هل يحتمل الإقليم مزيدا من التدهور؟!

بحسب ما أوردته وكالات الأنباء كخبر عاجل، مساء الخميس، خرج بيان مصرى قطرى أمريكى مشترك يدعو إسرائيل وحماس، إلى الإسراع بعقد جلسة تفاوض من أجل وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق تبادل للأسرى والمحتجزين، وتفعيل إطار الهدنة التى تعنى وقفا لإطلاق النار. الوسطاء يدقون ناقوس خطر بأن الوقت قد حان كى ينصاع الطرفان، لما تم إنجازه فى ورقة الرئيس بايدن التى وضعت خريطة طريق قصير المدى لإيقاف الحرب على غزة، وهى فى الأصل حزمة الأوراق والأفكار المصرية، التى قدمتها القاهرة مرارا خلال جولات التفاوض الممتدة لستة أشهر مضت. بدا البيان المشترك وهو يحدد القاهرة أو الدوحة كأماكن جاهزة لاستضافة تلك الجولة، والاشارة إلى يومى الأربعاء أو الخميس القادمين كموعد مقترح لانعقادها، بمثابة استباق سياسى يعيد الحياة إلى المسار التفاوضى.

الأسبوع الأخير وضع الإقليم أمام جهاز الأشعة المقطعية، الذى كشف حجم التدهور الحاصل نتيجة امتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما أكد أيضا أن الحد الأدنى من معادلة الاستقرار باتت لا تحتمل مزيدا من التدهور. فدخول الوضع إلى مناطق حرجة بحجم الرد الإيرانى على إسرائيل وانتظار الرد على الرد، هى جولة خاسرة قبل أن تبدأ، وشبح الانزلاق الكامل حينئذ يصير أقرب من أى وقت مضى. فطهران مطالبة هذه المرة بأن يكون فعلها العسكرى أكثر جدية وتأثيرا، مما سبق من هجمات رمزية أمكن استيعابها، فضلا عن أن حزب الله اللبنانى مطالب هو الآخر من جمهور هذا المحور بأن يقدم اسهاما فعالا ظنا بالقدرة على إرساء معادلة ردع جديدة، تمكن الحزب من الوقوف مستقبلا على التماس الحرج بينه وبين الحدود الشمالية لإسرائيل، فى وضع يعيد له مكانته السياسية والأمنية قبل السابع من أكتوبر.

تلك الفرضيات محل شك كبير، والنتائج ضبابية عند أصحابها قبل الآخرين، لهذا اختار هذا المحور بمكوناته المتنوعة أدواره داخل مشهد الحرب على غزة بدقة بالغة، فالطرفان بطهران والضاحية الجنوبية لديهما مصالح متشابكة ومعقدة مع الإقليم والعالم، لا يسهل الدفع بها إلى مهب الريح.

فى الولايات المتحدة؛ الإدارة الحالية تواجه معضلتها الشخصية بأداء أكثر شحوبا وترددا مما يحتمله التهديد المركب لمصالحها فى المنطقة، ومع تصعيد وتأزم يتفاقم كل يوم بدت غير قادرة على فرض ما يلزمها هى على الأقل. الرئيس بايدن عقد الاثنين الماضى اجتماعا لفريقه للأمن القومى فى غرفة العمليات، لمناقشة التطورات فى الشرق الأوسط، حيث ورد أن الولايات المتحدة تعتقد أن هجوما إيرانيا على إسرائيل بات وشيكا، وقد طلب من أركان فريقه رفيع المستوى وضع محددات التدخل العسكرى الأمريكى فى حال وقوعه، وجاهزية هذا التدخل والمدى الذى يمكن لواشنطن القبول به. فى المقابل تعمدت طهران تسريب جهود الوسطاء، الذين كلفتهم واشنطن للحديث معها من أجل الخروج بالضربة الإيرانية فى حدها الأدنى، الذى يمكنها أن ترمم بها ما تضرر من سمعتها، دون الوصول إلى مستويات جديدة قد يصعب استيعابها.

ويمكن تفهم تشجيع الولايات المتحدة المفاجئ لإصدار البيان المشترك مع مصر وقطر، فى ذات السياق مع تعهد رئاسى أمريكى ببذل جهد مختلف مع الجانب الإسرائيلى، كى تنجح هذه الجولة فى الوصول إلى مفردات جديدة لمجمل المشهد، بعد استشعار هذه المساحات الحرجة التى تضع تقاطعات المنطقة برمتها على صفيح ساخن.

لجأت واشنطن إلى مجموعة السبع؛ فى رغبة منها لاستثمار جميع جهود الدول الكبرى لإنقاذ المشهد من «نقطة الأزمة» التى صنعتها إسرائيل وإيران هذه المرة، وبعد اتصالات محمومة من الوزير بلينكن مع نظرائه، دفع المجموعة لإصدار بيان، يضع دول تلك المجموعة فى مساحة فعل سياسى منتظر بعد أن أخفقت منفردة، فى الاضطلاع بضبط إيقاع المشهد مع تداعياته المستجدة.

بيان دول مجموعة السبع كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة،حث جميع الأطراف المعنية مرة أخرى على الامتناع عن إدامة الحلقة المدمرة الحالية من العنف الانتقامى، وخفض التوترات والانخراط بشكل بناء نحو خفض التصعيد. غير المنشور فى البيان؛ أن أنتونى بلينكن لجأ إلى تلك الدول لاعتقاده بأن الهجوم الإيرانى قادم لا محالة، لذلك فإن الضغط على طهران للحد من هجومها هو أفضل طريقة لتجنب حرب إقليمية. فى الوقت نفسه تولى وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلى مهمة بحث السيناريوهات، والقدرات الدفاعية والهجومية المقابلة للجيش الإسرائيلى فى حال تعرضت إسرائيل لهجوم واسع أو متوسط النطاق، من إيران ووكلائها بالمنطقة.

ولم يخف الوزير جالانت اعتماد إسرائيل بشكل كبير على التنسيق العسكرى الاستراتيجى الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، بما فى ذلك النشر الحالى والمستقبلى للقدرات العسكرية الأمريكية فى المنطقة، وتغييرات وضع القوات فى الدفاع عن إسرائيل. كما طلب وزير الدفاع الإسرائيلى صراحة من الوزير أوستن أهمية القيادة الأمريكية فى تشكيل تحالف من الحلفاء والشركاء، للدفاع عن إسرائيل والمنطقة من مجموعة من الهجمات الجوية والصاروخية المتوقعة على غرار الهجوم السابق فى أبريل الماضى، الذى شكل التداخل الأمريكى فيه عامل الحسم فى الدفاع عن إسرائيل.

حاولت إسرائيل الأسبوع الماضى، قبل صدور البيان الثلاثى المشترك من الوسطاء، أن تقنع الجانب العسكرى الأمريكى خلال اجتماعات قيادات الاستخبارات والأركان العسكرية مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، بأن خيار قيام إسرائيل بشن ضربة استباقية لردع إيران يعد أفضل السبل للرد على هجوم متوقع أو منعه. لكن الجانب الأمريكى فى آخر لحظة تعقل ممكنة؛ رفض هذا السيناريو، وأبلغ الجنرال كوريلا الإسرائيليين، أن واشنطن ستحتاج إلى معلومات استخباراتية خاصة بها بشأن هذه القضية، وضرورة أن تتوافق تلك المعلومات مع ما توافر لدى إسرائيل. بل حتى لو تطابقت المعلومات، فقد تختار الولايات المتحدة حينها تجنب السير فى طريق خيار الضربة الاستباقية.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/47398/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M