دفع الانتشار العالمي لفيروس كورونا الذي أعلنته “منظّمة الصحّة العالمية” أخيراً جائحة (وباء عالمي)، بكثير من الناس إلى التساؤل عن الوقت الذي يمكن أن يهدأ فيه تفشّي المرض والطريقة التي تساعد في ذلك. وبحسب تقرير حديث أعدّته قناة “آي تي في” البريطانية، ثمة معلوماتٍ تشير إلى أن الحكومة البريطانية تأمل في الحدّ من تأثير الفيروس من خلال السماح له “بالمرور عبر السكّان جميعهم كي نكتسب ما يسمّى “مناعة القطيع” Herd Immunity [“مناعة المجتمع”]”.
ما هي بالضبط “مناعة القطيع”؟ هل تشكّل احتمالاً ممكناً وسط تفشّي فيروس كورونا؟ في ما يلي كلّ ما يجب معرفته عن هذه المسألة.
ما هي مناعة القطيع/مناعة المجتمع؟
عندما يعطى لقاح إلى عدد كافٍ من الأشخاص في المجتمع ضدّ وباء ما، يمكن أن يزيد ذلك من صعوبة انتقاله إلى أفراد آخرين معرّضين للخطر لم يتلقوا اللقاح أو لم يكن ممكناً تطعيمهم. وبحسب توضيح من هيئة “الخدمات الصحّية الوطنية”، تسمّى تلك الحالة “مناعة القطيع” [=”مناعة المجتمع”].
ويشرح “مشروع معرفة اللقاحات” في “جامعة أكسفورد” ذلك بمزيد من التفصيل، من خلال استخدام تشبيه شخص مصاب بالحصبة.
ووفق المنظّمة، “إذا كان شخص مصاب بالحصبة محاطاً بأفرادٍ مُلقّحون ضدّها، لا يمكن أن ينتقل المرض بسهولة إلى أشخاص آخرين، بل يختفي بسرعة مرّة اخرى. يُسمى ذلك “مناعة القطيع” أو “مناعة المجتمع” أو “حماية القطيع”. ويؤمّن حماية للأشخاص الضعفاء كالأطفال حديثي الولادة والكبار في السن والمرضى الذين لا يمكن تلقيحهم”.
وعلى الرغم من ذلك، تؤكد المنظّمة أن مناعة المجتمع “لا تعمل إلا” إذا جرى تلقيح غالبية السكّان ضدّ حالة مرضية معيّنة، مضيفة أنها “لا تحمي من جميع الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيمات”. ويوضح “مشروع معرفة اللقاحات” إنه “على عكس التلقيح، فإن مناعة القطيع لا تُعطي مستوى عالياً من الحماية الفردية، وبالتالي فإنها ليست بديلاً جيّداً من التطعيم”.
ويوضح البروفيسور مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في “جامعة إدنبرة” في حديث إلى صحيفة “إندبندنت”، أن مفهوم مناعة القطيع يقف في “أساس برامج التطعيم جميعها”. ومع ذلك، يمكن أن يحدث بشكل طبيعي أيضاً، إذ يؤكد وولهاوس أنه “إذا تعرّضتَ لعدوى ما في وقت تكون فيه قد أصابت عدداً كافياً من الأشخاص بالفعل، ما يعني تكوّن أجسام مناعية مضادة لها في أجسادهم تقيهم منها، عندها يمكنك أن تحظى بمناعة قطيع طبيعية. بقول آخر، لن يكون ذلك الفيروس المعيّن قادراً على التسبّب في وباءً يعصف بالسكّان”.
ويضيف، “هذا لا يعني أن الفيروس لن يكون قادراً على الانتشار، لأنه سيظل هناك بعض الأشخاص معرّضين للإصابة به، لكنه لن ينطلق ويتسبّب في وباء”.
في المقابل، يحدّد البروفيسور بول هانتر أستاذ الطب في جامعة “إيست أنغليا” فيحدّد مناعة المجتمع بأنها “المؤشّر على نسبة الأشخاص ضمن مجموع السكان، ممن يتمتّعون بمناعةٍ ضد وباء ما”. وكذلك يشير إلى أن “نسبة للأشخاص الذين لديهم المناعة اللازمة للوقاية من الوباء تختلف من عدوى إلى اخرى. ومع مرضٍ شديد العدوى كالحصبة، هناك حاجة إلى أن تكون نسبة الأشخاص المحصّنين ضدّها حوالى 90% كي يُحمى الآخرون. وفي أنواع اخرى من العدوى، يمكن أن تكون النسبة أقلّ من ذلك بكثير”.
واستناداً إلى بحث نشرته المجلّة الطبّية “الأمراض المعدية سريريا” في 2011، فإن مصطلح “مناعة القطيع” يُستخدم “على نطاق واسع، لكنه يحمل مجموعة متنوّعة من المعاني”.
وفي ذلك الإطار، كتب أكاديميّون من “كلية لندن للصحّة وطب المناطق الاستوائية” التابعة لـ”جامعة لندن”، أنه في ما يستخدم بعض المؤلّفين ذلك المصطلح لوصف نسبة الأفراد في المجتمع الذين يتمتّعون بمناعة ضدّ حالةٍ ما، يعمد آخرون إلى استخدامها في إشارةٍ إلى “الحد الذي يجب أن تصله نسبة الأفراد المنيعون ضد مرض ما، كي تسهم مناعتهم في انخفاض معدل التقاط العدوى”.
وأضاف أولئك الأكاديميّون في تأكيدهم تعريف مناعة القطيع وفق تحديد “مشروع معرفة اللقاحات” له، أنه “من الإملاءات المعروفة لهذا المصطلح أن خطر الإصابة بين الأفراد المعرّضين لالتقاط العدوى بين السكّان، ينخفض بسبب وجود أفراد لديهم مناعة [ضد تلك العدوى] في جوارهم”.
وفي المقابل، تعتبر تونيا طوماس مديرة “مشروع معرفة اللقاحات” أن المقاربة المستندة على تطوير مناعةٍ ضدّ مرض ما عبر العدوى [التي ينشرها ذلك المرض] بدلاً من التطعيم، يمكن أن تكون ضارة لأنها قد “تضع الناس قيد خطورة معاناة مضاعفاتٍ متأتية من ذلك المرض”. وتشير إلى أن “اللقاحات تظلّ الطريقة الأكثر أماناً لتطوير المناعة، في منأى عن المخاطر المرتبطة بالمرض نفسه”.
هل مناعة القطيع/مناعة المجتمع ممكنة وسط تفشي فيروس كورونا؟
أشار التقرير الإخباري الذي عرضته محطة “آي تي في” أخيراً [عن مناعة القطيع] إلى أن الحكومة البريطانية تأمل في تحقيق مناعة المجتمع في جميع أنحاء المملكة المتّحدة، عبر السماح للفيروس بأن يمرّ عبر جميع سكّان البلاد. ويضيف بأن الحكومة تريد التأكّد من أن فيروس كورونا ينتشر عبر الأمّة “ببطء كبير، كي يتمكّن أولئك الذين يعانون الأعراض الأكثر حدّة من تلقّي الدعم الطبّي الذي يحتاجون إليه، وفي الوقت نفسه ضمان عدم إرهاق مرافق الخدمات الصحّية”.
وفي الثالث من مارس (آذار) الجاري، أفاد بيانُ صادر عن “منظّمة الصحّة العالمية” بأنه في حين أن عدداً من الناس في جميع أنحاء العالم قد طوّر مناعةً ضدّ سلالات الإنفلونزا الموسمية، لا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة فيروس كورونا. وجاء في البيان أن “كوفيد 19″ [مسمّى علمي شائع لوباء كورونا] يشكّل فيروساً جديداً لا يملك أحد منّا مناعةً ضده. وهذا يعني أن مزيداً من الناس سيكونون عرضةً للإصابة به، وبعضهم سيعاني من مرض شديد بسببه”.
وتوضح “منظّمة الصحّة العالمية” في قسم آخر من موقعها الإلكتروني مخصص للخرافات التي تحيط بفيروس كورونا، أنه لا يوجد حتى الآن لقاحٌ ضد الفيروس، مضيفةً أن اللقاحات المستخدمة ضدّ الالتهاب الرئوي لا تؤمّن حمايةً من الإصابة بعدوى “كوفيد 19”. وتضيف، “فيروس كورونا جديد ومختلف إلى حدّ أنه يحتاج إلى لقاح خاصّ به. ويحاول الباحثون تطوير علاج مضادٍ لـ”كوفيد 19″، وتدعم “منظّمة الصحّة العالمية” جهودهم في هذا المجال”.
وتشير “منظّمة الصحّة العالمية” إلى أنه على الرغم من عدم توفر لقاحات فعّالة ضد فيروس كورونا حاضراً، إلا أنه “يُوصى بشدّة بالتطعيم ضدّ أمراض الجهاز التنفّسي الاخرى، لحماية الصحّة العامّة”.
ووفقاً لمراسل صحيفة “إندبندنت” المتخصّص في شؤون الصحّة شون لينترن، فإنه “لا توجد الآن فرصة لتحقيق مناعة القطيع مع فيروس “كوفيد 19″… إنّ الفيروس جديد تماماً، ولا يملك أحد مناعةً ضدّه، لذا فإن كلّ إنسان معرّض للإصابة به. لن تصبح مناعة المجتمع سارية المفعول إلا بعد أن تصاب غالبية عظمى من الناس بالعدوى، مع تمكنها أيضاً من النجاة منه، وأن تعمل أجسادهم على تكوين أجسام مضادّة للفيروس”.
ويؤكد الصحافي شون لينترن أنه “من أجل تحقيق مناعة قطيع جيّدة فإن ما يقرب من 90 إلى 95 في المئة من الناس يحتاجون إلى التعافي من الإصابة بالعدوى، على غرار ما يحصل بالنسبة إلى الحصبة. وفي المقابل، قد يؤدّي ذلك إلى ارتفاع في عدد الوفيات ودخول أفرادٍ بأعداد كبيرة إلى العناية المركّزة”. وأشار إلى “خطر أن يصبح فيروس كورونا موسمياً مثل داء الإنفلونزا الذي يتغيّر كلّ موسم، ما يعني تالياً مرّةً اخرى أنه لا يمكن لمناعة المجتمع أن تؤدّي دوراً في حماية الناس”.
في مقاربة مغايرة، يرى البروفيسور مارك وولهاوس الذي يعمل في “جامعة إدنبرة”، أن كورونا يشكّل “عدوى فيروسية تتسبب في حثّ أجساد من يصابون بها على صنع أجسام مناعية مضادة لها… لذا، علينا أن نتوقّع تحقّق مناعة القطيع”. وفي المقابل، يشير وولهاوس إلى أن “فيروس “كوفيد 19″ لم تجر دراسته بشكلٍ وافٍ حتى الآن، ولا نعرف مدى الحماية التي يمكن أن تقدّمها الأجسام المناعية المضادّة له، على المدى الطويل. وكذلك لا نعرف إلى متى تستمر [تلك المناعة]… لا نعرف أيّاً من هذه الأشياء. لكن، من المنطقي توقّع أن الأشخاص الذين يتعافوا من الإصابة ستكون لديهم درجة ما من المناعة ضدّ العدوى في وقتٍ لاحق”.
ويضيف أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية أن “ترتفع إمكانية ظهور إذا عانينا وباءً غير متحكّمٍ به. ومع ذلك، نظراً إلى وجود كثيرٍ من الإجراءات التي يجري اتّخاذها لوقف حدوث ذلك، فقد يقلّل ذلك من إمكانية الوصول إلى وضعية تتراكم فيه مناعة المجتمع”. ويستنتج أنه “يوجد توازن دقيق بين العمل الجيّد في السيطرة على هذه العدوى من جهة، والتقليل من فرص تحقّق مناعة القطيع من جهة ثانية”.
وفي السياق نفسه، يرى البروفيسور بول هانتر أستاذ الطب في جامعة “إيست أنغليا”، أنه “من غير المحتمل أن تتحقّق مناعة المجتمع قبل السنة المقبلة، عندما سيكون لدينا لقاح وفق ما نأمل… في هذه المرحلة، أنا أقدم محض تخمينات مبنية فعلياً على تجارب، لكني أظن أننا لن نرى نهاية موجة الوباء هذه السنة”.
وفي المقابل، توقّع هانتر أن “يصبح المرض متوطّناً فيواصل الفيروس انتشاره إلى الأبد، وفي هذه الظروف سيكون لمناعة القطيع في المستقبل تأثيراً كبيراً في مواجهته”.
وفي ردٍّ على التقرير الإخباري المتعلّق بوجهة نظر الحكومة البريطانية في مسألة مناعة المجمتع، ترى تونيا طوماس مديرة “مشروع معرفة اللقاحات” في جامعة أكسفورد، أنه “يجب أن نفكّر في اتّخاذ تدابير لمنع انتشار فيروس كورونا بين السكّان، لأن ذلك سيؤدّي ذلك إلى اعتلال صحّة عددٍ كبير جدّاً من الناس بشكلٍ خطير”.
اتّصلت صحيفة “إندبندنت” بوزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية البريطانية للتعليق.
رابط المصدر: