د. أحمد سلطان
تترقب أسواق النفط نتائج اجتماع تحالف أوبك بلس حيث ينعقد غدًا الاجتماع الدوري، والذي يضم الدول الأعضاء في المنظمة وروسيا؛ لمناقشة كيفية تحقيق التوازن في أسواق النفط العالمية -وذلك في ظل تراجع العقود الآجلة الدولية في الأشهر الأخيرة- ودراسة الوضع الحالي للسوق، وأثره على أسعار النفط وحجم المعروض، مع تصاعد أزمة الطاقة التي تضرب العالم.
ويكتسب الاجتماع أهميته من كونه الثاني لتحالف أوبك بلس بعد نهاية خطط تخفيضات الإنتاج المعمول بها منذ مايو من عام ٢٠٢٠، وذلك عقب انهيار أسعار النفط تحت وطأة تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى استمرار الطلب المتزايد على النفط، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك حالات عدم الاستقرار في العديد من الدول ومنها ليبيا والعراق، بالإضافة إلى ترقب الأسواق للوضع الإيراني وحالة الانفتاح المرتقبة.
أوبك بلس يقلص توقعاته لفائض سوق النفط في عام ٢٠٢٣
بصفة عامة تراجعت أسعار النفط خلال شهر أغسطس الماضي، مع تأثرالطلب بالتشديد النقدي العالمي للحد من ارتفاع التضخم، واستراتيجية بكين لمواجهة تفشي جائحة كورونا. ويُشكل هبوط أسعار النفط طيلة الثلاثة أشهر الأطول منذ الجائحة، كما يعكس الارتفاعات التي شهدتها أسواق النفط طوال شهر كامل جراء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثر الإمدادات، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة ٨٬٦٪ في أغسطس، وتستقر حول مستوى ١٠٠ دولار للبرميل.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت ٦٦ سنتًا لتبلغ عند التسوية حوالي ٩٣٬٠٢ دولار للبرميل، في حين صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي حوالي ٢٦ سنتًا لتبلغ عند التسوية ٨٦٬٨٧ دولار للبرميل. وانخفض كلا الخامين القياسيين حوالي ٣٪ إلى أدنى مستوياتهما في أسبوعين في الجلسة السابقة، وسجل برنت انخفاضا أسبوعيًا حوالي ٧٬٩٪، بينما نزل خام غرب تكساس الوسيط حوالي ٦٬٧٪.
وإذ نظرنا إلى متوسط أسعار نفط سلة أوبك في السنوات الماضية، سنجد أن سعر سلة نفط أوبك حوالي ١٠١٬٠٤ دولارًا للبرميل وبارتفاع أكثر من ٥٠٪ عن متوسط عام ٢٠٢١، تلك الأسعار التي تصب في مصلحة التحالف في المقام الأول.
ومن جهة أخرى، قلص تحالف أوبك بلس توقعاته لفائض الإمدادات في أسوق النفط لعام ٢٠٢٢ إلى حوالي ٥٠٪ مع تخفيض بعض أعضاء التحالف لمعدلات الإنتاج النفطي حيث يتوقع تحالف منتجي النفط تحقيق فائض قدره حوالي ٤٠٠ ألف برميل يوميًا خلال العام الحالي، فيما يتوقع أن يكون هناك عجز قدره حوالي ٣٠٠ ألف برميل يوميًا العام المقبل، بعد أن كان توقع في السابق تحقيق فائض قدره حوالي ٩٠٠ ألف برميل يوميًا، مما يزيد من توقعات خفض الإنتاج قريبًا لدعم الأسعار العالمية.
ذلك بالإضافة إلى أن البيانات الأولية لمخزونات النفط التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستظل أقل من متوسط خمس سنوات للفترة المتبقية من العام الحالي وخلال العام المقبل، بالإضافة إلى قيام أوبك وحلفاؤها بقيادة موسكو بزيادة معدلات الإنتاج في الفترة الماضية بما يتراوح ما بين ٤٣٠ ألفا و٦٥٠ ألف برميل يوميًا في الشهر، ولكن واجهوا صعوبة كبيرة لتحقيق الأهداف الكاملة؛ بسبب استنفاد معظم الأعضاء بالفعل طاقاتهم الإنتاجية، وفى ظل معاناة العديد من الدول التي واجهت اضطرابات كبيرة في عملياتها، ويرجع الكثير منها إلى تضرر البنية التحتية.
بشكل عام، تأتي رغبة منتجي أوبك بلس في استمرار استنزاف المخزونات النفطية عن طريق الضخ المتعمد لمستويات أقل مما يستخدمه عملاؤهم، وبالتالي خفض الفائض المتراكم أثناء استجابتهم البطيئة لبداية فترة جائحة كورونا. ومن بين الأسباب الأخرى، عدم استثمار شركات النفط في الإنتاج الجديد بشكل ملموس، وهذه المشكلة ليست خطيرة، لكنها يمكن أن تصبح كذلك.
ويرجع تراجع بعض الشركات النفطية إلى الضغوط التي يمارسها المساهمون الذين إما يدفعون لنماذج أعمال أكثر وعيًا بالبيئة، أو يسعون إلى تحقيق عوائد أفضل على حجم استثماراتهم، وبعض هذه الأفكار يرجع ببساطة إلى تضرر الإيرادات النفطية بشكل كبير بشدة وذلك في منتصف عام ٢٠٢٠، وهو الأمر الذي أجبر العديد من الشركات على خفض ميزانياتها.
ومن جهة أخرى تتمتع دول أوبك بلس بالقدرة على زيادة الإنتاج سريعًا، رغم أن هذه الزيادة ربما لا تضاهي مقدار توقعات أسواق النفط العالمية، بالإضافة إلى أن عددًا قليلًا فقط من الدول البالغ عددها ٢٣ لديها قدرة إنتاجية فائضة، ومن المحتمل أن يكون لدى أكبر بلدين، أقل مما تشير إليه الأرقام المستخدمة في سياسة الإنتاج (الخفض أو الزيادة).
فى أغسطس الماضي، اتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك وحلفاؤها في أوبك بلس على إبطاء وتيرة زيادة معدلات الإنتاج رغم طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من المملكة العربية السعودية رفع مستويات الإنتاج، وذلك لمحاولة كبح جماح الأسعار. وبهذا القرار، أثبت تحالف أوبك بلس تماسكه، بجانب أنه يتعامل بحرص شديد مع موسكو والتي تتعارض مصالحها تمامًا مع مصالح واشنطن. وبالرغم من إن الزيادة قليلة جدًا وتُعد الأصغر في تاريخ التحالف، ولكنها دفعت أسعار النفط الخام في اتجاه إيجابي لساعات فقط. ولكن ومن زاوية أخرى تعكس قرارات التحالف الحاجة إلى التوفيق بين متطلبات متشابهة ومنها:
- عدم ضخ الكثير من أجل الحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية في مواجهة المخاوف المرتبطة بالاقتصاد الكلي.
- التصدي للتضخم في أسعار الطاقة.
والجدير بالذكر، أن تحالف أوبك بلس اتبع سياسة إبقاء ملايين براميل النفط تحت الأرض؛ لتجنب إغراق السوق بالنفط الخام التي لم تكن قادرة على امتصاصه بسبب انهيار الطلب، وذلك منذ مايو من عام ٢٠٢٠، ولكن الانخفاض النسبي الأخير في أسعار النفط وبالأخص في شهر أغسطس الماضي وسط مخاوف من الركود قد يدفع أوبك بلس إلى التزام الحذر، فمنذ ارتفاعه القياسي في مارس الماضي (بداية الحرب الروسية الأوكرانية) حين سجلت أسعار النفط مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية في عام ٢٠٠٨، خسر برميلا النفط الخام المرجعيان أكثر من حوالي ٣٠٪ من سعريهما.
تحديات كبيرة تواجه سياسة أوبك بلس
وهنا يجب الإشارة إلى أن تحالف أوبك بلس قد يواجه تحديات كبيرة في كيفية احترام الحصص المعلنة، وذلك بسبب العديد من الأسباب:
- الأزمات السياسية المطولة في العديد من الدول ومنها ليبيا والعراق وفنزويلا.
- نقص الاستثمار وصيانة البنية التحتية وذلك منذ مايو من عام ٢٠٠٥.
- مطالبة قادة الدول السبع سرعة إقرار فرض سقف على سعر النفط الروسي.
- انخفاض معدلات الإنتاج الروسي تحت تأثير العقوبات الغربية المرتبطة بغزو أوكرانيا.
- ظهور النفط الصخري وصعوده مرة أخرى مما يزيد الضغوط على النفط التقليدي.
- الأسواق الرمادية لبيع النفط الخام.
- احتفاظ عدد ضئيل بالطاقة الإنتاجية من النفط وبمعدلات قليلة.
- مستوى المخزون النفطي التجاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ حوالي ٢٬٧ مليون برميل في يونيو الماضي، حيث يُعد هذا المعدل أقل بنحو حوالي ١٦٣ مليون برميل عن نفس الفترة من العام الماضي.
- وصول مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي للدول إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ٣٠ عامًا.
وجاءت قرارات التحالف في الاجتماع السابق كالآتي:
- تعديل مستوى الإنتاج للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها بزيادته بمقدار ١٠٠ برميل في سبتمبر المقبل، وهذا التعديل لن يؤثر في مستويات الإنتاج المرجعية المتفق عليها في اجتماع يوليو من عام ٢٠٢١.
- تكرار التأكيد على الأهمية القصوى للالتزام التام بحصص ومعدلات الإنتاج المحددة وبآليات التعويض، وضرورة تقديم خطط وجداول التعويض وفقًا لبيان الاجتماع الوزاري الخامس عشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها.
- مواصلة التأكيد على قرار الاجتماع الوزاري العاشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها الذي عُقد في إبريل من عام ٢٠٢٠، والذي تم التأكيد عليه في الاجتماعات اللاحقة، بما في ذلك الاجتماع الوزاري التاسع عشر للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها الذي عُقد في يوليو من عام ٢٠٢١.
- عقد الاجتماع الوزاري الثاني والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها في الخامس من سبتمبر المقبل.
توقعات اجتماع الغد
أسواق النفط العالمية في طريقها إلى التعافي؛ إذ يؤدي خروج بكين من جائحة كورونا -على الرغم من بعض الانتكاسات- إلى تعزيز الطلب، بينما تقلص العقوبات المفروضة على موسكو الإمدادات العالمية من النفط الخام، بالإضافة إلى سعي دول الاتحاد الأوروبي إلى زيادة القيود على النفط الروسي والعودة المحتملة للنفط الإيراني، فإبرام اتفاق نووي إيراني سيزيد من حالة الضبابية المتعلقة بالاجتماع.
وذلك على الرغم من أن احتمالات التوصل إلى اتفاق تبدو أقل وضوحًا، وأنه في حال رفع العقوبات، ستحتاج طهران إلى حوالي عام للوصول إلى طاقتها الإنتاجية والتي تُقدر بحوالي ٤ ملايين برميل يوميًا من إنتاج النفط الخام، وذلك مقابل حوالي ٢٬٦ مليون برميل يوميًا حاليًا وهو أمر في غاية الصعوبة، لذلك هناك العديد من السيناريوهات المحتملة لإجتماع الغد وفى ظل إنتهاء سياسة خفض الإنتاج المتبعة منذ مايو من عام ٢٠٢٠ ومن هنا نستطيع أن نلقى الضوء عليها طبقًا للمؤشرات السابقة:
الخيار الأول خفض مستويات الإنتاج بنسبة تتراوح بين ١٠٠ إلى ٢٠٠ ألف برميل: طرحت المملكة العربية السعودية، والتي تقود التحالف، خيار خفض معدلات الإنتاج، وذلك الخيار يهدف إلى استقرار أسواق العقود الآجلة للنفط الخام، واكتسبت تلك الرؤية دعمًا قويًا من أعضاء آخرين داخل التحالف وفي مقدمتها الكويت والإمارات والجزائر وسلطنة عمان والعراق وفنزويلا وغينيا الاستوائية وليبيا، حيث عانت أسعار النفط الخام من أطول سلسلة في تاريخ التحالف من الخسائر وذلك منذ عام ٢٠٢٠ وذلك بسبب المخاوف الكبيرة بشأن قوة الاقتصاد العالمي، ومما عرض المكاسب المفاجئة وغير المسبوقة التي يتمتع بها دول التحالف هذا العام للخطر، ولكن يظل السؤال عن ما هي المعايير المطلوبة لتحريك مثل هذه الخطوة، بخلاف تهديد خام برنت بالتراجع إلى ما دون ٩٠ دولارًا للبرميل.
الخيار الثاني تثبيت مستويات الإنتاج: وطبقًا لهذا الخيار سيتم إبقاء مستويات إنتاج أكتوبر المقبل دون تغيير، ويدعم هذا الخيار إن أسواق النفط في طريقها للتعافي، حيث يساعد خروج بكين من جائحة كورونا على الرغم من بعض الانتكاسات إلى تعزيز الطلب، بينما تقلص العقوبات المفروضة على موسكو الإمدادات العالمية من النفط، بالإضافة إلى رغبة التحالف في دراسة منحنى التغيرات في الأسواق خلال الفترة المقبلة، حيث تشير البيانات من السوق الفعلية إلى أن العرض ما زال شحيحًا، بالإضافة إلى أن إنتاج العديد من دول التحالف أقل من أهدافها، فيما تهدد العقوبات الأوروبية الصادرات الروسية.
مجمل القول، يسعى تحالف أوبك بلس إلى التحكم في مستويات أسعار النفط العالمية وضبط الأسواق، وذلك من خلال العمل على تعديل حجم كميات الخام المعروضة في الأسواق العالمية، ففي حالة إذا قرر القيام برفع الأسعار فهم يعملون على تخفيض حصص إنتاجهم إلى الحد المعروض من النفط الخام، أما في حال إذا قرر تخفيض الأسعار يتم هذا الأمر من خلال رفع معدل حصص الإنتاج لزيادة العرض.
.
رابط المصدر: