نحن بالنتيجة نرغب الحفاظ على هذا الحق بقوة، ونحن أيضا على استعداد لتقبل الخطوات التي تنظم هذا الحق وتوضحه للناس من دون لبس أو غموض، وهذا يعني أن على المسؤولين أن يوضحوا للناس ما هي الحدود التي يمكن لهم استخدامها في مساحة التعبير عن الرأي…
يتمتع المواطن العراقي اليوم بمساحة لا بأس بها للتعبير عن رأيه، وذلك عبر منصات وأدوات ومصادر الشوسيال ميديا المختلفة، ومنها وأهمها مواقع التواصل المتاحة للجميع، فكل مواطن عراقي يستطيع اليوم أن يعبر عمّا يعاني منه من مشكلات ومضايقات، سواء كان مصدرها الحكومة أو بعض الدوائر والمؤسسات، وحتى بعض الأشخاص من ذوي المناصب والمدراء وغيرهم.
كذلك يمكن للعراقي أن يظهر في فديو يسجله بنفسه ويبثه في مواقع وتطبيقات مختلفة مثل اليوتيوب أو تيك توك أو الانسته، أو الفيس بوك والتويتر وسوى ذلك، ليعلن عن احتجاجه على الحكومة أو على موظف حكومي قصّر معه أو ابتزّه أو مع موظف صحي لم يؤد الواجب له، وهكذا انفتحت أبواب التعبير أمام الجميع من دون صعوبة تُذكَر.
ولكن هذه المساحة المفتوحة للتعبير تسببت في نوع من الفوضى والتداخل بين ما هو محق وصائب وبين ما هو مغرض ومغالط، وبات الاعتراض الصحيح يضيع في هرج ومرج المنشورات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، والمشكلة أن معظم الذين يستخدمون مساحة التعبير عن الرأي هم لا يعون حدود حقوقهم في هذا التعبير، وتنقصهم خبرة الاطلاع على النصوص القانونية والتشريعية التي تتعلق بحقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية التعبير وأسلوب الطرح في وسائل الإعلام أو سواها..
فهناك من يعتقد أنه يستطيع أن يطرح في مساحة التعبير كل ما يرغب وكل ما يريد، ويمكنه أن يشتم الآخرين كما يرغب، ويمكنه أن يلوّث مسامع الناس بكلمات مسيئة وكما يريد ويرغب، حتى لو كان هذا التعبير مضرا ومسيئا للآخرين، هذا الوضع الخاطئ لاستخدام حرية التعبير خصوصا عند العراقيين قد يضيع منهم فرص التعبير هذه، لأننا إذا راقبنا ما يحدث في دول الجوار وكيف تتصرف شعوب تلك الدول مع أفرادها بالنسبة لمساحة التعبير، سوف نجد تلك الحكومات قاسية جدا مع مواطنيها.
حيث توجد قوانين صارمة في دول الخليج كلها، وفي تركيا وفي إيران وفي بقية الدول العربية، تحكم على مواطن تلفّظ بكلمات عادية سنوات من السجن والغرامات العالية، وهناك فارق كبير بين المتاح للعراقيين في الأقوال والتصريحات وحرية طرح الآراء وبين ما هو متاح لمواطني الدول المجاورة، وهو ما تثبته الوقائع الحالية التي نتابعها في العالم الإعلامي الإلكتروني..
لذا حتى نحافظ على هذه النعمة، وهذه المساحة الواسعة للتعبير عن الرأي، نحتاج إلى نوع من الفهم لهذا الحق، ومعرفة حدودنا في هذا الجانب، وعدم اطلاق التهم على الآخرين من دون إثباتات، فالتعبير عن الرأي لا يتيح لكل شخص أن يتهم الآخرين من دون أدلة، وإذا كانت مواقع التواصل والتطبيقات الإلكترونية هي الحكم بين الناس، فما هو دور القضاء في هذه الحالة، وهل يحق لكل شخص أن يحاكم الآخرين كما يشاء بحجة حرية الرأي.
العراقيون جميعا مع الحرية، ولا يريدون العودة إلى التكميم، ولكن في نفس الوقت يجب تنظيم هذا الحق، ويجب طرح الرأي بما لا يسيء مطلقا للآخرين، ويجب أن يكون كل مسيء في مواقع التواصل مستعدا لتحمل المسؤولية عن تصريحاته وأقواله، وعليه أن يفهم بأنه معرّض للمحاسبة والمقاضاة في حال الإساءة إذا استخدم مساحة التعبير بشكل خاطئ وغير مقبول، لذا نحن كعراقيين لا نريد أن نفرط بالمساحة الواسعة التي نتمتع بها للتعبير عن آرائنا، فيحق لنا التصريح بالرأي ولكن لابد من الاتفاق على الاستخدام الصحيح لحدود هذه الحرية، ولابد أن نفهم جيدا كيف نطرح آرائنا.
نحن بالنتيجة نرغب الحفاظ على هذا الحق بقوة، ونحن أيضا على استعداد لتقبل الخطوات التي تنظم هذا الحق وتوضحه للناس من دون لبس أو غموض، وهذا يعني أن على المسؤولين أن يوضحوا للناس ما هي الحدود التي يمكن لهم استخدامها في مساحة التعبير عن الرأي، وما هي المساحة المفتوحة في هذا المجال، ويجب أن يتم تعليم وتعريف الناس على هذه الحدود، مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم العودة للتكميم، وأن يكون حماية العراق والعراقيين حاضرا ومستقبلا هدفهم الأول والأهم.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/39982