عبد الباري عطوان
ربّما يكون تهديد المشير خليفة حفتر باستهداف المصالح التركيّة في ليبيا وإيقاف الرحلات الجويّة والبحريّة بين طرابلس واسطنبول التطوّر الأخطر في الأزمة الليبيّة في السّنوات الأخيرة، لأنّ ترجمة هذه التّهديدات عمليًّا على الأرض يعني توسيع دائرة الصّراع، وتدويله عسكريًّا، وجر دول إقليميّة إليه بطريقةٍ أو بأخرى.
ما دفع المشير حفتر إلى هذه الخطوة التصعيديّة تلقّيه ضربةً مُوجعةً برّدت كُل آماله بالسيطرة على العاصمة الليبيّة طرابلس، وتمثّلت في نجاح القوّات التّابعة لحكومة الوفاق المُعترف بها دوليًّا، في استعادة مدينة غريان جنوب طرابلس التي تُعتبر بوّابة العاصمة، ومقر قيادة المُشير المدعوم من مصر والسعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، وفرنسا، والرئيس دونالد ترامب الذي هاتفه شخصيًّا.
اللواء أحمد المسماري المُتحدّث باسم المشير حفتر أكّد أنّ الأخير أمر قوّاته بضرب السفن والمصالح التركيّة، ومنع الرحلات الجويّة من وإلى تركيا، واتّهم الأخيرة بدعم حكومة الوفاق بالأسلحة والعتاد المُتطوّر، والتدخّل بشكلٍ مُباشرٍ بجُنودها وطائراتها، وسُفنها في حرب العاصمة وهي تُهمة لم يَنفِها الرئيس رجب طيّب أردوغان، وقال إنّ حُكومته تُقدّم الأسلحة والمُعدّات الثّقيلة لحُكومة الوفاق بموجب اتّفاق تعاون عسكري معها.
***
السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو عمّا إذا كان المشير حفتر سيُنفّذ تهديداته هذه بقصف طائراته للسّفن التركيّة التي تنقل بضائع، ويُقال أسلحة ومُعدّات ثقيلة، إلى حُكومة الوفاق عبر مينائي طرابلس ومصراته؟ وكيف سيكون الرّد التركي على هذا القصف في حال حُدوثه؟ وهل أقدم المشير حفتر على هذه التّهديدات بعد التّشاور مع حُلفائه في مِصر والإمارات والسعوديّة وأمريكا وفرنسا وأخذ الضّوء الأخضر من قياداتها مع وعود بالدعم في حال تدخّل قوّات تركيّة بشكلٍ مُباشرٍ أم أنّه أقدم على هذا التّصعيد نتيجة نوبة غضب ناجمة عن خسارته مدينة غريان الاستراتيجيّة، ومقر قيادته في المنطقة الغربيّة وإفشال هُجومه على طرابلس؟
اتّصلنا بأكثر من مصدر قريب من طرفيّ الأزمة الليبيّة، في مُحاولةٍ للوصول إلى إجابات عن هذه الأسئلة، وأكّد أحد المصادر المُقرّبة من المشير حفتر أنّه ماضٍ قُدُماً في تهديداته، وأنّه تشاور فِعلًا مع حُلفائه في مِصر قبل إطلاقها، وحظي بالدّعم الكامل، بينما مصادر محسوبة على حُكومة الوفاق أنّ الرئيس أردوغان لن يتردّد لحظةً بالرّد بشكلٍ مُؤلمٍ على أيّ قصف لسُفنه وقواربه في الموانِئ أو المِياه الإقليميّة الليبيّة.
السلطات التركيّة أرسلت فِعلاً قوّات ومُدرّعات إلى طرابلس وبشكلٍ علنيٍّ، وتدخّلها بشكلٍ مُباشرٍ إلى جانب قوّات “فجر ليبيا” المُوالية لحُكومة الوفاق هو الذي أنقذها من الانهيار، وحال دون تقدّم قوّات المشير حفتر للسّيطرة على العاصمة طرابلس، وإحكام سيطرته على كُل ليبيا وإعلان نفسه رئيسًا.
الرئيس أردوغان الذي سُئل من قبل الصحفيين عن رد فعله تُجاه تهديدات المشير حفتر بقصف سُفنه، ومصالح بلاده، أثناء مُشاركته في قمّة الدول العشرين في أوساكا، لم يُقدّم إجابةً قاطِعةً، ربّما لأنّه كان بعيدًا عن مقر قيادته السياسيّة والعسكريّة، واكتفى بالقول: “سنتّخذ التدابير اللازمة حال تأكّد صُدور هذا القرار باستهداف الطائرات والسّفن التركيّة”.
أيّ ضربة للسّفن أو الطائرات في المِياه الإقليميّة والأجواء الليبيّة تعني إعلان الحرب على تركيا، وربّما يدفعها للتّوغّل أكثر في الأزمة الليبيّة، الأمر الذي قد يُؤدّي إلى ردِّ فِعل مِصري وإماراتي وسعودي مُضاد، وخُروج هذه الأزمة من دائرة المُواجهة بين الوكلاء الذين يخوضونها بالأنابة، إلى دائرة المُواجهة بين “الأُصلاء”، أو “الأعمام”.
***
من الحِكمة التّريّث، وعدم إصدار أيّ أحكام مُسبقة، وكُل ما نستطيع قوله في هذه العُجالة، أنّ هُناك “مِصيدة” قد تكون نُصِبت بإحكامٍ لتركيا، لإغراقها في المُستنقع الدموي الليبي، خاصّةً أنّها وقطر الحليفين الأقوى لحُكومة الوفاق، وقوّات فجر ليبيا أحبطتا خُطّةً مُحكمةً جرى وضعها في عدّة عواصم عربيّة ودوليّة لمنع سيطرة قوّات المشير حفتر على العاصمة طرابلس وحسم المشهد الليبي لصالحه وحُلفائه.
الأيّام القليلة المُقبلة ستكون حاسمةً في ملف العاصمة طرابلس ومُستقبلها، وربّما الأزمة الليبيّة بشكلٍ عام.. والله أعلم.
رابط المصدر: