هل تنجح قمة الجزائر في لم الشمل العربي؟

نوران عوضين

 

بعد غياب ثلاث سنوات، تستضيف الجزائر أعمال القمة العربية الحادية والثلاثين في ظل سياق دولي وإقليمي شديد التعقيد، وفي ظل محاولات من جانب دول المنطقة للتوافق بشأن كيفية معالجة ما تواجهه المنطقة من تحديات مشتركة تستلزم وحدة الصف العربي. وفي هذا الإطار، اختير تعبير “لم الشمل” ليكون هو شعار القمة العربية الهادفة–بحسب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون- إلى إعادة بث روح التضامن وإعادة ترتيب البيت العربي.

أجواء القمة

يحيط بالقمة العديد من العوامل التي مثّلت تحديًا أمام الوصول إلى هدف “لم الشمل العربي”، وهو ما يمكن الإشارة إليه فيما يلي:

غياب قادة عرب عن حضور القمة:

يتمثل أول تحدي لهذه القمة في غياب سبعة من القادة العرب وهم: ولي العهد السعودي، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أمير الكويت، ملك الأردن، سلطان عمان، ملك البحرين، وملك المغرب. وعلى الرغم من مشاركة نائبين عن هؤلاء القادة، فإن غياب القادة يطرح تساؤلات حول مدى النجاح المبتغى من هذه القمة.

لم تُذكَر تصريحات رسمية مبررة لأسباب الغياب، عدا ولي العهد السعودي الذي أعرب خلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس الجزائري عن تأسفه لعدم حضوره اجتماع القمة العربية “امتثالا لنصائح وتوصيات الأطباء بتجنب السفر”، الأمر الذي يدفع نحو التفكير في مبررات لهذا الغياب. فعلى الرغم من أن نائبي القادة سيعرضون نفس الرؤى والقضايا، تظل مسألة حضور القادة بأنفسهم إلى القمة أمر محوري لضمان نجاحها.

ومن هذا المنطلق، يمكن التفكير في أسباب محتملة لهذا الغياب، وربما يكون الغياب المغربي هو أكثر الغيابات واضحة الأسباب؛ إذ يُعزى إلى التوترات الراهنة مع الجزائر، والتي وصلت إلى حد قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس 2021، وتعد قضيتا الصحراء المغربية والتعاون العسكري والأمني المغربي مع إسرائيل أبرز مسببات توتر العلاقات.

ينبع الخلاف المستمر بين الجزائر والمغرب من النزاع على الصحراء الغربية، وهي منطقة ضمها المغرب في عام 1975. ويدعم الجزائر الصحراويون من جبهة البوليساريو ويسعون إلى استقلال المنطقة منذ عقود. واشتدت الخلافات المغربية الجزائرية في الفترة السابقة لانعقاد القمة، وتحديدًا خلال اجتماعات وزراء الخارجية التحضيرية. تمثل أول مشهد للخلاف في نشر قناة AL24 الإخبارية الحكومية خريطة تقسم المغرب والصحراء الغربية، وعلى الرغم من اعتذار القناة الجزائرية عن “استخدام خريطة لم تقرها الجامعة العربية”، وتوصيفها ما حدث على أنه “خطأ فني”، صرح وزير الخارجية المغربي بأن التوضيح الجزائري “لم يكن مقنعًا” للمغرب.

تمثل المشهد الثاني للخلاف في رفض الجزائر للاقتراح المغربي حول ضرورة إضافة الإمدادات الإيرانية من الطائرات بدون طيار إلى جبهة البوليساريو، إلى جدول أعمال اجتماع القمة. وأخيرًا، ذكرت وسائل إعلام محلية مغربية أن الوفد المغربي في الجزائر قد واجه العديد من الأعمال “الاستفزازية” من قبل اللجنة الجزائرية المنظمة التي تتعارض مع البروتوكولات الدبلوماسية، حيث تم تقليص الوفد الإعلامي الرسمي المغربي، وحجز معدات القنوات الرسمية التابعة للمغرب بالمطار لمدة طويلة. يتعلق البعد الثاني للخلاف المغربي الجزائري في عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، وما أسفر عن ذلك من اتفاقات أمنية وعسكرية فيما بينهما، فُسِرت على كونها تهديدًا للجزائر.

في المقابل، تشير بعض التحليلات إلى أن غياب غالبية قادة الخليج عن حضور القمة له أكثر من اعتبار؛ فمن ناحية، قد يرتبط هذا الغياب من موقف هذه الدول من قضية الصحراء المغربية، حيث الاعتراف بسيادة المغرب على كامل الأراضي الصحراوية. من ناحية أخرى، أبدت الجزائر رفضها للاتفاقات الإبراهيمية التي أُبرمت ما بين إسرائيل وكل من الإمارات، والبحرين، والمغرب، وكذلك السودان. وأخيرًا، يبرز عامل التقارب الجزائري الإيراني الذي قد يكون سببًا آخر للخلاف ما بين هذه الدول مع الجزائر، لاسيما مع ما صرح به “عمر هلال”، مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة، مؤخرًا، بشأن تولي إيران وحزب الله تدريب عناصر جبهة البوليساريو الانفصالية، فضلًا عن تسليحهم بشحنة من الطائرات المسيرة.

  • استمرار تعقد الأزمات:

لا تزال المنطقة تدور في دوامة أزماتها دون حل، بما يعرض الأمن القومي العربي للمزيد من التهديد؛ لا تزال القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، والتي يتعين البحث عن حلول لها حتى يصبح بالإمكان المضي قدمًا في جهود بناء التنمية والاستقرار بالمنطقة. قبل أسبوعين من انعقاد القمة، استضافت الجزائر محادثات في محاولة لإنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني الفلسطيني، وقد توجت هذه المحادثات بتوقيع الفصائل الفلسطينية على “إعلان الجزائر” لـ “لم الشمل الفلسطيني”، والذي نص على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس خلال عام من توقيعه، ونص على انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج بنظام التمثيل النسبي الكامل خلال عام من توقيع الإعلان.

ويفرض الوقت الراهن ضرورة نجاح الجهود في إنهاء الانقسام الفلسطيني، ومن ثم تشكيل جبهة فلسطينية موحدة إزاء إسرائيل، لا سيما مع إجراء إسرائيل، للمرة الخامسة خلال أربع أعوام فقط، انتخابات برلمانية من المتوقع فيها عودة تيار اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو مجددًا إلى السلطة. وإلى جانب الأزمة الفلسطينية، لازالت الأزمات في ليبيا وسوريا واليمن تشهد حالة من الجمود السياسي في ظل استمرار اقتتال الأطراف المتنافسة، ومن ثم صعوبة تصور اقتراب أفق الحل أو التسوية.

من ناحية أخرى، يبرز البرنامج النووي الإيراني بوصفه عاملًا مقوضًا لاستقرار المنطقة، لاسيما في ظل تراجع احتمالات عودة العمل بالاتفاق النووي الذي من شأنه ضمان أن يكون البرنامج النووي الإيراني برنامج سلمي، وكذا في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي الإيراني الذي يهدد بتقويض جهود السلام بالمنطقة.

تشتمل التهديدات الموجهة ضد الأمن القومي العربي على الفاعلين من غير الدول. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى ما طرحته مصر في مقاربتها لحل أزمات المنطقة خلال قمة جدة (يوليو 2022) بشأن ضرورة مواجهة الفاعلين من غير الدول، (التنظيمات الإرهابية والميليشيات والمرتزقة وعصابات السلاح)؛ وذلك نظرًا لما يشكلونه من تقويض لجهود السلام والحوار بالمنطقة. يمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الدور المزعزع للاستقرار الذي تمارسه حركة الشباب الصومالية في مناطق متفرقة داخل الصومال.

لا يعمل هؤلاء الفاعلون بشكل منفرد وإنما توجههم مصالح قوى أخرى تتناقض مع مصالح الدول العربية، وهو ما يمكن مشاهدته بالفعل في سوريا وليبيا واليمن والعراق، حيث وجود أشكال متعددة من التنظيمات مختلفة التوجهات والأيديولوجيات والتي تنحصر مهمتها في خدمة ما هو ضد وحدة وسيادة تلك الدول. وعليه، تنبع أهمية التوافق حول محددات الأمن القومي العربي بما يمكّن الدول العربية من حمايته والتصدي لما هو ضده.

  • سياق دولي أكثر تعقيدًا: تنعقد القمة العربية في ظل سياق دولي ملئ بالتجاذبات والاشتباكات. فإذا كانت جائحة كوفيد – 19 قد فرضت على القمة تأجيلها مدة ثلاث سنوات، وتسببت في تراجع معدلات النمو والتنمية الاقتصادية بدول المنطقة العربية؛ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، لتتسبب هي الأخرى في المزيد من التحديات المواجهة للمنطقة. يتمثل التحدي الأبرز فيما تسببت فيه الحرب من نقص في الإمداد العالمي للحبوب.

يأتي حوالي ثلث القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا، وبعض دول المنطقة تعتمد على هذين البلدين في أكثر من نصف وارداتها. وعلى الرغم من توصل روسيا وأوكرانيا في أواخر يوليو إلى اتفاق برعاية تركيا والأمم المتحدة من شأنه استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، أعلنت روسيا مؤخرًا عن تعليق مشاركتها في اتفاق الحبوب، الأمر الذي قد يعني استمرار نقص إمدادات الحبوب إلى المنطقة ومن ثم ارتفاع أسعارها، وهو ما قد يفرض ضغطًا متزايدًا على الاقتصادات العربية المتضررة جراء تداعيات جائحة كورونا، لا سيمَا أن أسعار القمح قد ارتفعت بنسبة 45% تقريبًا خلال 2021 متأثرة بالجائحة، وواصلت ارتفاعها متأثرة بالأزمة الأوكرانية.

كذلك، تفرض حالة التنافس الدولي القائمة ما بين الولايات المتحدة وروسيا من جانب والصين من جانب آخر على الدول العربية ضرورة تشكيل جبهة موحدة تجنبًا لما قد يترتب عن هذا التنافس من انعكاسات أو من دعوات انحياز إلى جانب دون الآخر، وهو الأمر الذي يتعارض مع سياسات دول المنطقة.

مدى فاعلية القمم العربية

على الرغم من التحديات التي غلفت أجواء القمة، تسعى الجامعة العربية إلى التوصل إلى توافق عربي جماعي إزاء أزمات المنطقة المختلفة. ولكن نظرًا للطبيعة المعقدة للتحديات الراهنة وما فرضته من ضرورة الاجتماع بشكل مستمر دون التقيد بإطار زمني معين، برز اتجاه لدى عدد من القادة العرب نحو عقد لقاءات مصغرة تعبر عن صيغة مبتكرة للعمل العربي المشترك الهادف إلى توفيق وتنسيق الجهود والرؤى العربية وصولًا إلى تحقيق قدرة مشتركة من شأنها مواجهة التحديات والتهديدات المناوئة للمنطقة العربية.    

يمكن الإشارة إلى مارس 2019 بوصفه انطلاقة بدء اعتماد صيغة جديدة للعمل العربي المشترك، حيث عقد بالقاهرة في يوم الرابع والعشرين من مارس أول لقاء ثلاثي بين قادة مصر والأردن والعراق، نتج عنه الاتفاق على إنشاء آلية مستدامة للتنسيق الثلاثي تمكنهم من استمرار التعاون فيما بينهم وأيضًا مع سائر الأشقاء العرب بهدف إيجاد حلول لمجموعة الأزمات التي تواجه عددًا من البلدان العربية من أجل تحقيق مصالح شعوبهم في الاستقرار والازدهار الاقتصادي وتحقيق الأهداف المشتركة، هذا إلى جانب بحث المشروعات الاقتصادية المشتركة بين البلدان الثلاثة.

تعددت اللقاءات الثلاثية منذ ذلك الحين سواء على مستوى القادة أو على مستوى وزراء الخارجية، وصولًا إلى اللقاء الخامس للقادة الثلاث في بغداد يونيو 2021، الذي شهد دفعًا أكبر للتعاون الثلاثي المشترك. فقد اشتمل البيان الختامي على إجراءات التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، والذي عُدّ بمثابة أول خطوة حقيقية في طريق التكامل الاقتصادي بين هذه الدول.

اتفق القادة على ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة). وأكد القادة ضرورة السير بالإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذ مشروع المدينة الاقتصادية العراقية-الأردنية المشتركة وإعطاء الأولوية للشركات من الدول الثلاث للمشاركة بعطاءات إنشائها. وفى المجال الزراعي والأمن الغذائي، كان الاتفاق على استكمال مشروع إنشاء شركة إقليمية لتسويق المنتجات الزراعية وتوقيع بروتوكول التعاون في المجالات الزراعية.

وفي مارس 2022، شهد اللقاء الثلاثي المصري الأردني العراقي تطورًا جديدًا تمثل في انضمام فاعل جديد إلى هذه اللقاءات، حيث عقد قادة مصر والعراق والأردن بالإضافة إلى الإمارات قمة رباعية بمدينة العقبة. ناقش القادة في إطارها سبل تعزيز علاقات التعاون المشترك بين الدول الأربع في جميع المجالات، خاصة التجارية والاقتصادية، وسبل مواجهة تداعيات وآثار الظروف العالمية الحالية على قطاعات الأمن الغذائي والطاقة والتجارة.

وفي أبريل 2022، برز تطور جديد في صيغ اللقاءات الثلاثية تمثّل في عقد قادة مصر والإمارات والأردن قمة ثلاثية في القاهرة، أعقبها اجتماع قادة مصر والأردن والبحرين في يونيو 2022 بمدينة شرم الشيخ. أسفرت هذه اللقاءات عن خطوة جديدة في طريق التكامل الاقتصادي العربي، حيث دشنت مصر والإمارات والأردن في مايو 2022 مبادرة “الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة”؛ بهدف تعزيز دور القطاع الصناعي، وفي الخامس والعشرين من يوليو، انضمت البحرين إلى هذه المبادرة. ستركز المرحلة الأولى من المبادرة على تعميق الشراكة الصناعية الشاملة بين الدول الأربعة ضمن مجموعة من القطاعات الحيوية ذات الاهتمام المشترك والمتمثلة في قطاعات الزراعة، والأغذية، والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات.

يمكن الاستدلال على الأهمية التي تحملها هذه المبادرة عبر ما أشار إليه الشيخ “محمد بن زايد” رئيس دولة الإمارات خلال مراسم الإعلان عنها كونها تأتي “في إطار التغيرات التي يشهدها العالم والتي تستدعي تعميق الشراكات الاقتصادية بين دول المنطقة العربية وابتكار صيغ جديدة للتعاون فيما بينها وتعزيز تكاملها واستثمار الميزات النوعية لكل دولة، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتقوية الاستجابة للتحديات المشتركة والأزمات العالمية وتوسيع الاعتماد على الذات”.

وبناءً عليه، لا يعني تتابع انعقاد اللقاءات المصغرة إلى تراجع فاعلية القمم العربية المنعقدة تحت ظلال جامعة الدول العربية، وإنما تشير هذه اللقاءات إلى حجم التحديات العالمية والإقليمية التي تحيط بالمنطقة والتي تتطلب معها اتباع نهج جديد من التعاون يتسم بتقارب الفترات التي تنعقد اللقاءات خلالها، ويهتم ببحث المستجدات وما تحمله من انعكاسات على المنطقة، وذلك حتى يتمكن القادة من تنسيق الرؤى والجهود وتحقيق استجابة مشتركة من شأنها تجاوز الأزمات. فما تواجهه المنطقة العربية حاليًا من تحديات تستلزم تطوير العمل الجماعي، حيث أصبح من الصعب على أي دولة بالعالم مواجهة التحديات الراهنة بشكل منفرد دون التعاون مع محيطها المجاور، الأمر الذي يفرض على المحيط العربي تطوير آليات عمله المشترك.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73745/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M