يناقش أربعة خبراء تفاصيل البنود الأمنية لاتفاق وقف إطلاق النار، وآفاق تنفيذه بنجاح، والتأثير المحتمل على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
“في الثاني من كانون الأول/ديسمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع ديفيد شينكر، وحنين غدار، وأساف أوريون، وماثيو ليفيت. وشينكر هو “زميل أقدم في برنامج توب” في المعهد ومساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترامب الأولى. وغدار هي “زميلة فريدمان الأقدم” في المعهد ومؤلفة كتاب “حزب الله لاند: رسم خريطة الضاحية والمجتمع الشيعي في لبنان“. والعميد أوريون (متقاعد) هو “زميل ريؤفين الدولي” في المعهد والرئيس السابق لـ “قسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي“. وليفيت هو زميل “فرومر ويكسلر” الأقدم في المعهد ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
ديفيد شينكر
في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، دخل وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة حيز التنفيذ، وقد لا يدوم، ولكن بنوده لا تزال جديرة بالملاحظة. ويركز الاتفاق حول تنفيذ “قرار مجلس الأمن رقم 1701″، الذي دعا إلى إزالة أي وجود مسلح لـ “حزب الله” جنوب نهر الليطاني بعد حرب عام 2006 مع إسرائيل. ومع ذلك، يشير اتفاق وقف إطلاق النار أيضاً إلى “القرار 1559” الذي نص على نزع سلاح “حزب الله” في جميع أنحاء لبنان. والأمر المهم هو أن الاتفاق يتضمن التزام الحكومة اللبنانية بمنع الحزب من إعادة التسلح، ومن المفترض أن تبدأ عمليات تفكيك البنية التحتية العسكرية لـ “حزب الله” ومصادرة الأسلحة جنوب نهر الليطاني ثم تمتد إلى شمال البلاد لاحقاً.
كما يعترف وقف إطلاق النار بحق إسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس، وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لبعض التقارير تؤكد رسالة جانبية بين الولايات المتحدة وإسرائيل حق إسرائيل في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد أي تهديدات لا تتعامل معها “قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) أو الجيش اللبناني.
ويتمتع الجيش اللبناني بالعدد الكافي من الأفراد والمعدات لتنفيذ هذه المهمة، لكن الأزمة المالية المستمرة في لبنان قد أضعفته. وبالتالي فقد يحتاج إلى بعض الدعم الأجنبي والتدريب لتنفيذ مهامه الموسعة في الجنوب وعلى حدود لبنان مع سوريا. ومن غير المرجح أن أن يدعم الكونغرس المزيد من التمويل الأمريكي لرواتب الجيش اللبناني، ولكن شركاء آخرين مثل قطر، أو دول الخليج الأخرى، أو فرنسا قد يملؤون هذا الفراغ. وستقوم “اللجنة الفنية العسكرية للبنان”، التي أنشأتها الولايات المتحدة وفرنسا، بتحديد الموارد الإضافية المطلوبة.
ونظراً لفشل الجيش اللبناني لمدة عقدين من الزمن في تنفيذ “القرار 1701” وسجله في التعاون مع “حزب الله”، فيتعين على إدارة ترامب القادمة أن تجعل التمويل المستقبلي مشروطاً بأداء الجيش اللبناني وتوزعه تدريجياً. ومنذ عام 2005، استثمرت الولايات المتحدة حوالي 3 مليارات دولار في الجيش اللبناني. والآن حان الوقت لكي يتدخل الجيش ويتولى مهمة تأمين لبنان، حتى مع خطر المواجهة مع “حزب الله”.
وبينما كانت إسرائيل تريد وقف إطلاق النار، فإن “حزب الله” كان بحاجة إليه – وهو تمييز مهم محتمل ينبغي وضعه في الاعتبار مع بدء مرحلة التنفيذ الصعبة. وقد لا يستمر وقف إطلاق النار، ولكن إذا تبنى لبنان الاتفاق المرتبط به، فقد يحقق بعض التقدم نحو التحول إلى دولة ذات سيادة.
حنين غدار
على النقيض من عام 2006، فإن “حزب الله” في أضعف حالاته حالياً ولا يستطيع تحمل الدخول في حرب جديدة. وتتمثل استراتيجيته الحالية في البقاء بعيداً عن الأنظار ومحاولة التعافي، وهو ما يبدو أنه يعتبرها عملية متعددة المراحل:
-
- إعادة إضفاء الشرعية على أسلحته. من المفترض أن ينتقد “حزب الله” الجيش اللبناني لسماحه لإسرائيل بمواصلة شن الغارات الجوية بعد وقف إطلاق النار دون أي رد. وبإدعائه أن أسلحة “المقاومة” هي الوسيلة الوحيدة التي يملكها لبنان لمواجهة إسرائيل، فإن الحزب سوف يدفع الحكومة اللبنانية المقبلة إلى إعادة إضفاء الشرعية على حيازته للأسلحة العسكرية من خلال تبني نفس العبارة المحملة التي ظهرت في البيانات الوزارية السابقة – وهي أن أمن لبنان يعتمد على “الجيش والشعب والمقاومة”.
- إعادة هيكلة النظام المالي، الذي دُمّر الكثير منه خلال الحرب. وعلى أقل تقدير، يأمل الحزب في تغطية مدفوعات التعويضات لأعضائه وأسرهم وغيرهم من الداعمين الأساسيين.
- تقييم نطاق خسائره العسكرية ومحاولة إعادة تسليح نفسه.
- العمل مع المجتمع الشيعي اللبناني للتأكد من عدم بروز أي مظاهر للسخط.
- التأثير على الانتخابات الرئاسية، التي من المقرر إجراؤها في البرلمان في التاسع من كانون الثاني/يناير. وسيحاول الحزب آنذاك التأكد من اختيار مرشحيه المفضلين في الجولة التالية من التعيينات الأمنية.
ومع ذلك، سيواجه “حزب الله” تحديات هائلة في تنفيذ هذه الأجندة، بعد أن فقد مصداقيته، وقدرته على الردع، ومعظم أسلحته الاستراتيجية وقادته، فضلاً عن رواية “النصر” السابقة. ونتيجة لذلك، فإن أركان قوته الأربعة في لبنان – الأسلحة الاستراتيجية، والتحالفات السياسية، والمال، والمجتمع الشيعي – تعاني جميعها من اهتزاز (واضح).
إن الوضع المالي الحالي مختلف بشكل خاص عن عام 2006، عندما غمرت إيران “حزب الله” بالأموال لتغطية خسائره في زمن الحرب، وتكفلت دول الخليج بإعادة إعمار لبنان. فهذه المرة، لم يعد المال وفيراً في إيران، ولن تساعد دول الخليج بعد الآن إذا كان “حزب الله” لا يزال في المشهد. وقد تؤثر خسائر كبار القادة في الحزب أيضاً على دوره كذراع إيران الرئيسية بالوكالة في المنطقة.
باختصار، أصبح “حزب الله” عبئاً على اللبنانيين والشيعة وإيران على حد سواء. فلم يعد الحزب قصة نجاح ولا يمكنه ضمان “انتصار” آخر نظراً للتفوق العسكري والاستخباراتي الذي اثبتته اسرائيل.
وعليه من المرجح أن ينظر قادة “حزب الله “إلى سوريا باعتبارها المفتاح لقوتهم المستقبلية في لبنان، وذلك لسببين. اولاً ان سوريا تعمل كجزء من “الجسر البري” الإيراني إلى لبنان. واذا أدت الاحداث في سوريا الى قطع هذا الجسر، فسوف يخلّف ذلك عواقب كبرى على الوضع في لبنان. ثانياً، ان شركاء “حزب الله” في سوريا ـ نظام الأسد وايران ـ ما زالوا يتمتعون بنفوذ قوي في البلاد ويظلون مرتبطين ببعضهم البعض بشكل لا ينفصم. وطالما بقيت ايران في سوريا واحتفظت بالجسر البري الذي يمتد الى حدود لبنان، فلدى “حزب الله” فرصة لاعادة تأهيل قوته في النهاية. ولكن بدون سوريا سيعاني الحزب من اختناق (استراتيجي) داخل لبنان – وهو الاعتبار الذي يجب ان يكون له وزن قوي في اذهان المسؤولين عن تنفيذ “القرار 1701”.
أساف اوريون
تتكون شروط وقف اطلاق النار بين اسرائيل و”حزب الله” حالياً من ثلاث طبقات: “القرار 1701″، واتفاقية وقف اطلاق النار الجديدة، والرسالة الجانبية مع الولايات المتحدة. وبالنسبة لإسرائيل، فإن الجانب الأكثر أهمية هو البنود المتعلقة بالدفاع عن النفس وحقها في اتخاذ إجراءات ضد انتهاكات “حزب الله”. ويؤكد لبنان أن إسرائيل انتهكت وقف إطلاق النار أكثر من خمسين مرة، بينما تعهد “حزب الله” بالرد. وحتى الآن، لم تقدم واشنطن أي احتجاجات قوية ضد التعريف الموسع الذي قدمته إسرائيل لحقها في الدفاع عن النفس، ولكن هذه القضية سوف تظل على الأرجح موضوعاً حساساً.
وهناك قضية أخرى مهمة تتلخص في توسيع الآلية الثلاثية بين “اليونيفيل” والجيش اللبناني، وجيش الدفاع الإسرائيلي. فقد أصبحت هذه الآلية الآن منتدى يضم خمسة أطراف، بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا.
وتتلخص القضية الرئيسية الثالثة في تحديد عبارة “منطقة جنوب الليطاني”، التي تم توسيعها شمالاً بالقرب من منعطف النهر – وهو تغيير تكتيكي يهدف إلى منع التهديدات قصيرة المدى التي قد تطال إسرائيل. وسوف يتم اختبار كل ذلك أثناء مرحلة تنفيذ الاتفاق.
وعلى النقيض مما حدث بعد اتفاق عام 2006، يتعين على الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل أن تفعل كل ما في وسعها لتحفيز الحكومة اللبنانية، والجيش اللبناني، وجيش الدفاع الإسرائيلي على الوفاء بالتزاماتهم بموجب الاتفاق الجديد. ففي مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لن ترضخ إسرائيل بعد الآن لتراكم التهديدات والانتهاكات الزاحفة من جانب “حزب الله”. وعلى النقيض مما حدث في عام 2006، تظل وحدات كبيرة من الجيش الإسرائيلي على الأرض في لبنان لمواصلة تعويق قدرات الحزب. وعلى نحو مماثل، من غير المرجح أن تراقب إسرائيل من على الهامش بينما يتزايد بناء “محور المقاومة” الإيراني في سوريا.
وفي الوقت نفسه، يتعين على الأطراف التمييز بين المناطق التي يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي وتلك التي لا يتواجد فيها. ومن بين الحالات الاختبارية القيمة تطبيق آلية التنفيذ ضد الانتهاكات في المناطق التي لا يعمل فيها الجيش الإسرائيلي.
أما بالنسبة لإعادة السكان الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم في شمال إسرائيل، فيتعين على الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي ضمان الدفاعات القوية على طول الحدود والاستجابة الحاسمة لأي تهديدات. ويتعين عليهما أيضاً تقديم الدعم الحكومي القوي لإعادة بناء المجتمعات المتضررة، وإعادة معايرة التوقعات العامة بشأن لبنان (أي عدم تحقيق “نصر كامل”، وعدم وجود منطقة عازلة أمنية تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي داخل لبنان)، وتعزيز الثقة العامة في أن (هجوم) السابع من تشرين الأول/أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى.
والواقع أن وقف إطلاق النار الجديد يتألف من العديد من الأجزاء المتحركة. ومع ذلك، فإن الأطراف المعنية أكثر خبرة هذه المرة مقارنة بعام 2006. وتتمتع إسرائيل بموقف تفاوضي مميّز، ونأمل أن تلتزم الولايات المتحدة بمواصلة هذه المهمة على المدى الطويل.
ماثيو ليفيت
يطرح وقف إطلاق النار في لبنان تحديات جديدة أمام حركة “حماس”، وهي حليفة إيران الأخرى بالإضافة إلى “حزب الله” – وربما يفتح فرصاً جديدة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. ومع فك ارتباط “حزب الله” بـ “حماس” من خلال الموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان دون وقف إطلاق النار الموازي في غزة، ومع تراجع إيران عن استهداف إسرائيل بشكل مباشر، تجد “حماس” نفسها معزولة حالياً. إن خسارة “حزب الله” للعديد من أصوله الاستراتيجية تشكل خسارة لإيران، وربما تسعى طهران الآن إلى تقليص خسائرها مع “حماس” أيضاً. فضلاً عن ذلك، تدرك “حماس” بالتأكيد أن أقوى نقاط نفوذها، لها عمر افتراضي محدود – فالرهائن هم الأكثر قيمة وهم على قيد الحياة، ومن المعتقد أن العديد منهم ضعفاء.
أما بالنسبة للخطوات التالية، فقد شرعت الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر في جهود دبلوماسية متجددة، حيث عقدت اجتماعات في نهاية الأسبوع الماضي في القاهرة. ويقال إن مسؤولي “حماس” غادروا قطر إلى تركيا، في أعقاب دعوة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تشرين الثاني/نوفمبر إلى المزيد من الضغوط المتضافرة على “حماس”. ويبدو أن الحركة تشعر بهذا الضغط وتبدو حريصة على التحرك نحو وقف إطلاق النار من جانبها، كما قد تكون أشارت إلى ذلك من خلال إصدارها شريط فيديو لإثبات حياة الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر.
كما تدرك “حماس” أن الرئيس المنتخب ترامب أوضح أنه يريد حل مشكلة الرهائن المفرج عنهم قبل توليه منصبه، مما يوفر المزيد من الضغط لإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار. وفي ظل كل هذا المجهول خلال هذه الفترة الانتقالية، فمن المرجح أن تخشى “حماس” أن تأخذ إسرائيل كلمات ترامب بأن “الجحيم سيكون الثمن الذي يُدفع” على أنه ترخيص للقيام بكل ما تشعر أنه ضروري لإنهاء الحرب.
وفيما يتخطى دبلوماسية وقف إطلاق النار في الأمد القريب، سوف تحتاج الإدارة الأمريكية المقبلة إلى قيادة جهد دولي لإحباط جهود إيران لإعادة تسليح وتمويل وكلائها. ولم يعد بوسع المجتمع الدولي أن يجلس مكتوف الأيدي ويعتبر المنطقة هادئة في حين تترسخ (اتفاقيات) وقف إطلاق النار وتستمر إيران في تسليح الجماعات الإرهابية بصورة تامة. إن الأحداث التي شهدها العام الماضي – ومجدداً في سوريا الأسبوع الماضي – هي دليل على هذه المغالطة المنطقية. ويدرك حلفاء أمريكا الأساسيون، ومن بينهم إسرائيل، أن إضعاف قدرات الجماعات المسلحة لم يعد كافياً. وفي نهاية المطاف، يتعين عليهم معالجة التهديدات التي تشكلها إيران، الجهة الخبيثة التي ترعى العديد من هذه الجماعات.
لقد سعت الإدارات الرئاسية الأمريكية العديدة الماضية إلى التحول بعيداً عن الشرق الأوسط ونحو آسيا. ومن المؤسف أن أعداء الولايات المتحدة يحصلون على رأي في هذا المحور من خلال أفعالهم. وبهذا المعنى، سوف تستمر التهديدات في الشرق الأوسط في إزعاج إدارة ترامب القادمة.