جميل عودة ابراهيم
في إطار فكرة (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية) التي يرى المفكر الإسلامي السيد مرتضى الشيرازي أنها أفضل صيغ الإدارة والحكم الرشيد، وأكثر تكاملية من نظرية فصل السلطات الثلاثة، كونها تتضمن توزيع السلطات التنفيذية على عشر سلطات أصلية وعشر سلطات فرعية، بالإضافة إلى تطوير البنية الداخلية للبرلمان لتتكون من عشر برلمانات متوازية ومتعاونة بدلا عن برلمان واحد له لجان متعددة، أو برلمانين اثنين فقط.
يأتي السؤال الأهم عن أبرز الوظائف التي يمكن أن تقوم بها السلطات العشر والبرلمانات العشر، هل هي وظائف واسعة تضيق على الناس وتحد من حرياتهم وتمنعهم من ممارسة حقوقهم الشرعية والإنسانية؟ أم هي وظائف محددة لا يجوز للسلطات أن تتجاوزها إلى غيرها؟
الحكومة هي مجموع الهيئات التي تقود الدولة، وتُعرف بـ(السلطات العامة) وبذلك تشمل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد يُطلق معنى الحكومة على معناها الضيق وهي (السلطة التنفيذية) وحدها أي السلطة التي تقوم بتنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة، وهي تشمل الوزارات والهيئات والأقاليم والمحافظات وغيرها من الوحدات الإدارية التي تكون جزء من السلطة التنفيذية. وهذا المعنى شائع الاستعمال.
وللحكومة بهيئاتها المتعددة عدة وظائف أو مهمات ينبغي أن تؤديها، وهي تختلف من نظام سياسي إلى نظام سياسي آخر، ولعل أهم الوظائف الحكومية المتفق عليها هي وظيفة الدفاع عن البلاد ضد العدوان الخارجي، ووظيفة حفظ النظام والسلم الاجتماعي داخل الدولة، ووظيفة إدارة النظام الاقتصادي للدولة، والعمل على تنمية الاقتصاد، وضبط الأسواق من خلال تنظيم حقوق الملكية وحماية المستهلك، ووظيفة توزيع الاقتصاد عن طريق فرض الضرائب على الشركات والأفراد لاستخدام الحصيلة الضريبية في عمل مشاريع تفيد المواطنين، والعمل على مساعدة الأفراد الأكثر احتياجا في المجتمع، ووظيفة توفير الخدمات العامة التي لا يستطيع القطاع الخاص في معظم الدول توفيرها، مثل مرافق الماء والكهرباء والطرق وغيرها.
ومن أجل أن تقوم الحكومات بهذه الوظائف، فإنها تتقاسم فيما بينها تلك المسؤوليات، فتٌعطى مسؤولية الوظيفة التشريعية إلى (السلطة التشريعية) التي تعنى بوضع القوانين وهي قواعد قانونية عامة مجردة تنظم أمور الجماعة وتحدد ضوابط السلوك القانوني للحكام والمحكومين على السواء، ويتقرر جزاء على مخالفتها. وتُعطى مسؤولية الوظيفة التنفيذية إلى (السلطة التنفيذية) التي تعنى بتنفيذ تلك القواعد المنظمة لأمور الجماعة، وإنشاء وتسيير المرافق العامة بقصد أداء الخدمات الفردية للمحكومين. بينما تعطى الوظيفة القضائية إلى (السلطة القضائية) التي تعنى بمهمة الفصل في المنازعات التي يثيرها تطبيق القانون، سواء كانت هذه المنازعات نتيجة نشاط الأفراد فيما بينهم، أم كانت نتيجة مزاولة الدولة لنشاطها.
في إطار نظرية (السلطات العشر والبرلمانات العشر) يقسم السيد مرتضى الشيرازي وظائف الحكومة الأساسية إلى وظائف سياسية ووظائف قانونية وهي:
1. الوظائف السياسية:
تتمثل الوظائف السياسية للحكومة فيما يأتي:
أ. الأمن الداخلي: والمقصود به أن الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن المحافظة على أرواح المواطنين والمقيمين وكل من يدخل في حدود الدولة، وهي أيضا مسؤولة عن المحافظة على أموالهم من النهب والسلب والسطو، وهي أيضا مسؤولة عن توفير حقوق الناس الأخرى واستدامتها بما يعطي انطباعا مؤكدا أن كل من يعيش في هذه البلاد هو آمن ومطمئن على نفسه وعلى عياله وعلى أمواله، وله أن يمارس حقوقه كما يشاء دون قيود أو اعتداء، لا من أجهزة الدولة، ولا من المواطنين الأخرين. ويرى السيد مرتضى الشيرازي أن ذلك يتحقق عن طريق إيجاد مؤسسة أمنية رصينة للمحافظة على أرواح وأموال وحقوق الناس مثل تأسيس قوى الشرطة وحفظ النظام.
ب. الأمن الخارجي: والمقصود به أن الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن توفير الأمن على حدودها، والمحافظة على أرضها وشعبها من اعتداء الأعداء الخارجين، سواء كانوا دولا أو عصابات أو مهربين، فكثيرا ما يتعرض أمن المواطنين إلى اعتداء من جهات خارجية، أو بدعم أو تكليف من جهات خارجية، تريد زعزعة النظام والأمن والسيطرة على البلاد، إما عبر الاعتداء المسلحة، وإما عبر تهريب المخدرات أو تهريب الأسلحة أو بث أفكار هادمة من شأنها أن تعكر أجواء المحبة والوصال بين أبناء الوطن الواحد أو الأمة الواحدة. وعليه؛ تقع على الدولة مسؤولية حفظ النظام الخارجي عن طريق تقوية المنظومة العسكرية والأمنية الخارجية وتأسيس جيش قوي موحد له هدف واحد يحميه ويدافع عنه هو الوطن والمواطن.
ت. إقامة العدل بين الناس: وهي من المسؤوليات الأساسية التي ينبغي أن تقوم بها الحكومة، فمن دون أن تكون الحكومة عادلة في إجراءاتها مع مواطنيها أو غير هم لا يمكن أن تحقق الاستقرار النفسي والطمأنينة بل بالعكس تخلق حالات من الفوضى والاستقرار، وتدفع المواطنين للاستقواء بطرف على حساب طرف أخر. فاذا كان القضاء ينظر في نزاعات الناس، ويأخذ الحق من المعتدي، ويعطيه للمعتدى عليه، وثق الناس بالحكومة ولجئوا إليها وإلى قضائها العادل في كل نزاع أو مشكلة.
والعكس صحيح أيضا كلما وجد الناس أن القضاء ليس عادلا، وليس قويا، ولا يعطي حقوق الضعفاء بل هو قضاء خاضع خانع مجير لجئوا إلى غير القضاء للحصول على حقوقهم مثل اللجوء إلى العشيرة أو الجماعات الطائفية أو العرقية، وهو ما يقوض أركان الدولة ويهدد أمن مجتمعها
2. الوظائف القانونية: وهي بحسب المفكر الشيرازي تتمثل في الوظائف التشريعية
3. والتنفيذية والقضائية، فأما الوظائف التشريعية فلابد أن تشرع الحكومة القوانين من أجل توفير العمل والمتعة أو الرفاه وإعادة توزيع الثروة بالعدل عبر جمع الفيء لتوزيعه على الناس من جديد. وأما الوظائف التنفيذية فلابد أن تعمل الحكومة على تنفيذ وتطبيق كل ما تقوم بتشريعه وسنه على شكل قوانين وأنظمة وقرارات وتعليمات وإجراءات وتوجهات وكل ما يصدر عنها في هذا الشأن، بحيث لا يجوز أن تشريع أو تسن أو تصدر قانونا أو قرارا إلا ويأخذ مجراه في المجتمع، ويطبق على أفراده والمستهدفين منه.
وأما الوظائف القضائية فلابد أن يعمل القضاء على تنفيذ القوانين التي تصدرها الحكومة سواء كانت تتعلق بالمنازعات بين الناس أو بين الناس والهيئات الحكومة أو بين الهيئات الحكومية التي تختلف في تفسير القوانين والأنظمة والقرارات. ولا ينبغي أن يتنصل القضاء عنه مهماته في نفاذ القوانين وتطبيقها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي هدف سامي من أهداف تأليف الحكومات وسبب من أسباب وجودها. حيث لا يهم في الحاكم بالأساس إلا عدله الاجتماعي واستقامته في الحكم، ونزاهته وصدقه ووفائه، قال الإمام الرضا عليه السلام (إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز).
.
رابط المصدر: