د. أسعد كاظم شبيب
لا تزال القوى والمجموعات السياسية المعترضة على نتائج الانتخابات تواصل ضغوطها السياسية والقانونية والشعبية على المؤسسات الرسمية التي لها صله بمخرجات نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من تشرين الأول من عام 2021، فبعد الطعون التي قدمتها الكتل المعترضة الى الهيئة القضائية داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وأبرزها من قوى ما يعرف بالإطار التنسيقي الشيعي الذي تراجع بصورة كبيرة بالحصول على مقاعد تمثيلية داخل مجلس النواب العراقي.
وما ان بتت الهيئة القضائية بالطعون وارسلت نتائج الانتخابات الى المحكمة الاتحادية من اجل المصادقة حتى سارعت القوى المعترضة على النتائج بتقديم طعون أخرى للمحكمة الاتحادية العليا حتى ترفض نتائج الانتخابات ويصار الى حلول اخرى ابرزها إعادة الانتخابات او اجراء عد وفرز يدوي لكل المحطات والدوائر الانتخابية في العراق، وفي ذلك تطرح تساؤلات عن وظيفة المحكمة الاتحادية في النظر في الطعون من عدمها في ضوء الوظائف التي حددها الدستور النافذ لعام 2005 للمحكمة، وكذلك قانون المحكمة الاتحادية التعديل الاول (الامر رقم 30 لسنة 2005) المعدل بقانون رقم (25) لسنة 2021؟.
فعن وظائف المحكمة الاتحادية العليا التي حددها التعديل الأخير بقانون رقم (25) لسنة 2021 فقد اشارت المادة (4) من القانون بأن المحكمة الاتحادية تختص بما يلي:
أولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.
ثانيا: تفسير نصوص الدستور.
ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون لكل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن من الافراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعا: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية.
خامسا: الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الاقاليم او المحافظات.
سادسا: الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء. سابعا: التصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ثامنا: الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
ثامنا: الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم.
تاسعا: النظر بالطعن في قرار مجلس النواب الصادر على وفق صلاحياتها المنصوص عليها في المادة (٥٢) من دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥ وذلك خلال (٣٠) ثلاثون يوما من تاريخ صدوره.
ومن أعلاه، الملاحظ ان وظائف المحكمة الاتحادية فيما يخص الانتخابات ليس لها الا وظيفة واحدة وهي حسب الفقرة (سابعا) من المادة (4) وهي المصادقة على نتائج الانتخابات الحاصلة، الآن بعد ان أرسلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائج الانتخابات ان هناك ثلاثة طعون، وهي على النحو الآتي:
اولا: دعاوى تخص عدم دستورية فقرات في قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020
هذه الدعاوى مرفوعة من قبل قوى الاطار التنسيقي الشيعي بالطعن في بعض فقرات القانون على الرغم من انه اقر قبل اكثر من عام وصوتت عليه هذه القوى نفسها وصادق عليه بالمجمل رئيس الجمهورية ونشر في جريدة الوقائع العراقية بموجب الدستور النافذ، في قرار للمحكمة الاتحادية العليا كما ان هذه المحكمة غير مختصة بإلغاء التصويت على مشروعات القوانين التي تجري في مجلس النواب العراقي لأن اختصاصها منصوص عليه في المادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30 لسنة 2005) وفي المادة (93) من دستور جمهورية العراق وليس من ضمنها الغاء التصويت على مشروعات القوانين لدى مجلس النواب العراقي لذا فتكون الدعوى واجبة الرد شكلا وموضوعا للأسباب المتقدمة.
من جانب ثاني ذهبت القوى الخاسرة في الانتخابات الى عدم دستورية الغاء انتخابات الخارج التي كانت محل اثارة للشبهات في الانتخابات السابقة وأدركت القوى الخاسرة الآن ان انتخابات الخارج تمثل فرصة كبيرة في الحصول على مقاعد داخل مجلس النواب خصوصا في الجاليات المنتشرة في إيران وسوريا ودول أخرى.
القانون الذي جرت بموجبة انتخابات تشرين 2021 ألغى تصويت الخارج في حين ان الدستور العراقي النافذ أقر حق الانتخابات لكل العراقيين في داخل وخارج العراق دون ان يفصل على اعتبار ترك مسألة تنظيم الانتخابات بقانون يقره مجلس النواب لكل دورة انتخابية، محل الاعتراض على أساس ما بني على باطل فهو باطل وهذا محل اشكال كون أ/ الدستور نادى بحق التصويت لكنه ترك مسألة التنظيم للقوانين التي يشرعها مجلس النواب.
ب/ ان القانون ارتأى بعدم شمول تصويت الخارج لاعتبارات فنية وتنظيمية ولم يلغي تصويتهم داخل العراق اذا ما كان الراغب بالتصويت محدث بطاقته الانتخابية وهو ما تعمل به العديد من الدول وحتى العربية منها التي تجري بها انتخابات نيابية مثل لبنان حيث صوت المواطن اللبناني المغترب في الانتخابات الأخيرة داخل لبنان.
ج/ ان القانون لم يطعن به سابقا ولم يواجه الغاء تصويت الخارج ان يطعن من قبل أي قوة سياسية، ولم تذهب المحكمة الاتحادية الى عدم دستوريته فأتصور الموضوع محل البحث سياسي أكثر منه قانوني او دستوري، وتخرج المحكمة الاتحادية بتفسير وسطي في هذه المرحلة.
ثانيا: طعون تطالب بإلغاء نتائج الانتخابات او اجراء عد وفرز يدوي
طالبت قوى الاطار التنسيقي أيضا في ضوء ما عده خروقات وتغيير في النتائج بأن تلغى الانتخابات وتصار الى موعد اخر، واتصور هذه الدعوى محل جدل سياسي وقانوني كونها تأتي في ضوء إجراءات قانونية كثيرة منها ان مجلس النواب اقر الانتخابات وحل نفسه بعدها بمدة، ومن ثم أجريت الانتخابات بقانون اقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية، ومن ثم لا يوجد شيء في الدستور النافذ او القانون الذي أجريت بموجبه الانتخابات مسألة إعادة الانتخابات اقصى ما يكون بأن يكون هناك اتفاق سياسي بعد المصادقة على نتائج الانتخابات، وعقد جلسات مجلس النواب، ومن ثم الذهاب الى تحديد موعد اذا ما اتفقت الكتل السياسية وقبل هذا تحديد من رئاسة الوزراء والجمهورية الجديدين باقتراح موعد وارساله لمجلس النواب، ومن ثم تشريع قانون للانتخابات.
هذا الإجراءات ليس بالسهولة في ظل قبول كتلة كبيرة بنتائج الانتخابات ومعدلات الساحة العراقية السنية والكردية بالإضافة الى الكتلة الصدرية، والصعود الكبير للمستقلين، وقوى تشرين الاحتجاجية ولأول مرة في تاريخ العملية السياسية بعد التغيير من النظام الاستبدادي. اما اجراء عد وفرزي يدوي على الرغم من انه ليس من صلب اختصاصات ووظائف المحكمة الاتحادية لكنه مثلما يقال في المبدأ القانوني من ان المحكمة مثلما لها حق المصادقة لها حق الرفض، وان لم تكن مسألة الرفض واردة كونها غير محددة ومسببة في القانون على اعتبار ان النتائج مفلترة من قبل الهيئة القضائية داخل مفوضية الانتخابات، لذا فقد تطالب المحكمة الاتحادية الهيئة القضائية بإجراء عد وفرز نسبي او عشوائي لبيان الخروقات ان حصلت، وعلى ضوء ذلك سيكون هناك قرار آخر كإجراء عد وفرز يدوي شامل لكل العراق.
ثالثا: دعاوى مقدمة من قبل قوى وشخصيات مستقلة خسرت مقاعدها البرلمانية
بعد ان اعترضت قوى الإطار التنسيقي وبعض الأشخاص على نتائج الانتخابات جرى تغيير طال خمسة مقاعد فقط وكان بمجملها ذاهبة لمستقلين وتغيرت لصالح قوى حزبية وأبرزها لقوى الإطار التنسيقي مما دعا الأطراف والأشخاص الذين خسروا مقاعدهم البرلمانية الى الشكوى والاعتراض لدى المحكمة الاتحادية بخصوص ذلك عادين المسألة احتيال على نتائج الانتخابات والاصوات التي حصلوا عليها. وهذا ان ثبت بالأدلة سيكون للمحكمة الاتحادية بالتأكيد رأيا في ذلك لكن في حالة ان الهيئة القضائية نظرت بالأدلة والمسببات ولم تقتنع بذلك سترد الدعوى ويحسب التغيير لصالح الأشخاص في مرحلة النتائج النهائية.
وبالمحصلة استنتاجا لما تقدم ان الدستور العراقي النافذ، وقانون المحكمة الاتحادية المعدل حددا وظيفة المحكمة الاتحادية فيما يخص الانتخابات هي بالمصادقة على النتائج في حين ان القانون كان واضحا في بيان وظائف المحكمة الاتحادية فيما يخص دستورية القوانين وموادها كما ان المحكمة الاتحادية أعطت رأيها في فقرات من قانون الانتخابات رقم (9 لسنة 2020) بيان المرشح الفائز البديل في حالة حدوث عوارض للفائز من هذه الكتل او تلك واذا ما كان هناك خلاف في فقرة ما ربما لشهدنا بيان رأي المحكمة في تلك الفترة وحتى في مرحلة ما بعد نتائج الانتخابات مثلما حدث في تفسير النائب البديل، وبالعموم ان المحكمة اجلت النظر في الدعاوى وسننتظر ما سنرى في بيان رأيها ومن ثم اما الذهاب الى المصادقة على الفائزين في الانتخابات واستكمال باقي إجراءات تشكيل الرئاسات الثلاث والحكومة او المطالبة ببعض الإجراءات الفنية مثل اجراء عد وفرز يدوي بصورة نسبية.
.
رابط المصدر: