في أول تصريحاته، قال رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك، إن السودان يحتاج نحو 8 مليارات دولار مساعدة أجنبية خلال العامين المقبلين لتغطية الواردات وللمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد بعد الاضطرابات السياسية المستمرة منذ شهور.
وقال “حمدوك” الذي أدى اليمين قبل أيام لرئاسة الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، إن هناك حاجة إلى ملياري دولار أخرى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وأوضح أن السودان يحتاج بصورة عاجلة إلى ملياري دولار كاحتياطي من النقد في البنك المركزي للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه السوداني الذي خسر الكثير مقابل الدولار الأميركي.
وقال إنه بدأ مباحثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمناقشة إعادة هيكلة ديون السودان وتواصل مع الدول الصديقة وهيئات التمويل بشأن المساعدات.
وأضاف، “بدأنا اتصالات مع الجهات المانحة وبعض الأطراف في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي وحجم ديون السودان حوالى 56 مليار دولار، ولكن لا بد من الوصول أولا لتفاهمات حول فوائد الدين السيادي والتي تبلغ حوالي 3 مليارات دولار لأن النظام السابق كان يعجز عن السداد”.
وأوضح أن الوصول لهذه التفاهمات سيفتح الطريق لاستفادة السودان من برامج الإعفاءات من الديون وجدولة الديون والحصول على المنح والقروض.
ضغوط اقتصادية صعبة
دراسة حديثة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بعنوان “مسار إصلاحي: آفاق الاقتصاد السوداني بعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة”، أشارت إلى أن السودان واجه أزمة اقتصادية حادة ناتجة بشكل رئيسي عن نقص العملات الأجنبية بسبب تراجع عائدات النفط بعد فقدان الخرطوم أكثر من 75% من حقولها من النفط منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011.
وعلى ضوء ذلك، لم تجد الحكومات المتعاقبة الموارد الكافية لاستيراد احتياجاتها من الوقود والقمح، فيما تفاقمت مشكلة نقص السيولة في البنوك، والتي نجمت عن الطلب الواسع على البنكنوت مع ارتفاع معدلات التضخم لأكثر من 50% في الأشهر الماضية.
ومع تفاقم الاضطرابات السياسية عقب تنحية الرئيس السابق عمر البشير، زادت حدة المشكلات الاقتصادية بشكل لافت، حيث تعطلت بعض المنشآت الإنتاجية عن العمل، على نحو تسبب في شح بعض السلع في الأسواق، التي شهدت حالة من الركود بحسب المتعاملين والتجار.
وبالتوازي مع ذلك، تعرض سعر صرف الجنيه لضغوط قوية وانخفض إلى أكثر من 70 جنيهاً مقابل الدولار الواحد منذ بداية العام الحالي، قبل أن يتحسن لاحقاً. ومن المرجح على ضوء التطورات الأخيرة أن تتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي، بعد أن تزايدت المخاطر السياسية والاقتصادية بشكل غير مسبوق.
وعلى هذا النحو، تشير توقعات بعض المؤسسات الدولية إلى أن الاقتصاد السوداني مرشح للتراجع بنهاية العام الحالي، حيث قال صندوق النقد الدولي “إن الاقتصاد انكمش بالفعل بنسبة 2.1% خلال العام 2018، ومرشح أن يتفاقم إلى 2.3% بنهاية عام 2019، كما من المتوقع أن يسجل معدل التضخم نحو 49.6% بنهاية العام الحالي وبانخفاض نسبي من مستوى 64.3% خلال العام 2018”.
مكاسب سريعة بعد توقيع الاتفاق السياسي
وشهد السودان توترات سياسية وأمنية واسعة منذ تنحية البشير، قبل إبرام اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى “إعلان الحرية والتغيير”، في 17 يوليو (تموز) الماضي، وهو ما يمثل خطوة جوهرية لدعم الاستقرار السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وبمجرد توقيع الاتفاق، شهد سعر صرف الجنيه تحسناً نسبياً، حيث وصل سعر شراء الدولار في السوق السوداء إلى نحو 61 جنيهاً مقارنة بنحو 65 جنيهاً في الفترة السابقة، في إشارة واضحة للتبعات الإيجابية للاستقرار السياسي على مؤشرات الاقتصاد. وقد يتلقى السودان دعماً أكبر مع الاتجاه لإقرار الدستور في الفترة المقبلة.
ومن المنتظر أن يساعد هذا التقدم السياسي في تيسير حصول السودان على الدعم المالي الإقليمي والدولي اللازم لتقليص حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها. ويرجح أيضاً أن يدعم الاتفاق وإقرار الدستور الجهود الحالية التي يبذلها السودان لجدولة بعض ديونه، التي بلغت قرابة 55 مليار دولار، وهو ما قد يخفف الأعباء المالية عليها لصالح توفير الاحتياجات الأساسية من السلع.
وربما يتمثل المكسب الأكبر للسودان بعد توقيع الاتفاق في اقتراب الولايات المتحدة الأميركية من رفعها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي هذا الصدد، قال القائم بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم ستيفن كوتيسيس، في تصريحات سابقة، “إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بات أمراً وشيكاً”.
فضلاً عن ذلك، يمهد استقرار الأوضاع السياسية بالسودان لاستعادة علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم، خاصة دول الجوار الإقليمي على غرار إثيوبيا وإريتريا، وبما يعزز من المكاسب التجارية والاستثمارية للخرطوم، إلى جانب مواصلة تنفيذ بعض المشروعات التنموية المشتركة معها والمتوقفة بسبب الاضطرابات السياسية الحالية.
كما قد يكون من بين أهم النتائج المهمة في هذا الصدد مواصلة تعاون السودان وجنوب السودان في الملف النفطي، حيث بدا أن ثمة اهتماماً واسعاً من جانب الطرفين، في الفترة الماضية، بتطوير بعض حقول النفط مثل “الواحدة”، و”توما ثاوث” وغيرها، وهو ما يمكن أن يساعد في زيادة الإنتاج النفطي، وبما يسهم في زيادة عائدات الخرطوم من رسوم عبور تدفقات نفط جنوب السودان عبر الموانئ السودانية.
ثلاثة محاور على “حمدوك” أن يعمل عليها
لكن على الرغم من النتائج الإيجابية المحتملة للاتفاق السياسي في السودان، لا تزال هناك خطوات عديدة يجب اتخاذها يتمثل أهمها في إقرار الدستور الجديد خلال الفترة المقبلة وتشكيل حكومة تحظى بثقة من قبل الأطراف كافة.
وينبغي على الحكومة الجديدة تبني برنامج اقتصادي عاجل يضع على قائمة أولوياته ثلاثة محاور رئيسة، يتمثل أولها في معالجة الاختلالات النقدية والمالية التي تفاقمت في البلاد مؤخرًا، حيث من الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستقرار سوق الصرف والحد من السوق السوداء والحيلولة دون تفاقم معدلات التضخم، بالتوازي مع تعبئة الموارد المالية من الضرائب وغيرها لزيادة إيرادات الحكومة وتقليص العجز.
ويتمثل المحور الثاني في ضرورة العمل على توفير الاحتياجات الأساسية من الوقود والقمح وغيرها، الذي يعد أحد العوامل الضرورية، في الفترة المقبلة، لتحقيق الاستقرار السياسي والحيلولة دون تفاقم الاحتجاجات الشعبية مجددًا. ومن شأن المساعدات الدولية والإقليمية أن تسهم في الحد من مشكلة نقص هذه السلع في الأسواق خلال الفترة المقبلة.
أما المحور الثالث فيتعلق بأهمية العمل على تطوير القطاعات الإنتاجية الأساسية من الزراعة والتعدين. ولدى السودان إمكانيات كبيرة في قطاع الزراعة مع توافر المياه والتربة والمناخ المناسب لزراعة العديد من المحاصيل. كما لديها موارد كبيرة من المعادن خصوصا الذهب وباحتياطيات قدرها 523 ألف طن. ويمكن للخرطوم الاستفادة من تطوير البيئة التنظيمية والتشريعة لهذين القطاعين في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة إنتاجها ودعم صادراتها، وبما قد يعوض، نسبياً، تراجع عائدات قطاع النفط.