هل تزدهر صناعة النفط السورية وتعود سيرتها الأولى؟

أدت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن العمل مع دمشق لـ”تحرير” حقول النفط السورية، إلى إحياء الاهتمام بموارد البلاد الهيدروكربونية المربحة شمال شرقي البلاد، التي تقع حاليا تحت سيطرة الجماعات الكردية العاملة تحت راية “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). وتضم هذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة، “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي تقول تركيا عنها إنها الفرع السوري لحزب “العمال الكردستاني” المسلح، الذي تصنفه أنقرة وبروكسل وواشنطن كمنظمة إرهابية.

ونفذت القوات التركية في الفترة من 2016 إلى 2020 عمليات عسكرية فدخلت الأراضي السورية في الشمال وأبقتها تحت سيطرتها، بهدف إنشاء ما تعده أنقرة منطقة أمنية عازلة بوجه الجماعات الكردية في سوريا.

أما الآن، فيريد الوزير فيدان مساعدة سوريا على إعادة حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “إلى الشعب السوري”. ويأتي تصريحه هذا وسط سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى ترتيب لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتسهيل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكان الخلاف قد دب بين الرجلين منذ الانتفاضة السورية عام 2011 ومواجهة الأسد لها. وتستضيف تركيا الآن 3.2 مليون سوري، فر معظمهم هربا من قوات الأسد. وأي اجتماع يعقد بينهما لاستعادة العلاقات، سيتبع خارطة الطريق التي اتفق عليها المسؤولون الأمنيون من كلا الجانبين في بغداد.

تاريخ النفط السوري

بدأت أعمال التنقيب والحفر بحثا عن النفط في البلاد، بحسب وزارة النفط السورية، في عام 1933، حينما اكتشفت شركة النفط العراقية حقول النفط في كركوك بالعراق، التي تمتد إلى دير الزور شرقي سوريا. وكان أول تدفق تجاري للنفط عام 1956.

وبقيت أعمال الاستكشاف مقتصرة على الشركات الغربية حتى إنشاء الهيئة العامة لشؤون البترول عام 1958 فتولت أعمال التنقيب والإنتاج والتكرير والنقل وشراء المشتقات البترولية.

وبعد أن استولى حزب “البعث” على السلطة عام 1963، أصدر المرسوم التشريعي رقم 132 لعام 1964، الذي يقضي بمنع الشركات الأجنبية من الحصول على تراخيص التنقيب والاستثمار وحصر هذه الحقوق للدولة.

وبدأ إنتاج النفط جديا في مايو/أيار 1968، مع وصول أول برميل نفط إلى ميناء طرطوس من محطة الضخ في منطقة “تل عدس” شمال شرقي سوريا، بعد مرورها بمصفاة حمص.

وفي عام 1974 تأسست الشركة السورية للنفط إلى جانب شركات متخصصة أخرى مسؤولة عن التكرير والنقل، وجميعها تحت مظلة وزارة النفط والثروة المعدنية. وتشرف شركة النفط السورية على كافة جوانب صناعة استخراج النفط والغاز، منتجة أكثر من 50 في المئة من الدخل القومي للبلاد.

كما شهدت صناعة النفط السورية شراكات مختلفة بين الشركات المحلية وجهات أجنبية. ففي عام 1980، تأسست شركة “الفرات” للنفط التي تمتلك الدولة السورية 65 في المئة من أسهمها، بينما تمتلك الشركات الأجنبية وعلى رأسها شركة “شل” 35 في المئة.

 

بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا أواخر عام 2015، وقّعت الشركات الروسية عقودا مع جهات سورية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز

 

 

وفي العام نفسه، أصبحت شركة “بترو كندا” (التي استحوذت عليها شركة “سنكور” الكندية الكبرى للطاقة عام 2009) شريكا في حقل “الشاعر” وأنشأت مصنعا للغاز في الفرقلس.

وفي أوائل التسعينات، بدأت شركة “توتال” الفرنسية عملياتها في سوريا، لكنها انسحبت بسبب التوتر بين الجانبين. ثم عادت الشركة ثانية في الفترة الممتدة من 2007 إلى 2011، إلى جانب شركات غربية أخرى، غير أن وجود الشركات الأميركية تضاءل منذ الثمانينات.

الحقول وخطوط الأنابيب

أهم حقول النفط هما حقلا “العمر” و”التنك” بريف دير الزور الشرقي، والحسكة شمال شرقي سوريا. وكان حقل “العمر” ينتج 80 ألف برميل يوميا، بينما أنتج حقل “التنك” 40 ألف برميل يوميا حتى نهاية عام 2010.

وبالإضافة إلى ذلك، ينتج حقلا “الورد” و”التيم” 50 ألف برميل يوميا لكل منهما. وتشمل الحقول البارزة الأخرى محطة “تي تو” على خط أنابيب النفط العراقي السوري، و”الجفرة”، و”كونوكو”.

وفي الريف الجنوبي لمحافظة الحسكة، يحظى حقلا “السويدية” و”الرميلان” بأهمية كبيرة، إذ يضم الأول 1322 بئرا للنفط، والثاني 25 بئرا للغاز. وبلغ إنتاجهما المشترك حتى نهاية عام 2010 حوالي 200 ألف برميل يوميا. وثمة حقول إضافية بالقرب من منطقتي “مركدة” و”كبيبة تشرين” بريف الحسكة الغربي، بالإضافة إلى آبار نفطية صغيرة في محافظة الرقة.

وفي وسط سوريا، تشمل الحقول البارزة حقل “الشاعر” في شرق حمص، الذي ينتج ثلاثة ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، ويجعله ذلك أحد أهم الحقول في سوريا. وتنتج حقول منطقة تدمر في شرق حمص، بما فيها “الحيل” و”أراك” و”حيان” و”الجهار” و”المهر” و”أبو رباح”، مجتمعة 9000 برميل يوميا.

وارتفع إنتاج النفط السوري في الثمانينات، فوصل إلى ذروة قدرها 600 ألف برميل يوميا، إلا أنه انخفض إلى 400 ألف برميل يوميا بحلول عام 2010. أما مع اندلاع الاحتجاجات والحرب في عام 2011 وفرض العقوبات، فقد تسببت الفوضى اللاحقة في عدم قدرة شركات النفط الأجنبية على العمل. وأعلنت حالة القوة القاهرة (حرفيا “القوة الأكبر”، أي أحداثا خارجة عن سيطرتها فتمنعها من العمل، مثل الحرب) وعلقوا عقودهم مع حكومة دمشق، فأثر ذلك على إنتاج النفط إلى حد أكبر.

ويقدر الإنتاج الحالي بنحو 85 ألف برميل فقط يوميا، 90 في المئة منها تقريبا في شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.

القتال من أجل السيطرة

استغلت جماعات وفصائل مسلحة مختلفة، بما فيها تنظيم “داعش”، ضعف الدولة وسيطرت على جزء كبير من موارد النفط السورية، لكن القوة العسكرية الأميركية ساعدت على نحو تدريجي في تقليص أراضي تنظيم “داعش” وسيطرته.

وتغيرت سيطرة الجماعات المدعومة من دول أجنبية على المناطق السورية على نحو كبير في السنوات التي تلت عام 2011، كما تغيرت معها أيضا السيطرة على الموارد الطبيعية للبلاد.

وبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا أواخر عام 2015، وقّعت الشركات الروسية عقودا مع جهات سورية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز. وتعاقدت دمشق مع شركة “إيفرو بوليس” المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، مؤسس مرتزقة “فاغنر”، على حماية منشآت النفط والغاز بما فيها حقل “الشاعر” التابع لشركة “سنكور”، مقابل 25 في المئة من الإيرادات.

 

أ ف ب أ ف ب

مقاتلون من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) يشاركون في عرض عسكري في حقل العمر النفطي في محافظة دير الزور، شرق سوريا في 23 مارس 2021 

وفي الوقت نفسه، اختارت واشنطن “قوات سوريا الديمقراطية” شريكا لها في “حماية” حقول النفط في منطقة شرق الفرات. وأدى ذلك إلى نشوب عدة معارك عنيفة أثارت اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وأسفرت عن إراقة كثير من الدماء، بوجود ما يصل إلى 2500 مقاتل روسي في سوريا، وذلك قبل أن ينقلوا إلى ليبيا وأوكرانيا.

وفي مطلع عام 2018، شنت عناصر “فاغنر” هجوما على منشأة لإنتاج الغاز تابعة لشركة “كونوكو” (المغلقة حاليا) شرقي الفرات، وهي منطقة خاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، فقصفت الولايات المتحدة المهاجمين، وأوقعت 200 قتيل من مقاتلي “فاغنر”.

 

بعد تدخل إيران وروسيا في عام 2015، استعاد النظام السوري السيطرة على بعض حقول النفط والغاز الصغيرة في المنطقة الوسطى

 

 

وفي صيف عام 2014، نشبت سلسلة من المعارك العنيفة بين تنظيم “داعش” والقوات الحكومية السورية على منشأة “الشاعر” للغاز التابعة لشركة “سنكور”، وأسفرت عن مقتل وجرح واختطاف حوالي 500 شخص، بما في ذلك مقتل العشرات من عمال حقول النفط. وتريد عائلات الضحايا الآن تعويضا من شركة “سنكور”. لكننا ندرك أن هذه الشركة لا تشعر بأن عليها أي التزام معنوي أو أخلاقي لتعويض العائلات، ولو أنها لا تزال تحتفظ بالترخيص.

أميركا و”قسد”

تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة، على ربع الأراضي السورية بما فيها شرق الفرات، المنطقة الغنية بالموارد وتحتوي على 90 في المئة من النفط السوري وأكثر من نصف احتياطيات الغاز الطبيعي، فضلا عن البنية التحتية التي تملكها شركات أجنبية بموجب عقود كانت قد وقعتها مع دمشق.

تستخرج “قوات سوريا الديمقراطية” النفط وتضخه، وهذا أمر غير قانوني ويتعارض مع العقوبات الدولية، إلا أنها مستمرة في فعل ذلك ومن دون أن يستفيد منه السوريون العاديون حتى الآن.

 

أ ف ب أ ف ب

عامل يقف لالتقاط صورة في منشأة نفط بدائية في منطقة أبو غدير، في منطقة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا 

ولا يمكن بيع هذا النفط في الأسواق الدولية بسبب العقوبات، لذلك يباع في السوق السوداء مقابل جزء صغير من قيمته الحقيقية، التي تقدرها التقارير بحوالي 15 دولارا للبرميل الواحد.

في 15 أغسطس/آب 2023، ادعى مسؤولون من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (الجناح السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) أنهم يسيطرون على أقل من نصف الآبار والحقول في مناطق نفوذهم. ونفوا أنهم يسرقون النفط السوري أو أنهم يحتكرون موارد تلك المنطقة، قائلين إن جزءا من الإنتاج يباع لتجار مرتبطين بنظام دمشق بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق. ومرة أخرى لا يستفيد المواطن السوري العادي من ذلك.

وتشير تقارير شركة “غلف ساندز”، وهي شركة بريطانية لا تزال تحتفظ بحصة في “البلوك-26” إلى أن الجهات التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، سرقت منذ عام 2017، وبمعدل متوسط نحو 20 ألف برميل يوميا، وبقيمة إجمالية تبلغ 3.4 مليار دولار تقريبا مع حلول نهاية عام 2023.

وفي عام 2019، قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من المنطقة القريبة من الحدود السورية مع تركيا شرق الفرات، فأثار ذلك استياء “قوات سوريا الديمقراطية” التي تستهدفها القوات التركية. إلا أنه أذعن بعد ضغوط مورست عليه ووافق على إبقاء 900 جندي أميركي في سوريا، قائلا: “لا أعتقد أن وجودهم ضروري، إلا لضمان أمن النفط”. وأضاف أن عددا صغيرا من القوات سيبقى أيضا في جنوب سوريا.

دخول إيران وروسيا

بعد تدخل إيران وروسيا في عام 2015، استعاد النظام السوري السيطرة على بعض حقول النفط والغاز الصغيرة في المنطقة الوسطى، وأبرزها: حقول “الشاعر”، و”الهيل”، و”آراك”، و”حيان”، و”جهار”، و”المهر”، و”أبو رباح” في منطقة تدمر.

ولكن “قوات سوريا الديمقراطية” ما زالت تسيطر على حقول النفط والغاز المهمة، ومن بينها: حقول “الرميلان” (حيث يتمركز قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي) و”الجبسة” في الحسكة، وكذلك حقول “العمر”، و”التنك”، و”كونوكو” في محافظة دير الزور الشرقية.

 

لا يفيد الوضع الراهن السوريين العاديين في شيء، حيث يعيش عدد كبير منهم في فقر مدقع. وقد كان النفط أحد مصادر الدخل الرئيسة القليلة التي كانت تمتلكها البلاد

 

 

وحافظت إيران على سيطرتها على آبار النفط في ريف البوكمال منذ عام 2017، داخل منطقة نفوذها. وفيما سيطرت الميليشيات المدعومة من إيران، مثل “حزب الله” العراقي ولواء “فاطميون”، لمدة قصيرة، على حقول النفط والغاز في ريف دير الزور والرقة، ومن ثم تدخلت عناصر موالية لروسيا، مدعومة بالشرطة العسكرية الروسية، لطرد الإيرانيين، وتشمل المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية الآن حقول “الثورة” و”الورد” و”التيم” للنفط، وحقل “التوينان” للغاز، في ريف دير الزور والرقة.

وهكذا حلت القوات المدعومة من روسيا محل السيطرة الإيرانية في هذه المناطق بنجاح، ومن بين هذه القوات بقايا مجموعة “فاغنر” السابقة و”الفيلق الخامس” (التابع لقاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية).

الخسائر والتكيف

يرى النظام السوري نفسه ضحية في كل هذا، حيث قال وزير النفط السوري السابق بسام طعمة إن خسائر الدولة النفطية منذ عام 2011 بلغت 91.5 مليار دولار.

ويؤثر النقص الحاد في الوقود الآن على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ما دفع دمشق إلى اتهام “قوات سوريا الديمقراطية” بالسرقة تواطؤا مع أميركا، حيث يهرب النفط إلى خارج سوريا عبر إقليم كردستان العراق شبه المستقل.

 

أ ف ب أ ف ب

قافلة عسكرية روسية وأخرى أميركية تتقاطع طرق دورياتهم في حقل نفط بالقرب من بلدة القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا 

وتضطر الحكومة الآن إلى استيراد النفط من إيران من خلال خطوط الائتمان، في حين تحصل على بعض الكميات من النفط من “قوات سوريا الديمقراطية” بأسعار أقل عبر الوسطاء.

هؤلاء الوسطاء، مثل رجل الأعمال حسام قاطرجي، يشترون النفط من “قوات سوريا الديمقراطية” ويسلمونه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهي ممارسة استمرت أثناء سيطرة “داعش” على الآبار. واكتسب قاطرجي مكانة بارزة أثناء الحرب من خلال التعامل مع “داعش”.

ولا ريب في أن دمشق تتألم وهي ترى حجم الإيرادات المفقودة الناجمة عن فقدان السيطرة. وهو ما يترجم إلى خسارة يومية قدرها 6.4 مليون دولار، بسعر 80 دولارا للبرميل، أو خسارة كلية تقدر بـ15 مليار دولار منذ عام 2017.

وفي أبريل/نيسان 2021، قال رئيس الوزراء حسين عرنوس، خلال جلسة للاتحاد العام لنقابات العمال، إن احتياجات سوريا اليومية من النفط تبلغ 200 ألف برميل “لكن إنتاجنا لا يتجاوز 20 ألف برميل، والذي يخضع لعمليات التكرير في مصفاة بانياس”.

إن اعتماد سوريا على النفط الإيراني من خلال خط الائتمان يزيد من ارتهانها لطهران، وهو ما سيكون تطورا مزعجا بالنسبة لعواصم مثل أنقرة وواشنطن.

السعي لإيجاد حل

لا يفيد الوضع الراهن السوريين العاديين في شيء، حيث يعيش عدد كبير منهم في فقر مدقع. وقد كان النفط أحد مصادر الدخل الرئيسة القليلة التي كانت تمتلكها البلاد. وهناك الآن مخاوف بشأن الأضرار البيئية الجسيمة التي يسببها مشغلو “قوات سوريا الديمقراطية” غير المؤهلين.

ونفضت شركات النفط الغربية الكبرى أيديها من سوريا، متحججة بالحماية التعاقدية، ولكن في حال تحسنت البيئة السياسية والأمنية، فقد تتحسن بيئة الأعمال أيضا، الأمر الذي يسمح لبعض شركات النفط الكبرى بالتفكير في العودة والاستثمار، مع ذهاب حصة كبيرة من العائدات للشعب السوري.

 

يعتقد كثيرون أن الحديث عن عودة شركات النفط الأجنبية إلى سوريا سابق لأوانه وسط تكهنات بأن البيت الأبيض في عهد ترمب سوف يستكمل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة

 

 

وفي المقابل، لا يمكن لـ”قوات سوريا الديمقراطية” أن تشعر بالارتياح، لأنها تواجه عدة تهديدات. ذلك أن حقول النفط في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” أصبحت أهدافا لمسلحي “داعش” بشكل متزايد، وكذلك الأمر مع قوافل ناقلات النفط، مع ارتفاع ملحوظ في الهجمات مؤخرا، بعد إشعال النيران في الكثير من الحقول. وفي الوقت نفسه، تستمر التهديدات التركية. حيث ترى أنقرة “قوات سوريا الديمقراطية” مجرد واجهة للإرهابيين.

إن الخسارة الفادحة في الأرواح التي حدثت قبل عشر سنوات في مثل هذا الشهر في حقل “الشاعر”، هي تذكير حتمي بضرورة إيجاد حل يحظى بقبول المجتمعات المحلية.

 

أ ف ب أ ف ب

سوريون يعملون في منشأة تكرير نفط مؤقتة بالقرب من مدينة الباب في شمال محافظة حلب 

وفي الوقت الراهن، تسيطر قوات الحكومة السورية، المدعومة من الجيش الروسي، على حقل “الشاعر” للنفط، وقد قامت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية بإصلاح خط أنابيب الغاز الذي يربط الحقل بمعمل “إيبلا” للغاز، والذي تعرض لهجوم سابقا. واستنادا إلى ملفات الشركة، لا تزال شركة “سنكور” تحتفظ بمصالحها في حقل “الشاعر”.

وتستمر الشركة السورية للنفط وشركة الفرات التابعة لها في تشغيل الحقول، مع تركيز العمل في عدد صغير من الحقول التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة. وقالت مصادر مقربة من شركة “سنكور” لـ”المجلة” إنه ما زال هناك موظفون وفنيون حكوميون تابعون لهذه الشركات يواصلون العمل في حقول النفط والغاز الواقعة خارج سيطرة الحكومة.

وقد نوه أحد المهندسين إلى أنه على الرغم من كل التغييرات الأمنية والسياسية التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، لم يحدث أي تغيير على أعمال هذه الشركات.

كسر الجليد يمكن أن يغير الأمور

يعتقد كثيرون أن الحديث عن عودة شركات النفط الأجنبية إلى سوريا سابق لأوانه وسط تكهنات بأن البيت الأبيض في عهد ترمب سوف يستكمل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.

ومع ذلك، حتى لو انسحب الأميركيون من العراق، وحتى لو فاز ترمب، فما زال من غير المرجح أن تغادر الولايات المتحدة شمال شرقي سوريا، حيث تقع معظم حقول النفط والغاز، أو تغادر منطقة التنف الواقعة في جنوب شرقي سوريا.

 

إذا توافرت الظروف المواتية، فإن لدى سوريا القدرة على إعادة بناء صناعة مزدهرة للنفط والغاز قادرة على توليد مليارات الدولارات سنويا

 

 

في الأسابيع الأخيرة، نشر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد “داعش” تعزيزات إضافية كبيرة، ومن ضمنها أنظمة دفاع جوي، في قواعده شمال وشمال شرقي سوريا، للتصدي لهجمات الميليشيات المدعومة من إيران.

أما إذا نجح فلاديمير بوتين في إنهاء النزاع بين أردوغان التركي والأسد السوري، وهما الرجلان اللذان حكم كل منهما بلده لأكثر من عقدين من الزمن، فقد يغير ذلك التضاريس السياسية والأمنية في الشمال.

إن الدول العربية تدعم هذا التوجه، ويرجع هذا جزئيا إلى أن العلاقات الناجحة بين تركيا وسوريا يمكن أن تساعد في الحد من اعتماد دمشق على إيران. وقد اتفق فيدان مع هذا الرأي، قائلا: “إن أحد أهداف (التحالف التركي السوري) هو الحد من نفوذ إيران”. كما تريد الولايات المتحدة من تركيا، حليفتها في “الناتو”، تطبيع العلاقات مع سوريا.

 

أ ف ب أ ف ب

قوات أميركية بالقرب من حقل نفط في القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، في 14 يونيو 2023 

ويرى عدد من المحللين أن تهميش إيران “قد يؤدي إلى التقاء المصالح التركية والعربية والأميركية” في شمال وشمال شرقي سوريا، حيث يسود الاعتقاد بأن الوجود الأميركي هناك غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.

كما يعتقد الخبراء أنه إذا كانت هناك مصالحة سورية تركية، فمن المرجح أن ينجذب الكرد نحو سوريا، وسوف تشجع الولايات المتحدة مثل هذا التحول.

ولسوف يزداد الاهتمام الروسي بالنفط والغاز شمال شرقي سوريا في حال انسحبت القوات الأميركية، نظرا لأن روسيا خاضعة بالفعل للعقوبات من قبل الغرب. ومع ذلك، من الصعب أن نتوقع رؤية اهتمام تجاري أوروبي فعلي قبل أن تنتهي العقوبات المفروضة على سوريا.

وفي الختام، إذا توافرت الظروف المواتية، فإن لدى سوريا القدرة على إعادة بناء صناعة مزدهرة للنفط والغاز قادرة على توليد مليارات الدولارات سنويا للمساعدات الإنسانية وجهود التعافي المبكر. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب إرادة سياسية كبيرة، وتسوية، وشفافية، ومن المرجح أن يشمل ذلك تعاون موسكو وواشنطن وأنقرة.

وهذا يعيدنا إلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أعرب عن تفاؤله بالتعاون مع دمشق لـ”تحرير” حقول النفط السورية. ومع ذلك، فإن هذه ليست سوى بداية لعملية أكبر وأكثر تعقيدا.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/322026/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B2%D8%AF%D9%87%D8%B1-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M