هل سينهى تعيين بارنييه الأزمة السياسية فى فرنسا؟

بعد أسابيع من الانسداد السياسى، عين الرئيس الفرنسى وزير الخارجية اليمينى السابق، ميشيل بارنييه، البالغ من العمر 73 عاما، رئيسا للوزراء ومكلفا بتشكيل حكومة وحدة فى خدمة البلاد. أثار هذا الاختيار استياء الفرنسيين الذين خرجوا فى تظاهرات، نهاية الأسبوع الماضى، احتجاجا على ما اعتبروه «انقلاب القوة» و«سرقة الانتخابات من الفرنسيين».

أعراف الجمهورية الخامسة تقول إن الحزب الذى يفوز بأكبر عدد من الأصوات، حتى وإن كان الفرق صوتا واحدا، هو الذى يجب أن يشكل الحكومة. هذا العرف الدستورى الذى لم يحترمه الرئيس الفرنسى، خاصة ان بارنييه، أكبر رئيس حكومة فى تاريخ فرنسا، ينتمى لحزب الجمهوريين اليمينى الذى احتل المرتبة الرابعة فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو بذلك لا يمثل سوى 4% من الناخبين المسجلين على القوائم الانتخابية.

يمكن قراءة قرار تعيين رئيس الحكومة الجديد من زاوية ان ماكرون كان يبحث عن شخصية لا تخيف أحدا، وبارنييه يحظى بالدعم الكامل من لوران فوكييز، عن حزب الجمهوريين، لأنه لن يتنافس معه فى الانتخابات الرئاسية لعام 2027. فى الوقت نفسه، يبقى بارنييه قادرا على تشكيل حكومة ائتلافية تستطيع الإفلات من مذكرات حجب الثقة فى البرلمان، وإنهاء أخطر أزمة سياسية فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. ويبدو أن الرئيس الفرنسى يعول على امتناع التجمع الوطنى اليمينى المتطرف عن الإطاحة ببارنييه فى حال طرح الثقة به، خاصة انه يتمتع بشخصية ومواقف مقبولة لدى حزب التجمع، وقريبة من برنامجه خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة.

فى المقابل، هناك شعور عام فى صفوف اليساريين بأن ماكرون رفض احترام السيادة الشعبية، وانه لم يحترم إرادة الناخبين ولم يحترم نتائج التصويت. واعتبروا ان الرئيس اختار رئيس حكومة يعتمد اعتمادا كاملا على التجمع الوطني. وانهم بذلك تعرضوا للخيانة، لأن الرئيس سيحكم البلاد باليمين المتطرف. بهذا التصور تم وضع رئيس الحكومة الجديد فى خانة المتوافق مع ماكرون وزعيمة التجمع الوطنى مارين لوبان.

اعترف بعض قادة اليسار بأن أخطاءهم هى التى أوصلت بارنييه إلى رئاسة الحكومة. والحقيقة ان الجبهة الشعبية الجديدة، وان احتلت المرتبة الأولى فى الانتخابات الاخيرة فهى لم تحصل على الأغلبية المطلقة، ولم تقم بالجهود المطلوبة لتقديم مرشح قوى لرئاسة الحكومة. الإصرار على ترشيح لوسى كاستيت، وهى موظفة سامية فى الدولة، غير منتخبة، رغم معرفتهم انها لا يمكن أن تصمد أمام مذكرات حجب الثقة، مقابل اعتراضهم على تعيين رئيس الحكومة اليسارى السابق، برنار كازنوف، أدى الى اختيار رئيس حكومة من خارج الجبهة الشعبية.

فى محاولة لإضفاء الشرعية على اختياره، اعتبر بارنييه أن حكومته المقبلة لن تقتصر على شخصيات من التيار السياسى المحافظ اليمينى، بل ستضم أيضا وزراء من الوسط المحسوب على الرئيس ماكرون، ورحب أيضا بعضوية منتمين إلى تيار اليسار. تصريحات رئيس حكومة فرنسا وان كانت تؤكد تشكيل حكومة ائتلاف الا انها ستعتمد، فى استمرار بقائها، على أصوات حزب اليمين المتطرف، الذى أكد بوضوح، أنه لن ينضم إلى الحكومة القادمة، ولكنه سينتظر معرفة السياسات، التى سيعرضها على البرلمان قبل أن يقرر بشأن التصويت بالثقة. اما اليسار فهو يهدد بالتصويت بسحب الثقة، ولكنه لا يستطيع فعليا إسقاط الحكومة دون دعم من اليمين المتطرف.

وفقا للدستور الفرنسى، لكى يتم إسقاط الحكومة يجب ان يحصل اقتراح حجب الثقة، على أصوات الأغلبية المطلقة لأعضاء الجمعية الوطنية، أى يجب الحصول على 289 صوتا من أصل 577 مقعدا، علما بأن الامتناع عن التصويت لا يؤخذ بعين الاعتبار. فهل تستطيع أحزاب اليسار الحاصلة على 193 مقعدا تحقيق الأغلبية المطلقة اللازمة لإطاحة حكومة بارنييه؟ بلغة الأرقام لن تتمكن من ذلك، خاصة أن التجمع الوطنى وحلفاءه الذين يشكلون القوة السياسية الثالثة فى الجمعية ليسوا مع اقتراح الحجب، وصرحوا بأنهم لن يتخذوا أى قرار بهذا الخصوص قبل عرض رئيس الحكومة برنامجه الحكومى والذى غالبا سيكون مرضيا لليمين المتطرف. ربما لن يتم حجب الثقة عن الحكومة المقبلة، لكن فرنسا ستواجه فترة أخرى من عدم الاستقرار السياسى، ليس فقط كون بارنييه ضعيفا سياسيا فى ظل اعتماده الدائم على التجمع الوطنى، لكن هذا الدعم ذاته لن يدوم طويلا، وقد يضعف موقف رئيس الحكومة فى مواجهة المعارضة الواسعة، ويزيد من احتمالات حدوث تصدعات داخل الحكومة، ربما ستنتهى بإجراء انتخابات أخرى بعد سنة من الآن.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M