منى لطفي
لم تمض أيام معدودة على وفاة الملكة إليزابيث الثانية، حتى أبدى عدد من دول الكومنولث التابعة للتاج البريطاني الرغبة في طي صفحة النظام الملكي والتحول إلى جمهوريات مستقلة. ويضم التاج البريطاني 14 دولة ضمن مجموعة دول الكومنولث، وهي: أنتيجوا وباربودا، وأستراليا، وجزر الباهاما، وبليز، وكندا، وجرينادا، وجامايكا، ونيوزيلندا، وبابوا غينيا الجديدة، وجزر سليمان، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت لوسيا، وسانت فنسنت وجزر جرينادين، وتوفالو.
وهناك ست دول في منطقة البحر الكاريبي صرحت بالفعل بفكرة الاستقلال، وهي (بليز، وجزر الباهاما، وجامايكا، وجرينادا، وأنتيجوا وباربودا، وسانت كيتس ونيفيس)، ذلك بالإضافة إلى بعض التوجهات السياسية الداعمة في هذا الاتجاه في دول مثل (كندا وأستراليا ونيوزيلندا) التي تريد الخروج أيضًا من تكتل الملكية.
ولم تكن حركة إلغاء الملكية بالأمر الجديد الطارئ بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية وتولي الملك تشارلز الثالث، فهي مستمرة ولكنها كانت تتحرك بوتيرة أبطأ؛ فقد قدمت الهند دستورها الخاص بعد الاستعمار في عام 1950، تبعتها باكستان في عام 1956، تاركتين وراءهما التاج البريطاني. وفي السبعينيات، لحقت سيراليون وغيانا ومالطا وترينيداد وتوباغو، بركاب الهند وباكستان.
لم تكن هذه التصريحات وليدة حدث وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وهو ما يمثل مؤشر مقلق من التعجيل بفرط عقد التاج البريطاني، على الرغم من ترحيب الملك تشارلز الثالث في يونيو الماضي (حينما كان أميرًا)، في خطابه الموجه لدول الكومنولث بأنه لا يعارض مغادرة أي دولة لمجموعة الدول الخاضعة للتاج البريطاني، وهنا يثار التساؤل، هل سيظل تشارلز الثالث محافظًا على ذلك الموقف أم سيتراجع خوفًا على وحدة وترابط التاج البريطاني؟
التحول إلى جمهوريات
ينظر البعض إلى أن إرث النظام الملكي البريطاني لبعض دول الكومنولث جزء له أهمية ولا يوجد أي نية للخروج من سيطرة الحكم البريطاني، وعلى النقيض تجد بعض الدول رغبتها في الخروج من تحت يد ذلك الحكم الملكي الذي يعد إرثًا للاستعمار والتعسف. وعلى سبيل المثال في نوفمبر 2021، قررت جزيرة بربادوس الكاريبية، وهي ملكية دستورية قديمة مثل كندا، التحول إلى الجمهورية، وكان قرار بربادوس هو الخطوة الأولى للدول التي تبحث عن الاستقلال، وسارت على ذات النهج (جامايكا، وأنتيجوا وباربودا).
– تعيين مسئول للإشراف على انفصال جامايكا: خلال احتفال الملكة إليزابيث الثانية بمرور 70 عامًا على الحكم، تحولت محاولة الاحتفال إلى اضطرابات واحتجاجات من المواطنين، مطالبين الأسرة المالكة بتقديم اعتذار رسمي عن دورهم في استعباد الأفارقة، مع المطالبة بتوفير تعويضات. وفي عام 2011، وبناء على استطلاعات الرأي العام الداخلية، أيد حوالي 40٪ فقط من الجامايكيين الانفصال عن الملكية، لكن في عام 2020، ارتفعت هذه النسبة إلى 62٪، وهو ما يشير إلى تراجع تأثير العائلة المالكة؛ فقد أصبح المواطنون يرون عدم وجود فائدة من التبعية للتاج البريطاني، خاصة وأن المملكة المتحدة تطلب من مواطني جامايكا الحصول على تأشيرات قبل الزيارة، فضلًا عن أن الروابط الاقتصادية لم تعد قوية بالقدر الكافي.
– استعداد أنتيجوا وباربودا للتحول إلى جمهورية خلال ثلاث سنوات: وهو ما أشار إليه رئيس وزراء “جاستن براون”، في تصريحات له مساء يوم الأحد 11 سبتمبر الجاري، مفيدًا أن دولته تعتزم إجراء استفتاء بخصوص التحول إلى جمهورية في غضون السنوات الثلاث المقبلة. ويعد إجراء الاستفتاء هو آخر خطوة لإعلان الاستقلال الكامل لتصبح دولة ذات سيادة مستقلة، مع تأكيد “براون” أن هذه الخطوة لا تمثل أي عمل عدائي تجاه التاج البريطاني.
– كندا ما بين العاطفة والرغبة في الانتقال للجمهورية: في عام أبريل 2022، صدر تقرير قياس رأى عام حول رغبة المواطنين في التحول إلى الديمقراطية، ينقسم الجمهور حول ما يجب أن يحل محل الملكية الدستورية، لكن نصفهم فقط (51٪) يقولون الآن إنهم يعارضون الاستمرار على هذا النحو للأجيال القادمة.
وأضاف استطلاع الرأي تساؤلًا بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، سيصعد الأمير تشارلز إلى العرش كملك، فما شعورهم حيال الاعتراف بتشارلز الثالث كملك، فإن واحدًا من كل ثلاثة (34٪) يؤيد الفكرة، بينما يعارضها الثلثان، حتى أن المعارضة القوية ترحب باحتمال الاعتراف بكاميلا. وفي المقابل، حظي ويليام وكيت بشعبية كبيرة في رحلاتهما إلى كندا، مما دفع بعض المراقبين الملكيين إلى الاعتقاد بأن تشارلز الثالث كان يشعر بالغيرة في الماضي من الاهتمام الذي أولاه ويليام وكيت، ومع ذلك، كان استقبال تشارلز وكاميلا فاترًا في بعض الأحيان. لذلك فإن الانفصال عن التاج البريطاني، هو الأصعب لأنه يتطلب موافقة مجلسي النواب والشيوخ والمجالس التشريعية في المحافظات.
– إثارة التحول إلى الجمهورية في أستراليا: بدأت تطفو على السطح قضية الانفصال عن التاج البريطاني مرة أخرى بعد وفاة الملكة، من خلال تغريده لعضو مجلس الشيوخ الأسترالي، مهرين فاروقي، يتهم فيها بريطانيا بسرقة الشعوب وقتل الأبرياء وطالب استراليا باتخاذ إجراءات الانفصال، وفى عام 1999 تم إجراء استفتاء على الاستمرار تحت مظلة الحكم الملكي البريطاني الا إنه قوبل بالرفض بنسبة 55%.
– إعلان إسكتلندا إجراء استفتاء في 2023: أعلنت رئيسة الوزراء الإسكتلندية “نيكولا ستورجن” إجراء استفتاء حول الاستقلال في أكتوبر 2023. وكانت إسكتلندا قد أجرت استفتاءً للانفصال عن المملكة المتحدة في عام 2014، ولكن فضّل 55% من الناخبين الإسكتلنديين البقاء تحت التاج البريطاني، لكن من الواضح أن هذه المرة قد يبدو فيها الأمر مختلفًا وأنه من الممكن أن تصبح إسكتلندا دولة مستقلة.
الدوافع والسيناريوهات
– الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية: يعد وقت رحيل الملكة وقتًا عصيبًا على بريطانيا نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي مع وتعيين ليز تراس رئيسة وزراء جديد خلفًا لبوريس جونسون بعد الأزمة السياسية التي واجهها، فضلًا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ذلك علاوة على التطورات الجيوسياسية الناتجة عن الأزمة الروسية-الأوكرانية، وأزمة الطاقة والأمن الغذائي، وارتفاع نسبة التضخم والتي تعد أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها لندن؛ هذه الأزمات قد تكون دافعًا للعديد من الدول التابعة للتاج البريطاني للخروج نتيجة عدم وجود استفادة حقيقية من وجودها تحت العرش البريطاني.
– التخلص من فكرة الإرث الاستعماري: رغبة مواطني هذه الدول في التخلص من فكرة الإرث الاستعماري، وفك رباط مع الإمبراطورية السابقة التي استعبدتهم هي محرك رئيس لهذه التوجهات، خاصة وأن العائلة المالكة لم تصحح أخطاءها السابقة؛ مع عدم الاعتراف رسميًا بدور أسرهم في استعباد الأفارقة وتعسفهم، وبالتالي لديهم الرغبة المعنوية في المغادرة.
وفي الوقت الذي تعيد فيه العديد من دول الكومنولث تقييم علاقتها بالتاج البريطاني بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وصعود الملك تشارلز الثالث إلى العرش، نجد أن هناك عدة سيناريوهات رئيسة تطرح نفسها لمستقبل المملكة المتحدة على وجه العموم، ومجموعة الكومنولث على الوجه الخاص، وتتمثل فيما يلي:
العمل على توحيد ترابط المملكة المتحدة والكومنولث: في هذه الحالة سيعمل الملك تشارلز على تمسكه بوحدة الكومنولث والمملكة المتحدة والعمل على تحسين العلاقة مع الدول الكاريبية من خلال التواصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي سيمكنه من ملء الفراغ الذي سببه وفاة الملكة، وكذلك العمل على توفير تعويضات لتلك الدول، مع طرح إجراءات جديدة لتقوية الترابط بين المملكة المتحدة ودول الكومنولث لمواجهة كافة التحديات السياسية والاقتصادية التي تم ربها دول البحر الكاريبي.
تفكك التاج البريطاني: وهو ما يُطرح بوصفه مرجحًا؛ لكون النظام الملكي أصبح أقل أهمية في المجتمع، وإن كان التاج البريطاني متماسكًا في عهد الملكة إليزابيث، إلا أنه من المحتمل ألا يحظى الملك تشارلز بنفس الوضع.
وهو ما يمكن أن يحدث في أحد صورتين، الأولى هو التفكك الجزئي من خلال استقلال بعض الدول على فترات زمنية تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات، ومنها (جامايكا، بليز، نيوزيلندا، أنتيجوا وبربودا). أما الصورة الثانية فهي التفكك الكامل، وهو الذي يُفترض معه انهيار التاج البريطاني، وهو أمر يبدو صعبًا في الأمد القريب، وإن حدث فقد يكون خلال المدى المتوسط، مع اعتقاد أن تكون كندا من أواخر الدول التي تتخذ تلك الخطوة.
.
رابط المصدر: