وضع الاقتصاد التركي بعد الانتخابات ومستقبل الخطة الاقتصادية لأردوغان: في انتظار «الخلاص السريع»

  • بدأت الحكومة التركية برنامجها الاقتصادي الجديد قبل نحو عام، وهو برنامج طموح يمكنه إنقاذ تركيا في خلال 3 سنوات من أزمتها الحالية إلى وضع مستقر، لكن البرنامج يفتقد حتى الآن إلى عنصرين أساسيين، هما: وصول الاستثمارات الأجنبية، وترشيد الإنفاق الحكومي. 
  • في ظل تعرُّض الخطة الاقتصادية الإصلاحية في تركيا إلى تحديات ومصاعب كبيرة، فإن الحصول على النقد الأجنبي هو الأولوية حالياً عن وصول أسعار الفائدة إلى سقفها الأعلى. وسيكون هذا الصيف الفرصة الأخيرة لتوفير النقد الأجنبي من مصادر طبيعية للحكومة، وإلا فإن حاجتها للديون والاستثمارات ستغدو أكثر إلحاحاً.
  • في حال نجاح الرئيس أردوغان في تحقيق توافق سياسي مع المعارضة، قد يلجا إلى صندوق النقد الدولي أو سيناريو “الخلاص السريع” بتحرير سعر الليرة بشكل كامل أو شبه كامل، وهذا سيعني تغييراً مهماً في الخطة الاقتصادية، سيؤدي إلى تغيير كبير في تسعير الشركات والبضائع في تركيا.

 

بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو 2023، تخلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استراتيجيته الاقتصادية القائمة على خفض سعر الفائدة، وعاد بفريق اقتصادي جديد، وخطة اقتصادية جديدة تُوافِق قواعد الاقتصاد الحر العالمي وتوجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين. بفضل ذلك بدأت المؤشرات الاقتصادية تتحسن نهاية عام 2023، لكن الخطة الاقتصادية الجديدة تعثَّرت بداية العام الحالي بسبب اقتراب الانتخابات البلدية 31 مارس 2024، وعدم الحد من الإنفاق العام، وتأخر وصول الاستثمارات الأجنبية.

 

تُلقي هذه الورقة نظرة على وضع الاقتصاد التركي بعد الانتخابات، ومستقبل الخطة الاقتصادية بعد أن تحررت الحكومة من ضغط الانتخابات ونفقاتها.

 

وضع الاقتصاد قبل الانتخابات البلدية 

في خلال ثمانية أشهر من تطبيق الخطة الاقتصادية الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي، نجحت الحكومة في تعديل العديد من مؤشرات الاقتصاد، من طريق التحرير الجزئي لسعر الليرة، وزيادة سعر الفائدة تدريجياً. وخُفِّضَت إيداعات صندوق الادخار بالدولار من 140 مليار دولار إلى 70 مليار دولار. ونجح البنك المركزي في تعزيز احتياطاته ورفعها من سالب 77 مليار دولار إلى سالب 48 مليار دولار.

 

إلا أنه، واعتباراً من بداية العام الحالي، ومع إقالة محافظ البنك المركزي السيدة حفيظة أركان، وعودة الرئيس أردوغان إلى زيادة النفقات الحكومية استعداداً للانتخابات البلدية، ومع تعيين فاتح كاراهان محافظاً جديداً للبنك المركزي، تراجعت ثقة الأسواق المحلية في استمرار البرنامج الاقتصادي الجديد واستدامته، وزادت احتمالات وتخمينات تحرير سعر الليرة من جديد كما حدث بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وعليه عاد الطلب من جديد على الدولار في تركيا، واضطر البنك المركزي إلى بيع مزيد من احتياطاته – بعد أن كان يجمعها ويزيدها – حتى تراجع مستوى الاحتياطات فيه قبل الانتخابات البلدية إلى ما كان عليه تقريباً قبل الانتخابات الرئاسية (نحو سالب 68 مليار دولار).

 

ومن أجل منع تراجع احتياطاته، اضطر البنك المركزي إلى رفع نسبة الفائدة في اجتماعه نهاية مارس الماضي إلى 50%، ومع هذه الخطوة، ارتفع سعر الفائدة في البنوك المحلية على الودائع إلى 56%، بينما زاد سعر الفائدة على القروض الشخصية وبطاقات الائتمان إلى 80-100%، والقروض التجارية إلى 60%، وذلك من أجل الحد من الإنفاق سعياً لخفض معدل التضخم.

 

ويعتقد وزير المالية محمد شيمشيك، وفق كثير من المحللين الاقتصاديين، أنه مع كبح الانفاق والقروض، والمحافظة على سعر الليرة مدعومة، فإنه يمكن خفض التضخم. وقبل الانتخابات لم تلجأ الحكومة إلى زيادة الضرائب لسد العجز في ميزانيتها، كما لم تلجأ إلى خفض الإنفاق الحكومي من أجل دعم الحزب الحاكم في الانتخابات. لكن في المقابل لم يستطع الرئيس أردوغان الوفاء بوعده في الانتخابات الرئاسية الأخيرة برفع أجور المتقاعدين، بسبب العجز الكبير في الميزانية. وفي محصلةٍ لجميع هذه التطورات، فإن معدل التضخم لم يتراجع، بل استمر في الازدياد، لكنه بقي في حدود ما تتوقعه الحكومة بزيادة شهرية عند 3%.

 

الوضع بعد الانتخابات البلدية 

بعد الانتخابات أكد الرئيس أردوغان التزامه بالخطة الاقتصادية الجديدة، وأدلى محافظ البنك المركزي الجديد بعدة تصريحات تؤكد دعم سعر الليرة التركية وعدم تحريره كما حصل بعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما حسّن وضع النقد الأجنبي في تركيا نسبياً مع عودة الثقة نسبياً والتأكد من أنه لن يتم تحرير سعر الليرة.

 

ومن ثمّ فإن الطلب الداخلي على الدولار تراجع، وكذلك بدأ دخول بعض الاستثمارات الأجنبية، وإن كان جزء مهم منها عبارة عن اتفاقيات تبادل SWAP مع بنوك أجنبية، لكن في الحصلة دخل تركيا بعد الانتخابات البلدية وحتى الآن نحو 7 مليارات دولار.

 

أدلى محافظ البنك المركزي التركي الجديد، فاتح كاراهان، بعدة تصريحات تؤكد دعم سعر الليرة التركية وعدم تحريره (AFP)

 

السيولة الأجنبية وسياسة الفائدة النقدية في البنك المركزي 

الحصول على النقد الأجنبي أكبر مشكلة تواجه تركيا الآن، إذ إن الديون المستحقة على تركيا خلال عام واحد ارتفعت إلى رقم قياسي بلغ 227.5 مليار دولار، يضاف إلى ذلك 24-34 مليار دولار عجز في ميزان التجارة الخارجية متوقع في خلال العام المقبل. في المقابل فإنه منذ بداية العام وحتى الآن فإن إقبال المستثمرين الأجانب على شراء أسهم البورصة التركية وسندات الحكومة بالليرة التركية ما زال ضعيفاً عند 3.5 مليار دولار و2.9 مليار دولار بالترتيب، وهي أرقام لا تُسعِف تركيا حالياً.

 

وتعهَّد البنك الدولي بتخصيص مبلغ 35 مليار دولار ديوناً لتركيا في خلال السنوات الثلاث المقبلة، من أجل المساعدة في إعادة الإعمار في مناطق الزلزال، لكن هذه المبالغ ستكون مخصصة للمشاريع كل على حدة ولن تتسلمها الحكومة دفعة واحدة. فيما تعهَّد بنك التنمية الإسلامي بتقديم قرض لتركيا بقيمة 6.3 مليار دولار من أجل مشاريع إعادة الإعمار أيضاً.

 

وحتى الآن لم يُعلَن عن تمديد الوديعة السعودية التي حصلت عليها تركيا العام الماضي، والبالغة قيمتها 5 مليارات دولار. وبالمثل، فإن اتفاقيات التبادل المالي SWAP التي نفذتها تركيا مع الصين وكوريا الجنوبية العام الماضي لم تمدد. كما أن الحكومة التركية ترفض تقديم أي إيضاحات أو تصريحات عن ديون روسيا المستحقة هذا العام عن الغاز الروسي الذي اشترته تركيا العام الماضي، ويُخمَّن سعره عند 24 مليار دولار.

 

في المقابل، ثبَّت البنك المركزي التركي سعر الفائدة في اجتماع أبريل الماضي عند 50% ولم يرفعها، مع تسريب أخبار في الإعلام بأن البنك كان ينوي رفع سعر الفائدة إلى 52.5%، لكن الرئيس أردوغان رفض ذلك بسبب اقتراب الحركة التجارية من الشلل جراء ارتفاع الفائدة البنكية. فيما كشفت وسائل إعلام تركية نقلاً عن مصادر في البنك المركزي البريطاني، أن البنك المركزي التركي استعاد على دفعات خلال العام الماضي احتياطاته من الذهب التي كان وضعها في البنك المركزي في لندن وحجمها نحو 64 طناً، وأنه باع منها حتى الآن 50.4 طن للسوق المحلية لشراء الدولار.

 

ويبدو أن البنك المركزي سيستمر لنحو شهرين في الاعتماد على بيع الذهب وجمع الدولار من السوق المحلي وعمليات التبادل SWAP من الداخل والخارج، من أجل توفير نقد أجنبي يدعم به الليرة التركية دون الاحتياج لرفع سعر الفائدة، منتظراً دخول فصل الصيف حيث تقل أسعار الخضار والفواكه، ويبدأ دخول موسم السياحة وربما الحصول على استثمارات أجنبية، وبالتوازي مع ذلك سيستمر البنك في دعم سعر الليرة من أجل خفض التضخم. لكن لهذا الأمر جانباً سلبياً وهو تبديد آخِر احتياطات البنك المركزي سواء من الدولار أو الذهب، وكذلك رفع قيمة الليرة التركية على نحوٍ يجعل تركيا بلداً غاليةً نسبياً أمام السياح. بل إن عدة محللين اقتصاديين بدأوا في إعلان تركيا إحدى أغلى الدول في العالم بسبب رفع سعر الليرة، وأن المواطنين بدأوا يتجهون لشراء المنتجات الإلكترونية من الخارج لأن سعرها يكون أقل من سعرها في تركيا بفارق العملة.

 

الاقتصاد الحقيقي ونسبة الرفاه الاجتماعي

تتمثل أهم أسباب تفاقم التضخم في زيادة الطلب المحلي، والعجز في ميزان التجارة الخارجي بصورة تؤثر في سعر الدولار محلياً، وزيادة الإنفاق الحكومي وطبع الليرة لتوفير الطلب المحلي، وتراجُع النقد الأجنبي. ويركز وزير المالية، أساساً، على ضبط الإنفاق محلياً، كما تركز سياسة الرئيس أردوغان على تثبيت سعر الليرة ما أمكن. ولكلٍّ من هاتين السياستين انعكاسات سلبية على الرفاه الاجتماعي. بينما العامل الأهم ربما هو الإنفاق الحكومي الذي ترفض الحكومة حتى الآن خفضه، خصوصاً في مخصصات مديري الإدارات في الوزارات، وكذلك نفقات القصر الرئاسي.

 

من المشكلات المهمة أيضاً، والتي لا تتعامل معها الحكومة بجدية، فقدان الثقة في حقيقة ودقة أرقام التضخم التي يُفصَح عنها من قبل الحكومة، إذ بينما أعلن معهد الإحصاء التركي أن نسبة التضخم في تركيا السنوية بعد شهر أبريل بلغت نحو 70%، فإن مجموعة ENAGrup المكونة من اقتصاديين مستقلين يتابعون حركة التضخم أشارت إلى أن التضخم الحقيقي بلغ 124%.

 

وهناك اتساع الفارق بدرجة كبيرة بين أرقام تضخم تكلفة التصنيع وأرقام تضخم البيع والتسعير، وهو ما يدفع المواطنين للإيمان بأن أسعار السلع ستستمر بالارتفاع شهرياً، لذا فإن مِنهم مَن يتوجه إلى “تخزين” السلع وشراء كميات كبيرة منها عندما يتوفر عنده النقد من أجل تجنُّب شرائها لاحقاً بسعر أكبر، وهو ما يزيد الطلب. ومع زيادة سعر الليرة اصطناعياً (كان سعر الليرة في منتصف مايو عند 33 ليرة للدولار، بينما سعرها الحقيقي يجب أن يكون عند 44 ليرة للدولار وفق حسابات الاقتصاديين القائمة على حساب التضخم والعجز التجاري)، فإن زيادة الغلاء المعيشي في تركيا في تسارع كبير وبات ذلك يؤثر يومياً في الموظفين وأصحاب الدخل المحدود.

 

الحصول على النقد الأجنبي، ومنع تدهور سعر الليرة، أكبر معضلة مزدوجة تواجه تركيا حالياً (Shutterstock)

 

هذه السياسة تؤثر في قطاع السياحة وكذلك المصدرين، وهذا الأمر إذا استمر حتى نهاية فصل الصيف الحالي فقد تظهر إفلاسات أو ديون معدومة غير قابلة للسداد من شركات هذين القطاعين. في أزمة مشابهة عاشتها تركيا عام 2019 بلغت نسب الديون غير القابلة للسداد نحو 6%، وإن عادت هذه النسبة إلى أقل من 2% حالياً، لكن مع زيادة نسبة القروض وبالسعر العالي الحالي بنسبة 60% هذا العام، فإن رقم 2% قد لا يصمد وربما يعود للارتفاع بدرجة كبيرة، وهذا يهدد بإفلاسات وزيادة البطالة.

 

أمام هذه التحديات والصعاب، ترتفع أصوات محللين اقتصاديين ومسؤولين سابقين، تطالب وتقترح سيناريو “تعجيل الأزمة والانتهاء منها بدلاً من إطالة عمرها بالتقسيط”. والمقصود هنا، هو المطالبة بتحرير سعر الليرة كلياً، مع توقع أن يقفز سعرها حينها إلى 50 ليرة للدولار، لكن بعد تأكد الأسواق من شفافية أرقام الحكومة وعدم التدخل في سعر الليرة، ستعود الأمور تدريجياً لطبيعتها ويتراجع الطلب على الدولار، ويرجح أن يستقر سعر الليرة عند 44 للدولار في خلال شهرين من تحريرها، بل وربما تتراجع إلى 38 للدولار في حال شجَّع هذا القرار “الشجاع” المستثمرين الأجانب. وعليه، فإن التضخم أيضاً سيزداد بسبب تراجع سعر الليرة، لكن بعد ذلك يمكن البدء بعملية تعافي مضمونة وأسرع، وإن كانت أقسى على المواطن، لكنها ستُعطي عالم الاقتصاد والمال أملاً في تاريخ معين لتخطي الأزمة الحالية، بدلاً من حالة عدم اليقين الحالية التي لا تساعد على الحل. إلا أنّ الأوساط المقربة من الرئيس أردوغان تقول إنه لا يمكن تطبيق هذا “السيناريو الصعب والقاسي” إلا في حال توافق مع المعارضة وتحقيق تفاهمات سياسية على إصلاحات جذرية في تركيا، حتى لا يتحمل الحزب الحاكم وحده تبعات هذا السيناريو سياسياً وشعبياً.

 

من هنا بدأ الرئيس أردوغان محاولة طرق هذا الباب من خلال إعلانه ما سماها “بداية عهد التهدئة السياسية” عبر لقائه مع زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، وبدء رئيس البرلمان نعمان كورطولمش – المحسوب على الحزب الحاكم وبأمر من الرئيس أردوغان – جولات على أحزاب البرلمان من أجل بحث مشروع كتابة دستور جديد لتركيا، وهو أمر يحتاج إلى توافق سياسي واسع وتعاون المعارضة مع الحكومة، بحجة تحقيق إصلاحات ديمقراطية ضرورية وأخرى اقتصادية تنتشل تركيا من وضعها الحالي، وتزيد ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي.

 

وتحقيق الرئيس أردوغان لهدفه هذا منوط بقدرته على منح المعارضة تنازلات سياسية مهمة على رأسها تعديل نظام الحكم الرئاسي، وهو أمر يعارضه حليفه حزب الحركة القومية وقد يؤثر في صلاحيات الرئيس أردوغان. لذلك فإن هذا السيناريو يبدو صعباً حالياً، وعلى الأغلب فإن البنك المركزي سيعمل على شراء مزيد من العملة الصعبة لتدعيم احتياطاته ورفعها، بما يَزيد من ثقة شركات الائتمان الدولية والمستثمرين الأجانب بأن لدى البنك المركزي التركي احتياطياً كافياً من العملة يضمن للمستثمر أن يستطيع سحب استثماراته بالعملة الصعبة في أي وقت شاء، وهو ما قد يتحقق في حال استطاع البنك المركزي جمع نحو 30 إلى 40 مليار دولار إضافية، وحينها يمكن للرئيس أردوغان تنفيذ هذا السيناريو القاسي منفرداً بسبب توفر الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي سيحُول دون حصول قفزة كبيرة جداً في سعر الدولار، وإنما قفزة محدودة يمكن تلافي آثارها. لكن جمع هذا المبلغ من النقد الأجنبي يبدو صعباً أيضاً. لذا فإن الاحتمالات تبقى مفتوحة حتى الآن بانتظار وصول الاستثمارات الخليجية أو تحقيق موسم سياحي جيد هذا الصيف.

 

في المقابل حاول وزير المالية محمد شيمشيك بحث إمكانية حصول أنقرة على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 65 مليار دولار، وذلك في أثناء زيارته لواشنطن منتصف شهر أبريل الماضي، دون الإعلان عن هذه المفاوضات التي بقيت سرية، لكن هذا الأمر يحتاج إلى دعم واشنطن السياسي أولاً، وتهدئة الأوضاع السياسية الداخلية في تركيا ثانياً، لأن هذه الخطوة ستستنزف من شعبية الرئيس أردوغان الذي تعهَّد سابقاً بعدم اللجوء إلى صندوق النقد.

 

مستقبل الاستثمارات المالية السريعة في الوضع التركي الراهن 

مع ارتفاع أسعار الفائدة، فإن الحركة التجارية تتباطأ بشدة، وعليه فإن بيع العقارات يتراجع بشكل كبير ويتجه لحركة تصحيحية في الأسعار على الليرة، وانخفاض مهم مقابل الدولار. لذلك فإن الخبراء ينصحون بتأجيل شراء العقار أو الاستثمار فيه في تركيا حتى الخريف المقبل بعد أن ييأس أصحاب العقارات من بيع العقارات بأسعار عالية للمغتربين الذين يزورون تركيا في خلال الصيف، ويتأكدون من أن السيولة المالية في السوق تراجعت، مما سيضطر الجميع لخفض الأسعار بشكل كبير مع قرب نهاية العام الجاري.

 

ملاحظة: الخط الأخضر: القروض التجارية؛ الخط الأحمر: الفائدة على الإيداع بالليرة؛ الخط الأزرق: القروض الشخصية.

 

وفي حال الاعتماد على سياسة وزير المالية محمد شيميك القائمة على حماية سعر الليرة ورفع الفائدة، فإنه بات من الممكن للمستثمر الأجنبي أن يُجرِّب المخاطرة بشراء السندات الحكومية التركية أو إيداع المال في البنوك التركية، من أجل الحصول على نسبة فائدة سنوية تصل الآن بين 55-60% وفق حجم المبلغ. لكن من الأفضل ربط هذه الإيداعات أو السندات لفترات قصيرة بين 6 أشهر إلى عامين فقط، حيث ستفقد الأرباح جزءاً من قيمتها عند سحبها وتحويلها إلى الدولار من جديد مع احتمال تراجع سعر الليرة تدريجياً لتصل إلى 37 ليرة للدولار نهاية العام، و46 ليرة نهاية عام 2025 (هذا في حال استطاعت تركيا الاستمرار في برنامجها الحالي بنفس الوتيرة، ووجدت ما يكفي من احتياطات أجنبية لبيعها ودعم سعر الليرة).

 

لكن في مقابل هذه المجازفة، هناك مجال الاستثمار للأجانب في صندوق الإيداعات المحمي بالدولار في البنوك التركية، والذي يقدم نسبة فائدة أقل، تصل إلى 40% فقط، لكنه يقدم حماية مهمة للمستثمر عند سحب أمواله من خلال تعويضه عن خسارته النابعة من تغير سعر الدولار بين الإيداع والسحب، لهذا يبدو الاستثمار في هذا الصندوق مضموناً ونسبة أرباحه جيدة جداً.

 

وتُشكِّل الفترة القصيرة الحالية (من الآن حتى شهر يوليو) الفرصة الأهم، إذ إن الحكومة حتى وإن اضطرت لرفع الفائدة قليلاً الشهر المقبل – في حال لم تجد مصدراً للنقد الأجنبي تحمي به سعر الليرة – فإنها تخطط لخفض سعر الفائدة إلى 35% بأسرع وقت ممكن، وهذا الوقت قد يكون في خلال أشهر الصيف التي يتوفر فيها النقد الأجنبي من السياحة، هذا بالطبع في حال كان الموسم السياحي جيداً على رغم ارتفاع الأسعار هذا العام في القطاع السياحي التركي مقارنة بغيره من الأسواق السياحية بسبب دعم سعر الليرة.

 

أما بالنسبة للاستثمارات الكبيرة من خلال شراء الشركات أو المصانع أو الفنادق أو أسهم فيها، فهو أمرٌ لا يزال يعتمد على مدخول هذا المشروع، وعلى سبيل المثال فإن مشاريع الموانئ التي تتعامل مع السفن الأجنبية بالعملة الصعبة لن تتأثر بالوضع الاقتصادي الحالي ويمكن الاستثمار فيها بأمان. لكن الشركات التجارية والسياحية في وضع صعب حالياً، وبسبب سعر الليرة المدعوم فإن محاولة شراء هذه الشركات حالياً ستكون صعبة لأن سعرها مقابل الدولار سيكون مرتفعاً، فضلاً عن أنه في حال استمرار الحكومة بدعم سعر الليرة ورفع الفائدة ستتراجع أرباح هذه القطاعات والشركات في تركيا.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/wade-alaiqtisad-alturki-baed-alaintikhabat-wamustaqbal-alkhuta-alaiqtisadia-li-ardughan

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M