بعد الحدث الانتخابي التاريخي يوم 30 نيسان 2014 وتسريب بعض النتائج عبر مراقبي الكيانات السياسية وموظفي المفوضية العليا للانتخابات وبغض النظر عن مدى دقتها ومصداقيتها فإن المتفق عليه هو ان قائمة دولة القانون التي يترأسها رئيس الوزراء المنتهية مهامه نوري المالكي هي القائمة الاولى من حيث عدد المقاعد، وبغض النظر عن عدد المقاعد الصحيح ( التي تراوحت بين 60 و 75 مقعد ) فإن عدد المقاعد المتوقع سوف لن يصل الى الرقم 89 الذي حصلت عليه القائمة في الدورة الماضية ، باختصار لان قانون الانتخابات لا يسعفه في تحقيق نفس العدد اذا بقيت نفس شعبيته ، اما اذا افترضنا تناقص شعبيته ودُعِمت بفتوى الشيخ بشير النجفي بتحريم انتخاب المالكي فإن عدد المقاعد سوف لن تزيد على ما تسرب من ارقام .
ونتيجة لذلك فإن المالكي هو المرشح الابرز لرئاسة الوزراء لولاية ثالثة هذا اذا كانت دولة القانون هي الكتلة النيابية الأكبر حسب الدستور ، اما اذا تشكلت كتلة نيابية اكبر من كتلة دولة القانون فسيكون من حقها طرح مرشحها لرئاسة الوزراء بدل دولة القانون ، وهذا أمر وارد واحتمال وقوعه كبير جداً خاصة إذا نظرنا الى العلاقة السيئة – بحسب المعلن – بين المالكي من جانب وبين الأكراد وكتلة المواطن والأحرار ومتحدون والوطنية من جانب آخر ، ولكن هذا لا يعني أن المعارضين للمالكي سيشكلون كتلة برلمانية لطرح مرشح لرئاسة الوزراء وذلك لعدة أسباب منها أن هذه الكتل غير متآلفة ومتفقة 100% بل إن نقطة اتفاقهم يمكن حصرها بمعارضتهم لترؤس الحكومة للدورة المقبلة .
إلا أن هذه الكتل المعترضة على المالكي يمكن أن تعقد اتفاقاً كلياً يشمل ترشيح رئيس الجمهورية ( الذي يحتاج الى ثلثي أصوات البرلمان ) مع رئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان كما هو معتاد في عراق بعد 2003 ، وبدون هذه الاتفاقات لا يمكن الوصول الى نتيجة قانونية في تشكيل الحكومة ، وبما أن هذه الكتل (الأكراد وكتلة المواطن والأحرار ومتحدون والوطنية ) معارضة لتسنم المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة فعليها أن ترشح من بينها رئيساً للوزراء والذي يكون عادة صاحب أكبر عدد من الأصوات أو من الكتلة صاحبة الأصوات الأكثر ، وهذا السيناريو مستبعد كون الكتل آنفة الذكر متقاربة في القوة البرلمانية وفي عدد مقاعدها وبالتالي قد يخلق هذا الاتفاق أزمة بسبب تسمية رئيس الوزراء (المنصب الأهم في العراق) تؤي الى تأخير تشكيل الحكومة لفترة طويلة كما حدث في الدورة السابقة .
ومما يدعم صعوبة تحقيق هذا السيناريو هو تمسك أطراف التحالف الوطني – الشيعي – لوحدته بحسب ما تصرحه تلك الكتل وأن يكون رئيس الوزراء منها حصراً باعتبار الشيعة هو المكون الأكبر في البلد ويتناسب حجمه مع حجم منصب رئيس الوزراء ، خاصة إذا دخلت إيران على الخط كعادتها في المرات السابقة والتي تدفع بأن يكون رئيس الوزراء شيعي ميّالاً لها .
إلا أن الكتل الشيعية من دون دولة القانون – أي المواطن والأحرار والفضيلة والإصلاح وغيرهم – غير قادرين على تشكيل كتلة أكبر تكتسح أي نية أو رغبة من قبل الآخرين لتشكيل كتلة منافسة لتكون هي الكتلة الأكبر ، إضافة الى أن هذه الكتل في حال شكّلت الكتلة الأكبر سوف لن تستطيع أن تدخل – كطرف قوي – بمفاوضات مع باقي الكتل لتحقق مصالحها السياسية والإستراتيجية ، لذلك لا بد من دخول دولة القانون ككتلة إضافية لتشكيل كتلة نيابية قد تصل الى 150 مقعد أي حوالي نصف مقاعد البرلمان وبالتالي تسد الباب على أي مساعي للمنافسة على رئاسة الوزراء .
ولكن تشكيل التحالف الوطني من كل من ( دولة القانون والمواطن والأحرار والفضيلة والإصلاح وآخرين ) سيجد في طريقه حجر عثرة وهو تسمية رئيس الوزراء ، فمن الطبيعي والمنطقي أن يترشح لهذا المنصب صاحب أكبر عدد من الأصوات أو من الكتلة صاحبة الأصوات الأكثر وهو نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون ، إلا أن ترشيح المالكي سوف لن يروق للأكراد ومتحدون والوطنية والعربية وآخرين للخلافات الجذرية المعروفة ، فالأكراد لم يروا من حزب الدعوة سوى مرشحين يحاربونهم في ما يرونه حقاً مشروعاً لهم ، والسنة العرب – متحدون والعربية والوطنية – يعانون من تصرفات المالكي ضدهم لهم مؤشرات سلبية تجاههم ويتهمونه بتصفية قيادات السنة ومنها الهاشمي والعيساوي ، فحتى لو وافق أطراف التحالف الوطني على ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء ستتعقد مسألة انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحتاج الى ثلثي مقاعد البرلمان – أي أكثر من 216 نائب – وبالتالي فيحتاجون على الأقل إما للأكراد (وهو مستحيل) أو متحدون (وهو غير ممكن) كما تبين .
أما إذا أضفنا معارضة كل من الأحرار والمواطن لترشح المالكي فإن هذا سيزيد الطين بلة ، ولكن من غير المقبول أن يترشح عن التحالف الوطني شخص من قائمة لم تحقق الأصوات الأعلى من بين قوائم التحالف الوطني فهذا مغاير لرغبة الشعب وإرادته ، لذا فأمام التحالف الوطني عدة خيارات :
1- أن يقبل بترشيح المالكي كونه مرشح أكبر كتلة في التحالف ، وهذا سيصطدم بمعارضة الأكراد والعرب السنة .
2- أن يرشح شخصاً من الكتل الأخرى (المواطن أو الأحرار ) ، وهذا سيرفض من قبل دولة القانون كونها مخالفة لإرادة الناخب .
3- أن يطلب من كتلة دولة القانون ترشيح شخص غير نوري المالكي مقابل أن يمنح المالكي أحد المناصب الأمنية مثل الدفاع أو الداخلية كون البلد يمر في معركة مهمة ضد داعش .
وهذا الخيار الثالث ربما أفضل الخيارات الثلاثة كونه يحقق ولو بعض إرادة الناخب ويمكن أن يرضي جميع الأطراف بما فيها دولة القانون رغم أنه خيار مر عليها وعلى نوري المالكي شخصياً ، وهو ما تحقق بالضبط في 2006 عندما رشّح الائتلاف الوطني إيراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء فرفضه الأكراد واضطر الائتلاف لاستبداله بالمالكي الذي لم يكم معروفاً من الناحية الإعلامية ، ولكن من دون القبول بهذا الخيار فالسيناريوهان المحتملان هي :
1) أن يتفكك التحالف الوطني لأن فيه أطراف معارضة لتولي المالكي للدورة القادمة (وخصوصاً الأحرار والمواطن) .
2) يتشكل تحالف جديد لتشكيل كتلة أكبر – من دون دولة القانون – لترشيح رئيس للوزراء .
وفي الحالتين سوف لن يُرشح المالكي كرئيس للوزراء ، فإما أن يقبل المالكي بواقع الأمر بأن الولاية الثالثة لا يمكن أن تكون في ظل هذه الظروف ، وعليه إما أن يحافظ على وحدة التحالف الوطني كغاية إستراتيجية حتى وإن يضحّي بنفسه ومنصبه مقابل أقل الخسائر حيث يمكن أن يتولى مكانه شخص من نفس كتلته وبالتالي سيحافظ على إرادة جماهيره ورغبتهم وسيحقق مطلباً مهماً للعراقيين وهو تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن في ظل ظروف ربما هو اعرف بها من غيره وتحديات داعش والإرهابيين في الأنبار .
ووفق ما تقدم فإن من نافلة القول أن حكومة الأغلبية السياسية هي أضغاث أحلام أراد مؤيدوها غايات معينة منها انتخابية ومنها لخلق رأي عام ممكن أن يدعمهم عند فشلهم من تشكيل الحكومة للمرحلة المقبلة ، ومع كل ما تقدم فهذه التوقعات يمكن أن تنقض بطفرة من هنا أوهناك نتيجة ضغط داخلي أو خارجي بحيث تتغير التحالفات ليخرج لنا شخص جديد كما خرج المالكي قبل 8 سنوات .