ظهرت خلافات سياسية بين أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية المسئولة عن تحديد مسارات الحرب في قطاع غزة. برز الخلاف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” من ناحية ووزيرا الدفاع السابق والحالي “بيني جانتس ويؤاف جالانت” (بالترتيب) من ناحية أخرى. لذلك بدأت تتنامى أصوات استفهامية حول مستقبل هذه الحكومة وانعكاسها على الأوضاع في غزة ومسارات المستقبل السياسي في إسرائيل.
أولًا: مؤشرات عدم الاستقرار
(**) رفض وزيرا الدفاع السابق والحالي “بيني جانتس ويؤاف جالانت” المشاركة في المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو الأسبوع الماضي، وتكرر موقفهما في الجلسة الأخيرة لحكومة الحرب يوم 7 يناير 2023، لعدة أسباب وهي؛ أولًا: استمرار رفض نتنياهو عدم مناقشة “اليوم التالي” في جلسات انعقاد حكومة الحرب. ثانيًا: رفض نتنياهو الإعلان رسميًا عن بدء المرحلة الثالثة للحرب في غزة، حتى اضطر الجيش الإسرائيلي الإعلان عن بدء المرحلة الثالثة وفقًا لبيان خاص صادر منه ولم يصدر على لسان نتنياهو. ثالثًا: ظهور خلافات في الرأي والتقدير لطبيعة الموقف في جنوب لبنان وكيفية الرد الإسرائيلي، إذ يرفض جانتس وجالانت توسيع رقعة الصراع في الوقت الحالي إلا إذا اقتضت الحاجة حسب ردود حزب الله العسكرية.
(**) تعرض رئيس الأركان الإسرائيلي “هرتسي هاليفي” إلى هجوم شرس من وزراء حكومة نتنياهو المحسوبين على التيار اليميني بسبب اعتزامه تشكيل لجنة تحقيق حول أسباب اندلاع عملية طوفان الأقصى. جاء مع هذا السياق تسريب في إحدى الصحف الإسرائيلية أن وزير الدفاع الحالي بصدد تسليم بيني جانتس خطابًا عسكريًا كان أرسله إلى نتنياهو في وقت سابق على اندلاع أحداث السابع من أكتوبر محذرًا فيه من احتمال وقوع حرب من حماس على إسرائيل. في هذا الإطار، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن الهجوم الوزاري على رئيس الأركان جاء بتنسيق كامل مع نتنياهو؛ أي أن نتنياهو من أعطى الإشارة إلى الهجوم على هرتسي هاليفي.
(**) على المستوى العلاقة بين الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، يواجه نتنياهو انخفاضًا حادًا في الشعبية، إذ يثق 20% فقط من الإسرائيليين في قدرة نتنياهو على مواصلة الحرب وتحقيق الانتصار بعد أن كانت 16% فقط قبل اغتيال صالح العاروري في لبنان. ولكن يظل ملف الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس هو الملف الأكثر حيوية وحسمًا في تحديد العلاقة بين الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، وينعكس ذلك في أن 64% من الإسرائيليين لا يثقون في أن نتنياهو قادر على تحقيق إنجاز في هذا الملف، وهو ما دفع أهالي المحتجزين للوقوف أمام بيت جانتس مطالبين بتدخله المباشر في إنجاح صفقة تبادل المحتجزين مع حماس.
ثانيًا: هل تسقط حكومة الحرب؟
هناك عدة متغيرات مهمة تدخل في حسابات الإجابة على سؤال ما إذا كانت ستسقط حكومة الحرب الإسرائيلية من عدمه، وهي:
- التلويح بانسحاب “جانتس” من الحكومة
يُعد بيني جانتس وزير الدفاع السابق، وأحد كبار قيادات المعارضة الإسرائيلية في الكنيست، والمراقب الاستراتيجي في الحكومة كعنصر مهم في تشكيل حكومة الحرب، ويُقدر دوره ومهامه في هذا الكيان على النحو التالي:
- تقديم الخطط وتقديرات المواقف العسكرية بشأن الحرب في غزة.
- تقديم المشورة الفنية في التكتيكات العسكرية للعمليات القتالية في قطاع غزة وتقديمها إلى رئيس الأركان الإسرائيلي.
ولكن استمرار الخلافات وتباعد وجهات النظر والتقديرات بين جانتس ونتنياهو أفضى إلى تلويح الأول بالانسحاب من حكومة الحرب؛ كونها على حد تصريحاته “ابتعدت عن الهدف الأساسي لتشكيلها وهو إدارة الحرب وليس إدارة الحياة السياسية واستغلال الحرب لمجد شخصي”.
يبدو أن جانتس جاد في تهديده بالانسحاب وذلك ظهر في عدم مشاركته في المؤتمرات الصحفية والاجتماعات المغلقة لحكومة الحرب الإسرائيلية. ولا يقتصر الأمر على جانتس فقط، بل في حالة انسحابه سيتسبب في ظاهرة تأثير الدومينو أي من المحتمل انسحاب جابي أشكنازي، ووزراء آخرين، وربما يصل الأمر إلى انسحاب يؤاف جالانت نفسه الذي شعر بالتهديد حيال الهجوم السياسي على قيادات الجيش الإسرائيلي والتأثير على مستوى ثقة المجتمع الإسرائيلي في المؤسسة العسكرية. ولكن يتوقف الموقف النهائي من انحساب جانتس من عدمه على رأي رئيس الأركان الإسرائيلي، إذ قال جانتس: “طالما كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حاجة إلى وجودي فإنني مستمر”.
- الإعلان عن المرحلة الثالثة للحرب في غزة
سحب الجيش الإسرائيلي بعض الكتائب والفرق والألوية من منطقة شمال غزة بدءًا من يوم 30 ديسمبر 2023، وهو ما عُدّ مؤشرًا على بدء المرحلة الثالثة على المستوى العملياتي دون الإعلان عنها رسميًا من قبل رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو. تزامن مع هذا الانسحاب هجوم سياسي شرس على الجيش الإسرائيلي.
في هذا الإطار، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن بدء المرحلة الثالثة بشكل رسمي والتي تقضي بسحب معدات ثقيلة من شمال غزة واللجوء إلى تكتيك العمليات العسكرية الخاصة وذات الأهداف المحددة والتي أسمتها الصحف الإسرائيلية “العمليات الجراحية”. عطفًا على ذلك، صرّح وزير الخارجية الأمريكي من العاصمة الأردنية أن إسرائيل ستعلن رسميًا عن بدء المرحلة الثالثة ووضع نهاية للمرحلة الثانية.
جميع ما سبق، يمكن قراءته على أنه تنسيق أمريكي مع الجيش الإسرائيلي فقط بهدف الالتفاف على نتنياهو وتجاوز التصديق النهائي من حكومة الحرب، إذ خرج الإعلان الرسمي من الجيش الإسرائيلي وليس على لسان نتنياهو ذاته كونه رئيسًا لحكومة الحرب.
لذلك، تتزايد المؤشرات والمتغيرات التي باتت تحديًا من حدود تأثير حكومة الحرب لاختلاط السياسة بالشئون العسكرية، واختلافات وجهات النظر.
ثالثًا: التأثيرات المحتملة
يبقى السؤال حول ما مدى التأثيرات المحتملة لسيناريو حل حكومة الحرب على إسرائيل؟ يمكن تقديرها على النحو التالي:
- انخفاض شعبية نتنياهو
في حال تحقق سيناريو حل الحكومة بعد انسحاب جانتس، سينعكس ذلك على المشهد السياسي وربما يؤثر على الانتخابات العامة في حال تبكيرها عن موعدها. لا يزال يحتل جانتس صدارة قائمة الأحزاب ذات الشعبية الجارفة “معسكر الدولة” بواقع 33 مقعدًا، فيما ظلت شعبية الليكود بـواقع 20 مقعدًا فقط في أحدث استطلاعات الرأي الإسرائيلية.
جدير بالإشارة أن انخفاض شعبية نتنياهو لن يؤثر على شخص رئيس الوزراء فقط، بل ستؤثر بالضرورة على أمرين رئيسيين؛ وهما شعبية حزب الليكود، وشعبية الأحزاب الدينية ومستقبلها السياسي. إذ يعد حزب الليكود قاطرة للتيار اليميني المتطرف وما ينصرف عليه ينصرف على بقية الأحزاب الدينية.
لذلك من المتوقع، حدوث عدة سيناريوهات في هذا الإطار، وهما؛ الأول: أن تقفز الأحزاب الدينية من سفينة نتنياهو الغارقة وتدعو إلى تبكير الانتخابات منعًا من تدهور موقفها السياسي والشعبي. الثاني: أن يبدأ نتنياهو في تنصيب خليفة له ليكون رئيسًا لحزب الليكود للحفاظ على تماسك الحزب وعدم حدوث انشقاق سياسي يفضي إلى ظهور أحزاب وسط جديدة، وفي أغلب التقدير من المرجح أن يصبح “يسرائيل كاتس” وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد زعيم الليكود الجديد، الذي يعده نتنياهو لكسب رصيد سياسي يؤهله لزعامة الحزب ورئاسة الوزراء.
- تزايد التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
جاء من أهم دوافع نتنياهو لضم جانتس إلى حكومة الحرب، أن تضمن إسرائيل أمام الولايات المتحدة أن التصورات السياسية والعسكرية لحربها في غزة ستكون ضمن إطار توافقي يجمع الائتلاف الحاكم والمعارضة الإسرائيلية في الكنيست.
لذلك، من المحتمل في حال انسحاب جانتس أن تبدأ الولايات المتحدة السؤال حول مدى التوافق الإسرائيلي الداخلي بشأن ما يحدث في غزة على المستويين السياسي والعسكري، وهو ما تفتقده الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي والوقت اللاحق كذلك.
وعليه، سيزداد التباعد في وجهات النظر والتقديرات بين نتنياهو والإدارة الأمريكية بشأن ملف في غاية الأهمية وهو اليوم التالي في غزة (مستقبل ما بعد الحرب في غزة) خاصة في الموضوعات التالية: (أ) من يحكم غزة ودور السلطة الفلسطينية في مستقبل القطاع؟ (ب) حدود دور إسرائيل عسكريًا في اليوم التالي. (ج) كيف يمكن ضبط المتغيرات الجديدة الملحقة بمعادلة الأمن الإقليمي في المنطقة، أي كيف يمكن مواجهة الحوثيين وحزب الله والمشروع الإيراني؟.
(**) ختامًا، يمكن تقدير ما سبق على النحو التالي:
- أن نتنياهو يدرك جيدًا خطورة حل حكومة الحرب، التي ستعني تبكير الانتخابات العامة، ومزيدًا من التوتر مع الولايات المتحدة في مراحل حساسة للغاية في الوقت الراهن لا سيما بعد الانتقال إلى المرحلة الثالثة وبدء التباحث حول مستقبل غزة.
- في هذا الإطار، يمكن التقدير أن نتنياهو سيلجأ إلى توسيع حكومة الحرب عبر إضافة بعض الوزراء في المجلس الوزاري المصغر مثل سموتريتش (وزير المالية والوزير الثاني في الدفاع) أو جدعون ساعار، أو من خارج الحكومة؛ تحسبًا لسيناريو انسحاب جانتس.
- شن عمليات عسكرية عنيفة في الضفة الغربية وجنوب لبنان؛ نزولًا لرغبة ورضا الأحزاب الدينية في الائتلاف الحكومي؛ منعًا من احتمال انسحابهم من الائتلاف والقفز من السفينة الغارقة.
المصدر : https://ecss.com.eg/42844/