تشير التوقعات إلى أن يصل عدد سكان مصر إلى 151 مليون نسمة في عام 2050، بناءً على تقرير منظمة الأغذية والزراعة، وترتفع تبعًا لذلك نسبة سكان الحضر من السكان، حيث سيستهلك السكان الأكبر والأثرياء والمتحولون إلى المدن المزيد من الأطعمة عالية الجودة، على وجه الخصوص، اللحم والبيض والحليب. بما يشير إلى النظرة المستقبلية الإيجابية لنمو قطاع الثروة الداجنة في مصر، استجابة لارتفاع الاستهلاك المحلي للدواجن، بما يعزز قدرة مصر على تصدير منتجات الدواجن.
وقد أدت التطورات الأخيرة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية سواء ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والارتفاع الكبير في تكاليف العلف، وانخفاض قيمة العملة؛ إلى الضغط على هوامش ربح أصحاب مزارع الدواجن، مما يسهم بدوره في تضخم أسعار المواد الغذائية، لترتفع أسعار الدواجن في مصر إلى معدلات إلى مسبوقة.
يأتي هذا المقال ليقدم لمحة سريعة حول الأزمة الحالية لقطاع الدواجن، وتحليل أبرز مسببات الأزمة، ثم ينتقل لإعطاء لمحة حول واقع صناعة الدواجن في مصر، وتقييم الإجراءات الحالية لحل الأزمة، وهل تعد هذه الإجراءات كافية لحل الأزمة؟ وما هي الإجراءات التي يمكن أن تسهم في حل الازمة؟
حجم وواقع القطاع في مصر
يمثل قطاع الدواجن في مصر أحد القطاعات التشغيلية والصناعية الكبرى، يعمل بها نحو 3 ملايين عامل بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق خدمات التوصيل والنقل وغيرها من الخدمات المرتبطة بالصناعة، ويبلغ حجم الاستثمارات في صناعة الدواجن في مصر حوالي ١٠٠ مليار جنيه.
ويبلغ إجمالي عدد المنشآت الداجنة في مصر حوالي ٣٨ ألف منشأة، تشمل: مزارع – مصانع أعلاف – مجازر – منافذ بيع أدوية بيطرية ولقاحات. وترتكز أعداد المزارع في الدلتا، حيث تستحوذ محافظ الشرقية على العدد الأكبر من مزارع الدواجن بإجمالي 5800 مزرعة، تلتها محافظة القليوبية بإجمالي 2500 مزرعة (عام 2021). ويشير الشكل التالي إلى التوزيع الجغرافي لمزارع الدواجن لأعلى 5 محافظات من حيث أعداد المزارع.
وعلى مستوى الانتاج، يبلغ إجمالي حجم إنتاج القطاع التجاري من الدواجن في مصر حوالي ١,٤ مليار طائر، بينما ينتج القطاع الريفي حوالي ٣٢٠ مليون دجاجة، وتنتج مصر حوالي ١٤ مليار من بيض المائدة. وأنتجت محافظة البحيرة الحجم الأكبر بإجمالي 18.1 ألف طن من اللحوم البيضاء خلال عام 2021، ثم القليوبية بإجمالي 16.65 ألف طن، وتأتي محاظفة الإسماعيلية بإجمالي 15.25 ألف طن.
وعلى مستوى مدخلات الإنتاج في مصر، يبلغ عدد مصانع الأعلاف 496 مصنعًا، موزعة على مستوى 24 محافظة، وتستحوذ الشرقية والبحيرة والغربية على العدد الأكبر منها. وهذا ما يشير له الشكل التالي:
الأزمة الحالية لقطاع الدواجن:
شهدت أسعار الدواجن والبيض في مصر عددًا من الارتفاعات المتتالية بداية من شهر أكتوبر من عام 2022، لتصل إلى ذروتها في منتصف شهر فبراير من عام 2023، ليتخطى السعر 93 جنيهًا للكيلو في منتصف فبراير لعام 2023 مقارنة بنحو 54 جنيهًا خلال شهر مارس من عام 2022. وتجاوز سعر الكيلو في الفيوم والإسكندرية نحو 108 جنيهات للكيلو. وعلى مستوى الدواجن البيضاء، فقد ارتفع السعر من 41.3 إلى 81 جنيهًا للكيلو خلال نفس الفترة. وهو ما تشير إليه بيانات الشكل التالي.
وبالنسبة إلى سعر البيض الأبيض، فقد قفزت أسعاره من نحو 57 جنيهًا للكرتونة، لتصل إلى 105.1 جنيهات خلال الفترة من (مارس 2022- فبراير 2023) وفقا للشكل التالي:
وقفز سعر الكتكوت من جنيهين للكتكوت في ديسمبر ليتجاوز ما قيمته 28 جنيهًا للكتكوت الواحد، وهذا ما يشير له الشكل التالي. ويرجع هذا نتيجة أزمة الأعلاف التي بدأت في أكتوبر 2022، وعدم توافر غذاء كافٍ بما دفع المزارع إلى إعدام آلاف الكتاكيت.
أهم الأسباب وراء ارتفاع الأسعار
إن صناعة الدواجن المصرية تحتاج إلى حوالي 900 ألف طن من المواد الخام شهريًا، لذا يواجه المنتجون تكاليف مرتفع من مدخلات الإنتاج من الأعلاف عالية التكلفة، فقد شهدت ارتفاعًا بنسبة 40-45٪، حيث وصل سعر الأعلاف إلى 16-17 ألف جنيه للطن بدلا من 7400 جنيه، وبلغ سعر طن الذرة الصفراء نحو 11 ألف جنيه مقارنة بنحو 4 آلاف جنيه خلال العام الماضي، وقد تضاعف سعر فول الصويا ليصل إلى نحو 26 ألف جنيه مقارنة بنحو 9 آلاف جنيه.
وجدير بالإشارة أن مصر تعاني من عجز كبير في زراعة الأعلاف مثل: الذرة، والذي يتوقع زيادته إلى 11.7 مليون طن بحلول عام 2025. وقد حاولت الحكومة خفض تكاليف العلف من خلال التصريح بزراعة نحو 40 ألف هكتار إضافية من الأراضي لإنتاج الذرة الصفراء (المستخدمة كعلف) في عام 2018، فضلًا عن العمل على تحسين الغلة. ومع ذلك، يتوقع نمو إنتاج الذرة المحلي بنسبة 2.2٪ فقط على أساس سنوي حتى عام 2025، وهو ما سيحسن بشكل هامشي المعروض من العلف.
وكذلك أسهم تحرير سعر صرف الجنيه وبلوغ معدلات التضخم في مصر معدلات قياسية هي الأعلى منذ 5 سنوات، إلى جانب تشديد إجراءات الاستيراد، في تفاقم الأزمة ورفع أسعار مدخلات الإنتاج لمعدلات غير مسبوقة تاريخيا.
تقييم التحركات الأخيرة لأحتواء الأزمة
دفعت الأزمة الحالية لصناعة الدواجن الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير وذلك على عدة مستويات، بداية من تقليل أثر ارتفاع الأسعار على المواطن عبر توفير بدائل مستوردة منخفضة السعر في منافذ أهلا رمضان، ومنافذ توزيع القوات المسلحة، أو سلاسل المحال الكبرى، بجانب توفير البيض بأسعار منضبطة للحد من تفاوت الأسعار.
وتم البدء في الإفراج التدريجي عن الأعلاف في الموانئ المصرية؛ لتوفير التغذية اللازمة للثروة الداجنة في مصر. وقد صدر قرار بإعفاء مزارع الدواجن من الضريبة العقارية لمدة ثلاث سنوات؛ وذلك بهدف خفض التكاليف الإدارية المفروضة على الصناعة. وأعلنت وزارة التموين -في محاولة منها للتدخل بشكل عاجل لحل الأزمة- عن إجراء مناقصة لتوريد الذرة الصفراء للهيئة العامة للسلع التموينية، بما يسهم في توفير الأعلاف لمزارع الدواجن وصغار المربيين. كل تلك الإجراءات جاءت بالتزامن مع عقد عدة لقاءات مع منتجي الدواجن مع المسؤولين.
لا يمكن إغفال حدوث تراجع في الأسعار بشكل تدريجي خلال الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2023، ولكن على الرغم من تلك التحركات فإن المعنيين بصناعة الدواجن يرون أنها غير كافية لحل الأزمة بشكل جذري؛ بالنظر إلى أن دورة الإنتاج تستغرق وقتًا حتى تسترد الصناعة عافيتها وتعود بكامل طاقتها، بالإضافة إلى أنها تتزامن مع ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي لاقتراب شهر رمضان.
مستقبل صناعة الدواجن في مصر
تعد النظرة المستقبلية لقطاع الدواجن في مصر إيجابية، لما يمتكله من مقومات؛ فمن المتوقع أن يتسارع نمو الإنتاج خلال الخمس سنوات المقبلة، ليزداد من من 1.4 مليون طن في عام 2021 إلى 1.7 مليون طن في عام 2025 ، بمتوسط نمو يبلغ 4.2٪ على أساس سنوي. وتتوقع مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني ارتفاع الاستثمارات الموجهة إلى قطاع الدواجن بما قد يسهم في زيادة الطاقة الإنتاجية خلال السنوات القادمة.
وكان الاستثمار مدفوعًا بزيادة الاستهلاك المحلي والقدرة المتجددة لصادرات الدواجن المصرية. نتيجة لهذا الاستثمار، نتوقع التوسع في المزارع التجارية واسعة النطاق والعمليات المتكاملة رأسيًا. الأمر الذي قد ينعكس على رفع معدلات الاكتفاء الذاتي من الدواجن في مصر في الأجل المتوسط حتى عام 2027 وفقًا لتقرير مؤسسة فيتش الخاص بتوقعات الربع الثاني من عام 2023. ويشير الشكل التالي إلى نسبة الاكتفاء الذاتي من الدواجن في مصر، خلال الفترة (2019- 2027).
ختامًا، يمكن القول إن قطاع الدواجن في مصر من أهم الصناعات التى تسهم فى تحقيق الأمن الغذائي وتوفير البروتين الحيواني، وقد شهدت نموًا واتساعًا كبيرًا على مدار الثلاثين عامًا الماضية، مع الإشارة إلى توقعات نمو مستقبلية وفرص تصديرية واعدة. وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية قد أعاقت هذا النمو بشكل مرحلي وحالت دون توسعها بالشكل المطلوب لتحقيق معدلات الاكتفاء الذاتي؛ فإنها كانت في الوقت ذاته درسًا كاشفًا بشكل كبير للمشكلات التي تواجهها الصناعة بما يدفع إلى اتخاذ إجراءات تحول دون تكرارها مثل العمل على تعزيز الإنتاج المحلي من الأعلاف، وتقديم تسهيلات للتوسع في الاستثمارات في هذه الصناعة.
.
رابط المصدر: