بعد 2003 اصبح الاسلام السياسي لاعبا فاعلا في الحياة العامة العراقية، وكان للمرجعية الدينية قبل وبعد سقوط صدام دور كبير ومهم في ابراز الإسلاميين سياسيين وغير سياسيين، مؤسسات وافراد.
وكان الجو السياسي العام يدور حول قضايا عمومية وإن كانت ستراتيجية، مثل كتابة الدستور واخراج الاحتلال و الفتنة الطائفية، وهذه القضايا الى حد كبير مطلب كل انسان واع وشريف.
ولكن كلما مرت السنون بدأت تتبين تعقيدات المرحلة واتضحت صعوبة التفاصيل، ودقة عملية وضع النقاط على الحروف، واصبحت الموازنة بين متناقضات الوضع السياسي امر شبه مستحيل، فإما ان تتدخل المرجعية الدينية في السياسة كي تصلح الفساد فتخسر الشعب الرافض لتدخل الدين في السياسة، وإما ان تبقى خارج اللعبة السياسية وبالتالي سيتحكم الفاسدون من السياسيين بلا رادع ولا دافع، ويطبخون في مطبخهم ما يطبخون من دون ان تتمكن المرجعية من معرفة تبعات تلك الطبخة.
وتناقضا اخرا قد وجد ولا بد من اتخاذ موقف حازم وحكيم تجاهه، وهو دعم الجميع باعتبار الابوية وسيضيع عندها الصالح والطالح وسيتيه الناس بين حيص وبيص، او ان تدعم جهة معينة ترى فيها الصلاح الا انها ستخسر ابويتها!
كتب الدستور واخمدت نار الطائفية وخرج المحتل، فماذا بعد ذلك؟! هل استقرت الأمور؟! وتطور الشعب وانتعش الاقتصاد وازدهرت البلاد؟! الجواب طبعاً لا.
القضايا المصيرية التي دافعت المرجعية عنها وأصرت عليها تحتاج الى متابعة تفصيلية كي تحافظ على هذا المنجز، وبدون تلك المتابعة تذهب اتعاب المرجعية ادراج الرياح، مثلها مثل من يزرع زرعا ثم يهمله فتكون نتيجة الاهمال هو موت الزرع.
وتحت ظل هذه الظروف الصعبة على القيادة وعلى الأمة على حد سواء وبعد ان بح صوت المرجعية اضطرت الى الانسحاب – الذي قد يكون تدريجياً – من متابعة الجوانب السياسية على الاقل الانسحاب الاعلامي ان جاز التعبير، وقد تكون الخطوات التالية في تصاعد.
وبعد المطالبات المتكررة والضاغطة على رئيس الوزراء حيدر العبادي باجراء اصلاحات بعد تفاقم أزمة الفساد، قامت القوى السياسية باجراءات تصعيدية لرفض تأخر العبادي من اجراء الاصلاحات اللازمة والكافية للقضاء على الفساد السياسي والمالي، وربما كانت ابرزها وأقواها مطالبة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، حيث قدم مشروعا اصلاحيا الى رئيس الوزراء وحذره من ان عدم تطبيقه لهذا المشروع سيدفع التيار الى الخروج من العملية السياسية، وبالتالي يكون التيار الصدري القوة الثانية التي تفكر بترك السياسة بعد مرجعية السيد السيستاني.
وقد سبق هذا الموقف من السيد مقتدى الصدر عدة مواقف مماثلة مثل تجميد جيش المهدي ورفع يده عن العديد من المؤسسات التابعة له واعلانه بأنه لا يوجد من يمثله في الحكومة و البرلمان وأكد ذلك في الجمعة الماضية يوم ٢٦ شباط من ساحة التحرير حينما دعا اتباعه للتجمع، وهذا الموقف لم يأتِ من فراغ فقد أثيرت عدة اشكالات وشبه فساد حول المسؤولين المرتبطين فكان هذا الموقف ردة فعل لذلك .
ومن المتوقع ان لا يستجيب العبادي لكل ما جاء في مشروع السيد مقتدى بسبب الظروف التي يعيشها البلد والتي تقتضي السماع لكل الاطراف، فهل سينحسب السيد مقتدى من العملية السياسية كما وعد وحذر؟! ومن سيكون ثالثا من القوى السياسية الإسلامية؟! وهل سيكون هناك رابعا وخامسا؟ام ستظهر لنا قوة اسلامية جديدة تملك مشروعا يتضمن حلولا تكمل ما تم البدء به من خطوط عامة وتضع النقاط على الحروف وتحل بذلك مشاكل الناس وتعوض انسحاب السيدين السيستاني و الصدر من السياسة؟
هذا ما سنجده في الحلقة القادمة من مسلسل السياسة في العراق