تغريدات مزيفة تتهم إسرائيل بالتعامل مع “الإرهابيين” الإيرانيين المنفيين

نيري زيلبر

كان وقت متأخر في عصر الثالث والعشرين من تموز/يوليو المنصرم عندما وصلتني مكالمة [تلفونية] من شخصٍ يقيم بعيداً عني، قال فيها: “ثمة رواية غريبة تتداولها الصحافة الإيرانية”، مفادها أن زعيمة حركة “مجاهدي خلق”، الجماعة الإيرانية في المنفى التي وصفها النقاد في كثير من الأحيان بأنها فرقة دينية، قامت بزيارة سرية إلى إسرائيل في الأسبوع الذي سبق، وذلك لعقد اجتماعات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس “الموساد” يوسي كوهين. ويبدو أن رودي جولياني، أحد أنصار الحركة منذ زمن طويل، كان الوسيط [في ترتيب تلك الزيارة].

وكان مصدر التقرير أكثر غرابة: القنصل الفرنسي في القدس پيار كوشار الذي نشر الخبر قبل أيام قليلة من ذلك التاريخ عبر حسابه الشخصي على موقع “تويتر”، نقلاً عن زميل سابق كان يعمل معه في طهران. وفي المنشور الذي امتدّ على خمس تغريدات، أعرب كوشار عن أسفه لعدم حصول زعيمة “مجاهدي خلق” مريم رجوي، التي هي لاجئة سياسية في فرنسا، على موافقة رسمية من باريس لإجراء مثل هذه المحادثات الحساسة مع الحكومة الإسرائيلية.

وقال لي هذا الشخص: “يجدر بك أن تتحرى عن الموضوع من جهتك”.

إن التقرير المثير للفضول لم يحظى حقاً بأي تقدم، على الرغم من أن بعض الصحفيين والمحللين الذين يركزون على إيران على موقع “تويتر” بدأوا يسلطون الضوء بمصداقية على تغريدات القنصل الفرنسي وكشف المفاجأة المذهلة. وكانت قيمة الأخبار واضحة: تركيز الضوء على جماعة “مجاهدي خلق” الشبه ماركسية التي عارضت قيام الجمهورية الإسلامية بعد ثورة 1979، وبقيت في المنفى معظم العقود الأربعة الماضية.

واعتادت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على اعتبار الجماعة منظمة إرهابية، وهو إدراج تم رفعه قبل بضع سنوات فقط بعد حملة ضغط رفيعة المستوى من قبل العديد من المؤيدين الذين يُزعم أنهم يحصلون على رواتب جيدة مثل رئيس المخابرات الأمريكية السابق جيمس وولسي، والسياسي والطبيب الأمريكي من الحزب الديمقراطي هوارد دين، وجولياني أيضاً. وما هو أكثر من ذلك أن منظمة “مجاهدي خلق” هي حركة غير طبيعية، [قائمة على] عبادة الشخصية التي بنيت وفقاً لبعض التقارير حول قادتها مسعود وزوجته مريم رجوي.

وفي حين أن قاعدة الدعم الفعلية لحركة “مجاهدي خلق” داخل إيران أمر مشكوك فيه للغاية، إلّا أن المنظمة تكشف في بعض الأحيان عما تقوم به. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، كانت هذه الحركة المصدر الرئيسي للكثير مما تم الكشف عنه حول برنامج الأسلحة النووية الإيراني. وهنا قد يكون لإسرائيل دور في هذا الموضوع. فوفقاً لتقرير صادر عام 2017 ويُعزى على الأرجح إلى إدارة أوباما، تعاونت إسرائيل مع منظمة “مجاهدي خلق” لاغتيال العلماء النوويين الإيرانيين. وفي الآونة الأخيرة في عام 2018، أحبط “الموساد” الإسرائيلي مؤامرة إرهابية إيرانية من النمسا وبلجيكا. وما الذي كان الهدف المزعوم؟ اجتماع حاشد لـ “مجاهدي خلق” في باريس.

باختصار، كانت هناك أسباب معقولة لقيام زعيمة الحركة رجوي بزيارة إلى القدس، على الرغم من أن مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل بشكل كبير – وهو توجيهها رسالة كان من المؤكد أن تقوم بها، بأن حركة “مجاهدي خلق” هي شريكة لإسرائيل في خدمة الهدف المتمثل بتغيير النظام في إيران. وقال محلل مقيم في الولايات المتحدة الذي يكتب بحوثه عن إيران لصحيفة “ديلي بيست”: “دائماً ما يشتبه الإيرانيون في وجود يد خفية تدعم أياً من الجماعات المناهضة للنظام، داخل الجمهورية الإسلامية أو خارجها، عن حق أو خطأ”. ومن المؤكد أن القنصل الفرنسي في القدس كان يعرف كل ذلك عندما نشر الخبر علناً.

وتبدو صفحة كوشار الشخصية بظاهرها حساباً شرعياً لدبلوماسي فرنسي. فقد أعادت نشر تغريدات لوزارة الخارجية الفرنسية، ونشرت عبارات مبتذلةً في فحواها ورسميةً في ظاهرها حول العيد الوطني الفرنسي والعلاقات الفرنسية -الإسرائيلية، وأضاءت منشورات بارزة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وللحساب الذي أنشئ عام 2013 أكثر من 2000 متابع، ويشمل ملفات التعريف التي تم التحقق منها للعديد من الصحفيين الإسرائيليين البارزين، والسفير الفرنسي في إسرائيل، والسفارة الفرنسية في تل أبيب. وتم أيضاً نشر صورة للقنصل العام يزور حياً فلسطينياً في القدس الشرقية في الوقت نفسه الذي ظهر فيه المنشور عن حركة “مجاهدي خلق”. وأدى البحث السريع على موقع “غوغل” إلى عدم ظهور نتائج أخرى للصورة، مما زاد من مصداقية شرعية الحساب.

وفي الاستفسار الأولي الذي تم إجراؤه وطرحه على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي طلباً للتعليق، تم إصدار ما يعتبر في غالب الأحيان إنكاراً ظاهرياً دون أن يكون إنكاراً فعلياً. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت السيدة رجوي قد زارت إسرائيل فعلاً في ذلك الأسبوع للقاء نتنياهو، قال متحدث باسم صحيفة ديلي بيست “[أنا] لم أر تلك التقارير الإعلامية وليس لديّ ما أقوله حول هذا السؤال”. وعندما تم الضغط عليه حول واقع عدم كون هذه الأخبار تقارير إعلامية، بل (ظاهرياً) منشورات عبر الإنترنت لدبلوماسي أوروبي رفيع المستوى يعمل في جميع أنحاء مدينة القدس، رفض المتحدث الإدلاء بمزيد من التعليقات. إنه أمر مثير للاهتمام.

ومع ذلك، عند العودة بالزمن إلى فترة أبعد من تاريخ الحساب، تبدأ الأمور بالاختلاف تماماً. إذ يبدو أن القنصل الفرنسي كان في السابق من أكبر المعجبين بفريق “رايزرباكس” في جامعة أركنساس، حيث تخللت منشورات الثناء على (لاعب كرة السلة) ليبرون جيمس تأملات حول الدوري الأمريكي لكرة السلة (أن بي إي) للمحترفين بشكل عام. واستناداً إلى اللهجة العامية السائدة في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، اتصفت التغريدات بأخطاء إملائية متعمدة ومصطلحات عامية أمريكية مخصصة للإنترنت. ولا تناسب هذه المواصفات حسابَ دبلوماسيٍّ فرنسي عريق خريج “المدرسة الوطنية للإدارة” [École Nationale d’Administration].

ويتبين أيضاً أنه تم في مرحلة سابقة من هذا العام تغيير اسم الحساب  أو شراؤه أو ربما اختراقه. وقد زالت الإشارات إلى “رايزرباكس” و”كينغ جايمس” وحلّ محلها حسابٌ باسم پيار كوشار بالفرنسية الفصيحة، فائضاً بتغريدات عن الدبلوماسية الرفيعة والسياسة الخارجية الفرنسية، أي بالأمور التي يفترض بقنصل حقيقي مقيم في القدس أن ينشغل بها. ويستمر الوضع على هذا المنوال في ذروة المواجهة المتصاعدة بين طهران وواشنطن (والقدس)، إلى حين ظهور تغريدة عن قصة مفصّلة تخص “مجاهدي خلق” ورودي جولياني، ورحلات جوية سرية من تالين، والموساد، وأكثر من ذلك.

ونجحت القصة في اكتساب بعض الزخم على الإنترنت قبل أن يتواصل هذا الصحفي مع القنصلية الفرنسية لمعرفة تعليقها على الموضوع وإطلاعها بذلك حول قضية رجوي. ونفى ناطق باسم القنصلية صحة الحساب على موقع “تويتر” وأخبر الـ “ديلي بيست” أنه مزيف وأن القنصلية تتواصل مع “تويتر” بهذا الخصوص. وأضافت القنصلية أن كوشار كان ضحية لانتحال الشخصية على المنصة الرائجة للتواصل الاجتماعي. وبعد بضع ساعات، قام موقع “تويتر” بإلغاء حساب پيار كوشار.

ولحسن الحظ أن هذه القصة التي تشكل مثالاً تقليدياً عن الأخبار المزيفة والمعلومات الخاطئة، أُوقفت عند حدّها قبل أن تتمكن من الانتقال إلى الجانب الآخر من العالم – على الرغم من أن وسائل الإعلام الإيرانية ربما استمرت على الأرجح بالترويج بشراسة لذلك “التقرير”.

ومع ذلك، تكمن العبرة الحقيقية وراء الحادثة في مقدار الوقت والجهد والموارد التي تم تسخيرها لجعل هذا الحساب بالذات يبدو حساباً شخصياً حقيقياً للقنصل الفرنسي العام في القدس. وهذا هو الوجه الجديد للعمليات النفسية والسيبرانية في عالمنا الرقمي المترابط ترابطاً فائقاً، حيث غالباً ما تبدو المعلومات المزيفة شبيهةً بالحقيقة. ويشار إلى أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية أفادت في الرابع والعشرين من تموز/يوليو كما هو متوقع بأنها أحبطت حملة تجنيد إيرانية واسعة النطاق عن طريق الإنترنت استهدفت المواطنين الإسرائيليين، وذلك بشكل أساسي عبر استخدام ملفات تعريف مزيفة على موقع “الفيسبوك” لتحقيق ذلك الهدف.

وجاء في ختام البيان الرسمي الصادر في الثالث والعشرين من تموز/يوليو، “أن القنصلية الفرنسية العامة في القدس تدعو مستخدمي الإنترنت إلى التزام اليقظة”.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/fake-tweets-put-israel-in-bed-with-iranian-exile-terrorists

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M