انضمت فنلندا إلى حلف الناتو في بداية أبريل الماضي بعد مرور سنة فقط على تقدمها بطلب الانضمام، لتصبح أسرع عضو في تاريخ الناتو يحصل على قبول الحلف، بالإضافة إلى اقتراب السويد من الانضمام. أثار هذا الانضمام العديد من الأسئلة عن أسبابه بسرعة غير مسبوقة، بعد تغيير موقف الحياد التاريخي لفنلندا وباقي الدول المجاورة لروسيا وأوكرانيا. ويتمثل تفسير هذه السرعة غير المسبوقة في القبول بشكل رئيس في رغبة الناتو تضييق الحصار على روسيا ووضعها تحت ضغوطات وتهديدات أكبر لإجبارها على التراجع.
يأتي هذا القبول بالتزامن مع تصريحات العديد من القادة الأوروبيين برغبتهم في التعجيل بعملية انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي، والتي اتخذت قرارًا بتغيير موقف الحياد هي الأخرى وقدمت طلب الانضمام للتكتل برفقة أوكرانيا في يونيو من العام الماضي، مما يرفع التساؤلات عن أسباب هذا التغيير وإمكانية تعامل الاتحاد الأوروبي مع طلبات الانضمام هذه كما تعامل الناتو مع فنلندا.
أسباب تغيير موقف مولدوفا
لطالما حرصت الدول الأوروبية المجاورة لروسيا على موقف الحياد بين الدول الغربية وروسيا بسبب حساسية موقعها الجغرافي، إلا أن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية طال هذه السياسة المحايدة؛ إذ سارع الكثير من هذه الدول الأوروبية مثل مولدوفا وفنلندا والسويد وغيرها لاتخاذ جانب أوكرانيا –وبالتالي الدول الغربية- من الصراع.
يعد السبب الرئيس لهذا التحول في السياسات هو رغبة هذه الدول في الاحتماء خلف ستار الدول الغربية؛ تخوفًا من مواجهة مصير أوكرانيا. وبالرغم من أن احتمالية هجوم روسيا على دول أوروبية أخرى منخفضة جدًا فإنها لا تزال موجودة بنفس نسبة دخول روسيا في صراع مباشر مع دول الناتو.
من جانب آخر، تنتهز مولدوفا الاحتقان بين روسيا والدول الغربية كفرصة للهروب من موقف الحياد المرهق لها سياسيًا اقتصاديًا، والدخول في الاتحاد الأوروبي الذي يعد من اقوى الاتحادات الاقتصادية عالميًا؛ أملًا في تحسين وضعها الاقتصادي فيما بعد. ولا يمكن في هذا الإطار إغفال أن سياسات هذه الدول الأوروبية تتناسب مع سياسات الدول الغربية، مما يجعل التحالف مع الدول الأوروبية هو الاختيار الأمثل من الجانبين الاقتصادي والسياسي، إلا أن مجاورة هذه الدول لروسيا جعل هذه الخطوة ما قبل الحرب في منتهى الصعوبة، خصوصًا بعد انتهاء الحرب الباردة لم ترغب أي من هذه الدول استفزاز روسيا بأي شكل من الأشكال، لكن فتح هجوم روسيا على أوكرانيا الباب لهذه الدول لاتخاذ الجانب الغربي والخروج من ظل روسيا.
أسباب رغبة دول غرب أوروبا في انضمام مولدوفا
مما لا شك فيه أن الدول الغربية ترغب في انتهاء الحرب بأسرع شكل بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عنها والتي تؤثر عليها بشكل كبير. تأتي هذه الرغبة بالتزامن مع الدعم الكامل لأوكرانيا والرغبة في استرجاع أراضي أوكرانيا بشكل كامل وهو ما لا ترضى به روسيا حاليًا، مما يرجح اتخاذ الحرب المسار الأطول.
في ظل هذا الوضع، يرغب الجانب الغربي في زيادة عدد حلفائه في المنطقة للضغط على روسيا لدفعها للاستسلام، ويعد هذا السبب الرئيس في قبول انضمام فنلندا لحلف الناتو كأسرع عضو ينضم للحلف. وبالرغم من كون الاتحاد الأوروبي اتحاد اقتصادي في المقام الأول فإن انضمام دول كمولدوفا وأوكرانيا يشير إلى اتخاذ هذه الدول الجانب الغربي، ويزيد الضغط على الجانب الروسي لكثرة حلفاء الدول الغربية على حدودها. ذلك بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية في ظل الدعم الكامل لأوكرانيا تحتاج إلى زيادة حلفائها شرقًا لزيادة الموارد الداعمة وتخفيف الحمل عليها.
ومنذ بداية الصراع، تفكر الدول الأوروبية في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع، وتحاول استغلاله بأكبر قدر ممكن لتقوية وضعها وإضعاف وضع روسيا بعد انتهاء الحرب، وكان هذا هدفًا رئيسًا من أهداف العقوبات التي وقعتها الدول الغربية على روسيا ومحاولة اعتمادها على نفسها وعلى دول أخرى كبديل لاعتماد الدول الأوروبية الكبير على روسيا في العديد من السلع. تدفع هذه الرغبة الدول الغربية لتسريع عملية التحالف مع هذه الدول الحدودية مع روسيا؛ حتى تضمن الدول الغربية عدم اتخاذها موقف الحياد بعد انتهاء الحرب لتمتد نفوذ الجانب الغربي لحدود روسيا لتكون لها اليد العليا فيما بعد.
التحديات التي تواجه انضمام مولدوفا للاتحاد الأوروبي
من أول التحديات التي تواجه مولدوفا في انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي هي التحديات التي تواجه أي دولة ترغب في الانضمام إلى الاتحاد؛ إذ يتطلب ذلك عدة شروط يجب تحقيقها من قبل الدولة المتقدمة بطلبات الانضمام، ومنها: استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية حقوق الأقليات، ووجود سوق فعال، بالإضافة إلى القدرة على التكيف مع المنافسة الشديدة وقوى السوق الموجودة في الاتحاد.
وتزعم مايا ساندو رئيسة جمهورية مولدوفا أن دولتها حققت بالفعل هذه المعايير، وأنها الآن مستعدة للانضمام إلى التكتل. وأكدت زيارة وزراء خارجية دول البلطيق يوم 27 أبريل، ولقاء المستشارالألماني أولاف شولتس لرئيسة مولدوفا يوم 3 أبريل أثناء زيارته إلى رومانيا، على اقتناع العديد من الدول الأوروبية بوفاء مولدوفا للشروط وجاهزيتها للانضمام.
بشكل أكثر خصوصية، قد يعد طلب انضمام مولدوفا مرتبطًا بطلب انضمام أوكرانيا؛ إذ قدم البلدان طلبهما للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سويًا، مما قد يشير إلى احتمال عدم قبول طلب دولة منهما دون الأخرى. ومن الممكن أن تؤدي حساسية وضع أوكرانيا في ظل الأزمة الحالية إلى تعطيل عملية الانضمام؛ إذ من الصعب على أوكرانيا الوفاء بشروط الانضمام، خصوصًا استقرار المؤسسات والقدرة على التكيف مع المنافسة الشديدة بسبب ظروف وضغوطات الحرب.
من الجانب الآخر، إذا تغاضى الاتحاد الأوروبي عن وفاء أوكرانيا ببعض الشروط ووافق على انضمامها سينتج عن هذا استفزاز روسيا بشكل كبير، لا سيّما وأن دافعًا أساسيًا من دوافع بداية الحرب كان احتمالية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو اتحاد اقتصادي في المقام الأول وليس عسكريًا بأي شكل من الأشكال، فإنه يحمل نفس الطابع السياسي لحلف الناتو.
وكذلك من العقبات التي يمكن أن تعرقل قبول انضمام كل من مولدوفا وأوكرانيا سريعًا هي انتظار العديد من الدول موافقة الاتحاد الأوروبي على انضمامهم بعد أن سبق إعلانهم كمرشحين قبل مولدوفا وأوكرانيا بسنوات؛ فقد تم إعلان تركيا كمرشحة في عام 1999، ومن بعدها مقدونيا الشمالية في 2005، ومونتينجرو في 2010، وصربيا في 2012، وألبانيا في 2014. مما يرجح انزعاج هذه الدول في حالة قبول مولدوفا وأوكرانيا اللذين لم يمر على ترشحهما أكثر من سنة. بالرغم من ذلك فمن الممكن تبرير قرار كهذا بعدم وفاء هذه الدول بشروط الانضمام مثلما حدث مع كرواتيا، حيث تم قبولها كعضو في التكتل في عام 2013 بعد تسع سنوات من إعلانها كمرشحة في 2004، وفي الوقت ذاته تعليق قبول عضوية تركيا.
ختامًا، يظل من المحتمل قبول انضمام مولدوفا وأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ أكد العديد من القادة الأوروبيين رغبتهم في التعجيل بإتمام عملية الانضمام، بسبب الفوائد التي يمثلها هذا الانضمام لكل من مولدوفا وأوكرانيا وأيضًا الاتحاد الأوروبي والدول الغربية. لكن بالرغم من ذلك يجب الأخذ في الحسبان رد الفعل الروسي على هذه الخطوات؛ فالجانب الغربي لا يرغب في الدخول في صراع مباشر مع روسيا بقدر رغبته في انتهاء هذا الصراع والأزمات الاقتصادية المصاحبة له، لا سيّما وأن انضمام فنلندا إلى حلف الناتو أثار غضب روسيا بشكل كبير، مما دفعها إلى إعلان زيادة دفاعاتها وتأكيد الرئيس الروسي والكرملين الدائم على استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية بعد تعليق العمل باتفاقية نيو ستارت، مما يشير إلى أن احتمال الدخول في حرب نووية ليس مستبعدًا. يدفع هذا الجانب الغربي إلى الحذر في اتخاذ خطواته ولكنه لن يتوقف عن محاولات الضغط على روسيا واكتساب حلفاء جدد.
.
رابط المصدر: