هل تفوّق كورونا على عقوبات امريكا في خنق إيران؟

عبد الامير رويح

 

اشتدت الضغوطات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية الايرانية، التي ترزح تحت وطأة العقوبات الاميركية المشدّدة، بعد أزمة انتشار فيروس كورونا وإغلاق الحدود مع دول الجوار وتوقف صادراتها غير النفطية، التي تعتبر من أهم الشرايين الاقتصادية للبلد، وتسببت العقوبات الأميركية وبحسب بعض المصادر، في تقليص إنتاج إيران من النفط الخام إلى متوسط 1.9 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ3.85 مليون برميل قبل العقوبات وفق بيانات “أوبك”، فيما تراجعت الصادرات إلى أقل من 100 ألف برميل يوميا. كما قلّصت العقوبات حجم الاقتصاد المحلي في إيران، نتيجة عقوبات على صادرات عدد من الصناعات، وواردات مواد خام تدخل في عدة قطاعات صناعية.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدة شركات، متهمة إياها بتمكين شحن وبيع بتروكيمياويات إيرانية، في أحدث حلقة من مسلسل الضغوط الأميركية بهدف تضييق الخناق على ايران. وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرضت العقوبات على ست شركات لأنها دعمت شركة تريليانس للبتروكيمياويات المحدودة التي أدرجت واشنطن اسمها على القائمة السوداء.

ويأتي هذا في وقت تكابد فيه إيران لمواجهة تداعيات تفشي فايروس كورونا فضلا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في العام 2018 وإعادة فرض عقوبات قاسية عليها. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن عائدات بلاده من صادرات النفط انخفضت 100 مليار دولار خلال السنوات الـ8 الأخيرة وذلك في مؤشر على تأثير العقوبات.

وتأتي تصريحات روحاني بالتزامن مع تراجع الريال الإيراني إلى مستوى منخفض جديد، حيث ذكر موقع “بونباست دوت كوم” لأسعار صرف العملات الأجنبية في وقت سابق، أن الدولار بيع بما يصل إلى 263500 ريال في السوق غير الرسمية. ويشير ذلك إلى أن العملة خسرت زهاء 49% من قيمتها في 2020، بعدما ساهم تراجع أسعار النفط في الأزمة الاقتصادية بإيران التي سجلت أيضاً أكبر عدد للوفيات بفيروس كورونا في الشرق الأوسط. وبين الحين والآخر تدرج الولايات المتحدة المزيد من الكيانات الإيرانية على قوائم الإرهاب، وذلك في مسعى من واشنطن للمزيد من تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، وذلك بهدف التأثير على أنشطة طهران في دول بالشرق الأوسط، أبرزها سوريا، والعراق، واليمن.

أصدقاء إيران

وفي هذا الشأن انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني عدم وقوف أصدقاء إيران إلى جانبها في وجه الولايات المتحدة وتجاهلهم للعقوبات الأمريكية على بلاده أثناء تفشي وباء فيروس كورونا. وقال روحاني في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي على الهواء “لم يقف أحد إلى جانبنا خلال الأشهر السبعة الماضية… ونحن نواجه فيروس كورونا”. وأضاف أنه لو أن للولايات المتحدة “ذرة من إنسانية أو عقل” لعرضت “رفع العقوبات لمدة عام لدواعي فيروس كورونا”.

وتابع أنها “أشد جمودا وشرا من أن تفعل هذا”. وواصل الرئيس الإيراني حديثه قائلا إن الولايات المتحدة بدلا من هذا “فرضت عقوبات جديدة وضغوطا علينا على مدى الأشهر السبعة الماضية التي انتشر فيها فيروس كورونا”. وقال روحاني “لم تخبرنا دولة صديقة واحدة أنه في هذا الوقت ومع انتشار فيروس كورونا والمصاعب ومن أجل الإنسانية ’سنقف في وجه أمريكا’” ونتعامل مع إيران على الرغم من تهديدات الانتقام الأمريكية.

وفي مارس آذار، رفض الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عرضا أمريكيا لمساعدة بلاده في مواجهة الوباء، وندد بقادة الولايات المتحدة ووصفهم بأنهم “دجالون وكاذبون”. وتجيء العقوبات في إطار مسعى أمريكي لحرمان إيران من الدخل بعدما انسحب الرئيس دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015. والغذاء والدواء والإمدادات الإنسانية الأخرى مستثناة من العقوبات، لكن الحظر التجاري منع العديد من البنوك الأجنبية من التعامل مع إيران، حتى وإن كان لتمويل صفقات إنسانية، مما تسبب في نقص بعض الأدوية.

من جانب اخر أعلن وزير الخارجية السويسري إغناسيو كاسيس أنه أجرى مباحثات “مثمرة” في طهران مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، ركزت على السلام والتنمية الاقتصادية وحقوق الانسان. وتأتي الزيارة في ظل توتر متصاعد بين الولايات المتحدة التي ترعى سويسرا مصالحها في إيران. لكن مسؤولين إيرانيين نفوا أي علاقة بين الزيارة ومحاولة إطلاق حوار محتمل بين طهران وواشنطن، واضعين إياها في سياقها الرسمي المعلن، وهو الذكرى المئوية لعلاقات برن وطهران.

وكتب كاسيس عبر “تويتر” بعد لقائه ظريف “السلام، التنمية الاقتصادية وحقوق الانسان. محادثة مثمرة مع نظيري محمد جواد ظريف”. وتتولى سويسرا رعاية المصالح الأميركية في إيران منذ العام 1980، في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين الإيرانية والأميركية إثر انتصار الثورة الاسلامية (1979).

وكرر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده التأكيد ان لا علاقة للزيارة بما ذكرته تقارير صحافية عن دور سويسري في محاولة إطلاق حوار إيراني-أميركي. وأتت التقارير في أعقاب إعلان الخارجية الأميركية ان الوزير مايك بومبيو أجرى اتصالا هاتفيا بنظيره السويسري قبل توجهه الى إيران.

وقال خطيب زاده في مؤتمر صحافي إن زيارة كاسيس “هي في إطار الزيارات الطبيعية بين وزيري خارجية البلدين (…) لطالما كانت لدينا علاقات جيدة جدا، مكثفة وعميقة، مع سويسرا”. وتابع “ما يجري بين سويسرا والولايات المتحدة يتعلق بهما، لكن هذه الزيارة ليست مرتبطة بإيران والولايات المتحدة. سياستنا حيال الولايات المتحدة لم تتغير”، معتبرا ان إدارة ترامب “أظهرت انها لا تدخر فرصة لتطبيق ما تسميها سياسة الضغوط القصوى على إيران”. بحسب فرانس برس.

وقال كاسيس عبر تويتر “أنا سعيد لقدرتنا على ان نؤسس معا (مع إيران) القناة الانسانية السويسرية لنقل الغذاء والمستلزمات الطبية الى شعب إيران”. ووضعت هذه القناة موضع التطبيق بموجب اتفاق تجاري يعرف باسم “اس أتش تي ايه”، أبرم مع الولايات المتحدة في بداية عام 2020.

ويخصص الاتفاق للشركات السويسرية العاملة في مجالات الصيدلة والطب والغذاء ويسمح لها بإرسال مساعدات إلى إيران الخاضعة لعقوبات أميركية قاسية. ورأى خطيب زاده ان “هذه القناة قادرة على ان تكون ذات أهمية في حال بقيت بعيدة عن الضغوط السياسية” الأميركية. وإضافة الى دورها في رعاية المصالح، ساهمت سويسرا في إبرام عمليات تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وإيران.

تخصيب اليورانيوم

في السياق ذاته أعلن رئيس منظمة الطاقة النووية الايرانية علي اكبر صالحي أن هناك 1044 جهاز طرد مركزي يعمل حاليا على تخصيب اليورانيوم في موقع فوردو، وذلك في إطار خفض طهران لالتزاماتها ازاء الاتفاق النووي. وكانت إيران استأنفت مطلع تشرين الثاني/نوفمبر نشاطات تخصيب اليورانيوم في مصنعها الواقع تحت الأرض في فوردو في خطوة جديدة من ردها على الانسحاب الأميركي الاحادي من الاتفاق النووي الذي يهدف الى منع الجمهورية الإسلامية من امتلاك قنبلة ذرية.

وأعربت فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وقتذاك عن “قلق شديد” إزاء اعلان ايران استئناف أنشطتها لتخصيب اليورانيوم في فوردو على مسافة حوالى 180 كلم إلى جنوب طهران. وبعد انسحابها من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018 معتبرة أنه غير كاف، أعادت إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب فرض كل عقوباتها الاقتصادية على إيران ولم تكفّ عن تعزيزها في إطار حملتها لممارسة “ضغوط قصوى” على طهران.

وقال علي اكبر صالحي “إن ايران انجزت كامل الخطوة الرابعة لخفض التزاماتها ازاء الاتفاق النووي، وبناء على ذلك سيتم التخصيب عبر الف و44 جهازا للطرد المركزي في موقع فوردو النووي”، حسب ما نقلت عنه وكالة الانباء الايرانية الرسمية ارنا. وأضاف “نحن كنا قد تعهدنا وفقا للاتفاق النووي، بعدم استخدام هذا العدد في مجال التخصيب، لكن وفقا لبرامح خفض التعهدات ازاء الاتفاق، سيتم التخصيب بناء على حاجة البلاد”.

وفي بداية أيلول/سبتمبر ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصّب يتجاوز حاليا عشر مرّات الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015 النووي الذي أبرمته الجمهورية الإسلامية مع القوى الكبرى. وفي الأشهر الأخيرة حاولت إدارة ترامب تشديد ضغطها على ايران، لكن واشنطن تلقت صفعة مذلة في آب/أغسطس عندما فشلت في مجلس الأمن في محاولتها إعادة فرض العقوبات الأممية على الجمهورية الاسلامية. وفي اجتماع عُقد في فيينا مؤخرا، أعلنت بريطانيا وفرنسا والمانيا والصين وروسيا التي لا تزال ملتزمة الاتفاق النووي انها تريد إيجاد طريقة لضمان “تنفيذه بالكامل على الرغم من التحديات الحالية”.

وقال علي أكبر صالحي إن الجمهورية الإسلامية بدأت تشييد وحدة في “قلب الجبال” قرب منشأة نطنز النووية لإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة. والهدف من تشييد الوحدة هذه أن تحل محل أخرى داخل نظنز دمرها حريق في يوليو تموز. وقالت إيران وقتئذ إن الحريق نتج عن تخريب وتسبب في أضرار جسيمة يمكن أن تبطئ إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم. ونقل التلفزيون الرسمي عن صالحي قوله “تقرر إنشاء وحدة أحدث وأوسع وأشمل بكافة المقاييس في قلب الجبال بالقرب من نطنز. لقد بدأ العمل”. بحسب فرانس برس.

ونطنز هي حجر الزاوية في برنامج التخصيب الإيراني الذي تقول طهران إنه لأغراض سلمية. وتعتقد المخابرات الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بأن إيران لديها برنامج تسلح نووي سري أوقفته عام 2003. وتنفي طهران أن تكون سعت في أي وقت من الأوقات لامتلاك أسلحة نووية. وموقع نطنز لتخصيب اليورانيوم، الذي يقع الجزء الأكبر منه تحت الأرض، هو واحد من عدة منشآت إيرانية يراقبها مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

من جانب اخر قال التلفزيون الإيراني إن الجيش بدأ تدريبات عسكرية سنوية في مياه الخليج قرب مضيق هرمز، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين طهران وواشنطن. وقال قائد المناورة الأدميرال حبيب الله سارداري للتلفزيون إن التدريبات تهدف لتطوير القدرة العسكرية لطهران على مواجهة “التهديدات الأجنبية وأي غزو محتمل”.

وذكر التقرير أن القوات البحرية والجوية والبرية، بما فيها غواصات وطائرات مسيرة، تشارك في التدريبات التي أطلق عليها اسم (ذو الفقار 99). ووقعت مواجهات متكررة بين قوات الحرس الثوري الإيراني والقوات الأمريكية في الخليج خلال الأعوام الأخيرة، وتتهم واشنطن قوات البحرية التابعة للحرس الثوري بإرسال زوارق هجومية سريعة لمضايقة السفن الحربية الأمريكية الموجودة في المضيق. وقال المتحدث الرسمي في تلك المناورات الأدميرال شهرام إيراني للتلفزيون الرسمي إن الولايات المتحدة سحبت طائراتها المسيرة من منطقة التدريبات بعد تحذير أطلقته إيران. وتجري طهران، التي تعارض وجود قوات بحرية أمريكية أو غربية في المنطقة، مناورات حربية سنوية في المضيق، الذي يمر من خلاله نحو 30 في المئة من إجمالي النفط المنقول بحرا.

صكوك نفطية

من جانب اخر قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن إيران تعتزم البدء في طرح أوراق مالية معززة بالنفط على مواطنيها، في إطار جهود الحكومة لتعزيز خزائن الدولة التي تعصف بها العقوبات الأمريكية وأزمة فيروس كورونا. ويعاني اقتصاد إيران منذ 2018 عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية الست وأعادت فرض العقوبات التي تخنق تجارتها النفطية، فضلا عن تأثير تدني أسعار الخام.

وقال روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء بثه التلفزيون ”الذهب والدولار ليسا مناسبين للاستثمار. لكن سوق الأسهم والنفط مناسبان. ”الحكومة تبذل كل ما بوسعها للسيطرة على السيولة والتصدي للعقوبات النفطية… الخطة ستساعد الاقتصاد وتوفر الدخل لشعبنا.“ وأوردت وسائل إعلام إيرانية أن الخطة تتضمن نحو 220 مليون برميل من النفط في بورصة الطاقة الإيرانية، من خلال سندات ”سلف“ إسلامية.

وقال محمود واعظي رئيس مكتب رئيس الجمهورية في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن الخطة ستسمح للإيرانيين بشراء من برميل إلى 100 ألف برميل من النفط أو أكثر. لكن المحللين يقولون إن الفكرة لن تحسن من قدرة إيران على تمويل الميزانية في المدى الطويل في ظل انهيار إيرادات النفط. وقال هنري روم، المحلل في مجموعة أوراسيا، ”هذه الاستراتيجية ستخلق عبء دين كبيرا سيكون على الحكومة مواجهته، مما سيزيد الضغط للدخول في مفاوضات من أجل تخفيف العقوبات في السنوات القادمة.“ بحسب رويترز.

وكانت تقديرات لصندوق النقد الدولي في ابريل نيسان قد أشارت إلى أن عجز ميزانية إيران قد يصل إلى عشرة بالمئة هذا العام مقارنة مع 5.7 بالمئة في 2019. وكتب عبد الناصر همتي رئيس البنك المركزي على إنستاجرام يقول ”عجز ميزانية الحكومة بسبب العقوبات النفطية هو أمر واقع،“ مضيفا أن مبيعات النفط ستساهم في إدارة التضخم ودر الأرباح على الإيرانيين. وتأتي خطة النفط بعد أن شجعت السلطات الإيرانيين على الاستثمار في السوق المحلية عن طريق بيع حصص في شركات مملوكة للدولة، في خطوة يقول المحللون إنها قد تزيد مخاطر تكون فقاعة بسوق الأسهم. وتُقدر صادرات إيران النفطية حاليا بين 100 و200 ألف برميل يوميا، انخفاضا من 2.5 مليون برميل يوميا في ابريل نيسان 2018.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/24559

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M