العراق بين أشتراطات الجغرافية والمقومات السياسية الفعالة

مجلة العصر:
أ.د عبد الجبار أحمد عبد الله
استاذ الاجتماع السياسي/كليه العلوم السياسيه -جامعه بغداد

 

كان العراق يشكل مايسمى الاقليم القاعدة في المشرق العربي الى جانب مصر الاقليم القاعدة في المغرب العربي . وهذا التوصيف في اطار الجيوبولتكس انعكس في ادوار سياسية اقليمية مؤثرة ومبادرات ومحاولات اكتساب مكانة وسمعة اقليمية ودولية . وحدود ومجالات هذا الدور واضحة اذ كان العراق من مؤسسي منظمة الامم المتحدة ومرتكز مهم في تاسيس جامعة الدول العربية .

الا ا ن اي توصيف في اطار الجيوبولتكس لابد ان يلتزم الترابط مابين السياسة والجغرافية ومقومات هذا الترابط عديدة اهمها وجود نخبة سياسية حاكمة تستطيع ان توظف علاقات التفاعل مابين الجهتين وتضبط مديات ومجالات التفاهم وترسم حدوده وافاقه .

في العراق حصل انفصام مابين السياسة والجغرافية مما ولد نتائج كارثية على الدولة العراقية والتي قادت الى اضعاف العراق ومكانته على صعيد العلاقات الاقليمية والدولية ومن ثم تولدت حقيقة ان جغرافية العراق تحولت من نعمة الى نقمة . والسبب الاساس وراء تدهور مكانه العراق الاقليمية والدولية يعود الى ان النخب الحاكمة وبالتحديد من عام 1968 وحتى 2003 لم تضبط وتتقن معايير العلاقة مابين مقومات القوة والقناعة والحدود الفاصلة مابين القدرات والقابليات في ضوء التفاعلات الاقليمية والدولية .

وبعد عام 2003 وبفعل التغيير الذي حصل في التاسع من نيسان منه وبسبب التفاعلات المحلية والاقليمية والدولية الجديدة اعيد طرح موضوع البحث عن مكانة العراق والادوار المتوقعة منه في خضم التفاعلات الجديدة.

ان التغيير الذي حصل في 9نيسان 2003 أوجد معادلات جديدة في طبيعة التعامل مع الجغرافية السياسية العراقية منها ان العراق تحول من دولة تحرس البوابة الشرقية (حسب مزاعم وتوجهات النظام السابق) الى دولة تحتاج لمن يحرسها ويشرف عليها في ادارة الامور والشؤون السياسية في حالته الانتقالية وحتى 2006 على اقل تقدير ، وتحول العراق من دولة مُهدِدة الى دولة مُهدَدة بتدخل كل الدول الاقليمية بدون استثناء بشكل او بآخر ، ومن دولة كان جيشها الرابع في العالم من حيث التسليح والعدد الى دولة من دون جيش ( بدايات 2003 ) او جيش ضعيف في بعض حلقاته ( حتى 2014 ) ، ومن دولة توزع الهبات والعطايا بفعل الريع النفطي ( بغير وجه حق ) الى دولة تبحث عن قروض ومنح ومن دولة مركزية مستبدة تُحكم بقرار مركزي طغياني الى دولة لامركزية ادارياً وسياسياً قراراتها صادرة عن سلطات منتخبة بشكل ديمقراطي.

و كل هذه المعادلات من شأنها ان تؤثر في مكانه العراق والادوار الاقليمية المتوقعه منه .

وكما توجد محددَات دستورية وسياسية على النطاق المحلي الى جانب المحددات الأقليمية والدولية التي تؤثر هي الاخرى وترسم حدود المكانه والأدوار .

فمن الناحية الدستورية فأن الأزمات والكوارث التي أنتجتها السياسة الاقليمية الخاطئة للنظام السابق اوجدت قلقاً استراتيجياً لدى النخب الحاكمة بعد 2003 ولدى الدول الاقليمية والذي حفَز النخب السياسية لايجاد نصوص دستورية تُوجب على الساسة العراقيين النأي بالدولة العراقية وحكوماتها من ان يكون العراق ممراً او معبراً للارهاب والسعي لعلاقات سلمية وحسن الجوار ، مع ادراكنا ان التزام العراق بهذا السعي قولاً وفعلاً لم يجبر الدول الاقليمية على الالتزام بحسن الجوار ولان العراق اصبح دولة رخوة soft-stateفانه اصبح ساحة للتطاحن والتصارع مابين المشاريع والرؤى .

اما عن المحدد السياسي ، فاذا كان اليوم لدينا سياسة خارجية عراقية واحدة فانها لم تكن كذلك لسنوات مضت لاسباب عديدة منها المحاصصة بكل اشكالها والانقسام السياسي ( وليس الاجتماعي ) مابين النخب السياسية والذي أضعف من مكانه وسمعة العراق كدول ذات سيادة وسياسة متفق عليها داخلياً وخارجياً .

واذا ما أنتقلنا للمحددات الأقليمية والدولية فان هناك عدم تطابق في تأثيراتها مابين اقليم غير موحّد في توجهات دولة ما لدعم الحكومة العراقية واخرى لإعاقتها وبشكل متفاوت ، ومجتمع دولي تبحث دول فيه عن مساندة العراق اقتصادياً وانسانياً ودول كبرى وعظمى تريد ان ترسم معالم خارطة سياسية جديدة .

وانطلاقا من تجربة العراق ومع عدم اغفالنا ان العراق هو ضمن اللعبة الدولية منذ عام 1995 – 1996 ( بداية برنامج النفط مقابل الغذاء ) ، الى جانب انه مازال في خضم شهية اللاعبين الاقليميين والدوليين في تصفية حساباتهم على الساحة العراقية رغم تأكيدات الحكومات العراقية على النأي بالنفس عن التحالفات مؤكدين في الوقت نفسه على ان هذا النأي يحتاج لادوار فعاّله في كافة الصعد .

وعند الحديث عن مجالات الدور العراقي فانها تتحدد في ثلاث دوائر: الدائرة الخليجية ودائرة الدول الاسلامية تركيا وايران ودائرة الولايات المتحدة الامريكية .

1- الدائرة الخليجية

تمثل هذه الدائرة مصلحة مهمة وحيوية للعراق لايمكن التخلّي عنها لاعتبارات عديدة منها ان العراق دولة شبه مغلقة وتحتاج وجود منفذ بحري دائم يطل على الخليج العربي وان هناك مصالح مشتركة مايخص اسعار النفط او الغاز الى جانب الثقل الدبلوماسي الذي تمثله المنظومة الخليجية في المنظمات الدولية ومؤسساتها ووكالاتها المتنوعة ، ولذلك فان ابقاء العراق على علاقات وثيقة مبنية على المصالح المشتركة يعتبر ضرورة استراتيجية لعلاقات العراق الاقليمية والدولية آخذين بنظر الاعتبار ان هذة المنظومة لديها علاقات متينة بالدائرة الامريكية – الغربية ومع وجود تباين وتفاوت في علاقاتها مع الجارتين ايران وتركيا .

والاهم في الأمر ان موضوع اعادة اعمار المناطق المحررّة في العراق ، سواء كان عن طريق القروض ام المنح ام الاستثمار ، يمكن ان تلعب المنظومة الخليجية دوراً مهماً ومؤشراً في ذلك مؤكدين ان موضوع اعادة النازحين واعمار المناطق المحررّة اصبح موضوعا حيويا للأمن الوطني العراقي .

وهنا ننوه ان من مصلحة العراق التعامل مع هذه المنظومة على انها كل جغرافي – استراتيجي وليس الذهاب لاقامة علاقات ثنائية ، وإن كانت هي مهمة وضرورية ، على حساب الكل فعلى سبيل المثال فانه من مصلحة العراق الوطنية عدم التعامل مع قطر على حساب دولة اخرى او بالعكس ايضاً لانه عاجلاً ام آجلاً سيلتئم التصّدع الحاصل الان في العلاقات البينية مابين قطر وجاراتها السعودية والامارات سواء كان لاسباب داخلية ام لضغوطات خارجية .

2- الدائرة الاسلامية تركيا وايران .

من الناحية الاستراتيجية والجغرافية السياسية فان هاتين الدولتين مهمتان للعراق ليس للروابط المشتركة فحسب بل وللقدرات والمقومات التي تملكها كل دولة على حدة التي تتفوق على القدرات والمقومات العراقية ( حتى الآن ) ولاسباب عديدة لامجال لذكرها الان .

والمصلحة العراقية تقتضي الحفاظ على علاقات واسعة مع هاتين الدولتين لاسباب عديدة منها :

بالنسبة لتركيا :

أ- ان بوابة العراق نحو اوربا ( هي تركيا وليس مايخص انبوب تصدير النفط فحسب بل ابعد من ذلك ) .

ب- ان لتركيا اهتمامات جدية بامنها القومي والذي يؤثر على الامن الوطني العراقي الآني والمستقبلي ومنها القضية الكوردية وموضوع حصص المياه والسدود .

ج- ان تركيا وشركاتها يمكن ان تلعب دورا هاما في اعادة اعمار العراق .

اما بالنسبة لايران :

أ – انها تمثل المعادلة الاهم بالنسبة للامن الوطني العراقي والاستقرار في المنطقة .

ب – ان ايران وشركاتها يمكن ان تلعب دورا مهما في توفير احتياجات العراق من الكهرباء والغاز ولو الى حين .

ج – يمكن ات تكون ايران الحاجز القوي لمنع تهريب المخدرات ومكافحة غسيل الاموال عبر حدودها من افغانستان .

د – علاقات ايران الوثيقة مع روسيا والصين ، التي هي اعمق من علاقاتها مع تركيا ، يمنحها مساندة دولية ازاء العديد من الملفات والقضايا .

هـ – المشروع الاستراتيجي والدور المؤثر لابد ان يقابل المشروع الأمريكي في المنطقة .

وعند المعاينه والملاحظة فاننا نجد انه رغم ألتمايز المذهبي وحالة العداء والتنافس مابينها عبر التاريخ الاّ أنهما استطاعا ايجاد نقاط فهم مشتركة وتواصل لغرض معالجة المشاكل في المنطقة ومواجهة المخاطر والتهديدات .

وهذه المعاينه تجعلنا نذكرّ صناع القرار في العراق بضرورة تجاوز الذاكرة التاريخية ، ( حين كان العراق يُستباح تارة من الدولة العثمانية وتارة اخرى من بلاد فارس ) ويركز على عنصر المصلحة المشتركة واعتماد منطق ان ايران الاسلامية هي جاره للعراق ولها العديد من الروابط مع العراق سواء كانت المجتمعية ام الاقتصادية ام السياسية ، وكذلك مايخص تركيا في ان لها نفس الروابط والمصالح ولنذهب في اتجاه انه ليس من مصلحة العراق ان يذهب في اقامة علاقات احادية مع ايران على حساب تركيا والعكس ايضاً .

3- دائرة الولايات المتحدة الامريكية

لا أحد يستطيع ان يجادل في القول وينكر ان الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة عظمى وهي التي تهيمن على مقاليد السياسية الدولية رغم وجود محاولات روسية وصينية لتقليص سبل الهيمنة الامريكية في العالم .

ولا أحد ايضا يستطيع ان يغفل ان الهيمنة الامريكية ليست مطلقه في المنطقة العربية وبالمشرق العربي بالتحديد ولاسباب عديدة منها التدخل الروسي في سوريا واحتفاظ بعض دول الخليج العربي بعلاقات جيدة مع ايران ، وتباين مواقف الادارات الأمريكية مابين ديمقراطية وجمهورية في معالجة الملفات السياسية والأمنية في المنطقة ومنها العراق .

واذا كانت الولايات المتحدة الامريكية هي القائدة في عملية التغيير في نيسان2003 إلا انها لم تحقق المكاسب المتوقعة جراء هذا التغيير ولاسباب عديدة منها ان دول المنظومة الخليجية او بعض منها والرئيسة بالاخص لم تنفتح على العراق بشكل كامل اذ توجست من التجربة الديمقراطية في العراق رغم احتفاظها بعلاقات قوية ووثيقة مع الولايات المتحدة الامريكية اما الدولة الجارة ايران والتي هي في عداء مستحكم مع الولايات المتحدة الامريكية لم تترك الساحة العراقية فارغة وانفتحت بشكل تام على الحكومات العراقية المتعاقبة وبداية من مجلس الحكم وحتى الان وهذا الانفتاح الايراني كان انفتاحاً مستقلاً عن التوجهات الامريكية ومعارضاً لمشروعها في العراق هذا الى جانب معارضة قوى مجتمعية عديدة شيعية وسنية لوجود القوات الامريكية في العراق منذه عام 2003 وحتى عام 2011 ولتتحول المعارضة للوجود الامريكي وتنحصر بعد عام 2018 بالقوى المجتمعية والسياسية الشيعية ( ونقصد القوى التي مازالت مشاركة في العملية السياسية ) وعلى العموم اصبح العراق موضوع قلق استراتيجي بالنسبة للدول العربية واصبح العراق ساحة تصارع مابين المؤسسات الامريكية ذاتها وتضارب رؤاها مابين وزارة الدفاع والمخابرات ووزارة الخارجية اذا ان كل مؤسسة نظرت بمعايير خاصة اتجاه العراق مما افقد الولايات المتحدة الامريكية الرؤيا الواضحة المشفوعة بتخطيط سياسي جيد لمرحلة مابعد الاطاحة بالنظام السابق .

والبيئة الطبيعية في اطار حركة السوق والتجارة وليس فقط في اطار لعبة السياسة ان تستثمر الدول الفرص المتاحة وتملأ الفراغ وهذا ماعملت عليه ايران بشكل استراتيجي مهم ولتصبح ايران لاعباً استراتيجياً مهماً في العراق والمنطقة .

ومع مجيء ترامب رئيساً للولايات المتحدة الامريكية في عام 2016 حاملاً معه حزمةً من الانتقادات للرئيس اوباما وافكاراً عديدة تخص المنطقة ومنها العراق مستذكرين اتهامات ترامب لاوباما اثناء سباق الحملة الانتخابية من ان سياسات اوباما كانت خاطئة وايضاً سمحت بتقوية النفوذ الايراني في العراق ولعل التصريح الاخير للرئيس ترامب في اوائل شباط 2019 من ان (امريكا ستبقى في العراق وتراقب ايران) يوضح لنا التغيير الاستراتيجي الذي حصل في ظل ادارة ترامب .

واذا بحثنا عن الموقف العراقي من كل مايحصل فانه في موقف لايحسد عليه وهنا نتساءل ماهي السياسات الواجب اتباعها من العراق في الموقف الحالي ؟

وبلحاظ ان المنظومة الخليجية جميعها لديها اتفاقيات ومعاهدات امنية وعسكرية مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية بل حتى مع تركيا ودول عربية اخرى فان سعي العراق في الضغط من السلطة التشريعية وبعض الفعاليات غير الرسمية بسحب القوات الامريكية من العراق سيصطدم بمجموعة عقبات كما انه يفتح الباب امام مجموعة خيارات . وعلى صعيد العقبات فان الحكومة العراقية هي المسؤولة عن رسم السياسات العامة وهي السلطة المخوله لعقد الاتفاقات والمعاهدات بالتعاون مع السلطة التشريعية ، فالسلطة التنفيذية لم تعقد اتفاقية جديدة مع الولايات المتحدة الامريكية ، لكنها استعانت بالمستشاريين الامريكان حسب الوصف الرسمي للمشاركة الامريكية من قبل الحكومة السابقة . أما الحكومة الحالية فقد اعلنت وبشكل رسمي وصريح انه لاتوجد قواعد عسكرية في العراق والواضح ان هناك انقساما في الرؤى مابين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مع احتمالية عدم اتفاق السلطة التشريعية ايضاً على راي واحد يخص التواجد العسكري الامريكي في العراق اذ لانعتقد بوجود اجماع كامل حول هذا الموضوع وبافتراض انه تم الاتفاق والتوافق على سحب القوات بشكل كامل بقانون من السلطة التشريعية فما هي الضمانات والاجراءات الكفيلة بتحقيق هذا الانسحاب ومن هي الجهة التي سوف تقوم بتدقيق ومراقبة عملية الانسحاب وفي حال عدم تحقيق الانسحاب لتنفيذ قرار مجلس النواب فان ربما ستكون هناك مواجهة او احتكاك عسكري مابين القوات الامريكية وبعض الفعاليات غير الرسمية او حتى جزء من الرسمية وهذا الاحتكاك الذي من شأنه ان يولد نتائج ليست محمودة ولو اننا نستبعد هذا الخيار ولو الى حين وبافتراض ايضاً قبول الأمريكان بالانسحاب فان الذي سيبت في هذا القرار هو السلطة التنفيذية بمشورة الاجهزة الامنية والعسكرية والسلطة التنفيذية وتقديراتها الستراتيجية والسياسية .

ثانياً ان الانسحاب الامريكي سيدفع بالعراق الى الاعتماد على الذات ولاشك ان العراق حالياً يمتلك المقومات العسكرية ولكن هل يملك العراق المقومات والقابليات التي تتعلق بحركة المعلومات وتدفقها وحاجته اليها؟ لاسيما ان تواجد عصابات داعش هو في اكثر من دولة ثم لابد ان نضع السلطة التنفيذية في ذهنها احتمالية ممارسة الولايات المتحدة الامريكية الضغوطات على المنظمة الخليجية لحرمان العراق من اي مساعدة في الاعمار والاستثمار او احتمالية عودة نشاط عصابات داعش لسبب او لآخر .

ومن يريد الذهاب للتحالف مع روسيا فاننا نعتقد ان هذا الذهاب سيعقد من الصراع الاستراتيجي مابين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لاسيما ان هناك نوعا من التخادم الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية وقبول ان تكون سوريا منطقة نفوذ روسية والعراق منطقة نفوذ امريكية وفي الوقت نفسه نحسب ان دخول العراق في تحالفات اقليمية منفردة او ثنائية لاتخدم المصلحة العراقية العليا فلا التحالف مع امريكا لوحدها على حساب ايران مفيد للعراق ولا التحالف مع روسيا وايران على حساب امريكا يضمن الامن والاستقرار ولا جعل العراق مكشوفاً من الناحية الاستراتيجية كفيل بتحقيق المصلحة العراقية العليا .

والافضل والأسلم للعراق هو اعتماد المنهج الوظيفي وخلق المصلحة المشتركة وبناء شبكة واسعة من المصالح المتبادلة مع المجتمع وتغليب المصلحة الاقتصادية على المصالح الاخرى وهذا المنهج من شأنه ان يبعد اي نزعة عقائدية او مذهبية في العلاقات العراقية مع اقليمية الخليجي والاسلامي غير العربي لان النزعة العقائدية للتعامل في العلاقات الاقليمية انما يعني اعتماد نزعة احادية قوامها جعل العراق في طرف على حساب طرف اخر وهذا لايمكن ان يحصل اذا لايمكن ان نسلخ العراق من الجوار العربي والخليجي وغير الخليجي والجوار الاسلامي السني والشيعي ( تركيا وايران ).

ان هذا المنهج الوظيفي يشترط توافر مقومات عديدة منها ضرورة تجاوز الانقسام السياسي الداخلي وتوحيد المواقف تجاه قضايا الامن الوطني العراقي ومصالحة العليا وعدم جعل الثابت الوطني العراقي ضحية لهذه التصارعات والانقسامات كما انه من الضروري ان تتوفر القدرة والقابلية للحكومة العراقية في الموازنة مابين المصالح الوطنية والمصالح الاقليمية ومصالح الولايات المتحدة الامريكية وقطعاً فان اي توتر عسكري مباشر او غير مباشر سواء كان داخل العراق ام على حدوده سوف يجلب المضار للمنطقة والعراق كما ان اندلاع اي مواجهه عسكرية يعني ضياع وهدر نمط الحياة والتنمية في المنطقة وخاصة في دول الخليج ناهيك عن الاضرار البيئية المتوقعة من جراء اي مواجهة عسكرية . ان هذه المخاوف لابد ان تدفع الحكومة العراقية لاعتماد التخطيط الاستراتيجي للتعامل مع الملفات المطروحة وبالاخص الموقف من التواجد العسكري الامريكي والقوات الاجنبية الاخرى والذي نعتقد ان بقاء السيد عادل عبد المهدي في الحكومة من عدمه سيعتمد على موقفه من هذا الملف وربما احتمالية ظهور مواقف سياسية جديدة تأييد او رفضاً للسيد عادل عبد المهدي .

اما عن الخيارات المطروحة المطلوب اعتمادها :

1- مطالبة الولايات المتحدة الامريكية باحترام الظرف العراقي الجغرافي والسياسي والاجتماعي في اطار التعامل مع العقوبات الامريكية ضد ايران بالمقارنة مع ان لقطر وسلطنة عمان علاقات قوية ومتينة مع ايران رغم احتفاظها بمعاهدات مع امريكا ودول غربية أخرى .

2- امكانية التزام العراق بعقوبات ولكن بشرط الا تمس الحياة اليومية للمواطن الايراني والاّ تكون هذه العقوبات تمهيداً لشن هجوم عسكري امريكي ضد ايران .

3- عدم دخول العراق بأي تحالف عسكري مع أي دولة مهما كانت الظروف وبقاء العراق – في التعامل مع الدول الاخرى- في اطار الامم المتحدة والمنظمات الاخرى وبما يحقق مصلحة العراق وخصوصاً اعمار المناطق المحررة وجذب الاستثمارات .

4- امكانية قيام العراق بدور الوسيط مابين دول الخليج وتجسير الفجوات لان توحيد الصف الخليجي يمكن ان يخدم المصلحة العراقية من الناحية الامنية والسياسية والاقتصادية .

5- اعتماد التخطيط الاستراتيجي المرتبط بوحدة القرار والرؤى والوسيلة للتعامل مع الشؤون الامنية والدولية وقراءة الخارطة السياسية للعلاقات بشكل دقيق وموضوعي الى جانب ضرورة اعتماد صانع القرار على توظيف المقومات المادية والمعنوية ومواجهة المعوقات الداخلية وبشكل سليم وبما يؤمن تحقيق الاهداف المرجوة وهذا كله يحتاج الى جسد سياسي معافى من امراض المحاصصة والتمترس بالخارج على حساب المصلحة العراقية العليا .

6- ان المكان الحقيقي للعراق هو ان يبقى الاقليم القاعدة مع امكانية لعب دور الوسيط وذلك بان يظطلع العراق بدور مركزي في تحقيق التسوية بين المسار من الاقليمين والدولتين عن طريق إرساء قواعد وإجراءات اقليمية للتخفيف من حدة الصراعات الاقليمية ومن ثم امكانية سحب العراق من اشتراطات الجغرافية الى مقومات السياسية الفعالة .

المصدر:
وكالة انباء براثا على التلجرام

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M