علي عبدالرحيم العبوديّ– باحث في الاقتصاد السياسي
الملخص التنفيذي:
تستحوذ في الوقت الحاضر صناديق الادخار والاستثمار على النسبة الأكثر من صناديق الثروة السيادية وَفْق تصنيفات الصناديق المسجَّلة في المعهــد الدولـي للصناديق السياديـة وتأتــــي بعدها صناديق التنمية في المرتبة الثانية.
تسهم صناديق الثروة السيادية في تنويع اقتصاديات البلدان المالكة لها عبر تحويل الفوائض المالية، أو النقدية، لتلك البلدان إلى أصول ذات مردود اقتصادي واستخدامها في مجالات استثمارية (أسهم، وسندات، وعقارات… إلخ).
يمتلك العراق تجربة سابقة في إنشاء صندوق ثروة سيادي، وذلك عبر إنشاء الصندوق العراقي للتنمية الخارجية الذي تأسس بموجب القانون رقم (77) لسنة 1974، لكن بعد سقوط النظام الأسبق اقتصر عمل هذا الصندوق على إدارة مساهمات العراق المالية في المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، كما كانت هناك محاولة لإنشاء صندوقين سياديين للعراق في عام 2018، إلا أنَّهما بقيا حبراً على الورق من دون تنفيذ عملي.
في نموذج تجريبي اتضح أنَّ متراكم الفائض في الموازنة العامة العراقية في (16) عاماً يساوي (107) تريليون دينار، في حين بلغ العجز المتراكم للمدة نفسها (32) ترليون دينار، هذا يعني أنَّ نحو أكثر من (74) ترليون دينار هو فائض صافٍ، والذي كان بالإمكان استثماره لو كان هناك صندوق سيادي للعراق.
ينبغي على الحكومة الجديدة الشروع بصورة جدية على إنشاء صندوق سيادي للعراق، للاستفادة من الارتفاع الحاصل في أسعار النفط الآن، والذي يتوقع أن يوفر فائضاً مالياً يتجاوز (15) مليار دولار مع نهاية عام 2022.
الملخص:
تُقسَّم اقتصاديات الدول من حيث مصدر الإيراد على ثلاثة أقسام؛ اقتصاديات ذات مصادر إيرادية متنوعة، واقتصاديات ذات مصدر إيرادي أحادي (اقتصاديات السلة الواحدة)، وما بينهما القسم الثالث، ويقع العراق ضمن المجموعة الثانية، إذ يُعدُّ العراق من الدول شديدة الريعية، وذلك لاعتماده شبه الكلي على الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام، إذ تشكل الإيرادات النفطية بعد عام 2003 نحو أكثر من (90%) من إجمالي إيرادات الموازنة العامة، كما تُسهم بنحو (45-60%) من تكوين الناتج المحلي العراقي (GDP)، ممَّا أدَّى إلى اختلال هيكلي كبير في مصادر تمويل الموازنة العامة، ونتيجة للسياسات المتخبطة، وما شهده العراق من ظروف صعبة بعد سقوط النظام الأسبق عمَّق هذا الاختلال؛ لينسحب على مجمل المؤشرات الاقتصادية، حتى أصبحت إيرادات النفط الخام دالة لمستوى الإيرادات العامة للدولة، وبصوة أعم على دالة لمستوى نشاط الاقتصاد الوطني.
وتُعدُّ الموارد الطبيعية التي تتصف بالنضوب سلاحاً ذا حدين؛ لأنَّه يعتمد على طبيعة إدارة هذه الموارد واستخدامها، فقد تظهر هذه الموارد في دولة ذات فكر اقتصادي سليم فتستخدم كقاعدة أساس للنهوض وتنمية اقتصادها الوطني واستدامة ماليتها، وذلك عبر ما يسمى «بأمثلية باريتو» التي تقتضي تخصيص الفائض أو نسبة معينة من إيرادات هذه الموارد في تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى وتنميتها، وقد تهب الطبيعة الموارد نفسها إلى دولة عاجزة عن تبنِّي فكر اقتصاد يساعدها في استغلال هذه الموارد بطريقة تمكنها من تطوير قطاعاتها الاقتصادية واستدامة ماليتها وإيراداتها، ممَّا تحتم عليها تبذير هذه الموارد والوصول إلى مستقبل يسوده التخلُّف والفقر والانهيار. ومع الإيرادات الضخمة التي أدرَّها النفط الخام على العراق بعد عام 2003، فهذه الإيرادات لم تُستغل استغلالاً صحيحاً، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تطوير مصادر إيراداتها العامة وتنويعها، وبقيت متكئة على إيراد ريعي ناضب، ممَّا ينذر بمستقبل خطر.
لذا أدركت بعض الدول النفطية لما قد يواجهها من خطر كبير، إذا لم تتمكن من تنويع مصادر إيراداتها العامة، ونظراً لعدِّ النفط سلعة ناضبة، وتحقيقاً لمبدأ الاستغلال الأمثل للموارد اتجهت معظم الدول النفطية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي إلى ابتكار أسلوب في إدارة الإيرادات النفطية، وذلك عبر تأسيس صناديق سيادية، التي تُعرف على أنَّها: (عبارة عن مجموعة من الأصول المالية المملوكة والمدارة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة من قبل الحكومات؛ لتحقيق أهداف وطنية والمموَّلة أمَّا باحتياطيات الصرف الأجنبي، أو صادرات الموارد الطبيعية، أو فائض الإيرادات العامة للدولة).
وتكمُن أهمية هذه الصناديق في عدِّها أداة من أدوات السياسة المالية لتحقيق الاستقرار المالي، وتقليل احتمالية اللجوء إلى الاقتراض، كما تُعدُّ أداة مهمة في استثمار الفوائض المالية للدولة، فضلاً عن عدِّها أداة تحوطية من الآثار الناتجة عن تقلبات سوق النفط العالمية، والحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة. وتبعاً لذلك، وانطلاقاً لما أكدته بعض نصوص الدستور العراقي الدائم من وجوب استخدام موارد البلد بالطريقة المثلى، حان الوقت لتأسيس صندوق العراق السيادي. لكن ما نوع هذا الصندوق؟ ومدى أهميته للعراق؟ قبل عرض النموذج المقترحة لصندوق الثروة السيادية الخاص بالعراق، علينا معرفة آثار الإيرادات الريعية على العراق، والنماذج الدولية المتبعة في إنشاء صناديق الثروة السيادية.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: