مسلم عباس
ما يزال دور وسائل الإعلام يتنامي في مجال تحريك الجماهير نحو سلوكيات معينة لها علاقة بالاهداف الايدلوجية والسياسية لمالكيها (وسائل الإعلام) سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول.
فالعنف المجتمعي والصراع السياسي والحروب الدولية والأهلية حالة منتشرة في عصرنا الراهن، وكل طرف من أطراف العنف يحاول إقناع الجماهير بصحة توجهاته وصوابية قراراه في توجهه العنيف تجاه غيره.
طريقة اثبات الحق تأتي غالباً عبر القوة وإبراز الهيمنة، والمغالبة قائمة على ما يطلق عليه ثنائيات القوة (الشجاع والجبان.. القوي والضعيف.. الموت والحياة).
هنا يختفي العمل الإعلامي إلى حد ما وندخل في ممارسة الحرب النفسية فأغلب العمل الذي نسميه “إعلام” هو في الحقيقة حرب نفسية تجري بين المتصارعين اجتماعياً وسياسياً وايديولوجياً.
لأن الحرب النفسية كما تعرفها وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بأنها استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية التي تستهدف جماعات معادية أو محايدة أو صديقة بغية التأثير على آرائها واتجاهاتها وسلوكها بطريقة تساعد الدول المستخدمة لهذا المخطط على تحقيق سياساتها وأهدافها ومصالحها.
بمعنى ان العمل الإعلامي المحايد سينتهي، وتتحول المعلومات والأخبار من مادة للنشر وتوعية الناس بالحقائق إلى مادة للحرب، فلا يختار الصحفي كل الأخبار، إنما يبحث عن الخبر الذي يسبب الضرر لخصومه السياسيين.
ولو وضعنا هذا التعريف على مقاسات العمل الإعلامي الراهن فإن كل معلومة لا تنشر إلا بعد دخولها معمل الحرب النفسية، تصهر بطريقة تجعلها مناسبة لبرنامج الحرب النفسية، وكل هذا يجري تحت يافطة (سياسة المؤسسة)، إذ تسير عمليات الحرب النفسية في اتجاهين:
1) رفع الحالة المعنوية للمجتمع المحارب وحلفائه.
2) احباط حالة العدو المعنوية ومن يسانده.
وتستهدف هذه العملية؛ تعديل آراء الناس بإرسال رسائل لهم، وتقتصر الحرب النفسية على إبراز وجهة نظر واحدة من الموضوع أو من القضية المطروحة دون عرض وجهة النظر المعارضة.
إذ تؤكد الدراسات الإعلامية أن الحرب النفسية تمارس تأثيرها وهي مختفية أو بصورة مقنعة ومستترة وغامضة، فلا تظهر سافرة أو علنية، فقد تتستر وراء شائعة أو قصة أو حادثة أو خبر أو رواية أو مسرحية أو حتى موقعة “عسكرية مفتعلة” يراد بها الحرب النفسية والتأثير على أعصاب الخصم.
لذلك كل أنواع العنف تحظى بتغطية إعلامية واسعة سواء بالنشر المؤيد أو النشر المحايد، لأنها تحقق أهداف وسائل الحرب النفسية فضلاً عن فائدتها في تحقيق الجماهيرية.
العنف الإعلامي هنا صار مكونا من مكونات الحدث العنيف الذي زاد من قوة الحدث ومن ثم انتاج الرعب والتطرف العنيف المضاد… لذلك سوف نقسم التطرف العنيف المنشور عبر وسائل الإعلام على عدة أشكال نذكر بعضاً منها:
التطرف العنيف المصنع في الإعلام السياسي
يبحث مقدمو البرامج التلفزيونية عن الصدام بين ضيوفهم، وهم في الأغلب يجلبون ضيوفاً يتصفون بمستوى عالٍ من العنف اللفظي لأنهم في الأساس يختلفون سياسياً وايديلوجياً.
تقوم وسائل الإعلام بانتقاء المشاهد ذات المستوى المرتفع من الحوار اللفظي المتطرف والعنيف، فتنشره في مواقع التواصل الاجتماعي، فتحصل على التفاعل المطلوب.
من هنا تبدأ المشكلة في الاعلام السياسي، فتبدأ دوامة الجدل المتطرف والعنيف.
التطرف والعنف المنقول عبر الأخبار
هناك حوادث عدة لا يصنعها مقدم البرامج أو محرر الأخبار، إنه ينتقي الأحداث التي تنتشر في المجتمع، يكتبها بطريقة مثيرة للجدل والتطرف وبما يتناسب وسياسة المؤسسة.
يتداولها الناس لأنهم يثقون بوسائل الإعلام، كما إنهم يستخدمونها كدليل قطعي على ما يتحدثون في اطار الحرب النفسية الخفية.
هذا العنف يصنعه المجتمع، لكن الإعلام الإخباري هو الذي يسوقه وينشره، فالإعلام هنا لا يتحمل جريمة صناعة العنف، لكنه يتحمل مسؤولية النقل واشاعته بين الجمهور.
الخطاب السياسي المتطرف
تتسم بعض الجهات السياسية بخطاب متشنج، ففي كل جدل سياسي أو اجتماعي تجدهم يخلقون منه أزمة للجدل العنيف.
وأغلب هذه الجهات السياسية تمتلك قنوات إعلامية لنشر هذا الخطاب وتسويقه في الأخبار والبرامج الحوارية.
كما تمتلك هذه الجهات منافذ ذات جماهيرية عالية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعبر هذه الشبكة المتعددة للنشر والتسويق ينتشر خطابها العنيف، ويزداد انتشاره مع التفاعل الجماهيري سواء المؤيد أو المعارض لأنه في النهاية “يصعد ترند”.
المشكلة الأساسية ان التطرف في وسائل الاعلام له انعكاسات اجتماعية، وفق ما تؤكده نظرية التعلم الاجتماعي، وفكرتها الأساسية أن العنف سلوك متعلـّم اجتماعي، وترى النظرية أن التعلم يمكن أن يحدث عن طريق الملاحظة ومحاوله تقليد السلوك، وإن الأنماط السلوكية للأفراد تتشكل عن طريق النماذج التي يتعرض لها هؤلاء الأفراد، سواء أكان السلوك سوياً أم لا.
أن أهم المخاطر الحقيقية التي يخلفها العنف التلفزيوني إحساس المشاهد بأن العالم الذي نعيش فيه عالم خطير وغير أمن.
كيف يمكن لوسائل الاعلام الحد من ظاهرة التطرف
لا يمكن الحديث عن دور لوسائل الإعلام في الحد من ظاهرة التطرف بمعزل عن الصراعات الاجتماعية والسياسية، فوسائل الإعلام هي في الأصل أداة من أدوات ذلك الصراع، وتتلقى التوجيهات من جهات أعلى منها تدير دفة الصراع وتحركه بما يخدم مصالحها.
الحلقة الأساس في الحد من التطرف في وسائل الإعلام هي التقليل من الصراعات السياسية والاجتماعية والعمل على إيجاد حلول جذرية لتلك الازمات المتراكمة.
لأن ما يحدث في وسائل الإعلام هو نتيجة طبيعية لما يحدث من صراعات… كما أنه سبب من أسباب استمرار هذه الصراعات.
تبقى المهمة في جانب منها على وسائل الإعلام الحرة والمستقلة، التي لا تملك أي مصلحة في الصراعات الراهنة، وتضع نصب أعينها المصلحة الاجتماعية والوطنية العليا.
ووسائل الإعلام الحرة لا تنتج إلا في بيئة تكون فيها الحقيقة غير مجانية… أي عن طريق تفعيل الاشتراكات من قبل القراء وأنا لا أقصد الصحف الورقية القديمة التي كانت توزع وبأجور زهيدة تكاد لا تذكر يذهب ربحها للبائع الذي يقف في التقاطعات المرورية، بل الصحف ووسائل الإعلام الخاصة التي تعتمد على اشتراكات الجمهور الفعلية.
قد تكون فكرة تمويل الجماهير للمؤسسات الإعلامية غريبة في العراق، وربما مثالية أكثر من اللازم، لكن فكرتنا ليست أكثر مثالية من الذين يطلبون الحياد من الصحفي رغم عمله في مؤسسة إعلامية ممولة من حزب سياسي، فالتمويل الجماهيري لوسائل الاعلام يعد أفضل الأفكار لإنتاج صحافة حرة قادرة على رصد الأحداث بدقة وأمانة، بعيدًا عن الضغوطات السياسية للممولين.
اذا ما وصلنا الى هذه المرحلة نستطيع الانتقال الى المرحلة التالية وهي مطالبة وسائل الاعلام لتكون اداة لتحقيق السلم المجتمعي.
.
رابط المصدر: