عرض – علي عاطف
في أحدث تقريرٍ لها حول تطورات مسار المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى والمقرر استئنافه في 29 من الشهر الجاري في العاصمة النمساوية فينا، نشرت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية المقربة من الحرس الثوري في نسختها باللغة الفارسية اليوم الأحد موضوعًا مُطوَّلًا تحت عنوان “مفاوضات فيينا ومصلحة الاقتصاد الإيراني؛ إطارٌ لمسار المستقبل“(*) طرحت فيه تساؤلاٍت رئيسة تتعلق بكيفية العمل من جانب طهران على منع خروج الولايات المتحدة الأمريكية مجددًا من الاتفاق النووي، حال تم التوصل إليه مرة أخرى بعد إعادة إطلاق المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى في 29 نوفمبر الجاري.
يبدأ التقرير بالإشارة إلى أن تتبع نتائج المفاوضات النووية الإيرانية في الماضي يُظهر أن التركيز من ورائها على إلغاء العقوبات الاقتصادية فقط لا يفيد طهران، ولذا “ينبغي هذه المرة أن يطرح المفاوضون الإيرانيون إطارًا جادًا من أجل مصلحة الاقتصاد الإيراني وبطريقة قابلة للقياس”.
يقول التقرير إن المفاوضين النوويين الإيرانيين يواجهون من جانب “الرأي العام” في إيران تساؤلًا مهمًا بخصوص الجولات النووية المقبلة، ألا وهو كيفية الحصول على ضمان جاد بعدم خروج الولايات المتحدة مرة أخرى من الاتفاق النووي “مثلما خرجت إدارة ترامب أواخر عهده منه”.
ويضيف التقرير الصادر عن وكالة “فارس” شبه الرسمية أن هناك سؤالًا آخر مهمًا في هذا الصدد يتمحور حول إمكان حصول إيران على مكاسب اقتصادية ذات معنى بعد استئناف المفاوضات ونجاح التوصل إلى اتفاق من جديد.
اتفاق يقوم على الثقة في المؤسسات الدولية
يوضح التقرير أن الاتفاق النووي لعام 2015 كان تعهدًا يستند إلى “الأداء الإيجابي للمؤسسات الدولية من أجل حل أزمة القضية النووية الإيرانية”، مشيرًا إلى أن هذه النظرة “المستقلة” كانت تثق بها إيران حتى من أجل حل التوترات بينها وبين واشنطن. وتضرب الوكالة أمثلة على هذه الثقة الدولية بالإشارة إلى دعم مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة للاتفاق النووي بصفته “ضامنًا” لالتزام جميع الأطراف بهذا الاتفاق، وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التزام الجانب الإيراني.
وتستطرد الوكالة موضحة أنه وعلى هذه الأسس الدولية، تعهدت إيران من جانبها بعدم تصنيع أسلحة نووية وتعهدت القوى الغربية والولايات المتحدة برفع العقوبات الدولية عن طهران.
ولكن مع كل هذا، تقول وكالة أنباء “فارس”، فقد تم إغفال نقطة مهمة في المفاوضات النووية ألا وهي عدم النظر إلى الظروف التي قادت في النهاية إلى فرض عقوبات على إيران من جانب الولايات المتحدة والغرب. وتعلل “فارس” أسباب إقدام واشنطن على إخراج إيران من سوق النفط العالمي بأقل تكلفة ممكنة بـ”زيادة إنتاج النفط الصخري من آبار نفطية أمريكية غير معتادة وكذلك ازدياد قدرة الإنتاج في جميع البلدان”، موضحة أن هذه الخطوة الأمريكية لم يكن لها مثيلٌ حتى في ذروة أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979 أو في مرحلة حرب السفن النفطية في الإقليم. كما ساعد تمركزُ عمليات تكرير جزء كبير من النفط الإيراني في عدد قليل من المحطات على رصده من قِبل الولايات المتحدة، حسب التقرير الإيراني.
وعلاوة على هذا، فقد اتبعت إيران طرقًا متعارف عليها للغاية فيما يخص تصدير النفط قد جعلت من غير اليسير عليها مد خطوط بينية مشتركة مع مشترييه الكبار. وينتقد التقرير ما اسماه “ضعف إيران في الاعتماد الزائد عن الحد على التجارة الدولية وإهمال تعزيز التجارة الثنائية، وهو ما ساهم لاحقًا في تفاقم آثار العقوبات خلال مرحلة ما بعد عام 2009. وتذكر الوكالة الإيرانية أن “التقدم النووي الإيراني تسبب في قلق الغرب” وهو ما قاد في النهاية إلى عقد الاتفاق النووي (JCPOA) أو (برجام/ بالفارسية) عام 2015.
استثناءان في مسيرة فرض العقوبات على إيران
تشير الوكالة إلى أن فرض العقوبات الأمريكية على إيران خلال مرحلة ما بعد التوصل إلى الاتفاق النووي 2015 قد انطوى على استثناءين اثنين وهما شراء تركيا للغاز الطبيعي الإيراني واستيراد العراق للكهرباء من إيران.
وتشدد الوكالة على أن مراحل التفاوض في الفترة ما بين (2013- 2015)، أي التي قادت إلى الاتفاق النووي في ذلك الوقت، قد أغفلت نقطة مهمة للغاية وهي عدم اشتمالها على ضمان يخص امتناع الغرب عن فرض عقوبات على إيران في مرحلة لاحقة. وانتقدت “فارس” ما قالت إنها ضمانات نووية إيرانية اشتملت على “خروج كامل وملموس” لطهران من هذا المسار إضافة لإمكان إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنشطتها. كما أن الضمانات النووية الفنية التي قدمتها إيران في الاتفاق، حسب الوكالة، جعلت من الصعب استئناف النشاط النووي بالقدر نفسه الذي كان عليه في السابق.
وعلى الناحية الأخرى، تقول الوكالة، تلقت إيران مزايا كانت ترمي إلى إلغاء أو تعليق بعض القضايا “القانونية” التي جعلتها العقوبات بدون فائدة، والتي ارتفعت وتيرتُها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وعليه، تؤكد الوكالة الإيرانية على ضرورة تلافي هذه الأمور في الاتفاق النووي المقبل، الذي سوف تُستأنَف سابعُ جولاته التفاوضية في 29 نوفمبر 2021، حسبما تم الإعلان عنه من جانب طهران والغرب، قائلة إن هذه “العيوب سوف تهدد التزام الجانب الآخر” في المستقبل. وحسب “فارس”، فقد أشار إلى هذه الاحتمالية بعضُ النواب الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي مؤخرًا حينما قالوا “يُرجَّح أن يخضع أي اتفاق بين إيران وإدارة بايدن للتساؤل من جانب الإدارة الجمهورية اللاحقة” في واشنطن.
الحاجة إلى إطارٍ للمكاسب الاقتصادية
تشدد الوكالة الإيرانية على ضرورة أن يأخذ مفاوضو البلاد بعين الاعتبار ضرورة “تحديد إطارٍ جدي لاستفادة الاقتصاد الإيراني من الاتفاق النووي”، محذرة من أن الاستمرار على نفس نهج الاتفاق القديم يضع احتمالات قوية لإعادة فرض العقوبات على إيران مجددًا بعد التوصل إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي في فيينا لاحقًا.
ويضيف التقرير أن هذا الإطار الاقتصادي الإيراني المُشار إليه يجب أن يتسق تمامًا مع برامج التنمية الداخلية في البلاد، حيث لا يجب، حسب رؤية الوكالة الإيرانية، أن تسير إيران “طبقًا للقواعد القانونية للدول الغربية” بل على أساس المصالح. وفي هذه الحالة “لن يكون من المهم لإيران بالتأكيد سماحُ القوانين المحلية الأمريكية بإلغاء هذه العقوبات من تلك”.
ويُذكِّر التقرير بأن هذه الرؤية الإيرانية قد طبقتها جمهورية الصين الشعبية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في أعقاب أحداث ميدان “تيانانمن” الصيني عام 1989. فقد فرضت واشنطن آنذاك عقوباتٍ على بكين منعت تصدير أي نوع من التكنولوجيا المتقدمة إليها شملت سلعًا وقطع غيار طائرات وهواتف جوّالة. وقد استمرت هذه العقوبات كما هي، فلم يتم إلغاؤها أو تعليقها، كما لم يطالب الصينيون بذلك.
ولذا، فمن أجل إتمام أية صفقة تجارية مع الصين، يتطلب الأمر إصدار الولايات المتحدة إذنًا بذلك للشركات الأمريكية. وأصبح إصدار هذا التصريح مع مرور الوقت عملًا معتادًا وإجرائيًا جعل الجميع غير مهتم بهذه العقوبات الأمريكية على الصين، حسبما تشير الوكالة الإيرانية.
ويتابع التقرير قائلًا إن هذه القصة قد تكررت في الحالة الإيرانية مع العراق، إذ أن صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق استمرت حتى في ذروة عقوبات دونالد ترامب على طهران.
العبرة من تجربة الاتفاق النووي القديم
ينتهي التقرير بمطالبة المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية المقبلة في فيينا بأن يرسموا “آلية تنفيذية” قابلة للقياس مثلما فعل الأوروبيون في المفاوضات السابقة حين رسموا “خطًا أحمر” تنفيذيًا قابل للملاحظة كان يهدف إلى ضمان عدم توصل إيران إلى سلاح نووي.
ويحذر التقرير مجددًا من أن السير في المسار القديم المتعلق بالاتفاق النووي سيكون “بلا فائدة”، كما أنه وبالنظر إلى الظروف الحالية في الولايات المتحدة، يمكن لتجربة دونالد ترامب أن تتكرر مرة أخرى مع إيران، في إشارة لخروج مجددٍ لواشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية.
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن وضع مثل هذا “الإطار الاقتصادي” الإيراني طويل المدى يحتاج إلى مساعٍ جماعية من داخل إيران تشمل الحكومة وجميع المؤسسات المعنية إلى جانب القطاع الخاص، وهو ما يعني، حسب التقرير، أن يذهب الفريق النووي الإيراني إلى أوروبا من جديد “برؤية واضحة”.
.
رابط المصدر: