مشتركة، مع تنفيذ مقاربة المنامة التي دشنت الرؤية الأميركية للسلام والازدهار لاحقاً، المعلنة من الرئيس ترمب في بدايات يناير (كانون الثاني) 2020، والمعنى المستهدف أن هناك إدراكاً عربياً بضرورة إعادة التنسيق والتكاتف في مواجهة ما يجري ولو بصورة غير مباشرة.
ثانياً: عقد القمة في الأردن على مقربة من الأراضي الفلسطينية له دلالاته السياسية والإستراتيجية، من أن هذه الدول العربية تؤيد الحق الفلسطيني استناداً إلى ما ذكر في البيان الختامي على أساس الشرعية الدولية، والمقررات الحاكمة، التي صدرت عن مجلس الأمن، إضافة إلى نصوص المبادرة العربية أي أنه لا يستند إلى توجهات منفردة أو واحدية وهو ما قد يمس الجانب الفلسطيني.
ثالثاً: يرى البعض أن هذا التجمع الثلاثي ليس تجمع الدول الثرية، أو التي لديها إمكانات وقدرات اقتصادية أو استثمارية كبيرة، وهذا غير صحيح، فمصر تمثل الثقل الأكبر عسكرياً وبشرياً والعراق ذات إمكانات اقتصادية هائلة بصرف النظر عن التعثر الراهن وعلاقاته بالإدارة الأميركية الراهنة، وقد شارك رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الاجتماع بعد أيام قليلة من عودته من واشنطن، وحصوله على دعم أميركي كامل، ما سينعكس على حضوره في المشهد العربي، أما الأردن فهو الدولة المهمة والأكثر ارتباطاً بالصراع العربي الإسرائيلي ويحتل موقعاً ومركزاً إستراتيجياً مهمين، من ثم فإن الأمر مرتبط بإمكانات مختلفة يمكن أن تؤسس لعمل عربي. وفي حال انضمام دول عربية أخرى سيكون الأمر مختلفاً وقد يقف في مواجهة ما يجري ويخطَّط للنظام العربي بأكمله، في توقيت بالغ الأهمية على اعتبار أن المنطقة بأكملها تمر بحالة من السيولة السياسية والإستراتيجية، وهناك تدخلات خارجية عاصفة ستؤسس لمرحلة جديدة في العالم العربي، ما يتطلب إتمام مراجعات عربية مسؤولة من بعض الدول، وفي حال دخول الجزائر أو سوريا ستتغير قواعد التوازنات المقبلة (الاتحاد المغاربي مجمد)، كما أن مجلس التعاون الخليجي ومع تبعات ما جرى من السلوك القطري واستمرار المقاطعة العربية وعلى الرغم من استمرار الانعقاد، إلا أنه يعاني أزمة حقيقية في تفعيل مؤسساته الحقيقية في ظل اتجاه قطر لبناء علاقات إقليمية بديلة مع إيران وتركيا وإسرائيل.
رابعاً: ليس بخافٍ أن إسرائيل تسعى إلى تقويض أركان النظام العربي لنظام أكثر قبولاً بحضورها السياسي والإستراتيجي المستقبلي والذي ستكون فيه، وفقاً لرؤية سياسية، قائداً لنظام الشرق الأوسط الجديد في حال تحقيق السلام والاستقرار في إطار دعاوى مرتبطة بخطط السلام الاقتصادي، بديلاً من السلام السياسي ليأتي التجمّع المصري العراقي الأردني في مواجهة ما يخطط من مشروعات، وتحديات حقيقية تتطلب التعامل معها ومواجهتها.
مسارات حقيقية
نحن إذن، أمام مسارات متوقعة ستكشف عنها تطورات ستجري في منظومة العلاقات المصرية العراقية الأردنية بخاصة أن التعاون الثلاثي سيبدأ بمشروعات اقتصادية مباشرة في مجال الربط الكهربائي والطاقة وسيمر بتحسين بيئة التعاون الاقتصادي الراهن وتطويرها إلى الأفضل في إطار قاعدة المصالح المشتركة، التي قد تتطور لاحقاً إلى مرتكز لنموذج اقتصادي وسياسي ناجح قابل للتكرار في حال دخول دول أخرى، أي أن التجمع يبدأ بالفعل اقتصادياً كمدخل أوليّ على أن يتحوّل لاحقاً إلى تجمع سياسي لمواجهة ردود الفعل التي قد تثار، وتطرح في ما يخطط بين الدول الثلاث ذات الارتباطات المعقدة إقليمياً ودولياً كما قد يكون البديل العربي المؤقت والمرحلي في حال بقاء الجامعة العربية على حالها، وعدم إقدامها على إعادة ترتيب حساباتها التي هي في الأساس محصلة لإرادات عربية حقيقية. وإن الجامعة في نهاية المطاف عاجزة عن تبني مواقف حقيقية في ظل الوضع العربي الراهن ومساعي بعض الدول العربية إلى إبقاء دورها على ما عليه وعدم تفعيله، وتربط هذه الدول مواقفها بحجج أهمها شخص الأمين العام نفسه والأزمة المالية، ورفض خطط الإصلاح والتطوير للجامعة ونظامها الأساسي وغيرها من الأمور.
يقابل هذا الاحتمال اتجاه التجمع الثلاثي إلى التحوّل إلى مجلس للتعاون على أسس وخبرات عربية متراكمة مع إعداد نظام أساسي شامل وأهداف محددة ومع ربطه بالجامعة العربية بهدف تحريك المياه الراكدة عربياً، على أن يكون الأمر مرتبطاً بحسابات سياسية واقتصادية بالأساس مع الابتعاد عمّا يسبب ردود فعل غير جيدة على الأقل راهناً ومنعاً لإثارة مواقف رافضة بخاصة أن دخول مصر في تحالف هيكلي مع العراق سيزعج الجانب الإيراني، وانضمام الأردن إلى العراق في مشروعات قد ينقل رسائل مباشرة إلى دول الخليج التي لم تقدم دعماً جديداً للجانب الأردني بعد انتهاء المنحة الخليجية واقتصار الأمر على تقديم مساعدات صغيرة لاقتصاد منهك يعاني أصلاً من أزمة هيكلية.
في كل الأحوال نحن أمام مشهد مفتوح لتعلاملات مصر والعراق والأردن، والقضية ليست في شكل التجمع أو أهدافه أو مجالات التحرك إنما في ما ورائه من تطورات متعلقة، مع الأخذ في الاعتبار ما هو مقبل في الإقليم وحالة الاندفاع من بعض الدول العربية تجاه إسرائيل من دون تغيير حقيقي وجوهري في موقف الأخيرة الأصلي، وفي ظل مخاوف فلسطينية من انهيار قاعدة المقاطعة العربية، وعقد معاهدات حسن جوار وعدم الاعتداء ليصبح الجانب الفلسطيني وحيداً في المضمار السياسي، وهو متسع وضيق من خيارات في مواجهة ما يجري فعلياً.
إن التجارب التي مرت بها بعض الدول العربية، ومنها مصر في إجراء مثل هذه المشروعات انتهت بخبرات مختلفة منها الوحدة مع سوريا والاتحاد الثلاثي بين مصر وليبيا ومصر ومجلس الوحدة الذي قوّض أركانه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بدخول الكويت. والرسالة أن هناك بالفعل تجارب جيدة وسلبية في آن واحد والمؤكد أن ما في أذهان القيادات العربية التي تخطط لبناء تحالف واقعي مقاربته الأولى اقتصادية على أن تليها مجالات أخرى بحسب تطور المواقف في الإقليم لاحقاً، أهمها تسريع مسار الاتجاه إلى علاقات جديدة مع الجانب الإسرائيلي أو إبطائه.
أخيراً تبقى الإشكالية الحقيقية متمثلة في ما هو وراء المخطط الإقليمي الجاري الإعداد له والمتمثل في الاتجاه لبناء نظام شرق أوسطي أمنياً وسياسياً مقابل تقويض أركان النظام الإقليمي العربي، الذي ما زال صامداً على الرغم من كل ما يجري. فهل سيكون هذا التجمع الصاعد طوق نجاه مما يجري ويخطَّط له، ويتجه إلى إحياء بعض مجالات العمل العربي المشترك، ويعيد تقديم الجامعة العربية إلى الواجهة أم سيكون محصوراً في نطاقه المحدّد وعلى مستوى دوله الثلاث فقط، مع التأكيد على توسيع عضويته علماً أنه قد يؤدي إلى احتمال بناء تجمعات مقابلة أو تحالفات أخرى على قاعدة المصالح المتبادلة، التي تشكَّل تحت مظلة النظام الأساسي للجامعة العربية وأسسه وعلى الرغم من كل ما يجري من بناء مخططات بديلة في العالم العربي.
رابط المصدر: