عقيل سعيد محفوض
ينظر السوريون، أو شريحة قد تكون كبيرة منهم، إلى الفدرالية، كما لو أنَّها «شأن الآخرين» حيال بلدهم، وجزء من «منظور دولي» للتعاطي مع الحدث السوريّ؛ ومن غير الواضح إلى أيِّ حدٍّ يقبلون-يرفضون الفكرة، ربما لانشغالهم عنها بأمور أكثر أولوية، تتمثل في تَدَبُّر الحرب، وتَدَبُّر سبل العيش.
لكن الفدرالية معروضة في فضاء الحدث السوري، وإنَّ ضعف الاهتمام بها، لا يعني استبعادها، بل لعله يعزِّز حضورها، ذلك أنَّ إكراهات الحرب تفتح باب الإمكان على أطروحات عديدة بشأن سورية، ومنها الفدرالية، التي قد تبدو «حالة وسطاً» مقارنة بأطروحات التقسيم، أو حتى استمرار الحرب، بكل المخاطر الناتجة عنها.
تنطلق الورقة من سؤال رئيس هو: هل تصلح الفدرالية لسورية؟ وما اشتراطات أو كيفيات النظر للفدرالية بشأن سورية؟ وهل يمكن تجاوز سؤال الفدرالية؟ وتخلص إلى أنَّ الفدرالية هي «تقنية سياسية» و»دستورية»، وليست «قانوناً للتطبيق» أو شرطاً تاماً أو كافياً لتحقيق الديمقراطية أو التنمية أو الأمن والاستقرار، ولها أنماط وتشكلات كثيرة، وغالباً ما يمكن «هندستها» و»صناعتها»، وأنَّ المهم لسورية، هو استعادة فكرة مجتمع ودولة سوريين، وهوية وطنية، ومواطنة، وتنمية، وتحول ديمقراطي، فإذا أمكن ذلك، لا يعود مهماً، أن يكون النظام الدستوري والسياسي فيها فدرالياً أم لا، إنَّما كيف يمكن ذلك؟
تتألف الورقة من مقدمة وتسعة محاور: أولاً- الرؤية والمقاربة، ثانياً- ما الفدرالية؟ ثالثاً- الأطر المرجعية، رابعاً- المثال والمنوال، خامساً- أطروحة الفدرالية بشأن سورية، سادساً- تَلَقِّي الفدرالية، سابعاً- مَن يريد الفدرالية؟ ثامناً- الفدرالية: حل أم مشكلة؟ تاسعاً- في اشتراطات النظر للفدرالية، وأخيراً خاتمة.
أولاً- الرؤية والمقاربة
هل تمثل فكرة الفدرالية «نقطة ابتداء» أو «شرطاً» في سياسات الحل أو التسوية في سورية، بمعنى هل «يُهيَّئ» الحدث السوري لقبولها، بوصفها «كلمة السر» في الحل أو التسوية، أم هل يكون العكس، أي: التفكير أولاً أو قَبْلاً في أيِّ دولة تكون سورية ما بعد الحرب، ومن ثم يمكن النظر تالياً في طبيعة النظام الدستوري المناسب؟
أيّ «قابلية» داخلية أو محلية في سورية لقيام الفدرالية؟ وما موقع فكرة الفدرالية في الفضاء الداخلي أو الإقليمي، والسؤال الأهم هو: هل تصلح الفدرالية لسورية، وكيف يمكن النظر إلى الفدرالية في إطار الحرب وتداخلاتها ورهاناتها، وأي اشتراطات للتفكير فيها، وهل تمثل بالفعل أولوية أو شرطاً في إطار الحدث السوري، أم أنَّ ثمة أولويات أو مقاربات أخرى؟
تواجه فكرة «بناء الدول»، وخاصة في مرحلة ما بعد الحرب، وخاصة إذا كانت من نمط الحرب السورية، إشكالية على قدر كبير من الأهمية، وتتمثل بوجود تحديات مركبة، في مستويين رئيسين متعاكسين: الأول هو الحاجة لـ»توزيع القوة»، وأولوية التعدد والتنوع، والمناطق والجهات، والتكوينات الاجتماعية بوصفها شرطاً للحل أو التسوية، والثاني هو الحاجة لـ»تركيز القوة»، والتأكيد على أولوية التوحيد والإدماج، والهوية الوطنية، ومركزة السلطات والصلاحيات بوصفها شرطاً للمحافظة على المجتمع والدولة.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: