مُنذ اندلاع المواجهات في السودان بين القوات المسلحة وميليشيا الدعم السريع، تحول النزاع إلى معركة ضارية مفتوحة. ومعها أثيرت تساؤلات حول تورط مجموعة “فاجنر” في الصراع الدائر بين الطرفين، نتيجة للنشاط الذي تقوم به تلك المجموعة في السودان مُنذ سنوات، الأمر الذي يدفع إلى إلقاء نظرة على تلك المجموعة، ومجال عملها، وما حقيقة ما يُثار حول دعمها لميليشيا الدعم السريع.
من هي مجموعة “فاجنر” ؟
تأسست شركة “فاجنر” في عام 2013 على يد شخصيتين مقربتين من الكرملين، وهما “ديمتري أوتكين” الضابط السابق في وحدة القوات الخاصة وهو بمثابة مدير المجموعة الميداني، و”يفغيني بريغوجين” وهو رجل الأعمال الروسي المقرب من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، ويعرف بـ “طباخ بوتين”. وسُجِّلت “فاجنر” كشركة تجارية خاصة تسعى إلى تحقيق الربح، ولها مكاتب في كل من مدينة سانت بطرسبرج الروسية (المقر) وهونج كونج، ولها معسكر تدريب في موسكو.
توصف “فاجنر” بأنها شركة عسكرية روسية خاصة، ولكن البعض يراها بمثابة مجموعة عسكرية شبه رسمية حيث أنها وحدة مُستقلة يراها البعض تتبع وزارة الدفاع الروسية. وقد بدأت العمل لأول مرة مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ونفذت هجمات في شرق أوكرانيا. ووفقًا لتقارير غربية، فإن عدد قوات “فاجنر” خلال الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حاليًا ارتفع من 1000 مُقاتل إلى ما يقرب من 20000 ألف مُقاتل في أوكرانيا، بما يُمثل 10% من القوات الروسية على الأرض. ووفقًا لمؤسس “فاجنر” “يفغيني بريغوجين”، فإن مهمة “فاجنر” تتمثل في توفير بيئة مريحة لتوليد أفكار جديدة بغية تحسين القدرة الدفاعية لروسيا.
ومع تنامي نشاط مجموعة “فاجنر” وُجّه لها سيل من الاتهامات بتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق مُختلفة من العالم بما فيها أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فضلًا عن مناطق النزاعات في الشرق الأوسط. هذا وتنتشر “فاجنر” في جمهورية أفريقيا الوسطى لحراسة مناجم الذهب والألماس، وتوجد في كل من: “مدغشقر” و”موزمبيق” و”السودان”، وكان آخر انتشار لها في “مالي” بعد انسحاب القوات الفرنسية من هناك. ولمزيد من الوقوف على نشاط فاجنر في تلك الدول الأفريقية يمكن الإطلاع على تلك الدراسة المنشورة على موقع المرصد المصري بعنوان “التنافس الروسي الفرنسي في ظل تمدد مجموعة “فاجنر” في إفريقيا“.
مجال عمل “فاجنر” في السودان
على مدى السنوات الأخيرة ، أقامت مجموعة “فاجنر” علاقات وثيقة مع صُناع القرار في السودان، وسعت إلى استغلال هذه الروابط لتعزيز المصالح الاقتصادية والعسكرية لموسكو ، بما في ذلك امتيازات تعدين الذهب المربحة وصفقات الأسلحة. وتنشط “فاجنر” في السودان بشكل رئيس في مجال تعدين الذهب، وذهب البعض إلى اتهامها بنهب ثروة السودان الهائلة من هذا المعدن النفيس، باتباعها طرقًا غير قانونية، فضلًا عن ممارستها أنشطة تدريبية في مجال الأمن، وهو الأمر الذي أثاره سفراء “دول الترويكا” (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج) في الخرطوم في مايو من العام الماضي.
ويُشار إلى أن الرئيس السوداني السابق “عمر البشير” هو مَن منح “فاجنر” صلاحيات استثنائية لممارسة العمل في مجال التعدين في الذهب كمكافأة لرئيسها “يفغيني بريغوزين” نظير تدخله بإقناع الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، بزيارة “البشير” لروسيا مرتين الأولى في نوفمبر 2017، والثانية في يوليو 2018، وكانت موسكو قد اعتذرت قبل ذلك مرات عدة عن استقبال “البشير”. وفي هذا السياق، وصلت قوات “فاجنر” السودان عام 2017، بعد لقاء جمع البشير وبوتين في “سوتشي”، ووعد البشير الرئيس الروسي بأن يكون السودان بوابة روسيا لأفريقيا.
وفي سياق آخر، فإن روسيا -سواء بالطرق الدبلوماسية أو من خلال مجموعة “فاجنر”- أعطت أولوية كبيرة لمصالحها في السودان، من خلال:
● حق امتياز تعدين الذهب: حيث تقوم روسيا من خلال شركات مرتبطة بمجموعة “فاجنر” بعمليات التنقيب عن الذهب، في السودان. وقد ساعد ذلك الأمر روسيا في التخفيف من وطأة العقوبات الدولية عليها، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأتها في فبراير من العام الماضي.
● قاعدة بحرية في البحر الأحمر: لطالما رغبت روسيا في الوصول إلى البحر الأحمر. وفي أواخر عام 2020، توصلت موسكو والخرطوم إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في “بورتسودان”. وفقًا للاتفاقية، تستضيف القاعدة مركزًا لوجستيًا بحريًا، وتسع 300 فرد، وعددًا من السفن البحرية، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. ونتيجة للضغط الأمريكي، أوقفت الحكومات الانتقالية السودانية خططًا لإنشاء القاعدة البحرية في أبريل 2021، بينما لا تزال روسيا مهتمة بإنشاء منفذ لها على البحر الأحمر وتأمل على الأرجح في التوصل إلى نتيجة سياسية بالمضي قدمًا في إنشاء تلك القاعدة.
هل تلعب “فاجنر” دورًا في المعارك السودانية؟
وحول المعارك الجارية مُنذ أكثر من أسبوع بين قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع ، نشرت مجلة “التايمز” تقريرًا بعنوان “المعارك في السودان: اتهامات لمرتزقة روسيا بتأجيج الصراع“. أشار التقرير أن “حميدتي” وميليشيا الدعم السريع التي يسيطر عليها توفر الحماية لشركة “ميرو”، للذهب، وهي إحدى شركات التعدين التابعة لـ “فاجنر”، والمتهمة بتهريب الذهب من السودان إلى موسكو للمساهمة في دعم الحرب الروسية الأوكرانية.
ويشير التقرير إلى أن مسؤولين أمنيين غربيين كشفوا أن الولايات المتحدة تشك في وجود صفقة بين “فاجنر” و”حميدتي”، الأمر الذي يدفع واشنطن في اتجاه مساندة ودعم القوات المسلحة السودانية، ورئيس المجلس السيادي، “عبد الفتاح البرهان”؛ بهدف طرد “فاجنر” من البلاد.
ووفقًا لما جاء في التقرير، فإنه منذ إجراءات 25 أكتوبر 2021 التي تضمنت حل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، وطدت “فاجنر” شراكتها مع قائد ميليشيا الدعم السريع “حميدتي”، الذي جاء في التقرير بأنه “متعطش للسلطة”. وزار “حميدتي”، موسكو في 24 فبراير الماضي، وهو اليوم الذي شنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا. في سياق آخر، قالت شبكة “CNN” الأمريكية أن أدلة لديها تُشير إلى قيام مجموعة فاجنر بتسليح ميليشيا الدعم السريع بالصواريخ للمساعدة في قتالها ضد الجيش. مضيفًا أن صواريخ أرض-جو دعمت بشكل كبير ميليشيا الدعم السريع وقائدهم “حميدتي” .
رد فعل “فاجنر”
حتى الآن ، وباستنثاء التقارير الغربية، لا توجد معلومات مؤكدة تفيد بأن أفراد “فاجنر” متورطون بشكل مباشر في القتال. ومن جانبها نفت ميليشيا الدعم السريع أي علاقات لها مع “فاجنر”. ورفضت بشكل قاطع أي اتهامات لها بارتباطها بالمجموعة. ونفت كذلك تلقيها مساعدات من روسيا. وردًا على تلك الاتهامات، نفى رئيس مجموعة “فاجنر” الروسية “يفغيني بريغوزين” أي تورط لقواته في الصراع. موضحًا أن أي أسئلة تُطرح في وسائل الإعلام حول أي مساعدة للجنرال “حميدتي” أو “البرهان” أو أي فرد اَخر في السودان ليست صحيحة وما هي إلا محاولة “استفزازية”. وأصاف أنه لم يكن هناك أي شخص مرتبط بـ “فاجنر” موجود في السودان منذ عامين، وأن “فاجنر” لم تكن على اتصال بأي من الزعيمين المتحاربين “لفترة طويلة”. كما عرض التوسط في الأزمة السودانية.
حتى اللحظة الراهنة؛ يبقى من غير المعروف ما إذا كانت مجموعة “فاجنر” منخرطة في القتال الحالي في السودان أم لا. وفي الوقت الذي يرى فيه بعض المحللين أنه من المحتمل أن تُشارك قوات “فاجنر” في المعركة الحالية للحفاظ على وجودها في البلاد وحماية مصالحها التجارية الضخمة؛ حكم الموقف الروسي الطابع الدبلوماسي، إذ انضمت روسيا إلى العديد من الدول الأخرى، مثل الصين، في دعوة جميع الأطراف في السودان إلى ضبط النفس ووقف التصعيد.
ملاحظات ختامية
في الختام يُمكن الوقوف على عدد من الملاحظات حول تطورات الأوضاع الأخيرة في السودان،كالتالي:
- الملاحظة الأولى: لا شك أن الصرع العنيف على السلطة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع ستخلق تخلق فرصًا للجهات الفاعلة الأجنبية -بما في ذلك روسيا، من خلال “فاجنر”- للتدخل لتشكيل المستقبل السياسي للسودان بما يتماشى مع المصالح الخاصة لتلك الدول.
- الملاحظة الثانية: يظل اتهام “فاجنر” من قِبل القوى الغربية بدعم أحد الفصيلين في السودان نابعًا من موقف غربي وأمريكي من روسيا بالتحديد، فهي لا تريد أن تقوم الدول الأفريقية باختتيار روسيا كبديل لها. وبالتالي تضخم القوى الغربية من النفوذ الروسي في أفريقيا حماية لمصالحها التاريخية في القارة السمراء.
- الملاحظة الثالثة: بالإضافة إلى كونه أساسيًا لدول المنطقة، فقد استُهدف السودان وأهميته الجيواستراتيجية من قبل العديد من القوى التي تسعى إلى زيادة نفوذها في المنطقة ، مثل الصين وتركيا. من ناحية أخرى ، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على وجودها ومواجهة الوزن الذي يكتسبه اللاعب الرئيس الآخر في أفريقيا وهو “روسيا”.
في الأخير، لا شك أن نتيجة الصراع المستمر في السودان ستؤثر على مستقبل كل من هذه المصالح الرئيسة. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تحاول روسيا من خلال مجموعة “فاجنر” تشكيل النتيجة لصالحها، مدعومة في ذلك بالمعلومات التي تمكنت “فاجنر” من جمعها أثناء عملها في السودان مُنذ سنوات، فضلًا عن علاقاتها الواسعة مع جميع صُناع القرار في السودان. ومن المرجح أيضًا أن تعتمد روسيا في ذلك على الدعم اللوجيسيتي من معاقلها الإقيمية الأخرى، أو على الأقل التي يمر من خلالها، ولا سيما قواعدها في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، لكن سيظل ذلك الأمر رهنًا بما ستفضي إليه تطورات الأيام القادمة في السودان.
.
رابط المصدر: