سايمون هندرسون
كان الانفجار الرهيب الذي وقع في بيروت يوم الثلاثاء أصغر بكثير من أن يكون قنبلة ذرية، لكن لا يجب استبعاد احتمال تدمّر منطقة الشرق الأوسط من خلال تبادل نووي بسبب انتشار أخبار في صحيفة “وول ستريت جورنال” مفادها أن السعودية، بمساعدة الصين، بنت مصنعاًا لمعالجة اليورانيوم الخام. وعلى الرغم من تصدّر الخبر الصفحة الأولى، إلّا أن الصحيفة ربما قللت من أهميته.
ويقع المصنع بالقرب من بلدة العلا النائية، في شمال غرب المملكة، في منتصف الطريق تقريباً بين المدينة المنورة وتبوك، على الجانب الأبعد من إيران. ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين على علم بوجود المصنع منذ شهور، وربما سنوات، ويبدو أنهم سرّبوا مخاوفهم إلى مراسلي الصحيفة أو أطلعوهم عنه. ويتمثل دور المصنع في إنتاج “الكعكة الصفراء”، وهي شكل شبه مصنّع (معالج) من اليورانيوم، الذي يشكل بدوره المكوّن الرئيسي لكل من مفاعلات الطاقة النووية والقنابل الذرية.
وقد أخذت تسمية هذه الكعكة من لونها عند صنعها للمرة الأولى قبل عقود. وفي هذه الأيام، قد تكون الكعكة الصفراء مستمرة في الحفاظ على شكلها ككعكة ولكنها أصبحت سوداء أو بنية اللون. فهي مصنوعة من أوكسيد اليورانيوم – U3O8 – ولكن أهميتها تكمن في كونها خطوة مرحلية ضرورية لإنتاج سادس فلوريد اليورانيوم، وهو الغاز الذي يمكنه أن يغذي مصنع تخصيب. ووفقاً لتصميم أجهزة الطرد المركزي والدورة الزمنية اللازمة للإنتاج، يصلح اليورانيوم المخصب الناتج للاستخدام في محطة للكهرباء أو لصنع سلاح نووي.
وقبل أن يطلب مراسلو صحيفة “وول ستريت جورنال” من السعوديين التعليق على الموضوع، لم تقر الرياض بوجود المصنع. ومن حيث البروتوكولات الدولية، فالأمر مقبول نوعاً ما – لكنه يشير إلى عدم الانفتاح ويتعارض مع النوايا السلمية. فالصين لم تكن خياراً مطمئناً كشريك في هذا الصدد أيضاً. ويمكن أن توفّر بكين الخبرة اللازمة، لكن تجربتها السابقة في مثل هذه المنشآت شملت إيران وباكستان.
وبصورة أدق، تسير معالجة اليورانيوم بشكل متلازم. فهي تبدأ من استخراجه إلى معالجته (لصنع الكعكة الصفراء)، وصولاً إلى تحويله إلى ثاني الأكسيد ومَعْدن، وبعدها إلى غاز (سادس فلوريد)، وأخيراً يصل إلى مرحلة التخصيب. وقد أنجزت السعودية حالياً المرحلتين الأوليتين. والأسوأ من ذلك، فمن منظور الانتشار، لا تتألف العملية من عدة خطوات يتم فيها إتقان مهارة ما قبل البدء في المرحلة التالية. فهناك احتمالات وجود مصنع تحويل، ومصنع تغويز، ومصنع تخصيب أو اثنين في مختلف مراحل الإنجاز، في أجزاء نائية أخرى من المملكة، أو مخفية عن أنظار الجميع.
ولم تنجح السعودية في طمأنة واشنطن. ففي عام 2018، وأثناء زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، صرح لبرنامج “60 دقيقة“: “السعودية لا ترغب بامتلاك أي قنبلة نووية، ولكن من دون شك، إذا طوّرت إيران قنبلة نووية، فسنحذو حذوها في أسرع وقت ممكن”. وبشكل خاص، بعد إدخال والده، الملك سلمان، إلى المستشفى مؤخراً، يعتبر ولي العهد البالغ من العمر 34 عاماً القائد الفعلي للمملكة. وكان المسؤولون الأمريكيون، ولا سيما أولئك الذين يريدون دعم عمليات البيع المحتملة للتكنولوجيا النووية المدنية الأمريكية إلى محطات الطاقة السعودية المقترحة، قد حاولوا التقليل سابقاً من أهمية كلام محمد بن سلمان على اعتبار أنه ليس تصريحاً نهائياً بشأن السياسة المعتمدة. وللأسف، يبدو أن كلامه هو إعلان نوايا صريح.
إن تبرير التصرف السعودي فيما يتعلق بتصميم إيران المستمر المفترض على امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية هو تفسير للموضوع، لكنه لا يدعم السياسة الأمريكية. على سبيل المثال، يبدو أن الحليف المقرب للرياض، أي الإمارات العربية المتحدة، قد اتخذت مساراً مختلفاً، بعد أن تعهدت برفض التخصيب وبدأت للتو بتشغيل مفاعل الطاقة النووية الأول من أصل أربعة مفاعلات من إنشاء كوريا الجنوبية.
ويتمثل مصدر قلق إضافي في استمرار السعودية في امتلاك ترسانة من الصواريخ الصينية البعيدة المدى. ووفقاً لبعض التقارير يجري تحديثها منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كان نوع الصواريخ الذي تم توفيره لها قادراً على حمل رؤوس نووية، وهو ما سبب الذعر للولايات المتحدة وإسرائيل. وازدادت المخاوف مجدداً في العام الماضي، عندما اكتُشف أن الصين كانت تبني مصنعًا للصواريخ النووية في الصحراء السعودية. وكان تصميم المصنع متطابقاً تقريباً مع المخطط الذي تمّ بناؤه في باكستان في تسعينيات القرن الماضي.
أما التحول التاريخي الكبير فتجلّى عندما كانت باكستان تخوض سباقاً لامتلاك قدرات على صنع أسلحة نووية في أوائل الثمانينيات، حين لم تكن محطة تحويل اليورانيوم التابعة لها تعمل بشكل صحيح. وتمكنت من التغلب على هذا المأزق مؤقتاً في أيار/مايو 1981، عندما أهدتها الصين كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلتين ذريتين (بالإضافة إلى تصاميم لبناء الجهاز). وكان ذلك قبل أشهر من اكتشاف أجهزة الاستخبارات الغربية ما حدث.
ومرة أخرى، لكن الآن في السعودية، يبدو أن الوقت من ذهب.
رابط المصدر: