فردوس عبدالباقي
خلال خطابه الخاص لاستقبال العام 2022، اعتبر الرئيس الصيني “شي جين بينج” عام 2021 ذو أهمية استثنائية بالنسبة للصين لأنه يأتي في ظل مرور مائة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني الذي أظهر كفاح الشعب صد العقبات والتحديات والسعي لتحقيق الإنجازات. استنادًا لذلك، سيتم عرض عدد من القضايا التي برز فيها السلوك الصيني في السياسة الخارجية خلال عام 2021 الذي دخلت فيه الخطة الخمسية الرابعة عشر للحزب حيز التنفيذ.
أولًا- إظهار دبلوماسية “الذئب المحارب”
مع بروز دبلوماسية “الذئب المحارب” التي اتبعتها الصين في سياستها الخارجية، باتت تتخذ ردود الفعل غير المتوقعة وعدم وجود محاولة لكبح نوبات الغضب، بما يعكس النزعة القومية التي تمتلكها الصين أدت لنتائج عكسية في بعض الأحيان، مثل قطع السياحة مع كوريا الجنوبية التي أصرت على استضافة نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” الأمريكية، أو تصعيد الصراع التجاري مع أستراليا بفرض تعريفات جمركية وحظر على المنتجات الأسترالية، أو التهديد بعواقب وخيمة لكل من يقاطع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في بكين.
وعلى نفس الخطى؛ أصدرت الصين قانون في يوم 10 يونيو 2021 عبر اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، يستهدف مواجهة الضغوط المفروضة على الصين في التجارة والتكنولوجيا وحقوق الإنسان، والرد على العقوبات الأجنبية ضد الصين التي تعتبرها قمعًا واحتواءً من الدول الغربية لتنميتها وخاصةً من الولايات المتحدة. كما أصدرت وزارة التجارة “قانون الحظر” في يناير 2021، ويهدف إلى تقديم الشركات الصينية بالإبلاغ عن القيود الأجنبية المفروضة على الأنشطة الاقتصادية أو التجارية، وتبيين الخطوات التي يمكن من خلالها رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الصينية للحصول على تعويض عن الخسائر التي سببتها الإجراءات الأجنبية.
وفي إطار حماية الصين للشركات في الحرب التجارية، أصدرت الحكومة قرارًا أول هذا العام يحظر على الشركات الامتثال للقوانين الأجنبية التي تجرم التعاملات مع شركاتها، وذلك بهدف مكافحة التشريعات الخارجية التي تقيد الأفراد والشركات الصينية أثناء ممارسة الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم الدفاع عن المصالح الصينية وحماية النظام الاقتصادي الدولي.
ثانيًا- اللحاق بركب الاستجابة لتغير المناخ
أصدرت الصين كتابًا أبيض في أواخر عام 2021 بعنوان “الاستجابة لتغير المناخ: سياسات وإجراءات الصين” للتأكيد على مساعي الصين بتحقيق الحياد الكربوني سيمثل أعلى انخفاض في العالم لكثافة الانبعاثات الكربونية وأقصر وقت لتحقيق هدف الانتقال من الذروة إلى الحياد في التاريخ. بالإضافة للتعامل الجدي من الصين مع اتفاقية باريس عبر وضع أهداف لتوفير الطاقة بحلول عامي 2030 و2060، والإعلان عن تخصيص 1.2 مليار “يوان” للتعاون بين دول الجنوب، ووقعت 40 وثيقة تعاون مع 35 دولة كتعبير عن تحقيق الأهداف التمويلية لتشجيع الدول الأخرى على الحد من الانبعاثات الكربونية.
واشتملت الخطة الخمسية التي بدأت في العام 2021 التأكيد على تحسين نظام التحكم المزدوج في إجمالي استهلاك الطاقة وكثافتها مع التركيز على التحكم استهلاك الطاقة الأحفورية. كما سيتم إقامة نظام يركز على التحكم في كثافة الكربون ليساهم في التحكم الكامل في انبعاثات الكربون بحلول 2030، وإعطاء محورية لجهود البحث العلمي لقيادة التعاون الدولي في الاستجابة لتغير المناخ.
ثالثُا- السعي للريادة في الفضاء
سلطت أزمة الصاروخ الصيني “لونج مارشال 5B Y2” الذي أطلقته الصين في 29 أبريل عام 2021 وسقط حطامه في 9 مايو في المحيط الهندي غرب جزر المالديف، الضوء على أولى المراحل الثلاثة للمحطة الفضائية الصينية “تيانهي”، إذ من المتوقع أن تنفذ الصين المزيد من عمليات الإطلاق في برنامج محطتها الفضائية بهدف استكمال المشروع بحلول العام 2022، وبمجرد الانتهاء منه ستبلغ كتلة الهيكل حوالي 100 طن، أي حوالي ربع حجم محطة الفضاء الدولية (ISS) التي بناها تحالف من 16 دولة وسيتم توقفها عام 2024.
كما يُتوقع أن تكون المحطة الصينية هي الوحيدة التي تعمل في مدار قريب من الأرض بحلول نهاية العقد الحالي، كما أنه يبدو أن المساعي الصينية تسهدف كسر الاحتكار الثنائي الأمريكي والروسي في الفضاء، وستكون هي خيار العديد من البلدان التي تريد إجراء تجارب في الفضاء ومراقبة الكون بعد توقف وكالة الفضاء الدولية.
رابعًا- وضع هدف تجديد شباب الأمة الصينية في مئوية الحزب
في يوليو، تم الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني ومن أحد الشعارات التي روّج لها الاحتفال أنه “لا يمكن لأي شخص ولا قوة إيقاف مسيرة الشعب الصيني نحو حياة أفضل”، واغتنام الذكرى المئوية لإثبات استمرار قيادة الحزب في القرن الحادي والعشرين
ساهمت شرعية الحزب القائمة على التنمية الاقتصادية في تحقيق نتائج جيدة في رئاسة “شي”، لكنه سعى للحصول على شرعية في مجالات أخرى، مثل الاستجابة لجائحة كورونا والعوامل الأيدولوجية. وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، شعر الحزب أنه بحاجة إلى مصادر جديدة للشرعية، ومن ثم تم إطلاق مصطلح “تجديد شباب الأمة الصينية العظيمة”. مر هذا المصطلح بتقلبات عديدة في دعاية الحزب، لكن لم يستخدمه أي زعيم مثلما فعل “شي”. فبعد توليه قيادة الحزب في عام 2012، حدد “شي” موعدًا نهائيًا لبلوغ التجديد في عام 2049، الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية. خاصةً أن “شي” اعتبر أن التجديد ليس فقط رفع مستويات معيشة الشعب، لكن إعادة التوحيد مع تايوان كأمر لا بد منه.
خامسًا- إثبات النفوذ الإقليمي
استغلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: سرعان ما استغلت الصين فرصة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس وأظهرت في موقفها الرسمي استعدادها لتقبل حركة طالبان، بل وإعلان إمكانية بناء علاقة صداقة معها. كما تستهدف التأكيد على استمرار بكين في مكافحة الإرهاب حول ممر “واخان” الرابط بين البلدين، وضمان أن تساهم طالبان في لعب دور لقمع حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تهدد أمنها القومي في منطقة شينجيانج. بالإضافة إلى أنها تريد الصين تأمين مبادرة الحزام والطريق عبر ضمان ألا تعطل أفغانستان مصالح الصين في آسيا الوسطى والممر الاقتصادي مع باكستان، ويمكن أن يتطور الأمر لتضمين أفغانستان نفسها في المبادرة والتوجه باستثمارات للاستفادة من الثروات المعدنية الأفغانية التي تتراوح بين 1 و3 تريليون دولار، واحتياطات من النفط والغاز الطبيعي.
إنذار تايوان: شهد هذا العام إرسال الصين لرقم قياسي من الطائرات العسكرية في منطقة الدفاع الجوي التايوانية في أكتوبر كتعبير عن القلق من توجه تايوان نحو الاستقلال وتقاربها مع الولايات المتحدة وحصولها على الدعم العسكري منها، كما أنها أرادت التلميح بعرض عسكري يرمز لحالة اللجوء للمواجهة العسكرية أو ضم تايوان بالقوة.
استمرار المواءمات مع الآسيان: في إطار مرور ثلاثين عامًا على علاقات الحوار بين الصين ودول الآسيان، شهدت القمة الخاصة التي عُقدت بين الجانبين في 22 نوفمبر تصريح هام من الرئيس “شي” الذي أشار إلى استعداد الصين لتوقيع بروتوكول منطقة جنوب شرق آسيا خالية من الأسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ في 1997. وبرغم هذا التصريح الذي يعبر عن المواءمة مع دول الآسيان ومحاولة لإضفاء نوع من الاستقرار في المنطقة، إلا أنه لا يزال تقسيم الحدود الجغرافية التي يفرضها البروتوكول يتعارض مع وجهة نظر الصين ويؤكد ما يشهده بحر الصين الجنوبي من نزاعات، ومن ثم لن يُفرض أي قيد على أعمالها النووية في المنطقة.
سادسًا- الترويج لديمقراطية صينية في مواجهة الأمريكية
وجهت الصين حملة انتقادات لقمة الديمقراطية التي عقدها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في 9-10 ديسمبر، شملت تلك الحملة انعقاد منتدى للديمقراطية خاص بها، ونشرت كتاب أبيض بعنوان “الصين: الديمقراطية الفعالة”، وعملت على كشف أوجه القصور في الديمقراطية الأمريكية عبر تقارير إعلامية ومقالات ومؤتمرات صحفية. وإظهار ديمقراطية الصين التي تتفوق –من وجهة نظهرها- على الديمقراطية الأمريكية. واعتبرت الصين نفسها أنها تدخل في منافسة على القيادة الدولية ضد الولايات المتحدة. يعد انضمام تايوان لهذه القمة أحد دوافع الغضب الصيني خاصةً أن الولايات المتحدة تحشد الدعم الدولي لتايوان مما يقوض هدف الصين بالتوحيد، كما أنها تشعر بالقلق من الخطوات الأمريكية لبناء تحالفات مناهضة للصين من خلال مبادرات مثل الحوار الأمني الرباعي “كواد” واتفاق “أوكوس”.
سابعًا- تجديد التعاون مع روسيا
اتفقت الصين وروسيا في 28 يونيو 2021 على تمديد المعاهدة الثنائية بشأن حسن الجوار والتعاون الودي التي مر عليها عشرون عامًا. وتأكيد كل منهما على فكرة رغبتهما في نظام دولي أكثر توازناً لكن برؤية مختلفة تهدف –في النهاية- لإسقاط الهيمنة الأمريكية الأحادية، كما تقود الصين التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال مواءمة مبادرتها للحزام والطريق مع الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي.
كما ظهر التعاون الصيني الروسي في القطب الشمالي الذي تشغل روسيا مساحة كبيرة من سواحله عبر تطوير ما يُطلق عليه الممر الشمالي الشرق على طول ساحل سيبيريا الذي يربط شرق آسيا بأوروبا والعمل على ضمانه كشريان اقتصادي خاليًا من النزاعات عبر التزام الصين بقواعد موسكو في طريق البحر الشمالي أو رغبةً من موسكو في الحفاظ على شريك هام مستهلك للطاقة. فقد أكدت الصين في الخطة الخمسية على رغبتها في تطوير طريق الحرير القطبي كعنصر من مبادرة الحزام والطريق، ورغبتها في تقبل المجتمع الدولي لها كأحد أصحاب المصلحة في القطبين، خاصةً القطب الشمالي. وتسعى لفتح المنطقة أمام العالم تماشيًا مع وجهة نظرها القائلة بأن المشاعات العالمية يجب أن تكون منفتحة للبشرية جمعاء، وإقامة نظام شامل لإدارة القطب الشمالي تلعب فيه الصين دورًا قياديًا.
بعد هذا السرد ومع بداية عام 2022 بتجديد الحزب الشيوعي الصيني ولاءه للرئيس “شي” كقائد للحزب ورئيس للبلاد، فإن هذا قد يعني زيادة نسبة التصعيد مع الولايات المتحدة وتنافس أفكار كل منهما حول الديمقراطية وتدشين مرحلة من الاستقطاب الدولي ومزيد من المواجهات الدولية والتنافس التكنولوجي مما يفرض عليها مزيد من التحديات في المستقبل. وقد تتبلور أكثر مساعي الصين لعسكرة مناطق نفوذها الاقتصادي لحماية مصالحها الاستراتيجية.
.
رابط المصدر: