هاميش ماكراي
هل ماركوس راشفورد على حق؟ هل تستطيع الحكومة تسديد تكاليف الوجبات المدرسية المجانية خلال العطلات؟ وإذا كانت تستطيع ذلك، فلماذا لا تفعله؟
الإجابة عن السؤال الأول هي: نعم، بالطبع هو على حق. فالتكاليف معقولة، وكما رأينا على الصعيد السياسي، من المُضر للحكومة ألا تعمل برأي راشفورد. والأرقام ليست كبيرة في ضوء الإنفاق العام الإجمالي. ويقال إن 120 مليون جنيه إسترليني (156.25 مليون دولار) هي تكلفة تمديد برنامج الوجبات المدرسية المجانية من ضمن هذا الإطار، ويبدو أن الرقم صحيح تقريباً. وسيفوق الإنفاق العام هذا العام تريليون جنيه – قدَّر مكتب مسؤولية الميزانية في يوليو (تموز) الرقم بتريليون و62 مليار جنيه – على الرغم أن الأرقام الأحدث للعوائد والاقتراض تبدو أقل إثارة للرهبة، إذ جاءت العوائد أفضل من المتوقع حينها.
فإذا كانت الوجبات المدرسية المجانية فكرة صائبة وليست مكلفة كثيراً في الصورة الأوسع للأمور، فلماذا لا تطبق بكل بساطة؟ أعتقد أن هذا ما سيحصل في نهاية المطاف، لكن المشكلة تتمثل في أن الموارد محدودة في الأجل الأبعد، وإذا لم تقم الحكومة بالأمر فثمة أمر آخر لا تستطيع القيام به بدلاً منه. ويسمي الخبراء الاقتصاديون ذلك “تكلفة الفرص” [خسارة الخيارات البديلة]، التي تمثل أحد أهم المبادئ المتوفرة، ليس فحسب في ما يخص الأوضاع المالية العامة، بل كذلك بالنسبة إلينا جميعاً في ما يتعلق بحياتنا اليومية.
فهل يجب توسيع نطاق الوجبات المدرسية المجانية؟ الفكرة مُغرية من كل بُد، لكن معهد دراسات المالية العامة نظر في الأمر قبل ثلاث سنوات، واستنتج أن ثمة خياراً أفضل: نوادي وجبات الفطور.
وتبين له أن “برنامجاً لسنة يقدم وجبات الفطور في المدارس المحرومة يحقق المنافع الأكاديمية نفسها كالوجبات المدرسية المجانية. وحسنت نوادي وجبات الفطور في شكل كبير السلوك والتركيز وقلصت الغيابات، وهي قد فعلت ذلك بنحو عُشر التكلفة للطالب مقارنة بالوجبات المدرسية المجانية”.
وهذا لا يعني التحيز إلى خطة راشفورد. هو يعني ببساطة القول إن الطريقة الصحيحة لوضع السياسات تتلخص في النظر في الأدلة، وليس في تنفيذ الفكرة السليمة سياسياً. وفي حالة طارئة، كالتي نحن فيها الآن، تبرز حاجة إلى فحص الخيارات كلها، لكن يبرز دائماً خطر أن يتحول الأجل القريب إلى أجل بعيد، وأظن أن هذا هو مصدر قلق وزارة الخزانة.
وتتوفر أمثلة كثيرة على مبادرات سياسية ذات شعبية، أصبح تحمُّلها في المستقبل عسيراً، على الرغم من أن تكلفتها لا يتعذر تحمُّلها. وثمة مثلان حاليان هما الرخص التلفزيونية المجانية للمتقاعدين، وضمانة معاشات التقاعد من التضخم.
فالرخص التلفزيونية أصبحت مجانية لمن هم أكبر من 75 عاماً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، وهي فكرة سياسية ذكية أطلقها غوردون براون حين كان وزيراً للمالية، لكن منذئذٍ قفز عدد المسنين، وفي حين تمكنت الحكومة من نقل المسؤولية إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تتحمل هي و”بي بي سي” خزي تقليص المنفعة. على صعيد التكلفة الحقيقية – أي المعدلة مع أخذ التضخم في الحسبان – يساوي رسم الرخصة ما كان عليه حين انتشرت التلفزيونات الملونة في أواخر ستينيات القرن العشرين. وقفزت مداخيل الأسر بحدة منذئذ، لكن ذلك لم يخفف من الخلاف على الأمر.
أما ضمانة معاشات التقاعد من التضخم ففكرة ذكية أخرى استهدفت شراء التأييد من الناخبين المسنين. فمعاشات التقاعد العامة سترتفع على الأقل بنسبة زيادة متوسط العوائد، أو بنسبة ارتفاع أسعار البيع بالتجزئة، أو بنسبة 2.5 في المئة، ويجري اختيار النسبة الأعلى. وكانت فكرة ذكية سياسياً، أطلقها عام 2010 جورج أوزبورن، وزير المالية في الحكومة الائتلافية آنذاك. وتتلخص المشكلة في أن التضخم المتدني نسبياً والارتفاعات القليلة في العوائد منذئذٍ أدى إلى اعتماد نسبة الـ2.5 في المئة، ما عنى تدريجياً أن المعاشات لحقت بالعوائد المتوسطة، لكنها فاقتها في بعض الحالات. وسعت وزارة المالية لبعض الوقت سعياً حثيثاً إلى وقف العمل بالإجراء. ولم تنجح في ذلك إلى الآن. وفي الواقع أكد ريتشي سوناك أخيراً أن الإجراء سيستمر، أقله في الوقت الحاضر.
إن التأكد من حسن تغذية أطفالنا، على حد تعبير الأميركيين، هو إحدى المسائل المتعلقة بالقيم التقليدية التي يجب أن تكون على رأس أولويات أي مجتمع محترم. ويُسهم برنامج الوجبات المدرسية المجانية في ذلك، لكن الأطفال يحتاجون إلى تناول الطعام في العطلات أيضاً، لذلك ثمة منطق سليم واضح في تمديد العمل بالبرنامج. وبفضل ذكاء راشفورد استطعنا أن ندرك المسألة، فتحية له، لكن دعم التمديد يستدعي طرح سؤالين، يتعلق الأول بما إذا كانت تكاليف هذا الخيار مناسبة أكثر مقارنة بأي خيار آخر. ويتناول الثاني ما إذا كان الخيار عبارة عن رخصة تلفزيونية مجانية أخرى للمتقاعدين أو ضمانة لمعاشات التقاعد من التضخم، أي فكرة سياسية مهمة، لكنها فكرة ستؤدي تدريجياً إلى خيارات صعبة في السنوات المقبلة.
إن التأكد من حسن تغذية أطفالنا هو من المسائل المتعلقة بالقيم التقليدية التي يجب أن تكون على رأس أولويات أي مجتمع (أ.ب)
رابط المصدر: