سايمون هندرسون
لم تؤد التشتيتات الرئيسية من خارج السعودية إلى تغيير الواقع بأن نيوم لا تزال مركزية في رؤية ولي العهد محمد بن سلمان لتحويل المملكة، على الرغم من التحديات السياسية والمالية الحادة.
في هذا الوقت من انتشار جائحة “كوفيد-19” والانتقال الرئاسي الأمريكي، يتساءل الكثيرون: “ما هو المستقبل؟” إنه السعودية على ما يبدو. وبشكل أكثر تحديداً، إنها منطقة في الصحراء الجبلية شمال غرب المملكة تشكل موقع إقامة مدينة مستقبلية عالية التقنية تسمى نيوم.
وكان قد تمّ الإعلان عن مشروع “نيوم” في عام 2017. ويبدو أنه قد أعيد إطلاقه هذا الأسبوع وسط حملة علاقات عامة ضخمة شملت عرضاً عبر الفيديو قدّمه الداعم الرئيسي للمشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي ذو الرؤية المستقبلية (والمثير للجدل).
وأثناء كتابة هذه السطور، لم تقدم صحيفة “وول ستريت جورنال” أي إشارة افتتاحية لتلك الأخبار، لكن في يوم الثلاثاء حملت الصفحة الخلفية لقسمها الرئيسي إعلاناً عرض لقطة جوية رمادية اللون لمدينة ما، ربما نيويورك، مقسمة عامودياً بواسطة خط بعرض الإصبع تصوّر أوراق الشجر الخضراء التي تطغى على فسحة غابة. وفي جهة من الصفحة كُتبت الكلمات التالية “المدن فصلتنا عن الطبيعة”؛ ومن الجهة الأخرى “حان الوقت لرسم الخط”. أما في أسفل الصفحة، فورد الموقع الإلكتروني whatisTHELINE.com وكلمة “نيوم”.
ويبدو أن مدينة “ذا لاين” هي قطاع تطوير بطول 105 أميال من مضيق تيران، حيث يلتقي خليج العقبة بالبحر الأحمر، وصولاً شرقاً إلى مدينة تبوك، عاصمة المحافظة المحلية. وفي الفيديو، يعلن محمد بن سلمان أن سكان “نيوم” (نموذج للمستقبل الجديد) سيتمكنون من الوصول من أبعد نقطة في “ذا لاين” إلى [نظيرتها] الآخرى في 20 دقيقة. ولن يحتاج معظمهم حتى إلى القيام بهذه الرحلة. فهم يستطيعون أن يقضوا حاجاتهم اليومية سيراً على الأقدام لمدة أقصاها 5 دقائق ضمن محطات التوقف الأربع على ما يبدو، وفقاً للرسم البياني، في مدينة “ذا لاين”.
وتمّ نشر فيديو آخر طُرحت فيه سلسلة من الأسئلة: “ماذا لو ألغينا استخدام السيارات؟ و”ماذا لو تخلصنا من الشوارع؟” و”ماذا لو أضفنا ابتكارات على المساحات العامة؟” (أياً كان معنى ذلك). وفي هذه المدينة المستقبلية، لن يكون هناك تنقل [بين الأماكن] وهذا أفضل أيضاً لأنه “لن تكون هناك سيارات، لن تكون شوارع”. وقال للصحفيين إن العمل في مشروع البنية التحتية سيبدأ في الشهرين المقبلين ومن المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2025 بتكلفة تقديرية تتراوح بين 100 مليار و 200 مليار دولار. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لنيوم حوالي 500 مليار دولار.
قد يكون ذلك هو المستقبل المرجو، لكن الواقع الحالي يشير إلى قيود على حجم الطموح والجدول الزمني. وقد يؤكد عدم وجود أي ذكر حتى لكلمة “سعودي” في الإعلان في صحيفة “وول ستريت جورنال” للبعض أن الكثيرين من الذين لا يزالون مصعوقين من حادثة قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي واحتجاز الناشطة لجين الهذلول يعتبرون المملكة مؤذية.
ويشير العرض الذي نُشر بعد أسبوع من حث محمد بن سلمان دول الخليج العربية على حل نزاعها مع قطر إلى أنه أدرك أن الإجراءات القانونية الناتجة عن هذا الخلاف تضر بمدى قدرته على جذب المستثمرين الأجانب. ووصفت خدمة “رويترز بريكينغ فيوز” (Reuters BreakingViews) الشركات الأجنبية بأنها ترى المملكة وكأنها مادة “كريبتونايت” (مادة مضرة)، وأن سجلها في حقوق الإنسان لا يزال يشكل مصدر قلق كبير لإدارة بايدن المقبلة.
وكلما قلّت مساهمة الأجانب في “نيوم” وغيرها من المشاريع، زاد اعتماد المملكة على عائدات النفط – وبالتالي، عكس الاعتماد على مبيعات النفط لتمويل مستقبل ما بعد النفط. وما فاجأ السوق، أن المملكة خفّضت مبيعات النفط هذا الأسبوع بواقع مليون برميل يومياً، لتساعد افتراضياً في دعم الأسعار خلال انخفاض الطلب الموسمي في نهاية فصل الشتاء. وارتفعت الأسعار بالفعل، لكن بالنسبة للرياض، ربما لم يكن ذلك كافياً لتعويض انخفاض حجم المبيعات.
ويمكن القول إن التحدي الرئيسي الذي يواجه “نيوم” هو جذب السعوديين والأجانب لكي يرغبوا في العيش فيها. فالأجانب لا يريدون حتى العيش في الرياض، وفقاً لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، التي ذكرت هذا الأسبوع أن الحكومة السعودية كانت تواجه صعوبة في حث الشركات الأجنبية التي تعمل في الشرق الأوسط على نقل مقرات أنشطتها إلى المدينة. وسيكون الخاسر الرئيسي دبي في دولة الإمارات، وهي المدينة المفضلة حالياً للأجانب المقيمين في المنطقة. وكونها مركز “طيران الإمارات”، فإن شركة الطيران التي لديها وجهات مباشرة إلى معظم أنحاء العالم، هي عامل مساعد، إلى جانب المدارس وغيرها من المرافق التي تبحث عنها العائلات المغتربة الوافدة.
وفي قصة في نهاية الأسبوع الماضي، وصفت “فاينانشيال تايمز” دبي بأنها “مدينة الحفلات” حيث “يمكن للزوار، خلال فترة الوباء، الاستمتاع بالمطاعم والحانات وحتى الهذيان المتباعد اجتماعياً”. ولم يتم ذكر الاحتمال الأخير كجزء من رؤية محمد بن سلمان لنيوم في مقاطع الفيديو على المواقع الألكترونية للمشروع.
ويمكن القول إن المفاجأة في إعادة إطلاق “نيوم”، هي التذكير بأن رؤية محمد بن سلمان بتحويل المملكة لا تزال محورية في طريقة تفكيره، على الرغم من التشتيت الذي تسببه إيران، والتطبيع مع إسرائيل من قبل حلفائه في الإمارات والبحرين، والرحيل الوشيك لمستشار البيت الأبيض وصهر دونالد ترامب جاريد كوشنر، الذي سهّل الكثير مع واشنطن. كما يصادف هذا الشهر، مؤتمر المستثمرين السنوي الذي يعقده “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي، وهو صندوق الثروة السيادية في المملكة.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن الأمير محمد بن سلمان يأمل في اغتنام هذه الفرصة من أجل إقناع شركات متعددة الجنسيات بدخول مركز الملك عبد الله المالي، وهو مشروع يضم 59 ناطحة سحاب في الرياض غير مشغولة. وتُعتبر هذه المشاريع الفخمة بل المهجورة، الإرث الطبيعي للقادة السعوديين. ولابد أن محمد بن سلمان يأمل ألا تلقى مدينة “نيوم” المصير نفسه وتؤثر على مستقبله.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
رابط المصدر:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/hl-mdynt-almstqbl-alswdyt-tmwht-bshkl-mfrt