تطورات جديدة في يشهدها ملف الأزمة الخليجية التي اندلعت في أوائل يونيو/ حزيران 2017، بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، حيث فرضت هذه الدول وكما ذكرت بعض المصادر، حصار شامل على قطر بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة واتهمت جيرانها بالسعي لتقويض سيادتها، هذه التطورات جاءت وبحسب بعض المراقبين بسبب الضغوط الامريكية المستمرة وبعد قرار اعلان الامارات والبحرين تطبيع العلاقات مع اسرائيل والتي ستتبعها قرارات لدول عربية اخرى ربما تكون قطر هي الدولة القادمة لإعلان التطبيع، حيث يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تسوية العديد من الأزمات في الشرق الأوسط خلال الفترة الراهنة، ضمن أوراقه الانتخابية.
وفي وقت سابق دعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى حل الأزمة الخليجية وفتح الحدود مع دولة قطر، قائلا: إن إدارة الرئيس ترامب حريصة على رؤية حل لهذا النزاع وإعادة فتح الحدود الجوية والبرية القطرية المغلقة حالياً مع دول خليجية أخرى ونتطلع للتقدم في هذه القضية وأنه حان الوقت لحل الأزمة. وأكد بومبيو، في اجتماع بمقر وزارة الخارجية مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الثاني، أهمية التركيز على مواجهة النشاط الإيراني في الشرق الأوسط. كما دعا إلى “إيجاد حل للخلاف الخليجي من أجل الحفاظ على تركيزنا في هذا الجهد ولإغلاق الباب أمام التدخل الإيراني المتزايد”. وأعربت قطر وأمريكا عن قلقهما من الآثار الأمنية والاقتصادية والاجتماعية “الضارة” للأزمة الخليجية على المنطقة.
وكانت مجلة “جون أفريك” الفرنسية نقلت عن بعض الدبلوماسيين الأمريكيين الرفيعي المستوى في الأيام الأخيرة. أن “الحصار الذي فرضته أبو ظبي والرياض على الدوحة قد يرفع قبل انتخابات نوفمبر المقبلة في الولايات المتحدة”. وبحسب التقرير فقد كلف ترامب، صهره جاريد كوشنر بمحاولة التوفيق بين الطرفين. إذ يريد الرئيس الأمريكي أن يكسب ولو بعض النجاحات، التي قد ترجح كفته لدى الناخبين قبل الانتخابات التي ينافسه فيها جو بايدن، الخصم الديمقراطي القوي.
وسعت الكويت والولايات المتحدة إلى التوسط في الخلاف الذي قوض جهود واشنطن لمواجهة إيران. وحددت الدول الأربع 13 مطلبا لرفع المقاطعة منها إغلاق قناة الجزيرة التلفزيونية، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية، وتقليص العلاقات مع إيران، وقطع صلاتها بجماعة الإخوان المسلمين. وفي ظل سعيه للفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة يوم الثالث من نوفمبر تشرين الثاني، يسعى الرئيس الأمريكي لإظهار نجاحات في السياسة الخارجية بالشرق الأوسط.
ازمة وشروط
وفي هذا الشأن أكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن بلاده تعتبر رفع “الحصار” عنها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر أول إجراء لحل الأزمة الخليجية. وقال آل ثاني أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة: “بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحصار الجائر غير المشروع على دولة قطر، فإننا نواصل مسيرة التقدم والتنمية في شتى المجالات”.
وأضاف: “ورغم الحصار عززت قطر مشاركتها الفعالة في العمل الدولي المتعدد الأطراف لإيجاد حلول لأزمات أخرى”. وتابع: “كما رسخت خلال الحصار الجائر وغير القانوني الذي تتعرض له ثوابت سياستها القائمة على احترام أحكام ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا سيما مبدأ احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية”. وأوضح آل ثاني: “انطلاقا من مسؤولياتنا الأخلاقية والقانونية أمام شعوبنا فقد أكدنا، وما زلنا وسنظل نؤكد، على أن الحوار غير المشروط القائم على المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول هو السبيل لحل هذه الأزمة، التي بدأت بحصار غير مشروع ويبدأ حلها برفع هذا الحصار”.
وأعرب أمير قطر في هذا السياق عن تقديره “البالغ للجهود المخلصة” التي يبذلها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كما ثمن “مساعي الدول الشقيقة والصديقة لإنهاء هذه الأزمة”. ويستمر في منطقة الخليج، منذ 5 يوليو 2017، توتر كبير على خلفية قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ووقف الحركة البحرية والبرية والجوية مع الإمارة التي اتهمتها الدول الـ 4 بـ “دعم الإرهاب” والتحول عن المحيط العربي نحو إيران، ما أدى إلى نشوب أزمة سياسية حادة بين البلدان المذكورة بالإضافة إلى حرب إعلامية واسعة.
من جانب اخر قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في وقت سابق، إن الأبواب لا تزال مفتوحة أمام قطر لللاندماج مع دول الخليج، لكنه أكد ضرورة أن يقوم القطريون بـ”التحليل الذاتي” ومراجعة مواقفهم التي تسببت في الأزمة الدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر). وقال إن الإمارات تدعم خطوات المملكة في الوصول إلى حل للأزمة الخليجية، لكنه أكد أن الحل في أيدي القطريين أنفسهم، لافتًا إلى أن الإمارات إلى جانب حلفائها مثل السعودية ومصر والبحرين، منخرطون أيضًا في النزاع مع قطر، التي تتهمها تلك الدول بدعم التطرف. وفيما يتعلق بتركيا، قال إن “الإمارات لا تزال شريكًا تجاريًا رئيسيًا مع تركيا”، مشيرًا إلى أن سياسات أنقرة في المنطقة العربية “ليست مستدامة”.
وفيما يخص الملف النووي الإيراني، قال إنه من غير الواقعي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي”، لكنه أضاف أن “من مصلحة الجميع تخفيف التوترات”. وأكد أن الجهود الدبلوماسية فشلت في تخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية تخصيب طهران لليورانيوم فوق الحدود المسموح بها، حسبما ينص الاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن سياسة الضغط الأمريكية على طهران أثرت على منطقة الخليج، مستشهدًا باستيلاء طهران على ناقلات النفط الأجنبية في الخليج العام الماضي.
قرارات محكمة العدل
الى جانب ذلك دفعت دولة الإمارات العربية المتحدة بأن محكمة العدل الدولية ليس لها اختصاص لنظر قضية رفعتها ضدها قطر، تتهم فيها أبوظبي بانتهاك اتفاقية دولية لمكافحة التمييز. وتقول قطر، التي رفعت الدعوى أمام محكمة العدل الدولية في عام 2018، إن الإمارات طردت، في إطار المقاطعة، آلاف القطريين وأغلقت مكاتب قناة الجزيرة الإخبارية التي تتخذ من الدوحة مقرا لها.
ومنحت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في الأمم المتحدة للنزاعات بين الدول، قطر انتصارا صغيرا في قضية ذات صلة بالنزاع المستمر حول المقاطعة عندما قضت في يوليو تموز بأن المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) التابعة للأمم المتحدة لها اختصاص في تسوية الخلاف حول إغلاق المجال الجوي إلى قطر.
وفيما يتعلق بالمقاطعة، قال محامي الإمارات عبد الله حمدان النقبي أمام المحكمة إن الإجراءات ضد قطر ”لا علاقة لها بالتمييز العنصري“. وأضاف أن قطر تحاول تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1969 بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري خارج نطاقها الصحيح. وعادة ما تستغرق القضايا المعروضة أمام محكمة العدل الدولية سنوات للوصول إلى حكم بات. وأحكام هذه المحكمة نهائية، لكنها لا تملك وسيلة لفرض قراراتها.
وقال نبيل نويرة المحلل المستقل في واشنطن إنّ “قرار محكمة العدل الدولية يمثل ضربة أخرى للحلف الرباعي الذي تقوده السعودية”. وأضاف “انه يكشف (…) مبرراتهم الضعيفة لدى عرضها أمام هذه الهيئات المعترف بها دوليا”. ويسمح قرار محكمة العدل الدولية لقطر بالطعن في قيود الحظر الجوي التي فرضتها عليها الدول الأربع في جلسة استماع أمام منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، هيئة الطيران التابعة للأمم المتحدة.
واعتبرت قطر أنّ الحكم يعني أن الدول المحاصرة “ستواجه أخيرا” العقاب لانتهاكها قواعد الطيران. وثمن تغيير الطرق القسري لرحلات الخطوط الجوية القطرية لا يؤثر فقط على تكلفة الوقود لدى شركة الطيران التي تعتبر من الاهم في المنطقة. فقطر تدفع ما يقرب من 133 مليون دولار، بحسب وسائل الإعلام الإيرانية، لصالح طهران سنويا مقابل السماح لطائراتها بعبور الأجواء الإيرانية، الأمر الذي قد يقوض حملة الضغوط القصوى بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمحاصرة إيران اقتصاديا.
وقال ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى خلال ندوة في “معهد الشرق الأوسط” “نركّز (الجهود) ونعمل على محاولة إصلاح الخلاف الخليجي”. وأضاف “نعتقد أنّه مصدر إلهاء يبعدنا عن تهديداتنا المشتركة (…) ولا نعتقد انه من المفيد أن تدفع قطر رسوم عبور المجال الجوي لإيران”. وأفادت شبكة “فوكس نيوز” في وقت سابق أنّ واشنطن كانت على وشك التوسط للتوصل إلى اتفاق لإنهاء المقاطعة بعد مناقشات رفيعة المستوى مع قادة السعودية وقطر والإمارات.
لكن في اللحظة الأخيرة طلبت الإمارات من السعودية وقف دعم هذه الجهود، دون إبداء أسباب. ولم ترد السلطات السعودية على طلب للتعليق. وفي حال تأكّدت المحادثات السرية هذه، فإنّها تمثّل انهيارا جديدا للجهود المبذولة لإنهاء الخلاف بعد فشل حوار سعودي قطري مماثل في أواخر عام 2019. ورأى كريستيان أولريشسن الباحث في “معهد بيكر” التابع لجامعة رايس في الولايات المتحدة أنّ “الكثير من العداء الذي ولّد الحصار في 2017 بدأ في أبوظبي أكثر منه في الرياض (…) ولا يمكن أن ينتهي الخلاف بالكامل إلا عندما تكون القيادة في الإمارات مستعدة للمضي قدما”. وتابع انه مع قيام الرياض “بموازنة الضغط الأميركي لرفع قيود المجال الجوي والضغط الإماراتي للحفاظ على وحدة الدول في مقاطعتها (لقطر)، فقد تتجنّب القيادة السعودية القضية لتفادي الاضطرار إلى اتخاذ قرار صعب في كلتي الحالتين”.
العديد من المراقبين يرون أنّ الحصار المصمّم لخنق قطر وإرغامها على التوافق مع المصالح الخليجية، دفع الإمارة الصغيرة إلى أحضان إيران وتركيا، كما أضرّ بالمصالح الاستراتيجية للسعودية. وقد يؤثر قرار منظمة التجارة العالمية سلبا على عملية استحواذ تسعى إليها المملكة بقيمة 300 مليون جنيه استرليني (370 مليون دولار) لشراء نادي نيوكاسل يونايتد الانكليزي بكرة القدم. بحسب فرانس برس.
وعقب القرار، أقرّ ريتشارد ماسترز المدير التنفيذي لكرة القدم في الدوري الإنكليزي الممتاز بأن الاستحواذ المقترح “معقّد”. وقال مايكل ستيفنس الخبير في شؤون الشرق الاوسط في “المعهد الملكي للخدمات المتحدة” انه يجب “وضع الكبرياء جانبا وإنهاء الخلاف”. واعتبر انه “لم يتم تحقيق أي شيء مهم، ومن الواضح بشكل متزايد أن العديد من الجوانب القانونية لهذا الأمر (المقاطعة) لم يتم التفكير فيها بشكل جيد، ولها عواقب. هناك مشكلات أكبر تتطلب حلولا”.
وتقدّمت الخطوط الجوية القطرية بطلبات للتحكيم الدولي بهدف تحصيل خمسة مليارات دولار من السعودية والدول الثلاث الأخرى المقاطعة للدوحة، تعويضا لفرض هذه الدول حظرا جويا على طائرات قطر بعد قطع العلاقات في حزيران/يونيو 2017. وقالت الشركة في بيان على موقعها إنّها تسعى لتحصيل التعويض من خلال أربعة طلبات للتحكيم الدولي بموجب اتفاقية الاستثمار التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، والاتفاقية العربية للاستثمار، ومعاهدة الاستثمار الثنائية بين قطر ومصر. والخطوط الجوية القطرية هي ثاني أكبر شركة طيران في الشرق الأوسط بعد “طيران الإمارات” ومقرها دبي، وتشغّل أسطولا حديثا يتألف من 250 طائرة. ومنذ فرض الحصار الجوي، تكبّدت الخطوط القطرية خسائر بمئات ملايين الدولارات، إضافة إلى الخسائر الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.
قطر وحلف الأطلسي
على صعيد متصل قال مسؤول أمريكي كبير إن الولايات المتحدة تأمل في المضي قدما بإعلان قطر حليفا رئيسيا غير عضو في حلف شمال الأطلسي وهو وضع يمنح الدول بعض المزايا في الدفاع والتعاون الأمني. وقال تيموثي لندركينج نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف ”نحن بصدد المضي قدما، ويحدونا الأمل، بإعلان قطر حليفا رئيسيا من خارج حلف الأطلسي“.
واجتمع مسؤولون أمريكيون وقطريون، بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن. ويمنح وضع ”حليف رئيسي من خارج الحلف“ الدولة ميزة تفضيلية للحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، بما في ذلك المواد الفائضة المجانية والتعامل مع الصادرات بشكل عاجل وإعطاء الأولوية للتعاون في التدريب.
وهناك حاليا 17 دولة حاصلة على وضع ”حليف رئيسي من خارج الحلف“ منها الكويت والبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي. وثمة خلاف بين قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ عام 2017. وتتمتع واشنطن بعلاقات قوية مع جميع الدول المعنية وترى في الخلاف تهديدا لجهود احتواء إيران. وتعمل على توحيد الجبهة الخليجية. بحسب رويترز.
وعبر مسؤولون أمريكيون في الآونة الأخيرة عن رغبتهم في بيع طائرة الشبح المتقدمة من طراز إف-35 للإمارات بعد أن اتفقت الشهر الماضي على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، اعترض مسؤولون إسرائيليون وأشاروا إلى السياسة الأمريكية المتمثلة في الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة.
من جانب اخر قال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك إن الشقاق بين دول الخليج العربية استمر أطول مما ينبغي وحث تلك الدول على بناء الثقة والوحدة من جديد. وقال هوك للصحفيين من الدوحة عقب اجتماع مع وزير خارجية قطر ”النزاع استمر أطول مما ينبغي وهو يضر في النهاية بمصالحنا الإقليمية المشتركة في سبيل الاستقرار والرخاء والأمن“. وأضاف ”وضع حد لهذا النزاع سيعزز المصالح الجماعية لكافة أطرافه“. وقال دبلوماسيون ومصادر خليجية إن الولايات المتحدة تحاول إقناع السعودية مع حلفائها بإعادة فتح مجالهم الجوي الذي أُغلق أمام قطر قبل ثلاث سنوات لكن جهود الوساطة التي بدأت منذ أوائل عام 2020 لم تحقق نجاحا يذكر.
رابط المصدر: