هل تُستأنف مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية؟ أين روسيا وأميركا من فتح الأقنية بين تل أبيب ودمشق؟ ما هو الثمن المطلوب والمكافآت المعروضة؟
هذه الأسئلة مطروحة منذ فترة طويلة، لكنها عادت بقوة إلى الأروقة الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة إلى حد أن هناك اعتقاداً واسعاً بوجود مفاوضات سرية بين دمشق وتل أبيب. هناك سبب أصيل لهذا الاعتقاد، يتعلق بتجارب العقود السابقة من أنه كلما كانت دمشق على موعد من تحولات كبرى أو عزلة، يكون «المخرج» باستئناف المفاوضات، وفق مقولة «الطريق إلى واشنطن يمر دائما عبر تل أبيب».
عندما انهار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية وهبت رياح التغيير مع ملامح بروز النظام العالمي الجديد، قرر الرئيس حافظ الأسد الموافقة على المشاركة بمؤتمر مدريد للسلام في نهاية 1991 ثم الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وصولاً إلى قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك ووزير الخارجية السابق فاروق الشرع المفاوضات المباشرة في بداية العام 2000. عقدان من المفاوضات، كانا كفيلين بتجنيب دمشق عاصفة خسارتها لحلفائها ومخاض التحولات في الإقليم والعالم. في النهاية، توفي الرئيس الأسد في منتصف 2000 من دون أن يوقع اتفاق السلام.
– «صندوق العزلة»
عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005. وضعت دمشق في «صندوق العزلة» الأميركية والأوروبية والعربية. أيضاً، اتجهت الأنظار إلى تل أبيب. وفي 2008. فتحت قناة مفاوضات سرية بين الجانبين، كان الهدف السوري منها هو «فك العزلة». بالفعل، هذا ما حصل. جرت مفاوضات سرية. كسرت العزلة ودُعي الرئيس بشار الأسد إلى مؤتمرات وجولات وقمم دولية وعربية. في النهاية، انهارت المفاوضات التي رعاها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ولم يوافق الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2008 على مفاوضات مباشرة
وهنا ينقل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت عن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش قوله: «بالنسبة لي إذا وقعتم اتفاقا مع الأسد سيُسعدني ذلك بشكل كبير لأنني أريد أن يعرف الرئيس السوري أن الطريق إلى واشنطن تمر عبر القدس».
دمشق الآن في «صندوق العزلة» الأميركي. هل يكون «المخرج» بنسخ تجارب سابقة؟ بداية، سوريا الآن ليست سوريا 2008 ولا لسوريا 1991. الآن، مدن تحت الركام. والاقتصاد منهار. بلاد مقسمة إلى ثلاث مناطق للنفوذ. فيها خمسة جيوش، الأميركي والروسي والتركي والإيراني والإسرائيلي. أيضاً، المنطقة العربية ليست ذاتها التي كانت قبل عقد أو ثلاثة عقود. أيضا، عالم اليوم غير عالم الأمس.
– «إشارة سلمية»
أول «إشارة سلمية» علنية جاءت من دمشق، كانت بعد توقيع الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي ثم الاتفاق البحريني – الإسرائيلي. على عكس موقف حليفها الرئيسي في طهران، لم تصدر دمشق أي بيان رسمي ضد الاتفاقين. التزمت الصمت. والصمت هنا موقف سياسي. بل إن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي تزامن مع وصول شحنة من المساعدات الإنسانية الإماراتية إلى العاصمة السورية.
في الواقع، هذه «الإشارة السلمية» السورية، تستند إلى تطور مفصلي حصل في منتصف العام 2018، عندما رعى الرئيسان دونالد ترمب وفلاديمير بوتين اتفاقا تضمن عودة قوات الحكومة السورية إلى جنوب البلاد والتخلي عن المعارضة، مقابل إبعاد إيران عن حدود الأردن والجولان وعودة «القوات الدولية لفك الاشتباك» إلى الفصل بين الجانبين السوري والإسرائيلي في الهضبة المحتلة.
الترتيبات في ا لجولان أمنية وعسكرية بموجب اتفاق فك الاشتباك والقرار الدولي 338، كما قال بوتين، أي العودة إلى ترتيبات ما قبل 2011. لكن الحديث يجري الآن عن خطوة أكبر بين دمشق وتل أبيب، يجب أن تتضمن إجابات في ثلاثة عناصر: أولا، رعاية أميركية – روسية، إذ لم يعد ممكنا الاكتفاء بالوساطة الأميركية لأسباب عدة بينها الوجود الروسي في سوريا والعلاقة القوية بين موسكو وكل من تل أبيب ودمشق. ثانياً، الوجود الإيراني، ذلك أن هذا الملف هو نقطة تقاطع أميركية – روسية – إسرائيلية. سبق أن اُختبر في صفقة 2018 وسبق أن كان ملفاً رئيسياً في المفاوضات السورية – الإسرائيلية عندما انتقل اهتمام تل أبيب من إقناع دمشق بـ«التطبيع» و«علاقات السلم العادية» والتجارة والسفارات إلى تنازلات إقليمية تخص التخلي عن طهران و«حزب الله».
لكن هل تستطيع/تريد دمشق التخلي حالياً عن تحالفها مع طهران المتوغلة في مفاصل سوريا؟ هل تستطيع روسيا عقد صفقة كهذه؟ هل الصفقة الكبرى تشمل جميع القوات الأجنبية، بما فيها الأميركية والتركية؟ وما هو الثمن السياسي الداخلي المطلوب من دمشق لترتيبات كهذه؟ ثالثاً، مستقبل الجولان. الرئيس ترمب كان أعلن دعم قرار إسرائيل بسط سيادتها على الجولان. لكن دمشق رفضت ذلك واعتبرت القرار «باطلاً». هل تقدم روسيا «حلا سحريا» يجمع بين السيادة والمصالح الجيوسياسية والترتيبات الأمنية؟ وما هي علاقة صفقة كهذه بنتائج الانتخابات الأميركية وأسئلة «الانتقال السلس» في البيت الأبيض؟