لم تمضِ الا أيام على خروج الطلبة واولياء امورهم من دوامة التفكير بالدراسة الإلكترونية وما رافقها من تحديات جمة، يتعلق بعضها بالطلبة، وبعضها الآخر بالطواقم التدريسية، التي لم تتوقع ان يصبح نظام التعليم الالكتروني هو البديل عن نظام التعليم التقليدي الذي ورثناه جيل بعد آخر.
وبعد ظهور النتائج للمراحل الجامعية واقتراب موعد بدء العام الدراسي القادم، تكونت لدى أولياء الامور العديد من الأسئلة، أهمها: ماذا ستتبع المدارس من نظام للتعليم، وهل سيفضلون المدارس الحكومية على نظيرتها الأهلية في حال استمرت جائحة كورونا ولم تتوصل الدول الى لقاح يقضي عليها ويمنع تفشيها بين الأفراد في مختلف البقاع.
هذه الأسئلة وغيرها تحتاج الى اجابات مفصلة من قبل أولياء الامور، الذين اثقل كواهلهم انتشار فيروس كورونا، وأتعبتهم من الناحية الاقتصادية، الأمر الذي جعل تفكيرهم ينشغل بالأمور المعيشية اكثر منه في الجوانب التعليمية التي بالتأكيد لا تقل أهمية عن الجوانب الأخرى المتعلقة بحياة الأفراد.
ومن بين الحلول المقترحة ولعله الأوفر حظا هو عدم إكمال المشوار العلمي في المدارس الأهلية التي تستحصل مقابل ذلك مبالغ طائلة في المعتاد، وما شجع على اتخاذ ذلك القرار هو اتباعها نظام التعليم الالكتروني الذي لم يروق لهم، نظرا لحداثة التجربة وعدم هضمها من قبل طرفيها المعلم والطالب معا، مما اثر وبشكل كبير على انخفاض المستوى العلمي وعدم القدرة على استيعاب المادة العلمية.
فانخفاض الدخل الفردي في الفترة الماضية، وضع الأهالي امام خيارات صعبة، اذ اجبرهم على الاعتراف او العودة مجددا الى المقاعد الحكومية مع عدم قناعتهم بذلك، لكن عسر الحال هو من قال كلمته ووضع المخطط الذي لابد من السير عليه في الأيام القادمة.
لو أجرينا مقارنة بسيطة بين التعليم في المدارس الأهلية وسواها في الحكومية نجده لا يختلف كثيرا عما يقدم بالأخيرة بل نرى في بعض الاحيان تفوقه على القطاع الأهلي من حيث النتائج في الاختبارات المركزية التي تجريها الوزارة لجميع الطلبة في القطاعين الحكومي والأهلي، لكن ومع ذلك نجد بعض أولياء الامور يشككون في رصانة التعليم الحكومي، والتقليل من شأنه.
وهنا نستذكر المقولة التي تقول رب ضارة نافعة، اذ من الواضح ان اصحاب المؤسسات التعليمية الأهلية مهددين بخسارة جزء كبير من مردوداتهم المالية نتيجة انسحاب بعض الطلبة وتفضيلهم اللحاق في المقاعد الحكومية، التي هجروها في وقت سابق عندما تعرضت الى وعكة صحية.
بالتأكيد ان الوضع الجديد برهن مرة اخرى أهمية عدم التقليل من شأن القطاع الحكومي بالرغم من علّاته المتعددة، فهو بالنتيجة يبقى الحصن التربوي الذي يجمع الطلبة على اختلاف مشاربهم، وتفاوت مستوياتهم العلمية، فلا يمكن وبأي شكل من الأشكال ان يستغني بلد ما عن منظومته التعليمية الحكومية، مهما عملت جهات على إضعافها.
ان الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها البلدان نتيجة لظهور الفيروس، دعّمت لدى الأهالي فكرة العودة الى الوجهة الحكومية التي تعطي الحق للجميع بالتعلم دون مقابل، وهذا بالتأكيد له عدد من المزايا والعيوب، فمن مزاياه فسح المجال امام الأسر الفقيرة للانخراط في المقاعد الدراسية واكمال مسيرتهم العلمية.
اما بالنسبة للعيوب ففي ذات الوقت أعطت الفرصة لمن يتصيد بالماء العكر بأن يرمي الحجر على زجاج التعليم الحكومي ووصفه بالفشل كونه يمنح دون مقابل يذكر، وهنا على الحكومة ان تعيد حساباتها مادامت الفرصة سانحة وتعمل على استرجاع الهيبة للتعليم الحكومي؛ وذلك من خلال إجراءات عدة، أكثرها أهمية.
فرض رسوم مادية على الطلبة العائدين من المدارس الأهلية بنسبة معينة الى جانب استحصال أموال قليلة مقارنة بها من الطلبة بصورة عامة، وهذه الخطوة من شأنها ان تنعش القطاع التعليمي الحكومي، فمن الممكن ان تُستخدم هذه الأموال لتحسين البنى التحتية وإضافة بنايات اخرى لفك الدوام المزدوج في بعض المدارس.
هذه التجربة وفي حال المضي قدما نحو تطبيقها من الممكن تقوض التعليم الأهلي وتقلل من تمدده الذي اصبح خطرا يهدد المنظومة التعليمية الحكومية.
اما في الأيام القادمة فاننا قد نكون على موعد مع تغيير ملامح النظام التعليمي في البلاد، وإعادة القوة للمدارس الحكومية التي تضعضعت مكانتها في السنوات الاخيرة، ويبقى الأمر مرهون للأيام فهي وحدها من يعلم الى اين ستتجه بوصلة التعليم في البلاد، اما ستبقى تسير صوب النظام الأهلي، ام ستعود بها الأقدار الى سابق عدها قبل تغيير النظام وما تلاها من أعوام قليلة.
رابط المصدر: