هيئة رقابة الطاقة تتوقع فائضاً كبيراً في النفط بحلول عام 2030

سيتم اختبار توقعات الوكالة الدولية للطاقة في الأشهر المقبلة بينما يُصْدِر باحثون آخرون توقعاتهم الخاصة. لكن بغض النظر عما ستؤول إليه حسابات العرض والطلب، يجب على حكومات الشرق الأوسط أن تعيد حساباتها المتعلقة بالنفط سواء اعترفت بذلك أم لا. فاقتصاداتها، وبالتالي قوتها المحلية والإقليمية، تعتمد…

بقلم: سايمون هندرسون

من شأن انخفاض الأسعار الضمني أن يضعف التوقعات الاقتصادية لكبار منتجي النفط في الشرق الأوسط.

لا يتضمن عادةً التقرير السنوي «للوكالة الدولية للطاقة»، التي مقرها في باريس، عناوين بارزة. لكن التقرير الأخير، الذي صدر في 12 حزيران/يونيو، سيستقطب اهتمام الشركات وصناع القرار في جميع أنحاء العالم. فقد نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» المقال على صفحتها الأولى تحت عنوان “هيئة رقابة الطاقة تتوقع وفرة نفط «صاعقة» بينما يواصل المنتجون الضخ”. وكذلك، أعلنت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن “العالم سيسبح في النفط الفائض بحلول نهاية هذا العقد”.

وفي حين أنه من المتوقع أن يصل الطلب الإجمالي على النفط إلى ذروته في عام 2029 تقريباً ويبدأ بالانكماش في عام 2030، فمن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين من خارج “أوبك” بزيادة إنتاجهم. ويبلغ حالياً الإنتاج العالمي حوالي 100 مليون برميل يومياً، لكنه سيصل إلى ما يقدر بـ 106 ملايين برميل يومياً في عام 2029. ومن المتوقع أن تصل طاقة توريد النفط إلى ما يقرب من 114 مليون برميل يومياً خلال الفترة ذاتها، أي بزيادة قدرها 8 ملايين برميل يومياً، والتي صفتها «الوكالة الدولية للطاقة» بأنها «صاعقة».

وبالنسبة لواشنطن والكثير من الحكومات الأخرى، تشكل هذه التوقعات مصدر إحراج. فالساسة في البلدان المستهلكة يرحبون دائماً بانخفاض الأسعار في محطات الوقود، ويهتمون عادةً بالمستقبل القريب أكثر من اهتمامهم بما قد يحدث بعد خمس سنوات. لكن وفرة النفط المتوقعة تعني أن الشركاء في الشرق الأوسط قد يكونون أقل قدرة على المساعدة المالية في حل القضايا الإقليمية، وتحمّل تكاليف صفقات شراء الأسلحة الكبرى، وتقديم إعانات سخية لشعوبهم، وما إلى ذلك. وسيصبح الدعم الأمريكي لشركاء مثل مصر، وهي منتج كبير للنفط يضم عدداً كبيراً من السكان، أكثر أهمية.

وبطبيعة الحال، تبقى التوقعات في النهاية مجرد توقعات، ويمكن لعوامل كثيرة أن تغيرها من الآن حتى عام 2030. فسعر خام برنت، المؤشر الدولي، يبلغ حالياً حوالي 82 دولاراً للبرميل ولكنه انخفض مؤخراً إلى ما دون 80 دولاراً، من ذروة بلغت 122 دولاراً في عام 2022. ويحاول كارتل “أوبك بلس”، الذي يجمع بين منظمة “أوبك” بقيادة السعودية ومجموعة مفتوحة من المنتجين بقيادة روسيا، وقف خفض العرض الذي فرضه سابقاً لرفع الأسعار. ومن شأن تقرير «الوكالة الدولية للطاقة» أن يجعل هذه المهمة أكثر صعوبة.

ويشكل إنتاج “أوبك بلس” حالياً 48.5 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، لكن حصة السوق هذه هي أقل مما كانت عليه عندما تأسست المنظمة العملاقة في عام 2016. وإلى جانب الولايات المتحدة، يضم المنتجون المهمون الآخرون من خارج “أوبك بلس” الذين يقومون بزيادة إنتاجهم، الأرجنتين والبرازيل وكندا وغيانا.

وكما أشار مدير «الوكالة الدولية للطاقة»، فاتح بيرول: “لقد حان الوقت لينظر الكثير من المنتجين في خطط أعمالهم”. لكن توقعات الكارتل هي أكثر تفاؤلاً من توقعات الوكالة، إذ وصف الأمين العام لمنظمة “أوبك” هيثم الغيص آخر توقعات «الوكالة الدولية للطاقة» بأنها “خطرة”، محذراً من فوضى الطاقة إذا توقف المنتجون عن الاستثمار.

التأثير على “أوبك بلس”

ستكون الجهات الفاعلة الكبرى في مجال النفط في المنطقة، مثل الكويت وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الأكثر تأثراً بانخفاض الأسعار، الأمر الذي من شأنه أيضاً أن يقوض نفوذ “أوبك” ككارتل. وحصل آخر انخفاض كبير في الأسعار خلال جائحة “كوفيد-19″، عندما انخفض خام برنت إلى 51 دولاراً للبرميل.

وفي إيران، لن تخفف زيادة صادرات النفط غير المشروعة (على افتراض أن العقوبات لا تزال قائمة) من عبء الإيرادات الحكومية المحدودة بالقدر نفسه كما تفعل اليوم. ومن بين العواقب الأخرى، قد يؤدي ذلك إلى موجة أخرى من السخط الاقتصادي والاحتجاجات الجماهيرية.

وبالنسبة للسعودية، أكبر منتج في المنطقة، يُعتبر ارتفاع الأسعار ضرورياً لتمويل مشروع “رؤية 2030” الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فانخفاض الإيرادات سيعني على الأرجح تأخير يصعب تبريره نظراً لجميع الوعود المقطوعة حتى الآن. ومن المفارقات أن الهدف من الثروة النفطية السعودية قد أصبح اليوم إبعاد المملكة عن الاعتماد على النفط على المدى الطويل.

ومن المحتمل أن تكون عائدات منتجي الغاز الطبيعي الرئيسيين مثل قطر، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات في العالم بعد روسيا وإيران، أقل تأثراً نظراً لضعف الارتباط بين أسعار النفط والغاز. لكن حقل الغاز الرئيسي في إيران ليس مستغلاً بما يكفي، ولن يشكل بالتالي حاجزاً واقياً إذا انخفضت عائدات النفط. أما الإمارات فقد تكون محمية إلى حد ما بما أنها تحاول زيادة صادراتها من الغاز.

ولا تزال روسيا منتجاً رئيسياً للنفط وقد تتأثر بشدة خلال السنوات القليلة المقبلة، لا سيما إذا استمرت الحرب الأوكرانية والعقوبات. أما الصين فتُعد مستورداً بشكل أساسي، وقد تستفيد من بعض المزايا نتيجة لذلك.

لماذا من المتوقع أن يستقر الطلب على النفط؟

بصرف النظر عن تحوّل العالم من المركبات التي تعمل بالوقود إلى المركبات الكهربائية، فإن الدول الرئيسية في الشرق الأوسط مثل السعودية تتحول إلى الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء. ومن المفارقات أن ذلك يترك أيضاً المزيد من النفط متاحاً للتصدير. وذكرت «الوكالة الدولية للطاقة» أيضاً أن الانخفاض المتوقع في معدل النمو الاقتصادي في الصين يكبح الطلب على النفط.

لكن كما أشارت الوكالة بذاتها، يمكن لانخفاض أسعار النفط أن يجعل السيارات التي تعمل بالوقود أرخص وأكثر جاذبية. فالهند، صاحبة أكبر اقتصاد نامٍ في العالم، تعمل بالفعل على زيادة استخدامها لهذه المركبات. ويمكن لأي انخفاض في معدل نمو السيارات الكهربائية أن يكون له تأثير أيضاً.

وفي الواقع، سيتم اختبار توقعات «الوكالة الدولية للطاقة» في الأشهر المقبلة بينما يُصْدِر باحثون آخرون توقعاتهم الخاصة. لكن بغض النظر عما ستؤول إليه حسابات العرض والطلب، يجب على حكومات الشرق الأوسط أن تعيد حساباتها المتعلقة بالنفط – سواء اعترفت بذلك أم لا. فاقتصاداتها، وبالتالي قوتها المحلية والإقليمية، تعتمد على اتخاذها قرارات متبصرة قبل عام 2030 بوقت طويل.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/energy/39215

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M