هل يصمد جوجل سكولار في مواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي؟

أنه حتى الآن، من جملة مواطن قصور أخرى، لا يُدرج «جوجل سكولار» ضمن النتائج التي يخرج بها موجزًا مستحدثًا بالذكاء الاصطناعي لإجابات الاستفسار البحثي، على غرار موجز إجابات الاستفسار البحثي الذي يظهر عادةً في مقدمة النتائج على محرك البحث «جوجل»…

يحتفل «جوجل سكولار» Google Scholar – أكبر وأوسع محرك بحث أكاديمي – بمرور عشرين عامًا على إطلاقه هذا الأسبوع. فقد أصبح على مدار عقدين من الزمن من أهم الأدوات في المجال العلمي، بحسب ما يرى باحثون. لكن ظهرت على الساحة في السنوات الأخيرة أدوات منافسة له تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين عملية البحث، كما برزت أدوات مماثلة أخرى تتيح للمستخدمين تنزيل بيانات نتائج البحث.

في ذلك السياق، يقول جيفن ويست، اختصاصي علم الاجتماع الحاسوبي من جامعة واشنطن في ولاية سياتل الأمريكية، والذي يستخدم قاعدة بيانات محرك البحث يوميًا، إن تأثير «جوجل سكولار» – الذي تمتلكه عملاقة الإنترنت، شركة «جوجل» في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا الأمريكية – استثنائي على العلم. لكنّه يستدرك قائلًا: “إن كانت ثمة لحظة يُمكن فيها طرح «جوجل سكولار» من على عرشه كمحرك البحث الأبرز، فلعلها الآن، بسبب بعض الأدوات الجديدة والابتكارات التي نشهدها في مساحات أخرى”.

ويؤكد على هذه الاحتمالية ألبيرتو مارتِن-مارتِن، الباحث المتخصص في تحليل الاستشهادات المرجعية من جامعة غرناطة بإسبانيا، قائلًا إن العديد من مزايا «جوجل سكولار» – ومنها الوصول المجاني إلى فيض شاسع من المعلومات وما يتيحه من خيارات بحث متطورة – صارت تمتلكها أيضًا العديد من المنصات الأخرى”.

فقد أضحت روبوتات الدردشة المعززة بالذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT، وبعض الأدوات الأخرى التي تستخدم تقنية النماذج اللغوية الكبيرة، الخيار الأول الذي يتوجه إليه بعض العلماء للتنقيب في المؤلفات العلمية ومراجعتها وتلخصيها. من ثم، تحوَّل بعض الباحثين من استخدام «جوجل سكولار» إلى استخدام هذه الأدوات. على سبيل المثال، يفيد آرون تاي، وهو أمين مكتبة أكاديمي من جامعة سنغافورة للإدارة بأنه حتى وقت قريب، كان «جوجل سكولار» محرك البحث الذي يلجأ إليه عادة. ومع أن «جوجل سكولار» ما زال على قمة قائمته لمحركات البحث، إلا أنه أخذ مؤخرًا في استخدام أدوات مختلفة توظف الذكاء الاصطناعي.

بيد أن ويست يضيف، أن “الإطاحة بـ«جوجل سكولار» عن عرشه ستتطلب الكثير” بسبب عظم حجم المحرك، ورسوخ استخدامه في المجتمع العلمي.

ويرحب أنوراج أشاريا، المؤسس المشارك لـ«جوجل سكولار»، في شركة «جوجل»، بكل الجهود المبذولة لتسهيل العثور على المعلومات التي تقدمها المؤلفات العلمية ولتيسير فهمها والبناء عليها. فيقول: “كلما زاد متسع الخيارات المتاحة لنا جميعًا، أفاد ذلك التقدم العلمي”.

«جوجل سكولار»: محرك البحث الأكبر والأوسع

ظهر «جوجل سكولار» في ساحة محركات التنقيب عن المؤلفات العلمية في عام 2004، لتنطلق على أثره ثورة جذرية غيرت كل شيء. كان الباحثون في ذلك الوقت يستخدمون المكتبات للبحث عن المعلومات أو خدمات إلكترونية مدفوعة للوصول إلى الأوراق الأكاديمية، مثل قاعدة بيانات الاستشهادات المرجعية العلمية «ويب أوف ساينس» Web of Science. وتزامنًا مع انطلاق «جوجل سكولار»، انطلقت في الشهر نفسه خدمة مدفوعة أخرى، هي قاعدة البيانات الضخمة من شركة «إلسيفير» Elsevier؛ «سكوباس» Scopus، والتي تتألف من فيض من المراجع العلمية والملخصات البحثية.

يُمشِّط «جوجل سكولار» الإنترنت بحثًا عن الأعمال الأكاديمية من أي نوع، كفصول الكتب، والتقارير، والمسودات البحثية والوثائق المنشورة عبر الإنترنت – بما في ذلك الأعمال الأكاديمية بلغات أخرى غير الإنجليزية. فيقول أشاريا، إن هدف محرك البحث هو “تعزيز فاعلية جهود الباحثين على مستوى العالم، بحيث يمكن أن تجمعهم جميعًا جبهة علمية مشتركة”.

واتفاقيات محرك البحث «جوجل سكولار» مع الناشرين تمنحه قدرة لا يباريه فيها محرك بحث آخر على الوصول إلى النصوص الكاملة للمقالات البحثية المتاحة فقط باشتراك مدفوع، وليس فقط إلى عناوين الأبحاث وملخصاتها، وهو ما تقدمه أغلب محركات البحث. كما أنه يصنف الأوراق البحثية حسب درجة ارتباطها بالاستفسار البحثي- بإدراج المقالات الأكثر ظهورًا في الاستشهادات البحثية في مقدمة نتائج البحث عادة – ويقترح استفسارات بحثية إضافية كذلك. ويسهِّل اتساع نطاق المؤلفات الأكاديمية التي يشملها إجراء عمليات بحث عالية الدقة.

رفضت شركة «جوجل» مشاركة بيانات الاستخدام الخاصة بالمحرك، ولكن وفقًا لخدمة «سيميلار ويب» Similar web لقياس حجم حركة المرور على الإنترنت، يتلقى محرك البحث أكثر من مئة مليون زائر شهريًا.

ويفيد مارتِن-مارتِن بأن قاعدة بيانات محرك البحث تبرع في توجيه الأشخاص إلى الإصدارات المجانية من المقالات البحثية. وهذا يدعم حركة الوصول المفتوح إلى الأبحاث، بحسب ما يفيد خوسيه لويس أورتيجا، خبير تحليل الاستشهادات المرجعية من معهد الدراسات الاجتماعية المتقدمة بالمجلس الوطني الإسباني للبحوث في قرطبة.

من ناحية أخري، يتسم محرك البحث «جوجل سكولار» بالغموض. فمن أبرز المخاوف إزاءه هي عدم وضوح ماهية المحتوى الذي يبحث فيه من الدوريات وغيرها، وغموض الخوارزميات التي يستخدمها للتوصية بمقالات بحثية بعينها. كما أنه يضع قيودًا على تنزيل كم كبير من نتائج عمليات البحث، وهي نتائج يمكن استخدامها في تحليل الاستشهادات المرجعية من ضمن جملة من الاستخدامات الأخرى. حول ذلك، يقول ويست، “لا نتمتع بفهم كبير لواحدة من أهم الأدوات لدينا في المجال العلمي”.

أما أشاريا، فيعرِّف «جوجل سكولار» على أنه بالأساس أداة بحث وهدفه الرئيس هو مساعدة الباحثين في الوصول إلى أنفع الأبحاث.

محركات بحث متطورة أخرى

في السنوات الأخيرة، ظهرت محركات بحث منافسة لـ«جوجل سكولار» تتيح ما ذكرناه آنفًا من البيانات التحليلية للاستشهادات المرجعية، وإن لم يمكن لأي من هذه المحركات التفوق على «جوجل سكولار» حجمًا، أو مضاهاته في القدرة على الوصول للنصوص الكاملة للمقالات البحثية المتاحة باشتراك مدفوع. وأحد الأمثلة البارزة على هذه المحركات، هي محرك البحث «أوبن أليكس» OpenAlex، الذي جرى إطلاقه في عام 2022. في العام السابق على ذاك، كانت قاعدة البيانات «مايكروسوفت أكاديميك جراف» Microsoft Academic Graph، التي استخدمها الباحثون في تمشيط الانترنت بحثًا عن معلومات الأوراق الأكاديمية، قد خرجت من الخدمة ونُشرت مجموعات بياناتها بالكامل. وينبني محرك البحث «أوبن أليكس» على قاعدة البيانات تلك وعلى مصادر مفتوحة أخرى للبيانات الأكاديمية. ويمكن للمستخدمين البحث في المحتوى الذي يفهرسه هذا المحرك حسب المؤلف والمؤسسة العلمية والاستشهادات المرجعية، وكذلك تنزيل كامل سجلاته بالمجان. تعليقًا على ذلك، يقول مارتن-مارتن: “تنجز هذه الأدوات مهامًا كنا ننشد من «جوجل سكولار» أداءها”.

وتستخدم أداة بحث شهيرة أخرى، جرى إطلاقها عام 2015 وتُعرف باسم «سيمانتِك سكولار» Semantic Scholar، الذكاء الاصطناعي لإنشاء ملخصات جيدة الصياغة للأوراق البحثية وللتعرف على الاستشهادات المرجعية الأكثر صلة بها. وتعتمد أداة أخرى باسم «كونسينساس» Consensus، جرى إطلاقها في عام 2022، على قاعدة بيانات الأداة «سيمانتِك سكولار» للبحث عن إجابات مدعومة بالأبحاث للأسئلة (وويست هو استشاري لدى الشركة القائمة على أداة «كونسينساس»). وإحدى الأدوات المفضلة لتاي في هذا السياق هي أداة «أندرمايند» Undermind، التي تجري عمليات بحث أكثر تطورًا قائمة على وكيل برمجي، حيث يجري كيان مستقل عملية مسح للمؤلفات العلمية بآليات شبيهة بتلك التي قد يستخدمها البشر؛ بمواءمة عملية البحث للمحتوى الذي يجده. بعدئذ يستغرق الخروج بالنتائج بضع دقائق، وليس ثواني كما في حال «جوجل سكولار»، لكن تاي يرى أن المحصلة تستحق عناء الانتظار. فيقول: “أرى أن النتائج التي تظهر لي أفضل جودة من نتائج «جوجل سكولار»”.

يفيد أشاريا بأن «جوجل سكولار» يستخدم بدوره الذكاء الاصطناعي في تصنيف المقالات واقتراح المزيد من الاستفسارات البحثية والتوصية بالمقالات ذات الصلة بموضوع البحث. وتجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق من هذا الشهر، أضاف محرك البحث خدمة كتابة ملخصات مستحدثة بالذكاء الاصطناعي للمقالات البحثية في أداته لقراءة الملفات بصيغة PDF. ويضيف أشاريا أن محرك البحث يحاول فهم الغرض من الاستفسار البحثي وسياقه. ويوضح أن أسلوب محرك البحث القائم على تقصي دلالات كلمات البحث مبني على نماذج لغوية وقيد الاستخدام منذ عامين.

لكن جدير بالذكر أنه حتى الآن، من جملة مواطن قصور أخرى، لا يُدرج «جوجل سكولار» ضمن النتائج التي يخرج بها موجزًا مستحدثًا بالذكاء الاصطناعي لإجابات الاستفسار البحثي، على غرار موجز إجابات الاستفسار البحثي الذي يظهر عادةً في مقدمة النتائج على محرك البحث «جوجل». ويعلل لذلك أشاريا قائلًا إن تلخيص الاستنتاجات المستقاة من عدة أوراق بحثية بطريقة موجزة تستعرض الجوانب السياقية المهمة يمثل تحديًا. ويختتم قائلًا: “لم نجد حتى الآن حلًا ناجعًا لهذه المعضلة”.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M